التراث الشعبي ماله وما عليه.
بقلم: حمو عبد الكريم
باحث بالمركز الوطني للبحث في الانتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية
Crasc وهران
تصدير:
مما لا شك فيه أن الأدب الشعبي أو التراث اللامادي يساهم بشكل كبير في الصناعة الثقافية للأفراد والجماعات، ويبقيها كائنة مُستبصرة، تتعالق وتتعايش فيما بينها، رغم ما يمر به العالم الإنساني من تحولات تقنية ورقمية جارفة، وبرمجات الكترونية زاحفة، فقد ابق المجتمع المحلي على وجوده بتمسكه بطقوسه وعاداته وتقاليده الشعبية وبأشعاره وألحانه الموسيقية... أبا عن جد.
السؤال الذي يطرح هو:
هل التراث الشعبي هو الذاكرة الحية للشعوب؟
-تعريف التراث الشعبي أو (الفولكلور):
التراث مفهوم يتعلق بتاريخية الإنسان في تجارب ماضية، وبعيشه في حاضره، ويمهد من خلاله لمستقبله، ومعلومٌ أنّ الموروث الشعبيّ موروثٌ متجذّرٌ في تراثنا المعرفيّ، وذلك من خلال حكايات الآباء، وأخبارهم وأشعارهم، والشعر هو لسانهم الثقافيّ، إضافةً إلى فنّ السرد الحكائيّ، الذي من خلاله نشاهد أماكنهم ونتعرّف على ثقافتهم وخبراتهم.
إن التراث الشعبي حصيلة فردية وجماعية تعبر عن حياة الأمة بجميع شرائحها في كافة مناطقها، ويغطى باستمرار كل احتياجات الشعب اليومية، ويبقى على الشكل والثبات من جيل إلى جيل ومحافظا على المضمون ويساعد على نقل الخطاب الفلسفي والروحي الموغل في القدم.
أول من استعمل كلمة فولكلور للدلالة على الآثار الشعبية القديمة هو العالم الانجليزي تومذ، وقد صاغ تومذ كلمة فولكلور من كلمتين هما فولك folkبمعنى الناس أو الصنف من الناس وهي الكلمة الانجليزية القديمة ، ولور Lore بمعنى معرفة أو الحكمة. فالفلكور حرفيا هو معارف الناس أو حكمة الشعب" . وقد أصدر مؤتمر الفولكلور الذي عقد في أرنهيم Arnheim بهولدا سنة 1955م، في توصياته حيث يعرف الفولكلور بالنظر إلى مادته على نه "هو المأثورات الروحية الشعبية وبصفة عامة خاصة التراث الشفوي oral tradition وهو أيضا العلم الذي يدرس هذه المأثورات"
والفولكلور أو الثقافة التقليدية الشعبية هي جملة أعمال إبداع نابعة من مجتمع ثقافي وقائمة على التقاليد، تعبر عنه جماعة أو أفراد معترف بأنهم يصورون تطلعات المجتمع وذلك بوصفه تعبيرًا عن الذاتية الثقافية والاجتماعية لذلك المجتمع، وتتناقل معاييره وقيمه شفهيًا أو عن طريق المحاكاة أو بغير ذلك من الطرق وتضم أشكاله، فيما تضم، اللغة والأدب والموسيقى والرقص والألعاب والأساطير والطقوس والعادات والحرف والعمارة وغير ذلك من الفنون"
- أنواع التراث:
التراث المبني: المدن العتيقة ( قسنطينة، تيبازة، بجاية، تلمسان،... ) ، المساجد و المدارس و منها: الأبواب، القصبات، القصور، الزخارف و النقوش..
التراث المسموع: الشفوي أو المسموع و يتمثل في الروايات والحكي والفنون الغنائية و يضم الروايات و الحكايات والموسيقية، مثل الموشحات الأندلسية، الحوزي، قناوي..)ورقص شعبي عيساوي، قبائلي ...)
ومازال فن القص الشفهي والغناء الشفوي يُقَدم في بعض الساحات الرئيسية في عدد من المدن والقرى خاصة في البادية، وتكثر في فصل الربيع أيام الطعم والزردات والأعياد الموسمية المعروفة بـ الوعادي ونجدها بكثرة في جنوب الجزائر، وفي بعض المناطق الداخلية مثل تيارت ومعسكر... ونجدها في بعض المقاهي الشعبية وفي بعض الأسواق الأسبوعية.
التراث المكتوب: وهي الوثائق، وهي المخطوطات، نصوص تاريخية. وتعني نقل المعرفة من خلال الكلمة المكتوبة، لأن الكثير من تقاليدنا يمكن أن تحفظ وتنقل على مدى الأجيال القادمة عن طريق كتابتها.
إن المجتمع الجزائري غني بالحكايات والأساطير القديمة والحديثة، كما أنه ثري في مجال الرموز والمعاني ذات الدلالات والألحان والأشعار والنكت والمواويل، والأبطال التاريخيين على امتداد القرون وفي كل المجالات، مما يشكل مصدرا لا ينبض لأعمال فنية ودرامية راقية يعول عليها كثيرا "لا يوجد إجراء ناجح لمواجهة الثقافة الجماهيرية سوى مهرجانات الفنون الشعبية التي تساعد على الاحتفاظ على تركيبة التعددية الثقافية وما فيها من تنوع باهر، إنها تكشف عن الجماعات وتنبعث فيها الحيوية هذه الجماعات تعتبر استحكامات قوية لحماية الأفراد ضد غول الدول الكبرى والمؤسسات الكبرى"
3- مفهوم الأدب الشعبي:
الأدب الشعبي هو الأدب الذي يصدره الشعب، فيعبر عن وجدانه ويعكس اتجاهاته ومستوياته الحضارية، وهو دال على مجموعة من الأشكال التقليدية (الأساطير– الحكايات الخرافية – القصص– الأمثال – الأغاني – السير...)، وما يمكن تأكيده أن الأدب العربي استمد جذوره من الأدب الشعبي في مرحلة مبكرة من تطوره مما أبقى صفات مميزة للإبداع الشعبي الشفهي بشكل ظاهر حتى الآن.
ولاشك أن اسم (الأدب الشعبي) مصطلح عربي أي مؤلف من ألفاظ عربية خالصة، وقد ابتكر العرب هذه الصيغة، واستعار الباحثون العرب المفهوم من الكلمة الغربية (فولكلور)، والأدب الشعبي هو تراث فكرى لحياة الشعوب لما يتضمنه من قيم روحية، وفنون أدبية شعبية، ومما يجدر ذكره أن الأدب الشعبي في الاصطلاح العلمي الحديث يشمل القصص الشعبية التي تنتقل من جيل إلى جيل، وهو تارة على هيئة أغاريد أو قصص موسيقية راقصة، هذا الإنتاج الفني الشعبي نسمعه في الأغاني الشعبية والأغاني الدينية، والمثل السائر والروائي .و الأحاجي وحكاوى الأطفال... مما أبقى صفات خصائص الأدب الشعبي:
1 الشفاهية: وهي ميزة الشعر العرب، حيث كان يلقى ويحفظ مشافهة، و سر بقائه أبا عن جد.
2 التلقائية: بعيد عن التكلف والتصنع.
3 البساطة: استعمال لغة سهلة، بعيدا عن الإطناب والمنطق.
4 الأسلوب: لا بلاغة في الأدب الشعبي.
5 الإيقاع: يعتمد الشعر الشعبي على الإيقاع الملحن الذي يميزه عن الشعر الفصيح.
6- مجهول المؤلف، المتوارث جيلا بعد جيل، فالمؤلف ليس فرداً ولا صوتاً واحداً، وإنما حصيلة مجموعة الأصوات والأفكار التي يتلقاها من المحيط وتخترقه فيسجلها على الورق، بمعنى آخر فإنها لهم وليست له.
7- الأدب الشعبي لأية أمة هو أدب عاميتها التقليدي الشفاهي. والأديب لا يعبر عن ذاته بقدر ما يعبر عن الوعي الجماعي أو قل أنه فيما يعبر عن ذاته ينضج بوعي جماعة ما أو طبقة ما.
إذن؛ فالأدب الشعبي يلعب دورا مهما في المجتمع، فهو يؤدي وظائف متعددة، أخلاقية، ترفيهية، سياحية... وأزكاها: الوظيفة الاجتماعية التي تشتعل على خلق قوالب مشتركة وسلوكيات متراصة تعين المجتمع على الاحتفاظ بتماسكه. كما يؤدي وظيفة تربوية، كتربية الأجيال على حب الوطن والتمسك به.
وقد ظل الأدب الشعبي مقرونا بالإنسان الأول الذي برز فوق سطح الأرض، وهو الذي أطلق عليه علماء الأنتروبولوجيا اسم الإنسان البدائي صاحب المستوى الحضاري البسيط، وقد مارس الإنسان البدائي حياته وفرض وجوده، وشكل ممارسات نمت رصيده الثقافي والأدبي فتوارثها أبناؤه عبر العصور. وقد يذاع الأدب الشعبي في مناسبات تقليدية مثل الزواج والولادة والوفاة وأماكن العمل والتسلية والأسواق العمومية، كما يعد الأدب الشعبي اللغة الوحيدة التي لم تتقلص إلى شعار، فهو لغة ذات علاقة جدلية مع الواقع ويتمتع بقدرة كبيرة على تفسير الواقع وتشخيصه. واللغة بحد ذاتها نتاج ونشاط إنساني حضاري مرتبط بالفرد، وهي إفراز إبداعي لعملية التفاهم والتواصل في المجتمعات المتحضرة، وتعد خير تعبير عن خلجات النفس الإنسانية في وصف المدنية وحياتها الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والأدبية والفنية والحربية ونشاطات إنسانية أخرى.
الثقافة:
الثقافة في مفهومها الواسع ليست مصطلح فضفاض، أو أطروحةً أكاديميّة، بل هي أوسع من ذلك وأشمل، إنّها منظومة من المعارف والخبرات الفطريّة والمكتسبة، والتي تتشكّل منها ثقافة الفرد منذ نعومة أظفاره إلى هرم حياته.
وتعد الثقافة رافدا أساسيا من روافد التنمية المحلية، والتعريف بها واجب في عالم تهدد فيه العولمة والرقمنة الرابط الروحي والعلائقي للشعوب، فما يربط الفرد والجماعة والأمة هو الاسمنت الثقافي المسلح بالأخلاق والأعراف الكريمة والطموحات المشتركة، وما من أمة إلا ويجب أن تكون لها مقومات تراثية وإبداعية وتموقع كائن بين الأمم. ومن الضروري أن تكون هناك ثقافة سياحية لكل شعب يتطلع إلى أن يُؤمن موقعه في خريطة الدول السياحية، ويُعرف بنفسه وما لديه من مقومات، وبهذا تصير الثقافة السياحية مورد استثمار وعتبة اقتصادية ترفع من المستوى المعيشي للشعوب.
الخاتمة:
إن دراسة الأدب الشعبي هام ومفيد في حياتنا الفكرية والثقافية، لأن الأدب الشعبي جزء هام من تراثنا الحضاري والثقافي، وهو بعد من أبعاد الكيان الجمعي للأمة والمجتمع؛ فيه دونت جوانب أساسية من نظرتها للحياة والكون والمعتقد، وعبره تغنت بأفراحها وأحزانها، ومن ثم أمكن اعتباره مادة معرفية أساسية لكل باحث أراد استكناه بنية فكر الفئات الاجتماعية الواسعة ومعرفة مكونات المخيال الجمعي الذي لم يشمل التدوين ثمراته، فظلت فنونه في دائرة الشفوي، هذا فضلا عما في الأدب الشعبي (الشعر،والحكاية، والأغنية) من جمالية وفن متميزين، وكثيرا ما مثل ذلك مادة أساسية لتأليف أعمال روائية أو قصصية أو درامية ذات شأن ونالت من الشهرة والصيت قدرا هامالا يستهان به.