دعوة إلى قراءة جديدة
لقصص القرآن الكريم
د. جعفر دك الباب
الإسرائيليات في التراث العربي الإسلامي.
قد
يقول قائل: إن قصص القرآن الكريم معروفة ومدروسة خلال أربعة عشر قرناً، ولا حاجة بالتالي إلى قراءتها - كما تدعو- قراءة جديدة. فأجيبه: إنني أدعو إلى الانطلاق في دراسة القصص القرآني من المبدأ التالي: يتجلى إعجاز القرآن الكريم في أن القصص القرآني لا يفتقر إلى شرح وتفسير من خارج القرآن نفسه. لذا أرفض قراءة القصص القرآني في ضوء الروايات التوراتية حول القصص نفسها، أو في ضوء القصص أو الأساطير المماثلة أو الشبيهة عند الشعوب القديمة السابقة لعصر نزول القرآن. وأدعو إلى (قراءة جديدة) للقصص القرآني تقتصر على الرجوع فقط إلى القصص كما وردت في نص المصحف الشريف، وتدرسها بالاستناد إلى معرفة جيدة باللسان العربي الذي أنزل القرآن به. وبذا تسهم دعوتي هذه إلى قراءة جديدة للقصص القرآني في التحرر من (الإسرائيليات) التي عششت في التراث العربي الإسلامي.
ومن الطبيعي أن يطرح هنا التساؤل التالي: كيف تولّد في التراث العربي الإسلامي ما صار يطلق عليه فيما بعد تسمية (الإسرائيليات)؟
أفرد د. جواد علي في كتابه "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"(1)، في الجزء الأول فصلاً عنوانه (أثر التوراة على روايات أهل الأنساب والأخبار في أنساب العرب)(2). فذكر أن ما جاء من القصص في القرآن الكريم مجملاً من أمر آدم ونوح والطوفان وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل وغيرهم، وما جاء من أمر عاد وثمود وقوم صالح وأصحاب الأيكة وقوم تُبّع، كان له أثر كبير في أهل الأخبار والتفسير حملهم على البحث عنهم والتفتيش عن أخبارهم من الأحياء المسنين الذين كانوا يقصون على جيلهم قصص الماضين وأخبار العرب المتقدمين، ومن أهل الكتاب الذين كان لهم إلمام بما جاء في التوراة من الرسل والأنبياء والأمم والأنساب.
أما الأماكن التي ظهرت فيها هذه الروايات الإسرائيلية كانت اليمن والمدينة والعراق (وبصورة خاصة الكوفة) حيث كان في كل هذه المواضع رجال من أهل الكتاب موّنوا أهل الأخبار بما كانوا يرغبون في معرفته.
لقد كان (محمد بن إسحاق بن يسار) صاحب "المغازي والسير"(3) من الآخذين عن أهل الكتاب الراوين عنهم: وكان يسميهم أهل العلم الأول. ويروي المؤرخون والإخباريون ما ورد من قصص توراتي ومن أنساب توراتية عنه. وبذا كان ابن إسحاق أحد الناشرين للإسرائيليات بين المسلمين. كما كان (هشام بن محمد بن السائب الكلبي) من الآخذين عن أهل الكتاب كذلك، المدخلين للإسرائيليات ولأنساب التوراة إلى المسلمين. فكان لهما أثر بارز فيمن جاء بعدهما في موضوع الإسرائيليات وأنساب التوراة. ونبه د. جواد علي إلى أن ما نسب إلى (ابن عباس) من أقوال لها صلة بالتوراة يجب دراسته بحذر ونقده نقداً علمياً.
وفي ضوء ما عرضناه بإيجاز شديد لما أطلق عليه في التراث العربي الإسلامي تسمية (الإسرائيليات)، يتضح لماذا أرفض (القراءة القديمة) للقصص القرآني التي تعتمد الروايات التوراتية (الإسرائيليات) أساساً لفهم القصص القرآني، بحجة شرحها ووصف تفاصيلها، ويتضح السبب في دعوتي إلى (قراءة جديدة) للقصص القرآني متحررة من الإسرائيليات التي سيطرت عليها على مر القرون. وأرى أن القراءة الجديدة للقصص القرآني يجب أن تقتصر على الرجوع فقط إلى القصص كما وردت في نص المصحف الشريف وتقوم بدراستها دراسة لغوية- أدبية أو لغوية- علمية حسب موضوعها، وذلك استناداً إلى اللسان العربي وخصائصه وأساليبه.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن دعوتنا إلى قراءة جديدة للقصص القرآني تُفضي إلى فصل دراسة القصص القرآني عن قصص التوراة. وننبّه إلى أن الدعوة إلى فصل دراسة القصص القرآني عن الروايات التوراتية حول القصص نفسها، أو عن الروايات في القصص أو الأساطير المماثلة أو الشبيهة عند الشعوب القديمة السابقة لعصر نزول القرآن الكريم، تستهدف أول ما تستهدف - بعد جمع آيات كل قصة من القصص في القرآن كما وردت في نص المصحف الشريف وحده- دراسة هذه القصص بالاستناد إلى اللسان العربي وخصائصه وأساليبه. وبعد إنجاز هذه القراءة الجديدة لقصص القرآن الكريم، يصبح مفيداً للتاريخ الحضاري الإنساني مقارنة قصص القرآن الكريم بالروايات التوراتية حول القصص نفسها، وكذا مقارنتها بالروايات في القصص أو الأساطير المماثلة أو الشبيهة عند الشعوب القديمة.
الأدلة الإيمانية والأدلة العلمية.
ولابد هنا من التنبيه أيضاً إلى ضرورة عدم الخلط بين الأدلة المستندة إلى الكتب المقدسة وبين الأدلة العقلية. فالأدلة المستندة إلى نصوص الكتب المقدسة يؤكد صحتها الإيمان بها (والإيمان شأن ذاتي خاص بكل إنسان)، لذا يقبل بها المؤمنون وحدهم ولا تُلزم غيرهم القبول بها. أما الأدلة العقلية فيؤكد صحتها العقل الإنساني بصرف النظر عن الإيمان بالكتب المقدسة أو عدم الإيمان بها ( والعقل بهذا المعتى شأن موضوعي يشترك فيه الناس جميعاً) لذا يقبل بها الناس كلهم: سواء أكانوا مؤمنين (على اختلاف دياناتهم) أم غير مؤمنين. وعليه نصف الأدلة المستندة إلى الكتب المقدسة بأنها أدلة إيمانية، ونصف الأدلة العقلية بأنها أدلة علمية.
ونخلص من ذلك إلى أن نصوص (الكتب المقدسة) في الديانات جميعها (السماوية وغير السماوية) ليست أدلة علمية بل أدلة إيمانية. وهي لذلك تلزم المؤمنين بها وحدهم، وليست حجة بالنسبة إلى غيرهم. ولا يصح بالتالي النظر إلى نصوص الكتب المقدسة- مهما كان مصدرها ومهما اشتملت عليه من العلم والحكمة- على أنها نصوص علمية في التاريخ أو اللسانيات أو الطب أو الجيولوجيا أو بقية فروع العلم.
في إعجاز القرآن الكريم.
ذكر السكاكي في "مفتاح العلوم" (4) أن قارعي باب الاستدلال، بعد الاتفاق أنه معجز، مختلفون في وجه الإعجاز:
أ- فمنهم من يقول: وجه الإعجاز هو أنه عز سلطانه صرف المتحدين لمعارضة القرآن عن الإتيان بمثله بمشيئته.
ب- ومنهم من يقول: وجه إعجاز القرآن وروده على أسلوب مبتدىء مباين لأساليب كلامهم في خطبهم وأشعارهم، لاسيما في مطالع السور ومقاطع الآي.
ج- ومنهم من يقول: وجه إعجازه سلامته عن التناقض.
د- ومنهم من يقول: وجه الإعجاز الاشتمال على الغيوب.
هـ- فهذه أقوال أربعة يخمسها ما يجده أصحاب الذوق من أن وجه الإعجاز هو أمر من جنس البلاغة والفصاحة.
هذا وقد لخص السيوطي، في كتابه "الإتقان من علوم القرآن"(5) الآراء المختلفة حول إعجاز القرآن.
وتجدر الإشارة هنا إلى "أنه كان للمتكلمين الدور الأكبر في تاريخ دراسة إعجاز القرآن الكريم. ومع ذلك يغفل عدد من الباحثين المعاصرين فضل المتكلمين في هذا المضمار. كما يتم بشكل عام إغفال دور المتكلمين الإيجابي في علم اللغة العربية(6).
وأقتبس فقرة كتبها الأستاذ مناع القطان في كتابه "مباحث في علوم القرآن" في فصل (إعجاز القرآن)(7)، جاء فيها ما يلي: "لقد كان لنشأة علم الكلام في الإسلام أثر أصدق ما يقال فيه: أنه كلام في كلام. وما فيه من وميض التفكير يجر متتبعه إلى مجاهل من القول بعضها فوق بعض. وقد بدأت مأساة علماء الكلام في القول بخلق القرآن، ثم اختلفت آراؤهم وتضاربت في وجوه إعجازه".
في "دلائل الإعجاز" يناقش الجرجاني في فصل خاص(8) معنى التحدي بالإعجاز، فيقول: "يقال لهم: إنكم تتلون قول الله تعالى (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله)(*) وقوله عز وجل (قل فأتوا بعشر سور مثله)(**) وقوله (بسورة مثله)(***)فقولوا الآن: أيجوز أن يكون تعالى قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يتحدى العرب إلى أن يعرضوا القرآن بمثله من غير أن يكونوا قد عرفوا الوصف الذي إذا أتوا بكلام على ذلك الوصف كانوا قد أتوا بمثله؟ ولابد من (لا) لأنهم إن قالوا: يجوز، أبطلوا التحدي من حيث إن التحدي كما لا يخفى مطالبة بأن يأتوا بكلام على وصف، ولا تصح المطالبة بالإتيان به على وصف من غير أن يكون ذلك الوصف معلوماً للمطالب ويبطل بذلك دعوى الإعجاز أيضاً..".
ويخلص الجرجاني من ذلك إلى القول إن الوصف بالإعجاز "ينبغي أن يكون وصفاً قد تجدد بالقرآن وأمراً لم يوجد في غيره ولم يعرف قبل نزوله". ويقرر الجرجاني في ضوء ذلك أن الوصف بالإعجاز لا يجوز أن يكون:
آ) في الكلم المفردة.
ب) في تركيب الحركات والسكنات.
جـ) في المقاطع والفواصل.
د) بأن لا يكون في حروفه ما يثقل على اللسان.
كما يرفض الجرجاني القول بالصرفة، ويرفض القول بأن الوصف بالإعجاز هو في غريب القرآن. ويمكن تلخيص رأي الجرجاني في إعجاز القرآن بما يلي:
1. أن الوصف الذي له كان القرآن معجزاً- وهو الفصاحة والبلاغة- قائم فيه أبداً. والطريق إلى العلم به موجود والوصول إليه ممكن.
2. لابد من الرجوع إلى علم النحو والشعر العربي من أجل الكشف عن إعجاز القرآن.
3. لا ترتبط البلاغة بالكلمة المفردة دون اعتبارها في النظم. ويجب أن يتوافر في الكلام البليغ عنصران: حسن الدلالة وتبرجها في صورة بهية. لذا يظهر إعجاز القرآن في مزايا نظمه وخصائص سياق لفظه.
4. ليس النظم شيئاً غير توخي معاني النحو وأحكامه فيما بين الكلم، كما أن الاستعارة وسائر ضروب المجاز من مقتضيات النظم وعنها يحدث وبها يكون. وهذا يعني أنه لا يجوز فصل النحو عن البلاغة.
الصياغة القرآنية المعجزة.
إننا نتبنى رأي عبد القاهر في الإعجاز القرآني. واستناداً إلى منهجنا الوصفي الوظيفي في الدراسة اللغوية الأدبية( الذي يؤكد تلازم اللفظ والمعنى ويرفض بالتالي القول بالترادف"، نرى أن الإعجاز القرآني يتجلى بالضرورة في صياغة قرآنية معجزة. ولكن: ما السرّ في تمتع القرآن الكريم بصياغة معجزة؟
محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والرسل. لذا فإن القرآن الذي أنزل إليه تميز عن جميع ما نزّل الله على الأنبياء والرسل قبله بأنه التنزيل الأخير من الله إلى الناس إلى يوم البعث. واستوجب ذلك أن يكون كتاب التنزيل الأخير (القرآن) متمتعاً بصياغة معجزة تؤكد صلاحيته لكل مكان وزمان إلى يوم الدين، على الرغم من ثبات آياته في مبناها وعدم تحوير صياغتها.
كان كتاب التنزيل الأخير (القرآن) كتاب دين الله (الإٍسلام): "إن الدين عند الله الإسلام.." (آل عمران/19). وفي كتاب التنزيل الأخير (القرآن)، أعلن الله للناس أنه أكمل لهم دينهم وأتمّ عليهم نعمته ورضي لهم الإسلام ديناً: "... اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تَخشَوْهم واخْشَوْنِ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً.." (المائدة/3).
ولقد وُصف القرآن بأنه الذكر الذي تعهد الله بحفظه: "إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون" (الحجر/9) لذا فإن آياته ثابتة ثبوتاً يقينياً في مبناها (نطقاً في الأصل ثم دوّنت فيما بعد كتابة)، وباقية كما أنزلت وحياً على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولا تحوير في صياغتها أبداً.
إن الصياغة المعجزة للآيات التي يتكوّن منها القرآن الكريم هي التي تجعله صالحاً لكل مكان وزمان إلى يوم الدين. والصياغة المعجزة تستلزم بالضرورة أن تتمتع آيات القرآن الكريم بخاصتي الثبات والتحول معاً (الثبات في المبنى والتحول في المعنى). وتظهر الصياغة المعجزة لآيات القرآن الكريم في أنها على الرغم من تمتعها بخاصية الثبات في المبنى التي أشرنا إليها، هي في الوقت نفسه تتمتع بخاصية التحول في معناها الذي يفهمه الناس كل حسب معارف عصره وعلومه. وهذا هو وجه الإعجاز الأكبر لآيات القرآن الكريم الذي يجعلها صالحة لكل زمان ومكان.
إن مثل هذه الصياغة التي تتمتع بخاصتي الثبات في المبنى والتحول في المعنى معاً فوق قدرات الإنسان ومعارفه المحدودة بعلوم عصره. وهذه الصياغة التي يعجز عن مثلها الناس دليل علمي قاطع على أن "مؤلفها" منْ هو أعلم من الناس وأقدر- الله تعالى.
ومن هذا الفهم لوجه الإعجاز الأكبر في القرآن الكريم، تظهر الحاجة إلى التجديد المستمر في الدراسات القرآنية، لتأويل الآيات بما يظهر صلاحيتها دائماً لجميع الأمكنة والأزمنة وفق حاجات كل عصر وفي ضوء المعارف السائدة فيه والتطور العلمي الذي بلغه.
وتجدر الإشارة هنا إلى وجود فرق كبير بين (التفسير) و(التأويل). فالتفسير في اللغة يرجع إلى معنى الإظهار والكشف. أما معنى قولهم (ما تأويل هذا الكلام؟) أي (إلامَ تؤول العاقبة في المراد به؟) ومن هنا فالتأويل هو المراد بالكلام نفسه. فتأويل الطلب هو الفعل المطلوب نفسه، وتأويل الخبر هو الشيء المخبر به نفسه.
وعلى هذا يكون الفرق كبيراً بين التفسير والتأويل. فالتفسير شرح وإيضاح للكلام، ويكون وجوده في الذهن بتعقله، وفي اللسان بالعبارة الدالة عليه. أما التأويل، فهو الأمور الموجودة في الخارج نفسها. فإذا قيل (طلعت الشمس) فتأويل هذا هو (طلوعها نفسه)، وقد قيل إن التفسير أكثر ما يستعمل في الألفاظ ومفرداتها، والتأويل أكثر ما يستعمل في المعاني والجمل.
وما دام القرآن الكريم أنزل بلسان عربي مبين، فهو لا يحتاج إلى تفسير وإنما يحتاج إلى تأويل. والتأويل يتعلق بالاشتراك اللفظي. والاشتراك في اللغة هو دلالة اللفظة الواحدة على عدة معان مختلفة، وميدانه الآيات المتشابهات. أما التفسير فيتعلق بالترادف. والترادف في اللغة هو دلالة الألفاظ المختلفة على المعنى الواحد. إننا نرفض القول بالترادف في اللسان العربي وفي القرآن الكريم. وعليه نرى أن لا ترادف بين ألفاظ القرآن الكريم، وأن كل لفظة وضعت لتؤدي معنى دقيقاً محكماً.
وهكذا يظهر أن مصطلح (التأويل) الذي يراه العامة من الناس أمراً مستهجناً ليس في الحقيقة كذلك عند أهل اللغة والرأي والبيان، بل هو أمر مطلوب. ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن العلماء الأوائل سمّوا أغلب دراساتهم للقرآن الكريم تأويلاً له. ثم جاء المتأخرون وغيّبوا من عناوين تلك الدراسات القرآنية مصطلح (التأويل). وأدخلوا بدلاً منه مصطلح (التفسير) من دون إدراك للفرق بينهما. فصاروا يقولون (تفسير النسفي) وعنوانه الأصلي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل)، أو (تفسير البيضاوي) وعنوانه الأصلي (أنوار التنزيل وأسرار التأويل). إن مثل هذا التصرف برأيي إجحاف في حق القرآن الكريم واللغة والبلاغة والعلم. وهذه مجموعة من العناوين التي تم تغييرها بإحلال لفظة (التفسير) بدلاً من (التأويل).
- "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجه التأويل" للإمام جار الله الزمخشري.
- "جامع البيان في تأويل القرآن" للإمام الطبري.
- "لبان التأويل في معاني التنزيل" للإمام الخازن.
- "محاسن التأويل" لجمال الدين القاسمي.
دعوتنا إلى قراءة جديدة للقصص القرآني تستند إلى رأينا في تلازم التحدي بالإعجاز والتجديد في الدراسات القرآنية.
لتوضيح رأيي في تلازم التحدي بالإعجاز والتجديد في الدراسات القرآنية، رأيت من المفيد أن أعرض هنا بإيجاز دعوة مالك بن نبي إلى التجديد في الدراسات القرآنية التي طرحها في كتابه " الظاهرة القرآنية"(9). في (المدخل إلى دراسة الظاهرة القرآنية)، ذكر مالك بن نبي أن منهجه التحليلي في دراسة الظاهرة القرآنية يحقق من الناحية العملية هدفاً مزدوجاً:
1) يتيح للشباب المسلم فرصة التأمل الناضج في الدين.
2) ويقترح إصلاحاً مناسباً للمنهج القديم في تفسير القرآن.
ويقول مالك بن نبي عن (إعجاز القرآن) إنه صفة ملازمة له عبر العصور والأجيال. وهي صفة كان يدركها العربي في الجاهلية بذوقه الفطري كعمر رضي الله عنه أو الوليد بن المغيرة، أو كان يدركها بالتذوق العلمي كما فعل الجاحظ في منهجه الذي رسمه لمن جاء بعده. ولكن المسلم اليوم قد فقد فطرة العربي الجاهلي وإمكانيات عالم اللغة في العصر العباسي. وبرغم هذا فإن القرآن لم يفقد بذلك جانب الإعجاز لأنه ليس من توابعه، بل من جوهره، وإنما أصبح المسلم مضطراً إلى أن يتناوله في صورة أخرى بوسائل أخرى..
وفي تقديم الأستاذ محمود شاكر لكتاب ابن بني "الظاهرة القرآنية" أشار إلى أن مشكلة الشباب المسلم المتعلم في هذا العصر هي إدراك إعجاز القرآن إدراكاً يرضاه العقل ويطمئن إليه. وأكد أن منهج مالك في كتابه "الظاهرة القرآنية" يدل أوضح الدلالة على أنه إنما عني بإثبات صحة دليل النبوة، وبصدق دليل الوحي، وأن القرآن تنزيل من الله، وأنه كلام الله لا كلام البشر. وليس هذا هو (إعجاز القرآن)، بل هو أقرب إلى أن يكون باباً من (علم التوحيد) استطاع مالك أن يبلغ فيه غايات بعيدة، قصّر عنها أكثر من كتب من المحدثين وغير المحدثين.
إني أقول بتلازم التحدي بالإعجاز والتجديد في الدراسات القرآنية. ولبيان ذلك، لابد من الإجابة عن السؤال: ما المعجزة؟
المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي. ولا تسمى المعجزة معجزة إلا إذا وقع التحدي بها. فلا تستطيع أن تقول هذا معجز إلا إذا تحديت الناس وعجزوا عنه.
ولما كان خطاب القرآن الكريم للناس جميعاً، وجب أن يكون إعجازه للناس جميعاً بنص الآية الكريمة: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً" (الإسراء88) وعليه فإن التحدي بإعجاز القرآن الكريم عام لكل الناس في جميع الأزمنة، وليس خاصاً بالعرب في فترة زمنية محددة، وإلا لما كان القرآن صالحاً لكل زمان ومكان.
وأرى أنه بفضل الصياغة القرآنية المعجزة يتحقق التحدي العام بإعجاز القرآن الكريم للناس كافة في جميع الأمكنة وجميع الأزمنة. وقولنا بالصياغة القرآنية المعجزة ينسحب بالضرورة على القصص القرآني.
وبذا ننتقل إلى البحث في موضوع إعجاز القصص القرآني. ونبدأ بالقول إن المعجز في ذاته لا يفتقر إلى شرح وتفسير من خارجه. وقولنا بالصياغة المعجزة للقصص القرآني يستلزم دراسة القصص في صياغتها المعجزة كما وردت في القرآن الكريم وحده، وعدم دراستها في ضوء الروايات التوراتية حول القصص نفسها. ويؤكد مصداقية دعوتنا إلى القراءة الجديدة للقصص القرآني نص الآية (76) من سورة النمل :" إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون" فكيف يمكن المسلمين، بعد تدبر هذه الآية الكريمة، أن يرجعوا إلى الروايات التوراتية (الإسرائيليات) لفهم قصص القرآن الكريم، بحجة شرحها ووصف تفاصيلها؟!
التسلسل المعتمد للسور في قراءتنا الجديدة للقصص القرآني
انفرد القرآن الكريم بفن قصٍ متميّز، حيث وردت فيه كل قصة- باستثناء واحدة هي قصة يوسف- في أكثر من سورة. وبعبارة أخرى، تميز القرآن الكريم بعدم جمع أحداث القصة الواحدة وسردها في سورة واحدة. أما سورة يوسف، فقد تضمنت سرد أحداث قصة يوسف كلها وأفردت لها. ويعني ذلك أنه من أجل دراسة القصص القرآني، يتوجب القيام بما يلي: أولاً- فرز الآيات الموجودة في سور مختلفة والخاصة بكل قصة، وثانيا- جمع آيات القصة الواحدة كما وردت في نص المصحف الشريف في السور جميعها. وبنتيجة ذلك نحصل على نص واحد مرتب للآيات الخاصة بكل قصة.
أشرنا أعلاه إلى أن قراءتنا الجديدة للقصص القرآني تتميز عن القراءة القديمة بأنها تقتصر على الرجوع فقط إلى القصص كما وردت في نص المصحف الشريف، وتقوم بدراستها دراسة لغوية- أدبية أو لغوية- علمية. ونتساءل الآن: ما هو التسلسل الذي يجب أن ندرس فيه القصص القرآني؟ هل ندرس كل قصة مرتبة حسب تسلسل السور التي وردت فيها في نص المصحف الشريف؟ لقد درجت "الدراسات القديمة" على القيام بذلك.
ولعل من المفيد أن نشير إلى أن (نظرية القراءة) واحدة من أحدث النظريات التي طرحت في (النقد الأدبي الحديث) في الأعوام الأخيرة. وهذه النظرية مجال معرفي جديد، فهي لا تتحدث عن كيفية فهم القارىء للنص، بل تتحدث عن إسهامه في إعادة إنتاج النص أي تأويله. ويهمنا هنا أن نؤكد أن آخر ما وصل إليه (النقد الأدبي الحديث) في مجال فنّ القصّ هو التركيز، لدى دراسة النص القصصي، على تسلسل سرد أحداث القصة. وفي ضوء ذلك نتساءل: هل يُمكن ترتيب القصص القرآني (وفق تسلسل السور التي وردت فيها في نص المصحف الشريف) من كشف تسلسل سرد الأحداث في كل قصة؟
السورة الأولى وفق ترتيب السور في المصحف الشريف هي "الفاتحة"، ولا تشتمل على قصة. أما السورة الثانية "البقرة"، فهي أطول السور جميعها وتتألف من (286) آية، وتشتمل على عدة قصص هي:
أولاً : (الآيات 30- 38)- ورد فيها بعض أحداث قصة آدم. وبدأ السرد فيها كما يلي:
"وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون(30) وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين(31).."
نتساءل هنا: هل قول الله تعالى للملائكة (إني جاعل في الأرض خليفة) ثم إشارته بأنه (علّم آدم الأسماء كلها) بداية في سرد أحداث قصة آدم؟ لا نرى ذلك، لأن فنّ القص يستوجب أن تبدأ قصة آدم بسرد أحداث خلقه أولاً. ويعني هذا أن بداية قصة آدم ليست في هذه الآيات من سورة "البقرة"، ويجب أن نبحث عن بدايتها في سورة أخرى.
ثانياً : (الآيات 40- 123)- اشتملت على تذكير بني إسرائيل بنعمة الله عليهم. وأشير فيها إلى أحداث من قصة موسى. ويبين سردها ضمن سياق تذكير بني إسرائيل، لماذا وردت مجملة في كثير من الأحيان. ويظهر من ذلك أن الغاية هنا تذكير بأحداث قصة موسى المروية في سور أخرى. مما يؤكد أنها ليست بداية لسرد أحداث قصة موسى وفرعون. ويجب أن نبحث عن بداية قصة موسى في سورة أخرى.
ثالثاً : (الآيات 124- 141)- اشتملت على تذكير بأن ملة إبراهيم هي الإسلام. وبدأ السرد فيها كما يلي: "وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ فأتمهنّ قال إني جاعلك للناس إماماً قال وَمِن ذريتي قال لا يَنال عهدي الظالمين" (124). وواضح بجلاء أن هذه ليست بداية في سرد أحداث قصة إبراهيم. ويجب أن نبحث عن بدايتها في سورة أخرى.
رابعاً : (الآيات 258- 260)- فيها عودة إلى ذكر إبراهيم، في معرض الإشارة إلى قدرة الله على أن يحيي ويميت.
خامساً : (الآيات 246- 251)- اشتملت على بعض قصص بني إسرائيل من بعد موسى مع أنبيائهم. فتروي هذه الآيات قصة طالوت وقتاله مع جالوت.
وهكذا ظهر لنا أن أحداث القصص المذكورة في سورة "البقرة"- وهي السورة الثانية في ترتيب سورة المصحف الشريف، وأول سورة فيه اشتملت على قصص- لا تشتمل على بدايات سرد أحداث قصص آدم وموسى وإبراهيم. ونخلص إلى النتيجة التالية: إن ترتيب القصص القرآني (وفق تسلسل السور التي وردت فيها في نص المصحف الشريف) لا يُمكّن من كشف تسلسل سرد الأحداث في كل قصة. ويرجع السبب في ذلك - برأيي- إلى أن ترتيب تسلسل السور في المصحف الشريف لم ينطلق من تسلسل سرد القصص وفق الترتيب التاريخي (الزمني) لنزولها على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. لذا نطرح السؤال التالي: هل يُمكن ترتيب القصص القرآني (وفق تسلسل نزول السور التي وردت فيها على النبي) من كشف تسلسل سرد الأحداث في كل قصة؟
تمهيداً للإجابة عن هذا السؤال، نشير إلى أن د. أسعد علي- في كتابه "تفسير القرآن المرتب منهج لليسر التربوي"(10) عمد إلى ترتيب السور وفق الترتيب التاريخي لنزولها. وذكر في المقدمة: "حاولت، بفضل الله ولطفه، أن أقرب القرآن كما هو، متخلصاً من اجتهادي ومن آراء المرتئين.. لأني آمنت: أن خير تفسير للقرآن هو القرآن..".
ومن المناسب الإشارة هنا إلى أنه توجد ثلاثة أقوال حول ترتيب السور كما هي عليه في المصحف الشريف: الترتيب توقيف، الترتيب اجتهاد (وهو رأي الجمهور)، ترتيب بعض السور توقيف وترتيب بعضها الآخر اجتهاد.
ولبيان ما إذا كان ترتيب القصص القرآني (وفق تسلسل نزول السور التي وردت فيها على النبي) يُمكّن من كشف تسلسل سرد الأحداث في كل قصة، نكتفي بدراسة نموذج واحد هو النص المرتب لمجموعات الآيات الخاصة بقصة إبراهيم. ونقتصر هنا على عرض بداية هذا النص الذي حصلنا عليه بنتيجة تجميع مجموعات الآيات الخاصة بقصة إبراهيم وفق تسلسل نزول السور التي وردت فيها.
ونوجز فيما يلي الخطوات التي اتبعناها للحصول على النص المرتب لمجموعة آيات قصة ابراهيم.
أولاً - أحصينا الآيات التي وردت فيها لفظة (إبراهيم) في سور المصحف الشريف جميعها(5) فوجدنا أن لفظة (إبراهيم) وردت في ثلاث وستين آية موزعة في خمس وعشرين سورة في المصحف الشريف.
ثانياً- صنّفنا هذه الآيات في قائمتين:
القائمة الأولى: خاصة بالآيات التي وردت فيها لفظة (إبراهيم) في سياق التذكير فقط بأنبياء الله ورسله من دون ارتباطها بآيات أخرى تشتمل على سرد حوادث في قصة إبراهيم.
القائمة الثانية: خاصة بالآيات التي وردت فيها لفظة( إبراهيم) ولم تدخل في القائمة الأولى، لارتباطها بآيات أخرى تشتمل على سرد حوادث من قصة إبراهيم.وبالنسبة إلى آيات هذه القائمة، أخذنا كل آية منها ضمن مجموعات الآيات في سياقها السابق واللاحق (أي ضمن سباقها وسياقها حسب تعبير الفقهاء) وبذا نكون قد فرزنا عملياً على حدة مجموعات الآيات المتضمنة سرد أحداث من قصة إبراهيم في كل سورة. وأشرنا إلى أرقام آيات كل مجموعة في السورة.
ثالثاً- جمّعنا مجموعات الآيات الخاصة بقصة إبراهيم في السور جميعها ورتّبناها وفق تسلسل نزول السور. وحصلنا بنتيجة ذلك على نص واحد مرتب للآيات الخاصة بقصة إبراهيم.
ونبدأ باستعراض الآيات التي وردت فيها لفظة (إبراهيم)، استناداً إلى ترتيب النزول.
أولاً- في سورة الأعلى.
"إن هذا لفي الصحف الأولى"(18) "صحف إبراهيم وموسى"(19). لا نجد هنا سرداً قصصياً، بل ورد ذكر (إبراهيم) في سياق التذكير بأنبياء الله ورسله.
ثانياً- في سورة النجم
"أعنده علم الغيب فهو يرى"(35) "أم لم يتنبأ بما في صحف موسى"(36) وإبراهيم الذي وفّى(37) ألاّ تَزِرُ وازرةٌ وزرَ أخرى"38..
لا نجد هنا سرداً قصصياً، بل ورد ذكر (إبراهيم) في سياق التذكير بأنبياء الله ورسله.
ثالثاً- في سورة ص.
"واذكر عبادنا إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ أولي الأيدي والأبصار"(45).
لا نجد هنا سرداً قصصياً، بل ورد ذكر (إبراهيم) في سياق التذكير بأنبياء الله ورسله.
رابعاً- في سورة مريم
هنا يبدأ سرد قصة إبراهيم بذكر حواره مع أبيه.
"واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبيّاً(41) إذ قال لأبيه يا أبتِ لِمَ تَعبدُ ما لا يسمع ولا يُبصر ولا يُغني عنك شيئّاً(42) يا أبتِ إني قد جاءني من العلم ما لم يأتِك فاتّبعني أهْدِك صراطاً سوياً(43) يا أبتِ لا تعبُدِ الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عَصِيّاً(44) يا أبتِ إني أخافُ أن يمسَّك عذابٌ من الرحمنِ فتكونَ للشيطان وليّاً(45) قال أراغبٌ أنتَ عن آلهتي يا إبراهيمُ لئنْ لم تنته لأَرجُمنّك واهجرني مليّاً(46) قال سلامٌ عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حَفِيّاً(47) وأَعتزلُكم وما تدعون من دونِ الله وأدعو ربي عسى ألا أكونَ بدعاء ربي شقيّاً(48) فلمّا اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحق ويعقوب وكُلاً جعلنا نبيّاً(49)..
خامساً- في سورة الشعراء.
نلاحظ هنا متابعة سرد قصة إبراهيم وتوسيع الحوار ليصبح مع أبيه وقومه. "واتل عليهم نبأ إبراهيم(69) إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدونَ(70) قالوا نعبدُ أصناماً فنظلُّ لها عاكفين(71) قال هل يسمعونكم إذ تدعونَ(72) أو ينفعونكم أو يَضُرّونَ(73) قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون(74) قال أفرأيتم ما كنتم تعبدونَ(75) أنتم وآباؤكم الأقدمونَ(76) فإنهم عدو لي إلا ربَّ العالمينَ(77) الذي خلقني فهو يهدينِ(78) والذي هو يُطعمني ويسقينِ(79) وإذا مرضتُ فهو يشفينِ(80) والذي يميتُني ثم يُحيينِ(81) والذي أطمعُ أن يغفرَ لي خطيئتي يومَ الدينِ(82) ربِّ هب لي حُكماً وألحقني بالصالحين(83) واجعل لي لسانَ صدقٍ في الآخِرينَ(84) واجعلني من ورثة جنّة النعيم(85) واغفر لأبي إنه كان من الضالّينَ(86) ولا تُخْزِني يوم يبعثون(87)..
سادساً- في سورة هود.
نجد هنا تطويراً في سرد قصة إبراهيم يتمثل في مجيءِ رسل الله إلى إبراهيم بالبشرى. "ولقد جاءت رُسلُنا إبراهيمَ بالبشرى قالوا سلاماً قال سلامٌ فما لبث أن جاء بعجلٍ حَنيذٍ(69) فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نَكِرَهم وأوْجس منهم خيفةً قالوا لا تخفْ إنا أُرسلنا إلى قوم لوطٍ(70) وامرأته قائمةٌ فضحكتْ فبشّرناها بإسحق ومن وراء إسحقَ يعقوبُ(71) قالت يا ويلتي أألِدُ وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيءٌ عجيبٌ (72) قالوا أتعجبين من أمر الله رحمةُ الله وبركاتهُ عليكم أهلَ البيت إنه حميدٌ مجيدٌ(73) فلما ذهب عن إبراهيم الروعُ وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوطٍ(74) إن إبراهيم لحليمٌ أوّاهٌ منيبٌ(75) يا إبراهيمُ أَعْرِضْ عن هذا إنّه قد جاء أمرُ ربّك وإنهم آتيهم عذابٌ غيرُ مردودٍ(76)..
وهكذا نرى أن هذه المجموعات من الآيات الخاصة بقصة إبراهيم (المعروضة من سور مريم ثم الشعراء ثم هود) هي بداية النص المرتب لمجموعات الآيات الخاصة بقصة إبراهيم وفق تسلسل نزول السور على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد مكننا هذا الترتيب لقصة إبراهيم من كشف تسلسل سرد الأحداث في هذه القصة.
لذا نعتمد، في قراءتنا الجديدة للقصص القرآني، ترتيب القصص وفق تسلسل نزول السور التي وردت فيها منطلقاً.
الهوامش:
1) د. جواد علي "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، دار العلم للملايين- بيروت- ومكتبة النهضة- بغداد.
2) "المفصل" جـ1/الفصل العاشر، ص410- 465.
3) كانت (سيرة ابن اسحق) أول سيرة نبوية كتبت في الإسلام (توفي ابن اسحق 151هـ). وكانت المصدر الأساسي لكل مصدر أو مرجع كتب بعد ذلك، ولكنها فقدت مع الأسف. وبقي منها بعض شذرات موزعة هنا وهناك. وتم جمعها ونشرها باسم (سيرة ابن اسحق المسماة بكتاب المبتدأ والخبر والمعاد والمبعث). وأعيد نشرها باسم كتاب (المغازي والسير لمحمد بن اسحق المطلبي). وشاء الله أن يبقى تهذيب كتاب (سيرة ابن اسحق) المعروف عند الناس باسم مهذبه عبد الملك بن هشام (ت 218هـ) فعرف بسيرة ابن هشام.
4) "مفتاح العلوم" تأليف أبي يعقوب السكاكي (ت626هـ) مطبعة البابي الحلبي بمصر- ط1/1937، ص242- 243.
5) "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي- المكتبة الثقافية، بيروت/1983، الجزء الثاني (النوع الرابع والستون في إعجاز القرآن).
6) ارجع إلى بحثي وعنوانه "الدور الإيجابي للمتكلمين- المعتزلة في علم اللغة العربية" في كتاب "وقائع ومحاضررات المؤتمر العالمي لتاريخ الحضارة العربية الإسلامية" بمناسبة الاحتفالات بحلول القرن الخامس عشر الهجري- جامعة دمشق- نيسان 1981- مطابع مؤسسة الوحدة بدمشق- إصدار وزارة التعليم العالي.
7) مناع القطان "مباحث في علوم القرآن"- مؤسسة الرسالة- بيروت- ط8/1981.
8) "دلائل الإعجاز" تأليف الإمام عبد القاهر الجرجاني- الناشر مكتبة القاهرة- 1961، ص 250- 258.
وارجع إلى كتابي "الموجز في شرح دلائل الإعجاز في علم المعاني" مطبعة الجليل- دمشق/1980.
9) مالك بن نبي "الظاهرة القرآنية" ترجمة عبد الصبور شاهين- دار الفكر- بيروت.
10) د. أسعد علي "تفسير القرآن، المرتب- منهج اليسر التربوي" دار السؤال بدمشق، ط2/1983.