أما عن حروف العطف فقد جاء استعمال هذه الحروف موافقا لما تنص عليه القواعد ويشه به الاستعمال القديم والمعاصر للغة الفصحى ، ومع ذلك كانت هناك عشرات المواضيع التى وردت فيها هذه المواضيع خلافا للمنصوص عليه والمتكلم به، وكأن هذه المواضع التى خرجت عن المألوف وعلى الاستعمال تخالف القاعده وتناقضها أو كأن هذه المولضع تشير إلى أن الإلتزام بهذه القواعد ليس إجباريا ولا يصح الخروج عليه فنجد مثلا مواضع كثيرة لم يلتزم فيها بالترتيب المستفاد من هذه الحروف ومواضع أخرى تشعر كأنها مقحمة ويمكن الإستغناء عنها وثالثة كأنها وضعت فى غير مكان و أن غيرها من الحروف أولى بها فى هذا المكان فمثلا قوله تعالى
{ يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ }
فقدم فى هذه الآيه السجود على الركوع وهو متأخر فى الواقع وكأن التناسق الذهنى يقتضى تقديم الأسبق فى الفعل والعطف بالواو يقتضى أن يكون الثانى بعد الأول
فيقول الإمام القرطبى
أي أطيلي القيام في الصلاة؛ عن مجاهد. قتادة: أدِيمي الطاعةلما قالت لها الملائكة ذلك قامت في الصلاة حتى وَرِمت قدماها وسالت دماً وقيحاً عليها السلام.
{ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي } قدّم السجود هاهنا على الركوع لأن الواو لا توجب الترتيبفإذا قلت: قام زيد وعمرو جاز أن يكون عمرو قام قبل زيد، فعلى هذا يكون المعنى وٱركعي وٱسجدي. وقيل: كان شرعهم السجود قبل الركوع. { مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } قيل: معناه ٱفعلي كفعلهم وإن لم تصلي معهم. وقيل: المراد به صلاة الجماعة
وقد أجمع المفسرون أن القمر انشق على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم،روى أن أهل مكة سألوا النبى آية فأراهم انشقاق القمر مرتين فنزلت
{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ }
وعلى هذا يثكون انشقاق القمر دليلا على اقتراب الساعة ،فكان التناسق الذهنى يقتضى أن يقال انشق القمر واقتربت الساعة
فقال ابن عاشور
فتصدير السورة بــــ { اقتربت الساعة } للاهتمام بالموعظةفجعلت تلك المعجزة وسيلة للتذكير باقتراب الساعة على طريقة الإِدماج بمناسبة أن القمر كائن من الكائنات السماوية ذات النظام المساير لنظام الجو الأرضي فلما حدث تغير في نظامه لم يكن مألوفاً ناسب تنبيه الناس للاعتبار بإمكان اضمحلال هذا العالم، وكان فعل الماضي مستعملاً في حقيقته. وروي أن حذيفة بن اليمان قرأ { وقد انشق القمر }.
وإن كان نزولها قبل حصول الانشقاق كما اقتضاه حديث أنس بن مالك فهو إنذار باقتراب الساعة وانشقاق القمر الذي هو من أشراط الساعة ومع الإِيماء إلى أن الانشقاق سيكون معجزة لما يسأله المشركون. ويرجح هذا المحمل قوله تعالى عقبه:
{ وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر }القمر: 2]
وعطفُ { وانشق القمر } عطفُ جملة على جملة.
والخبر مستعمل في لازم معناه وهو الموعظة إن كانت الآية نزلت بعد انشقاق القمر كما تقدم لأن علمهم بذلك حاصل فليسوا بحاجة إلى إفادتهم حكم هذا الخبر وإنما هم بحاجة إلى التذكير بأن من أمارات حلول الساعة أن يقع خسف في القمر بما تكررت موعظتهم به كقوله تعالى:
{ فإذا برق البصر وخسف القمر }
[القيامة: 7، 8] الآية إذ ما يأمنهم أن يكون ما وقع من انشقاق القمر أمارة على اقتراب الساعة فما الانشقاق إلا نوع من الخسف فإن أشراط الساعة وعلاماتها غير محدودة الأزمنة في القرب والبعد من مشروطها.
وقال الإمام القرطبى
وقد قيل: هو على التقديم والتأخير، وتقديره ٱنشق القمر وٱقتربت الساعة؛ قاله ٱبن كيسان. وقد مرّ عن الفرّاء أن الفعلين إذا كانا متقاربي المعنى فلك أن تقدّم وتؤخر
فكما هو معلوم أن الواو لمطلق الجمع وهذا المعنى المعروف للواو أشكل فى الآية
{ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ }النساء 3
فكأن مجموع ما أسمح الله به للرجال تسع إذا احتكمنا إلى ظاهر النص فقال الإمام القرطبى
ٱعلم أن هذا العدد مَثْنَى وثُلاث ورُباع لا يدل على إباحة تِسعِ، كما قاله من بَعدُ فهمُه للكتاب والسنّة، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأُمة، وزعم أن الواو جامعة؛ وعَضَد ذلك بأن النبيّ صلى الله عليه وسلم نكح تسعاً، وجمع بينهن في عِصْمته. والذي صار إلى هذه الجهالة، وقال هذه المقالَة الرافِضةُ وبعض أهل الظاهر؛ فجعلوا مثنى مثل اثنين، وكذلك ثُلاث ورُباع. وذهب بعض أهل الظاهر أيضاً إلى أقبح منها، فقالوا بإباحة الجمع بين ثمانِ عشرة: تمسُّكاً منه بأن العدل في تلك الصيغ يفيد التكرار والواو للجمع؛ فجعل مثنى بمعنى ٱثنين ٱثنين وكذلك ثُلاث ورُباع. وهذا كله جهلٌ باللسان والسُّنة، ومخالفَةٌ لإجماع الأُمة؛ إذ لم يُسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع. وأخرج مالك في موطئه، والنّسائي والدَّارَقُطْنِيّ في سننهما " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لغَيْلان بن أُمَيَّة الثَّقَفِيّ وقد أسلم وتحته عشر نسوة: «ٱختر منهن أربعاً وفارق سائرهن» " وفي كتاب أبي داود " عن الحارث بن قيس قال: أسلمتُ وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «ٱختر منهن أربعاً» " وقال مقاتل: إن قيس بن الحارث كان عنده ثمان نسوة حرائر؛ فلما نزلت هذه الآية أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلّق أربعاً ويُمسك أربعاً. كذا قال: «قيس بن الحارث»، والصواب أن ذلك كان حارث بن قيس الأسدي كما ذكر أبو داود. وكذا روى محمد بن الحسن في كتاب (السير الكبير): أن ذلك كان حارث بن قيس، وهو المعروف عند الفقهاء. وأما ما أُبيح من ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فذلك من خصوصياته؛ على ما يأتي بيانه في «الأحزاب». وأما قولهم: إن الواو جامعة؛ فقد قيل ذلك، لكن الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات. والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين وثلاثة وأربعة. وكذلك تستقبح ممن يقول: أعطِ فلاناً أربعة ستة ثمانية، ولا يقول ثمانية عشر. وإنما الواو في هذا الموضع بدل؛ أي انكحوا ثلاثاً بدلاً من مثنى، ورباع بدلاً من ثلاث؛ ولذلك عطف بالواو ولم يعطف بأو. ولو جاء بأو لجاز ألا يكون لصاحب المثنى ثلاث، ولا لصاحب الثلاث رباع. وأما قولهم: إن مَثْنَى تقتضي ٱثنين، وثُلاَثَ ثلاثة، ورباع أربعة، فتحكُّم بما لا يوافقهم أهلُ اللسان عليه، وجهالةٌ منهم.
وكذلك جهل الآخرين؛ بأن مَثْنَى تقتضي اثنين اثنين، وثُلاثَ ثلاثة ثلاثة، ورُباع أربعة أربعة، ولم يعلموا أن اثنين اثنين، وثلاثاً ثلاثاً، وأربعاً أربعاً، حصرٌ للعدد. ومثنى وثلاث ورباع بخلافها. ففي العدد المعدول عند العرب زيادةُ معنىً ليست في الأصل؛ وذلك أنها إذا قالت: جاءت الخيل مثنى، إنما تعني بذلك اثنين اثنين؛ أي جاءت مزدوجة. قال الجوهريّ: وكذلك معدول العدد. وقال غيره: إذا قلت جاءني قوم مثنى أو ثُلاث أو أُحَاد أو عُشار، فإنما تريد أنهم جاءوك واحداً واحداً، أو اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو عشرة عشرة، وليس هذا المعنى في الأصل: لأنك إذا قلت جاءني قوم ثلاثة ثلاثة، أو قوم عشرة عشرة، فقد حصرت عِدّة القوم بقولك ثلاثة وعشرة. فإذا قلت جاءوني رُباع وثُناء فلم تحصر عِدّتهم. وإنما تريد أنهم جاءوك أربعة أربعة أو اثنين اثنين. وسواء كثر عددهم أو قلّ في هذا الباب، فقصرهم كل صيغة على أقل ما تقتضيه بزعمه تحكّم
المراجع
كتب تفسير القرآن
العربية ومحاكاة النص القرآنى للدكتور مجدى محمد حسين
أستاذ العلوم اللغوية المساعد ورئيس قسم اللغة العربية بأداب دمنهور
جامعة الإسكندرية