الفصل الثالث
التحليل النصي التداولي للخطاب الشعري
دراسة تطبيقية في قصائد نموذجية
توطئة
يقوم هذا الفصل على محاولة مقاربة نموذجين شعريين من زاوية لسانية نصية ، وفي ضوء وصف مقولتي الاتساق والانسجام في الخطاب الشعري ، وآلية توازي الأنساق الدالة مع المقام العام الذي تكشف عنه المهيمنات النصية ، وقد وقع اختيارنا على قصيدتي الشاعرين أبي القاسم الشابي وعبد الله الصيخان الموسومتين بفلسفة الثعبان المقدس و كيف صعد ابن الصحراء إلى الشمس؟ على الترتيب..
تفاعل البنية والدلالة في فلسفة الثعبان المقدس
الشاعر والقصيدة
الشابي (أبو القاسم ) شاعر عربي تونسي المولد والنشأة ،ولد سنة1909 وتوفي سنة 1934 ،عرف بشعره الثوري التحرري الذي ألبسه حلة رومانسية ورمزية ،يستعير فيها الصور الطبيعية كدلالات موحية بقيم العدالة والحرية والأمل والإنسانية ،وفي الآن نفسه يستحضر من الطبيعة ذاتها كل الصور المضادة المنسجمة مع قيم اللاعدل والسيطرة والشر،وهذه القصيدة نموذج من نماذج شعره المعبر عن الصراع الأزلي بين الخير والشر بين القوة الظالمة والشعوب المستضعفة من ديوانه أغاني الحياة ،والذي يعده النقاد بحق نموذجا للتجربة الفنية الراقية شكلا ومضمونا ، وحديث الشاعر في القصيدة تعبير عن فلسفة القوة المثقفة في كل مكان ،والتي يمثلها الثعبان المقدس في حواره مع الشحرور بلغة متصوفة تزين الهلاك وتعطيه صورة التضحية والفداء من أجل غاية سامية ومقدسة هي الخلود الأبدي،والقصيدة من هذا البعد تختزل الصراع بين القوى المهيمنة على العالم والكيانات الضعيفة ، ومحاولة إقناعها بعدم جدوى المطالبة بالحقوق إلا ماتقرره هذه القوى المهيمنة ،والتي تفرض نمطا من حياة الاحتواء والتبعية والعيش في كنف الآخر.
درجت الدراسات في تحليل الخطاب على أن تنطلق من فضاءات إستراتيجية ناتئة في البنية النصية كالعنوان والمقدمة والخاتمة والمواضع الداخلية السميكة،مستنجدة بمعطيات جزئية في وصف المعطيات الكلية ،والتي يسمح إدراكها بالإحاطة بعالم النص في صفته الكلية ، ثم تأكيد ترابطه من خلال وصف العلاقات بين الأجزاء وتحديد نوعها في مستويي السطح والعمق ،مما يؤكد ضرورة الانتقال بالوصف النحوي من مجال الجملة الضيق إلى مجال أرحب يمثله الخطاب في صورته النصية والتي هي قادرة على الإفصاح والتأثير والفعل ،ويرتكز بناء النص وانسجامه على جملة من العناصر النصية ، تحقق تكامله وتلاحم أبنيته الجزئية ، بالإضافة إلى تضافر جملة من القرائن الحالية من طبيعة ثقافية واجتماعية متعددة الأبعاد تسهم بدورها في تحقيق الانسجام ، وتُحدث حوارية نصية بين بنية الخطاب وعالمه،فإذا انتقلنا إلى عناصر الربط المسْهمة في اتساق النصوص فمنها البسيط ومنها المركب ؛ فمن الأولى حروف العطف ،ومن الثانية أسماء الإشارة والأسماء الموصولة ، والضمائر الإحالية ،والمركبات الحرفية والظرفية،وقد بات من المعلوم أهمية هذه الروابط في تحقيق التحليل تداولية البنى النصية في السياقات المحيلة إليها .أن اللساني النصي يجمع بالضرورة بين القواعد التركيبية والدلالية والتداولية ،ذلك أن تحليل النصوص يتجاوز الوصف النحوي الجملي القائم على مبدأ التجزئة إلى المكونات المباشرة دونما نظر وعناية بالجوانب الدلالية والسياقية التي تضبط مقاصد المتكلم وغايات الخطاب المنجز علما أن السمة الدينامية للنصوص تعطي لها السلطة المطلقة في فرض نموذج من المعايير التحليلية التي ينطلق منها المحلل في توصيفه ،بعكس النحو الجملي الذي ينطلق من قواعد جاهزة معطاة سلفا لدراسة مكونات الكلام في أشكاله الجملية،ونأخذ الآن في الاقتراب من عالم القصيدة من خلال معرفة تكوينها المقطعي الذي يؤسس بنيتها الظاهرة،و يقوم وصفنا للبنية النصية على رصد تحولات الضمير كمفتاح سهل المنال للوقوف على تقطعات النفس الشعري المصاحب لهذه التجربة الشعرية ، فهذا النص شبيه بنصوص كثيرة للشابي اختارت القالب العمودي الذي يتجرد من تعمد القسمة الظاهرة ، تاركا للقارئ هذه المهمة، ولعل تحولات الضمائر تقلل نوعا ما من ذلك التكثيف الدلالي الذي يجعل من القصيدة لحمة واحدة يصعب فصلها،والجدول التالي يبين ذلك :
الوحدة الأبيات الضمير/المرجع الموضوع
1 1-6 هو-الكون ، الشحرور سعادة الشحرور من جمال الحياة
2 7-8 هو- الثعبان ترهيب الثعبان الحقود
3 9-19 المتكلم-الشحرور شكوى وتحسر
4 20-32 المتكلم -الثعبان ترهيب وإغراء
5 33-36 المتكلم -الشحرور إرادة الضعفاء
إن معمار القصيدة قائم على المقاطع الخطابية التالية :
1-وصف
2-سردٌ شعري
3-وصفٌ وخطاب (خطاب مدمج )
4-سردٌ شعري
5-وصفٌ وخطاب ( خطاب مدمج)
6-خطاب
7-وصفٌ وسرد ( خطاب مدمج)
والظاهر أن هناك توازيا في مستوى البنى المقطعية مما يفيد في ربطها ببعضها ،وجعلها لبنات في نظام نصي متكامل يقوم على تراتبية واضحة تستهل بوصف فسرد فخطاب فخاتمة وصفية، والقصد من هذا البناء تحقيق الغاية الإقناعية ،وتحقيق عنصر المحاججة في الرسالة الشعرية
الشاعر ...........النص.............الحجة.......المخاطبون ( المستضعفون في كل مكان )
تزيين الهلاك في صورة تضحية من أجل بقاء القوة........التهديد ....الإغراء ...الوعود البراقة.
وما يمكن ملاحظته في الخطاب اعتماده السرد الشعري الذي أضحى تقنية فنية يعتمد عليها الشعر الحديث والمعاصر ،إذ لم يعد محصورا في الرواية والخبر التاريخي إلا أن الغرض من توظيف السرد الشعري ليس إنتاج حكاية بل تشكيل وضعية نصية معقدة ومتشابكة متجاوزة للوضعية الغنائية والانفعالية الظاهرة في الشعر الكلاسيكي ، وتقرر اللسانيات النصية على يد أحد أقطابها من المدرسة الفرنسية ج.م. آدام(J.M.Adam) أن النص بنية مقطعية غير متجانسة في الأساس، وبالإضافة إلى هذا يمكن أن نعين نوعا من المناسبة الغرضية بين مطلع النص في خاصيته الوصفية السردية وخاتمة القصيد في وصفيتها التقريرية ، واللافت للنظر الحصيف أن الشابي قد بنى نصه على رمزية عددية يحظى فيها العددخمسة(5) بمكانة متميزة ،والحقيقة أن الرمز 5 يحتل في سلم الثقافات الإنسانية مكانة متميزة ففي الهندية مثلا يعبر عن سلالة الآلهة بنضاف ،وربما هذا المعنى ينسجم مع الصفة التقديسية التي نعت بها ثعبان الجبال كسلطة روحية متحكمة تحكم الآلهة ، وفي البوذية يرمز العدد خمسة إلى عدد أتباع بوذا ومكونات الكون ، كما ارتبط العدد نفسه في الحضارة الإسلامية بعدد الفرائض وفي الثقافة اللغوية نجد الأسماء الخمسة ،وربما ارتبط هذا العدد بالحواس الخمسة والتي تثبت حضورها في الخطاب الشعري من حيث هي وسائل لتحسس الجمال والقبح فيما عبرعنه الشاعر ضمن حوارية الثعبان /فجملة الأحاسيس المعبر عنها هاهنا ترتد إلى إحدى الحواس المدركة للحقيقة الوجودية .
قواعد الاتساق (cohesion )أولاـ
إنّ دراسة الرّبط في البنية النصية مهم لأن تأكيده يثبت صفة النصية ووحدة البناء ،وسيكون الطريق مفتوحا بالنسبة إلى الدارس لكي يحاور نصه ،و يؤوله انطلاقا من معرفته الخلفية ورؤيته للعالم ،وينقسم الربط إلى أقسام تناولها علماء لسانيات النص لعل أهمها :
أ-الربط التعليلي.
ب-الربط الإشاري.
ج-الربط الاستنتاجي.
وقبل الانتقال إلى تقفي هذه الظواهر النصية في الخطاب الشعري ، يجدر بنا تحديد هذه الأنواع بشكل موجز فبالنسبة إلى الربط التعليلي فإنه يقوم على ارتباط تركيبين نحويين تامَّين بأداة مفيدة للتعليل والاختصاص كاللام ولأنّ ،أو ما يقوم مقامهما ، فقد لا تظهر الأداة فينوب البناء المضموني دالا على معنى التعليل كدلالة القيد أو الاشتراط .والظاهر أن التعليل مختص بأحد طرفي الإسناد أو بمضمونه الذي يحتل صدر الكلام ،وعليه مدار الخبر،وأما النوع الثاني القائم على الإحالة الإشارية فوظيفته متصلة رأسا بتحقيق الوصل بين بنى نصية متباعدة في المساحة النصية ،مما يجعل من مهام الربط بهذا النوع من الأدوات تحقيق الانسجام الدلالي بين البنى المضمونية الصغرى للخطاب ، وفي هذا الصدد تبرز القيمة الإحالية لضمير الفصل في كون توظيفه يؤذن بتمام الاسم وكماله ،وأن ما بعده خبر وليس نعتا،أما ضمير الإشارة فتتنزل قيمته الإحالية في تحقيقه الترابط بين أجزاء الخطاب المتباعدة عبر تسلسل محكم يحيل إلى مرجع واحد وثابت يمثل موضوع الخطاب.ويرتبط بالإحالة الضمير (Pronom) ،الذي تتحدد مرجعيته بحسب وجه الإحالة فقد يحيل الضمير إلى سابق ، وقد يحيل إلى لاحق ،(catafor) ( anafor )فإذا انتقلنا إلى القسم الأخير المتمثل في الربط الحكمي فإننا سنجده قائما على ارتباط بنيتين نصيتين متتاليتين إحداهما كلية وعامة واللاحقة لها متضمنة معنى الحكم أو النتيجة الموجزة بناء ودلالة ،ومن صور الحكم وأدواته ؛ على هذا ، إذن ، إذا ، وبالجملة ،و بهذا ،و بذلك والجدول التالي يبين حضور هذه الأنواع في القصيدة المختارة:
الربط التعليلي الربط الإشاري الربط الحكمي
فغمه ما فيه من مرح/الضمير الرابط هو الفاء ضمير الهاء يعود على الدنيا تدفق يصرخ ماذا جنيت فحق عقابي
لا عدل إلا إذا تعادلت القوى ضمير الشأن يعود على الكون الغر يعذره الحكيم إذا طغى
إني أرثي لثورة جهلك ضمير الخطاب، أنت تكون ضحيتي فتحل في لحمي
وسعادة النفس أن تكون ضحية ضمير الغيبة إليك جوابي : لا رأي للحق الضعيف ولا صدى
فكر لتدرك ما أقول اسم الإشارة للمكان –هاهنا- والرأي رأي القاهر الغلاب
وكذاك تتخذ المظالم منطقا عذبا لتخفي سوءة الآراب //////
إن هذا الجدول يبين اعتماد البنية النصية على أنواع الربط الثلاثة في سياقات مختلفة، مما أسهم في اتساق النص وتكامل مقاطعه الوصفية و الحوارية والسردية ،كما نواجه في المستوى النحوي من هذه المقاربة حدود الاتساق وأدواته في النص الشعري المختار من خلال إبراز الروابط المستعملة ونوعها وتواترها مع الإشارة إلى العنصر المفترض الذي يحيل إليه ، وكان التعويل في لغة الوصف على ما وضعه هاليدي ورقيَّه حسن من وسائل إجرائية لمقاربة النص من وجهة نظر لسانيات النص ، والهدف من ذلك هو تتبع النمو الموضوعي للنص في المستوى الظاهر(surface du texte ) بوصفه كلا لا أجزاء متفرقة كالذرات المتناثرة ، وهذه الأدوات هي المسئولة عن بنائه وانتظامه ،ومن ناحية ثانية تتنزل عنايتنا بهذه الأدوات لأنها في المنظور التداولي التخاطبي (pragmatco-enonciative )هي المسئولة عن انتظام الخطاب(la regulation de discours ) .
رقم البيت عددالروابط العنصر الاتساقي نوعه العنصر المفترض
2 يمشي(هو) إح ض الربيع
2 و عط يطوف
2 3 يطوفها إح ض الربيع/الدنيا
3 و عط الأفق
3 يملأه إح ض الحنان
3 3 كأنه مقا الأفق
4 و عط الكون
4 كأنما مقا الطهر
4 هومعبد إح ض قبلية الكون
4 و عط الغاب
4 5 كالمحراب مقا الهذوء
5 1 و عط الشاعر
6 و عط السلام
6 2 و عط النفس
7 و عط الرؤية
7 ف عط سببي الاغتمام
7 فيه إح ض الحالة
7 4 و عط فيض الشباب(الشحرور)
8 و عط انقضاض الثعبان
8 عليه إح ض الشحرور
8 كأنه مقا الثعبان
8 4 و عط لعنة الثعبان
9 1 ف عط سب صياح
10 و عط تدفق
10 يصرخ (هو) إح ض الشحرور
10 جنيت(أنا) إح ض الشحرور
10 4 ف عط سب العقوبة
12 و عط السعادة
12 2 ماله إح ض الجرم
13 ألقى(أنا) إح ض الشحرور
13 و عط أبث
13 3 أبثها إح ض الدنيا
14 1 هذا إشا الحنان
15 ف عط سب الشرع
15 ههنا إشا شرعة الثعبان
15 3 و عط الفكرة
16 و عط السعادة
16 2 ماله إح ض الجرم
17 و عط الشهادة
17 غنيتها إح ض الدنيا
17 3 و عط الروعة
18 1 و عط العدل
19 1 و عط التصادم
20 ف عط إستئناف تبسم الثعبان
20 و عط الإجابة
20 3 و عط الكذاب
21 1 إنني إح ض الثعبان
22 و عط الغر
22 يعذره إح ض الغر
22 3 قلبه إح ض الغر
23 ف عط كبح العواطف
23 عواطفك(أنت) إح ض الشحرور
23 إنها(هي) إح ض العواطف
23 بلبك(أنت) إح ض الشحرور
23 و عط الاستماع
23 استمع إح ض الشحرور
23 7 خطابي إح ض الثعبان
24 إني إح ض الثعبان
24 ظلي إح ض الثعبان
24 و عط الخوف
24 خافوا إح ض الورى
24 لعنتي إح ض الثعبان
24 6 عقابي إح ض الثعبان
25 و عط التضحية
25 تقدموا إح ض الورى
25 لي إح ض الثعبان
25 منهم ‘ح ض الورى
25 5 شأن العابد مقا الأواب
26 و عط سعادة النفس
26 أنها إح ض النفس
26 3 تكون إح ض النفس
27 ف عط تصير
27 2 خلصت (هي) إح ض النفس
28 ف عط سب السرور
28 يسرك إح ض الشحرور
28 تكون إح ض الشحرور-مخاطب-
28 ضحيتي إح ض الثعبان
28 ف عط سب الحلول
28 تحل(أنت) إح ض الشحرور-مخاطب-
28 لحمي إحض الثعبان( متكلم)
28 و عط الأعصاب
28 9 أعصابي إح ض الثعبان
29 و عط تكون
29 دمي إح ض الثعبان
29 و عط توهجا
29 ناظري إح ض الثعبان
29 و عط حدو
29 6 نابي إح ض الثعبان
30 و عط تذوب
30 تذوب (أنت) إح ض الشحرور
30 روحي إ ح ض الثعبان
30 التي لا تنتهي (هي) إ ح ض روح الثعبان
30 و عط تصير
30 تصير إ ح ض الشحرور
30 ألوهتي إ ح ض الثعبان
30 و عط الشباب
30 9 شبابي إح ض الثعبان
31 إني إح ض الثعبان
31 أردت إح ض الثعبان
31 لك إح ض الشحرور
31 4 روحي إح ض الثعبان
32 فكر( أنت) إح ض الشحرور
32 تدرك إح ض الشحرور
32 لتدرك عط سب تدرك
32 أريد إح ض الثعبان
32 و عط هو
32 5 إنه إح ض الخلود
33 ف عط سب الإجابة
33 و عط الموت
33 يخنقه إح ض الشحرور
33 إليك إح ض الثعبان
33 5 جوابي إح ض الشحرور
34 و عط لاصدى
34 2 و عط الرأي
35 ف عط يب افعل
35 افعل إح ض الثعبان
35 مشيئتك إح ض الثعبان
35 شئتها إح ض الثعبان
35 و عط الرحمة
35 ارحم (أنت) إح ض الثعبان
35 جلالك إح ض الثعبان
35 8 خطابي إح ض الشحرور
36 و عط كذاك
36 كذاك مقا المنطق العذب
36 ذاك إشا فعل الثعبان
36 4 لتخفي عط سب سوءة
لو تأملنا الجدول السالف فإننا سنجد أن القصيدة المقترحة (فلسفة الثعبان المقدس) تتمتع باتساق قوي بين أجزائها بفضل توافر جملة من الأدوات النحوية المؤدية لوظيفة الربط ، ويمكن بالإضافة إلى هذا الملمح العام استخلاص جملة من النتائج الجزئية هي :
أ-تم الربط بين أغلب عناصر الجملة وبين الجمل المتتالية بالأداة "و" ( 40حالة) وبنسبة61،33 %.والظاهر أن الربط بالواو لم يقتصر على عطف الكلمات على بعضها في الجملة الواحدة بل تعداها إلى عطف الجمل الشعرية مؤكدا تعالقها النحوي وعدم تمام معناها واكتمال الصور المعبر عنها إل بفضل هذا العطف مثل :
عطف البيت 2و3و4و5 لإبراز اكتمال المشهد الطبيعي الذي رسمه الشاعر والذي يؤطر المكان السردي الذي تدور فيه الواقعة السردية( الربيع، الأفق،الكون ، الحياة ،المعبد ، الغاب ،العالم )
ب-كما تم الربط بين عناصر نفس الجملة وبين الجمل المتتالية بضمير المخاطب "أنت"أوكاف الخطاب (18حالة) وبنسبة 15.12 %.
ج-تم الربط في حالات عدة بالعطف السّببي عن طريق الفاء (09حالات) وبنسبة 7.56 %.
د-الضمير المحيل إلى المتكلم هو الذي أدى وظيفة الربط في الغالب حتى أنه لم يخل منه مقطع ، بل بيت ،وهذا يدل دلالة قاطعة على وجود ذوات مستمرة متكاملة فاعلة توجه الخطاب الشعري ، ذلك أن الخطاب يفصح عن حوارية مؤسسة للصراع الموهوم بين الثعبان الذي يحيل إلى القوة المثقفة المهيمنة والشحرور رمز الوداعة والضعف والذي يحيل إلى كل الشعوب المستضعفةو السليبة في حقوقه ،(المتكلم موجود بالقوة وهو هنا فاعل ،وعدد الحالات 23 حالة) أما نسبة اعتماد الضمائر في الإحالة فمقدرة ب:19.32% .
ه-بالنسبة إلى الربط الإشاري أمكننا تسجيل 2حالات فقط وهو عدد قليل بالنسبة إلى سائر الأدوات، النسبة هي1.68%
و-تم الربط بالضمير الغائب ،وعدد الحالات 24 وبنسبة20.16% ، ويتناسب توظيف الضمير المحيل إلى الغائب مع مقام الحكاية وسرد الواقعة الشعرية ، كما تنم الغيبة عن الذات التابعة القابلة لفعل الذات المهيمنة ،والتي تثبت حضورها الدائم عن طريق ضمائر الحضور مخاطبة تارة ومتكلمة تارة أخرى.
ز-تمت المقارنة بإحدى أدوات المقارنة في 03حالات فقط وبنسبة 2.52 %، ولقد جاءت المقارنات لغاية تشبيهية بحتة غرضها شد انتباه القارئ إلى الجمال الخارق الذي تقدمه الطبيعة مثوى الحرية والأمان المطلقين ،وما يحلم به الإنسان الحر كعالم يبتغي العيش في كنفه ومقارنة أخرى غرضها التشنيع على القوة الظالمة ممثلة في الثعبان الذي حلت لعنته على الشحرور الآمن كما تحل لعنة الأرباب على البشر،وتعدد الأرباب هنا يعكس استحضارا للمثيولوجيا الوثنية القائمة على تعدد الآلهة وتوظيفها هنا من قبيل تكثير اللعنات والإمعان في وصف الغضب والقسوة ، وعليه يمكن القول أن الربط بالإحالة الضميرية هيمن على سائر الأدوات الأخرى بعدد65 حالة وبنسبة : 54.62 %.
ح-غياب سائر الروابط المفيدة للتخيير والاستدراك والتفريع التي تؤدي إلى اتساق النص ، والنتيجة المترتبة عن هذا الإحصاء والتصنيف هي أن هناك أداتين أدتا وظيفة الاتساق النصي هما الواو والضمير المتراوح بين الخطاب والغيبة والمتكلم بوصفه ذاتا تمثل موضوع الخطاب في القصيدة النص . إن الغاية من عملية الوصف هذه ليست مقصودة لذاتها ، بل هي وسيلة للتأكد من نصية النص ونوعية العلاقات الاتساقية التي يبنى عليها ،وسنحاول مواجهة النص بجملة من التساؤلات المتعلقة بظواهر اتساقية أخرى ، مبتدئين بـ :
1-التكرار:
من المفاهيم الأساسية في معالجة النص الأدبي ، فهو وسيلة مهمة في اكتشاف أبعاد الواقعة الأدبية في التداوليات الأدبية ، ويمكن أن يتمظهر العنصر المكرر في أشكال مختلفة ، فإما أن يكرر الدال مع مدلول واحد ، وإما أن يكرر مع مدلول يتحقق من جديد في كل مرة أو يتكرر المدلول الواحد مع دالاّت مختلفة ، مما يؤكد السمة البنوية للتكرار في النصوص ، إلا أن دراسة الظاهرة لا تتوقف عند حد رصد تواترها الخطابي بل يعنى المحلل بإبراز أدبية الظاهرة في ضوء جدلية الثابت والمتحول ووظيفتها الخطابية من حيث كونها وسيلة للإفهام والإفصاح والكشف والتأكيد والتقرير والإثبات ،ويميز علماء اللسانيات النصية بين التكرار التام والجزئي الذي يقوم على استعمال المختلف للجذر اللساني للمادة المعجمية نفسها ويعد هذا النوع بالذات من أهم الآليات اللسانية التي تحقق الوظيفة الإقناعية في النصوص الحجاجية ، بالإضافة إلى تكرار الترادف في مستوى اللفظة أو العبارة،كما يكون التكرار في مستوى البنيات الموزونة بعدد معين ، وتجانس الصوائت ... فإذا كانت هذه التكرارات ملامح دالة على أدبية النص فإنها من ناحية أخرى بنى تسهم في تناسق المقاطع المتجاورة وتحقيق نصيتها، كما أن التكرار الإيقاعي المتناسق المميز للقصيدة يشيع فيه لمسة عاطفية وجدانية تحققها تكرارات المتوالية اللفظية والتركيبية مما يجعل لدى المتلقي قدرة على التأويل والتأمل بشكل جد فعال، وهذا ضرب من ضروب الانسجام الوجداني بين النص والمتلقي ،ومن شواهد التكرار التام :
5-33 الشحرور ، وهو تكرار تام بمرجع واحد
7-20 ثعبان الجبال ،الثعبان
2-5شاعر،الشاعر .......اختلاف المرجع (الشاعر مطلقا / الشحرور)
1-7 -17غض الشباب ،فيض شباب،حلم الشباب...اختلاف المرجع (الربيع /الشحرور/الحلم)
2-6 موكب خلاب ،العالم الخلاب...اختلاف المرجع (الموكب /العالم) والمعنى واحد.
2-13 -17الدنيا ....المرجع واحد،والمعنى واحد .
12-16 القوي ......اختلاف المرجع (عقاب القوي/ رأيه) والمعنى واحد.
19-الإرهاب......اختلاف المرجع (إرهاب الظالم /إرهاب الثائر) والمعنى واحد .
21-22 الغر.......اتحاد المرجع (الشحرور)
8-24 لعنة الأرباب ،لعنتي (الثعبان) والمعنى واحد .
10-24عقابي....اختلاف المرجع ( الشحرور /الثعبان)
12-16-26 سعادة تكررت هذه اللفظة في البيتين 12-16 محيلة إلى نفس المرجع ،كما ورد ذكرها في (26) محيلة إلى مرجع مغاير هوالنفس .
8-26 الأرباب والمرجع مختلف (اللعنة/الضحية)
30-31 روحي المعنى نفسه والمرجع واحد
15-34 فكرة الغلاب ،رأي الغلاب مرجع واحد
إن تكرار الشاعر لاسْمَيْ الشحرور والثعبان في مواضع مختلفة من القصيدة والإنابة عنهما بالضمير تأكيد للذوات الفاعلة في الخطاب ،وربما كان قصد الشاعر حين استهل نصه بوصف الشحرور متوجها نحو تأكيد محورية هذا العنصر الخطابي والذي يستدعى في خاتمة النص بعد توار طويل هيمن فيه صوت قاهر هو صوت الثعبان لتنشط ذاكرة المتلقي باستحضار كل القيم الإنسانية التي يحيل إليها الشحرور ، وفي المقابل يتكرر لفظ الثعبان تكرارا محضا مستحضرا كل القيم السلبية المضادة لقيم الشحرور مرة في بداية المقطع الثاني ومرة في بداية المقطع الرابع ، كما أن تعدد المراجع في ظل وحدة المعنى الذي تحيل إليه الأنساق المكررة ينم عن توحد الحدث المشكل لموضوع الخطاب ،والذي يؤطره صراع القوة والضعف وجدلية الخير والشر على الرغم من تعدد صور الصراع وأشكال الجمال واختلاف القيم الإنسانية ، ومن شواهد التكرار الجزئي :
1-4 ، الحي ،الحياة .
1-14 -30 غض الشباب ،رفاق شبابي،شبابي
2-6 شاعر،شعر.
8-9 ،سوط القضاء ،هول القضا.
4-10الغاب ، غابي.
10-12 عقابي،عقابِ.
3-13 ، يملأه الحنان ،حنانا طاهرا .
18-20، حقيقة مكذوبة ،فرط كذاب.
13-22 المحب الصابي ،جهل الصبا.
19-عدل ، تعادلت.
15-19 القوي ،القوى.
25-26 -28الضحايا ، الضحية ، ضحيتي.
15-27 المقدس ، قدسية .
24-30 إله ، ألوهتي.
16-34 الضعيف ، الضعفاء.
34 الرأي ، رأي القاهر .
35 مشيئتك ، شئتها.
23-35 استمع ، سماع.
23-35 لخطابي ، خطابي.
وربما لاحظنا على التكرار الجزئي قدرته على الانتشار النصي محققا بذلك الترابط بين أجزاء النص الظاهرة من جهة ،ومؤكدا ثوابت المفاهيم والأفكار التي تكون عالم النص وموضوع الخطاب ، فتعدد الأنساق اللسانية لجذر معجمية واحدة من خلال الاشتقاق والانتقال من الفعلية إلى المصدرية أو إدخال قاعدة تحويلية من قواعد الزيادة والنقصان يضمن نمو البنية الشكليةعن طريق التفرع والتوليد في اتجاهات متوازية ومتكاملة .
2-التوازي(Parallelisme)
يقوم مفهوم التوازي في الخطاب الأدبي من منظور لسانيات النص على التقطيع المتساوي لأقسام الخطاب من خلال تجزئة جمله إلى مقاطع متساوية بغضِّ النظر عن توافقها أواختلافها المعنوي على أن تكون هذه الأبنية المتوازية متتالية في البناء النصي دون فاصل نحوي بينها ، والظاهر أن هذه الخاصية البنوية والنصية تحقق سمة الارتباط والتناسق بين أجزاء الخطاب ومبانيه مسهمة في اتساقه (cohesion)، ولعلها من أهم الظواهر النصية انتشارا في الشعر العربي الحديث والمعاصر ،هذا وتشكل بنية التوازي في شعر أبي القاسم الشابي ملمحا مميزا له غرض دلالي واضح ،وحضورها في هذه القصيدة تبينه الأمثلة التالية :1-2-4-5-1314-18-28-29-32-34-35.إن هذا التوصيف يؤكد وعي الشاعر بأهمية الظاهرة في تحقيق جمالية القصيد واتساق أبنيته وانسجام موضوعاته لتحقق الغرض التداولي المقصود،و تميز اللسانيات النصية بين نوعين من التوازي أحدهما تام والآخر جزئي ،وكلاهما يقع في مستويين متناظرين فإما أن يكونا في البيت الواحد أوفي مساحة نصية متباعدة وفق هذا التوزيع :
أ-التوازي الأفقي التام:
يكون بالتطابق النحوي بين شطري البيت الواحد ، بغض النظر عن تكوين وطبيعة البنى الجملية المتوازية ، والتي يحرص الشاعر على تنويعها بما يوافق الغرض النصي ،ومثالها الأبيات:2-13-14-18.
ب-التوازي الأفقي الجزئي:
يبنى على مبدأ النقصان في الأبنية المتوازية ، فقد يفتقد التوازي بين الشطرين بإجراء عملية من عمليات التحويل النحوي بالزيادة أو النقصان ( الحذف)أو الاستبدال ،ومن أشهر أنواع الزيادة إضافة الواو أو الجار و المجرور مثل الأبيات:22-29-35-34.
ج-التوازي العمودي التام :
يحدث هذا النوع بين كل بيتين متتاليين أو بين مجموعة من الأبيات،ولهذا النوع وظيفة بنيوية أكيدة في ربط أجزاء النص ببعضها وجعلها نسيجا محكما مثل التوازي الحاصل بين البيتين المتتالين 29/30.
د-التوازي العمودي الجزئي :
يقصد بهذا النوع التطابق التام بين الجمل المتتالية في النص ،عدا بعض عناصرها بنفس الأسباب السالفة ( الزيادة أو النقصان أو الاستبدال) مثل 1-2و3-4و4-5. تعكس ظاهرة التوازي النصي تكرارا للحالة النفسية المعبر عنها وثباتها ، مما يجعل الوعي الشعري بقصد أو بغير قصد يميل إلى هذا النوع من التكرار الشكلي ، كما أن ظهور التوازي الرأسي(العمودي) يؤكد استمرارية الحالة الشعورية الواحدة وهي المتحكمة في نمو الخطاب الشعري واستمراره، وتماسكه من ناحية أخرى،وأحسن مثال على هذا توازي البيتين 29/30 الذي يَبِينُ عن استمرارية في تشكيل الصورة المركبة التي رسمها الشاعر وجسدها فعل الثعبان الذي سعى إلى تزيين الهلاك وفق تراتبية متواصلة من العزيمة ....توهج النظر......حدة الناب .....الحلول في الروح......الفناء المطلق ،كما أن هذه الصورة تتدرج من المجرد إلى الحسي ومن المعنوي إلى المادي ،ومن الباطن إلى الظاهر ومن النية إلى الفعل على طريقة العباد والصوفية الفانيين بأرواحهم في ذات الإله المعبود المطاع قولا وعملا،كما أن التوازي البنيوي يشي بتواز للمعاني الدائرة في فلك الموضوع المعبر عنه في التجربة الشعرية ، ذلك أن خلاصة المعنى في الجملتين المتوازيتين واحدة وإن عبر عنها بألفاظ مختلفة ، مما يؤكد الغرض التوكيدي للظاهرة في مستوى تغريض الخطاب ،كما ترتبط الظاهرة في مستوى دلالي آخر بدلالة التقابل والتعاكس المعنوي ،وهذا ينسجم مع طبيعة التجربة التي تصنع بين أطراف الحياة صراعا وجدلية تعكس رؤية المبدع للكون والعالم ،وخير مثال على ذلك البيت 19أين تقوم انتفاء العدالة بانتفاء التصادم :لا عدل=لا تصادم أو عدالة=إرهاب فالإرهاب الذي يقصده الشاعر هو إخافة المعتدي بمناهضته ودفعه.
3-المصاحبة المعجمية(التضام collocation):
يمكن تتبع هذه الظاهرة في النص الشعري من خلال اطراد مجموعة من المفردات في شكل ثنائي يشي بالاجتماع والترابط المعنوي مثل :
الحياة /الروح......1
العطر /الجلباب ....1،كما تقوم المصاحبة المعجمية من خلال علاقات التضاد مثل
الغم /المرح)في البيت 7 و(القوة /الضعف) ،و (الغر/ الحكيم) وقد أفاد التضاد في إبراز صورتين على طرفي نقيض ،كما اتخذ التضاد اتجاها تركيبيا عاما من خلال تشكيل صور متنافرة متضادة مثل :
صورة البراءة......صورة العقاب ،البيت (10)
الحقيقة.....الكذب ، البيت(18)، وتقوم المصاحبة المعجمية على أساس من تضام مجموعة من المفردات في سجلات دلالية تحكم تعالقها ،فيستدعى أحدها الآخر ، ولعل أهم هذه السجلات سجل الألفاظ الطبيعية الذي يحتوي على مفردات مثل :الربيع ، الغاب ، الشحرور ، الثعبان ، الورد ، الأعشاب ، وسجل الألفاظ الدينية ذات المنزع الصوفي مثل : الأواب ،الضحية ، الإله ، الحلول ، الخلود، اللعنة ، العقاب ، السعادة النفسية ، الطهارة ، الإخلاص ، السكر ...إلخ .بالإضافة إلى ألفاظ سياسية تعكس توجه الخطاب الشعري إلى خدمة موضوع سياسي لا يخلو من نبرة تحريضية ، وإن كان ظاهر الكلام يخالف قصد المتكلم أو بمعنى أصح عدم مطابقة الفعل القولي للفعل الإنجازي المتمثل في فعل التحريض ، مثل السلام ، الإرهاب ، العدالة ،الشرع ،الرأي ،الصدام ،الثورة ، السلام ، البقاء للأقوى .كما تتصاحب ثلة من الأفعال الدالة على معنى التغير و التصيير بخاصة في المقطع الرابع ، مثل :تصير ، تكون ، تذوب ، تحل .
ثانيا- قواعد الانسجام
إن الحديث عن انسجام نص جمالي يعني إجراء عملية تحويل جذرية ( تأويل)لخصائصه من شكل جمالي إلى دلالة معرفية أي إلى خطاب تندرج فيه بنية معرفية كلية تتحقق فيها شروط الوحدة والانسجام وقد ربط النصّيون في دراستهم للانسجام بين النص والمتلقي فتحقق هذه السمة النصية ليست معطى سالفا في النص وإنما يدرك عبره لذلك يفترض تنزله في ضوء علاقة النص بالمقام ومن مكونات المقام القارئ ،ويتحقق الانسجام في الخطاب الشعري بفضل تداخل مجموعة من العلاقات الدلالية (relation ) تعمل مجتمعة على حبك مضامين الخطاب ، وتحقيق التكامل والتناغم بينها ، ولعل أهمها :
1-المقابلة
2-الإجمال /التفصيل
3-الترادف
ينصب تركيزنا في هذا السياق على جملة من الظواهر الدلالية لها أثرها في ربط أفكار النص والتأليف بين معانيه وهي: الترادف والتقابل( المقابلة)و الإجمال والتفصيل، وانطلاقا من هذه العلاقات سيكون وصفنا لمعجم القصيدة .
الأبيات الإجمال/التفصيل المقابلة /المفارقة الترادف /شبه الترادف
1 +
2 +
+
6 + +
7 +
8 +
10 +
11 +
12 +
13 +
15 +
19 +
26 +
27 +
28 +
29 +
31 +
32 +
33 +
34 + +
36 +
ويبين الجدول أن هذه العلاقات الدلالية منتشرة على مساحة نصية مختلفة ،يمارس بعضها وظيفة التماسك الدلالي في غياب العلاقة الأخرى أحيانا ، وربما استمددنا تحقق الانسجام بين الدلالات الثلاثة التالية ،والتي تمثل قطب الرحى في الخطاب الشعري ،وهي :دالة العدوانية /دالة المشاعر الطيبة/ دالة المعقولية ،وهذه الدالاّت تكون في الأصل كيانا واحدا متزاحم الأضداد إذ يجمع بين الخير والشر ،وبين الهوى والعقلانية ،بين الاندفاع والطمأنينة ، إنه الكائن البشري أو الإنسان الكامل ،وقد نفيد في تأكيد هذه الصورة الكاملة التي اختارها الشابي للقوة المثقفة المهيمنة ممثلة في المستعمر أو العالم المتقدم من نتائج الدراسة العلمية المعاصرة في تحديد الدماغ الإنساني الذي يتكون حسب ما قرره ماك لين من دماغ زواحفي عدواني ودماغ ثدياتي كله مشاعر فياضة وأحاسيس ودماغ كورتيكس يحقق عقلانية الإنسان ،وهو في تطور مستمر ،كما يمكن إثبات التماسك العميق بوساطة اختزال النص إلى تيمات أساسة مثل :
تيمة الموت ، تيمة الخلود ، تيمة التضحية ، تيمة الحلول ، تيمة القوة ،تيمة الضعف ، وكلها موضوعات مترابطة دلاليا ومنطقيا في البنية العميقة التي تتحكم في مقاصد الخطاب وأغراضه ،وعلى صعيد الدلالة الشعرية أيضا نميز ثالوثا متكاملة أضلاعه أحدها يضطلع بوظيفة الفاعل الذي يصنع الحدث ويتحكم في الخطاب وهو الثعبان ،وأما الطرف الثاني فهو القابل الذي يمثله الشحرور ،ومن يمثلهم من الكائنات الضعيفة في العالم ،وأما الضلع الآخر فيمثل الأثر وهو النهاية الحتمية التي تتركب من وجهين متضادين في الواقع وجه الثعبان المتعاظم في قوته ووجه الشحرور الضحية الذي يفدي سيده عن كره منه ليبقى خالدا مسيطرا في هذا الوجود، في حين يكتفي الكون والطبيعة بدور هامشي لكنه مهم في الآن نفسه وهو دور الشاهد على الحقيقة المرة البائسة .
1-دلالة المفارقة
من أهم القيم النصية التي تضطلع بتحقيق سمة الانسجام علاقة المفارقة ، ولهذه العلاقة الدلالية قيمة تأويلية لا تنكر إذ تمنح القارئ فرصة التأمل فيما تقع عليه عيناه فتنبهه إلى إدراك ما يحيط به من عناصر سياقية تسهم في تحقيق فهم الظواهر التي تبدو متنافرة ومتضادة وإن كانت تمثل أوجها متعددة لحقيقة واحدة ،، ومن أمثلة المفارقة في قصيدة الشابي :وسعادة الضعفاء جرم إذ تنافرت السعادة مع الجريمة والمفارقة معاقبة البريء على وداعته وترك الجاني على جرمه ( البيت 16)، ومن المفارقة البسيطة الطباق بين القوي والضعيف في البيت نفسه ،ومن المفارقات أيضا ما ورد في الأبيات 18،19،20،22 .
هذا ويمكن دراسة الربط التضمني من خلال علاقة الجوار والمناسبة بين دلالات النص في ضوء ما تقدمه لنا نظرية الحقول الدلالية من خدمات لصالح بناء البنية المفهومية للقصيدة الشابي.
2-أزمنة النص
.يفصح النص الشعري .هنا .عن تشابك زمني مقصود يشي بغياب التجانس في البنية الزمنية لوحدات الخطاب ،ولنا أن نميز بين الزمن الموضوعي الذي يخضع إلى معيار المقايسة والتحديد بحسب الماضي والحال والمستقبل ،وتتوزع صور النص ومشاهده على هذه الأزمنة بنسب متفاوتة تعكس تماوجا في الخبر المسرود والموصوف ضمن الحوارية القائمة بين الشحرور والأسد ، فمن الماضي( الأبيات 1،2،7، 8،9،10) إلى الحاضر(13،14،17،22) ومن الحاضر إلى المستقبل (23،26،27 ،28 ،29)، ثم العودة إلى الماضي (31،33،36) تنشيطا للذاكرة باستدعاء الأحداث الماضية ،وملابسات الواقع المر... ويمكن تصور الزمن الموضوعي في هذه القصيدة من خلال ما يلي :
الزمن الحدث(المشهد) المكان
الماضي مشهد الطمأنينة والسعادة
حدث اللقاء
حدث الاستنجاد والتنديد
حدث التهديد
الحال حدث التهديد
حدث الترغيب(تزيين الهلاك)
الغاب
المستقبل حدث الاستسلام) الحلول في الآخر) الغاب
وتتحكم في هذه الأحداث المتسلسلة زمانيا ثنائية واحدة هي ثنائية (الوجود /العدم)أو( الحياة /الموت). إن هذه الأحداث التصويرية من حيث تنزلها في الصيرورة الزمنية تخضع لمبدأ التعاقب ، إلا أن أحداث الحال مرتهنة بلحظة آنية تحققها نهاية واحدة ارتضاها القابل ( الشحرور) لنفسه إرضاء لسيده بالتماهي في الآخر إلى درجة الذوبان والحلول فيه ،ولا مناص له من هذه النهاية القسرية، مما يجعل تماسكها الذهني يخضع لمبدأ الاستدعاء (اللقاء -الحوار -ترهيب/ترغيب-الاقتناع-الاستسلام-الفناء- الخلاص )،وأما الزمن الذاتي فإنه متميز بالخصوصية الفردية والذاتية فإنه لا يبالي بالمقياس الموضوعي الذي يحدد كم النهار والليل وحركتهما ،والأحداث في النص الشعري بحكم سرعتها المشهدية تعكس وجازة الزمن، واختصاره فلا المقام ولا ملابساته تسمح للمتكلمين الفاعلين بالتفكير في الزمن طال أم قصر ،فالمهم بالنسبة إليهما تحقيق الغاية، وهذا ما يجعل من هذا النوع بؤرة جامعة لتجربة الشاعر الثائر المنكر على الضعيف استكانته ،والناقم على القوي سيطرته واستبداده ،وربما يندرج التمييز القائم بين النوعين السالفين في سياق التمييز الذي أقيم بين زمن النفس وزمن الحدث وزمن التغني ،على أن زمن النفس/الذاتي هو الزمن الشعري الذي يعنى الدارسون بتوصيفه ،ويمكن القول والحال هذه أن زمن النص الذاتي تعبر عنه أحداث متداخلة ومتدافعة يستدعي بعضها بعضا في مكان واحد وشخصية واحدة تتكلم بكل أنواع الكلام من تهديد ووعيد ونصح وتحذير وتعزية وفخر من خلال كلام الثعبان المقدس...إلخ على أن هذه الأزمنة المعبر عنها إنما وقعت في دائرة مغلقة تفسر تتابعاتها وفق مبدأ التداعي،بينما يكشف الزمن النحوي عن الطابع التقعيدي للظاهرة الزمنية في اللسان العربي والقائمة على الثلاثية المشهورة(الماضي/المضارع/الأمر ) ،فأما الماضي والذي هيمن على الزمن النحوي في القصيد فقد ورد بصيغة المضارع المسبوق بالفعل الماضي الناقص كان ،كما ورد بصيغته المعروفة ،وهذا هو الغالب ،ويتخلل زمن المضارع (الحاضر/المستقبل) عبر مساحات متفاوتة في البناء النصي من خلال صيغ متعددة منها أرثي ،يعذر ،يسر ، تحل ،يخنق ، ...إلخ وأغلب هذه الأفعال تنسجم مع الترويع والإغراء والترقب والحركة ،أما صيغة الأمر فقد وردت في مواضع الاسترحام والنصح والأمر المطلق من العالي إلى الداني مثل :افعل ،ارحم ،فكر ، اكبح ، استمع
3-فى التناص الخطابى
من المعلوم لدى الدارسين- اليوم- أن اللغة باتت الوسيط بين المستعملين والمعرفة إذ بوساطتها يحصل التفاعل الاجتماعي والثقافي والمعرفي بوجه عام ، ويتحقق علمنا بالعالم الخارجي ، هذا العلم الذي نرتكز عليه أثناء قراءتنا للنصوص أيا كان نوعها ، غير أن استدعاءه يتطلب تنظيما للمعرفة في الذاكرة وتنشيطها بكيفية تخدم الفهم، وهذا بالتحديد ما يؤكده علم النفس المعرفي وربما هذا ما عنى جانبا منه مانجنيو في كتابه التداولية من أجل النص الأدبي حين قرّر أن الفهم يستنفر مجموعة من القدرات لقطع مسافة خطابية موجهة زمنيا بانسجام ، ويرتبط بمسألة المعرفة الخلفية التناص وهو كما يحدده ميشال أريفي : "مجموع النصوص التي تتعالق في نص معطى ، وهذا التناص طبعا يمكن أن يأخذ أبعادا مختلفة" ، ويعرفه ميشال ريفاتير من خلال وجود علاقة تربط (ن1) ، بـ (ن2) تتمثل في ظهور استشهادات وتلميحات أو علامات دالة على الجنس الأدبي مما يدعو إلى عقد مقارنة بين النص المتضمن لهذه العلامات ونصوص أخرى ، وفي الأدبيات النقدية الحديثة يمثل التناص فسيفساء من نصوص أخرى أدمجت فيه بتقنيات مختلفة ، إننا إذا عدنا إلى قصيدتنا قيد الدراسة سيكون من الواجب أن نطرح بعض التساؤلات على القصيدة ذاتها مثل :
1-ما هي النصوص التي احتوتها قصيدة "فلسفة الثعبان المقدس وأعادت إنتاجها بطريقتها الخاصة ؟ في إشارة واضحة إلى تقاطع هذا النص عبر فضاء المناصصة مع أسطورة الثعبان المقدس عند الفراعنة ،والتي تجعل من أتوم إله الموت والحياة في الآن نفسه يتحكم في مصير الخلائق والوجود وهو رب الأرباب لا رادَّ لقضائه ، وهو تماما ما تعبر عنه فلسفة الثعبان المقدس عند الشابي ) ، كما تتقاطع هذه القصيدة في منظومتها الفكرية واللغوية مع الخطاب الصوفي الغنوصي في الفكر الإسلامي بخاصة مما يؤكد تشبع المبدع بالثقافة التراثية واستحضار قيمها المختلفة ،كما يستدعي من عمق التراث العقدي فكرة تعدد الآلهة التي لم تخل منها الأديان غير السماوية والتعدد في جوهره يشي بالفرقة والكثرة والضدية وحب السيطرة .
2 - و ما هو سبب اختيار هذه النصوص دون غيرها ؟
تتعالق أسطورة الثعبان مع الفلسفة الاستعمارية الحديثة التي تنتهك حقوق المستضعفين وتمنيهم في الآن نفسه بتحقيق الرفاهية والتقدم في ظل تبعيتهم لهذه القوة ،والحقيقة المموهة والمملوءة بالحلم لا تعدو أن تكون تزيينا لسياسة الاحتواء والسيطرة الفكرية والاقتصادية والعسكرية وغيرها من ألوان الهيمنة ،ولا يجد هؤلاء الضعفاء من ناصر فيضطرون إلى الرضوخ قانعين بفتات الأقوياء فلا رأي ولا مشورة لمن لا يمتلك القوة والقدرة على المواجهة والأولى له حفاظا على حياته أن ينعم بجحيم العبودية فناء في حب المحبوب على طريقة الصوفية والمتعبدين ... إن قراءة سياقية لهذه النصوص تسهم في كشف مكنون النص الشعري محددة موضوعه الأساس والمتمثل في صورة الشعوب الضعيفة في إيديولوجيا القوى العالمية ،وسياسة الدول الكبرى في ممارسة فعل السيطرة على المجتمعات الضعيفة،هذا وتهدف الدراسات المتصلة بالتعالق النصي إلى إبراز عدم اقتصار النص على صوت واحد ، إذ ربما تداخلت فيه مجموعة من الأصوات الناجمة عن تداخل النصوص ضمن الجنس الأدبي الواحد ، فكل نص -على حد تعبير بارت-نسيج جديد من الشواهد المتطورة ، إلا أن وراء هذا التداخل النصي الذي يظهر في مستوى الموضوع والمضامين تشابها بنويا يظهره التماثل اللساني للمقاطع في مستوى البنية السطحية ، إن النص الذي بين أيدينا ينتمي إلى جملة أخرى من النصوص تمثل كلها تقليدا أدبيا يتقاطع معها ويشابهها ،والقارئ مطالب بأن يكون متوافرا على زاد معرفي يؤهله لفهم النص في ضوء النصوص الأخرى التي تمثل هي أيضا جزءا من سياقه العام ، ومن الأهمية بمكان أن نعلم كمتلقين أنه :
1-نص شعري حديث من حيث (الموضوع ،و الوزن والقافية ، والصور ،و الأخيلة ..).
2-منتجه شاعر مجدد يدعو إلى خلق تقاليد جديدة في القول الشعري .
3-لهذا اللون من الشعر خلفية غريبة تتمثل في تأثره بالمذاهب الأدبية الغربية كالرومانسية والرمزية، ولعل ذلك يظهر في توظيف الرمز بنية غالبة، والاعتماد على الأسطورة كأداة لتوصيل المعاني والتأثير على الآخر.
4-إن هذا الشعر ذو بعد سياسي وإيديولوجي مناهض للهيمنة والاستعمار بمختلف أشكاله الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.كما يمكن للقارئ المتبع لإنتاج الشابي أن يكون قد اطلع على قصائد أخرى في ديوانه وهي تكون مجتمعة ما يسمى في لسانيات النص بإطار الشاعر ،وأبرز ما يميز الإطار أنه يشكل سياقا ممتدا للنص المؤول تمثله النصوص التي يحيل إليها الديوان والتي تتلو النص المدروس ،وربما مثلت موضوعة الحياة محور هذا الإطار إذ نجدها تؤسس للخطاب في قصائد عدة من الديوان منها قصيدة إرادة الحياة (الديوان، نظرة في الحياة -75-77، جمال الحياة 70-72....ومن صور التناص الإفرادي في قصيدة الشابي استدعاؤها للغة الخطاب الصوفي من خلال مفردات محددة الدلالة في معجم الصوفية مثل :الحلول ،العزم ،على أن النص يعيد إنتاج دلالات جديدة موائمة لسياق الخطاب وأغراضه .
4-موضوع الخطاب
إن هذا المفهوم جذاب إذ يبدو أنه المبدأ المركزي المنظم لقسم كبير من الخطاب ، يمكن أن يجعل المحلل قادرا على تفسير ما يلي : لماذا ينبغي أن نعتبر الجمل والأقوال متآخذة كمجموع من صنف انفصل عن مجموع آخر يمكن أن يقدم أيضا وسيلة لتمييز الأجزاء الخطابية الجيدة المنسجمة ،من تلك التي تعد حدسيا جملا متجاورة غير منسجمة ، وقد أضاف الدارسون إلى موضوع الخطاب مفهوم التخاطب الذي يقتضي اشتراك اثنين في العملية ، بخاصة في النص الشعري باعتباره خطابا متعدد الأصوات ، ويظهر ذلك من خلال حوارية مقطعية داخلية بحيث يساهم كل مقطع في علاقته بسائر المقاطع في بناء موضوع الخطاب ، والظاهر في النص أن هناك معينات توصل إلى معرفة عدة مشاركين منها ضمير المتكلم بصيغة المفرد :
لا شيء إلا أنني متغزل بالكائنات ،مغرد في غابي
وقول الثعبان :
إني إله ، طالما عبد الورى ظلي ، وخافوا لعنتي وعقابي
بقي أن نشير إلى أن المقطع الأول الذي افتتحت به القصيدة يشكل الإطار العام للخطاب وهو ينتهي بالبيت السادس(6) .
4- التغريض
يقوم تغريض الخطاب الشعري بالبحث في العلاقة التي تربط موضوعه بالعنوان ذلك أن العنوان وسيلة تعبيرية ممكنة عن الموضوع ، فإذا وجد اسم الشخص -مثلا- مغرضا في عنوان النص فإنه من المتوقع جدا أن يكون هذا الشخص ممثلا لموضوع الخطاب وفحواه ،ولنا أن نتأمل ذات الثعبان في العنوان الذي ارتضاه الشابي في قصيدته : فلسفة الثعبان المقدس لندرك أن التغريض في القصيدة تم من خلال استحضاره في بدايات مقاطع النص الخمسة بصورة مباشرة وغير مباشرة ،وقد قامت الإحالة الضميرية داخل البنى المقطعية بتغريضه وإبراز مركزيته في النص مرة بالضمير الغائب ومرات بضمير المفرد المتكلم ، كما يستحضر الثعبان في مسافات نصية متباعدة بصورة مباشرة تأكيدا لحضوره الفاعل في الخطاب مثل الأبيات:7/20/ ،ومن خلال صفاته وأفعاله بخاصة في الأبيات (7/8/9/20/24/26/27/28/29/30/31/32/35. ومن هنا يمكن الزعم أن النص شديد التلاحم متصل إلى موضوع واحد يمكن عده موضوعا وسائر المضامين الأخر محمولات عليه .
5-رؤية العالم
جعل النص مركز ثقله قائما على بعد غنوصي صوفي تأملي يقوم على رمزية عددية تؤسس للغة مثالية قائمة على نحو للأفكار إلا أن هذه الرمزية العددية تحاول التحرر دوما من نمطية الدلالة التي تفرضها سلطة المرجع الثقافي منتجة مدلولات جديدة في عالم نصي خاص بالشابي لدوال معروفة سلفا.والظاهر أن هذا التوظيف الأسطوري للرمزية العددية ينم عن موسوعية الشاعر ، وتحكمه في مفاصل الإبداع الإنساني في تفسير الظواهر الكونية أسطوريا ،واطلاعه على ما جادت به العبقرية البشرية في أوج تحضرها ،وليس أدل على ذلك من استحضاره لأسطورة الثعبان المقدس من الثقافة البابلية القديمة ،وما يمكن قوله في هذا السياق في إطار البحث عن مفاصل الانسجام النصي أن روحا صوفية عارمة تحكمت في موضوع الخطاب الشعري الذي يعكس رؤية صاحبه لجدلية الصراع بين الخير المستضعف والشر الطاغي .
ثالثا- قواعد التصوير البلاغي (Figures):
إن سديم الصور البلاغية يشبه خيطا في شكل عناقيد تمر عبر حقل النص كله ،والصور تتحقق عندما لا يقتصر المعنى المنتج على المعنى الموجود في الترتيب اللفظي ،والتصوير الفني عند الشابي وسيلة فنية لها حضورها القوي في التجربة الشعرية ، وهو حضور يشف عن حرارة التجربة وعمقها وثراء الخيال مما يجعل من نص الشابي صورة بالغة التأثير مجسدة للحقيقة عن طريق التخييل فقد صور القوة المتغلبة التي تستعمل سياسة العصا والجزرة في شكل ثعبان عظيم تتمظهر عظمته في سيادته على الجبال ، على ما في المخلوقات الشامخة من دلالة رمزية تتكرس رمزيتها من حيث كونها علامات أيقونية لموجودات كونية مترامية الحدود ، كما صور الشعوب السليبة في حقوقها الوجودية والنفوس الضعيفة في صورة الطائر المغرد الحالم ( الشحرور) فيجمع فيه جميع المتناقضات فهو ضعيف ومسالم وحالم وسعيد ،وهذا سر نقمة الثعبان عليه،وإذا كانت هذه الصورة الكبرى هي الممثل لموضوع الخطاب فإنها تتكون من مجموع صور جزئية مترابطة ومنسجمة عبر المقاطع المكونة للبناء النصي،والصورة أنواع ، فمنها ذات البنية الصغرى كالتكرار بخاصة الصوتي وتكرار الصدارة والجناس والتكرار الاشتقاقي ، وكلها متوافر في بنية القصيد ،ومنها ذات البنية الكبرى مثل خطاب التعجب والسخرية والإغراق والتضخيم والطباق وبعضه أيضا موظف في النص ، ناهيك عن صور التكرار الأخرى التي تتحقق بالمجاز المرسل و الاستعارة والكناية والرمز مثل توظيف رمز الشحرور والثعبان والربيع والحلم والغاب وكلها عناصر طبيعية أسهمت في إثراء الأداء التصويري في الفضاء النصي ،مما يجعلنا نقول : إن الشابي في تجربته النصية هذه يتحرك في إطار من العالم الحسي محاولا بناء وجود خارجي لعالمه الداخلي ،رابطا في ذاك بين الذات ( الشاعر الشحرور) والموضوع ( الصراع بين القوة المثقفة والإنسان الضعيف في كل مكان )ولعل هذا النوع من التصوير الذي تبناه الشاعر هو الوسيلة التي أتاحت له الهروب من عالم المشاعر الداخلي بتحويل هذه الآلام إلى إحساس كوني يشترك فيه ملايين المستضعفين على الأرض فجوهر الصراع أزلي وواحد بالرغم من تغيير مادته في الزمان وفي المكان لذا كان أسلوب التأمل الصوفي مطلوب في مثل هذه