محمد مليطان مشرف منتدى
عدد المساهمات : 36 نقاط : 72 تاريخ التسجيل : 28/12/2009
| موضوع: مبادئ نظرية النحو الوظيفي ( 2 ) 2010-01-23, 01:21 | |
| 2.1 - وظيفة اللغة الأداة إذا نحن سلمنا بأن اللغة أداة، فما هي وظيفتها؟ يسخّر مستعملو اللغة هذه الأداة لتحقيق أغراض متعددة كالتعبير عن الفكر والأحاسيس والمعتقدات والتأثير في الغير بإقناعه أو ترغيبه أو ترهيبه أو مجرّد أخباره بواقعة ما. إلاّ أن هذه الأغراض وإن تعددت واختلفت من حيث طبيعتها آوية إلى وظيفة واحدة هي تحقيق التواصل بين أفراد مجتمع ما. من المعلوم أن التواصل يمكن أن يتم عبر قنوات أخرى كالإشارة والصورة إلاّ أن التواصل عبر هذه القنوات لا يرقى قوّة ودقة إلى التواصل المتوسّل فيه باللغة. ومن المعلوم أيضاً أن أدوات التواصل غير اللغوية قد تتضافر مع اللغة في أنساق تواصلية "مركبة" كالشريط السينمائي مثلاً. 3.1 - اللغة والاستعمال يرتبط نسق اللغة ارتباطا وثيقاً بنسق استعمالها. ويُقصد بنسق الاستعمال مجموعة القواعد والأعراف التي تحكم التعامل داخل مجتمع معين. نسقا اللغة والاستعمال نسقان مختلفان من حيث طبيعتهما لكنهما مترابطان. ويتجلى هذا الترابط في كون نسق الاستعمال يحدّد في حالات كثيرة قواعد النسق اللغوي المعجمية والدلالية والصرفية – التركيبية والصوتية وهو ما يُعني به فرع اللسانيات المسمّى "اللغويات الاجتماعية". من أبسط الأمثلة في هذا المضمار اختلاف خصائص العبارات اللغوية باختلاف الوسائط الاجتماعية كجنس المخاطب وسنّه وطبقته المجتمعية والمنطقة الجغرافية التي ينتمي إليها. فالمتكلم لا يستعمل نفس النمط من العبارات في مخاطبة أشخاص ذوي أوضاع مجتمعية مختلفة. ولنسق هنا مثالاً للتوضيح: لنفرض أن المتكلم يريد حمل المخاطب على إنجاز واقعة ما ولتكن الواقعة مناولته المِلح أثناء الأكل: (أ) إذا كان المخاطَب ذا وضع يساوي وضع المتكلم استُعمِلت عبارة من قبيل (3): (3) ناولني المِلح من فضلك. (ب) وإذا كان وضع المخاطب يَعلُو وضع المتكلم استُعملت العبارة (4): (4) هل تستطيع أن تناولني المِلح من فضلك؟ (ج) أما إذا كان وضع المخاطب دون وضع المتكلم فتستعمل إحدى العبارتين المباشرتين التاليتين: (5) أ- ناولني الملح ! ب - المِلحَ ! 4.1 - سياق الاستعمال يقتضي التواصل "الناجح" أن تطابق العبارة المنتقاة سياق استعمالها. وسياق الاستعمال سياقان: سياق مقالي وسياق مقامي. (أ) يُقصد بالسياق المقالي مجموعة العبارات المنتجة في موقف تواصلي معين باعتبار أن عملية التواصل لا تتم بواسطة جُمَل بل بواسطة نص متكامل في غالب الأحوال. ومن أهم مظاهر الترابط بين عبارات النص الواحد ظاهرة "العود الاحالي" المعروفة التي تربط بين ضمير ما ومركب اسمي سابق كما هو الشأن في النص المبسط التالي:
(6) استعار خالد قلماً من هند... وبعد ساعات أعادهُ إليها. (ب) أمّا ما يُقصد بالسياق المقامي فهو مجموعة المعارف والمدارك التي تتوافر في موقف تواصلي معين لدى كلّ من المتكلم والمخاطب. (1) المعارف الآنية هي المدركات الحسية (السمعية والبصرية وغيرها) المتواجدة في موقف التواصل ذاته. من مظاهر ارتباط إنتاج العبارات اللغوية أو تأويلها بهذا الصنف من المدركات إحالة الأدوات الإشارية على ذوات "حاضرة" أثناء التواصل كما هو شأن اسم الإشارة في الجملة (7) مثلاً: (7) ناولني ذلك من فضلك ! ما يبرّر الاكتفاء بالإحالة على الذات المقصودة في الجملة (7) بواسطة مجرّد اسم إشارة هو توافر هذه الذات أثناء التخاطب وتعرّف المخاطب عليها. (2) إمّا المعارف العامة فهي ما يشكل مخزون المتخاطبين المعرفي الذهني حين التخاطب. ويشمل هذا المخزون كلَّ ما يعرفه كلٌّ من المتكلم والمخاطب عن عالم الواقع وعن عوالمَ ممكنة أخرى(2). إن المخزون المعرفي الذهني يُسهم في تحديد سلامة العبارة اللغوية أو عدم سلامتها. فقد تكون العبارة سليمة نحواً ودلالة لكن لاحنة بخرقها لمعرفة من المعارف العامة. مثال ذلك ما يمكن أن نلحظه في الجملة (8) غير المقبولة وإن كان لا يشوب تركيبها ودلالتها شائب: (8) صومعة حسان من أجمل أثار مراكش لا يمكن أن يقبل المخاطب هذه الجملة على سلامة بنيتها إذا كان يعلم أن "صومعة حسان" من آثار الرباط لا مراكش. مثال آخر لارتباط سلامة العبارة اللغوية بالمعارف العامة: من خصائص الجمل الاستفهامية الحاملة لسؤال حقيقي أنها تستدعي جواباً قد يكون "نعم" أو "لا". إلا أن هذه الخاصّية ترتفع حين ترد الجملة الاستفهامية حاملة لسؤال عن شيء غير متوافر في مخزون المخاطب. فالجملة (9) إذا ما خوطب بها من يجهل أن للسكاكي كتاباً عنوانه "مفتاح العلوم" لا تحتمل ردّاً إيجابيّاً كان أم سلبياً: (9) أ- هل قرأت كتاب السكاكي كلَّه؟ ب- * نعم / لا. ومن أمثلة ذلك كذلك ظاهرة ازدواج القصد. فجملة كالجملة (10). (10) هل تستطيع الوصول إلى النافذة؟ يمكن أن يثوى وراءها قصدان اثنان: الاستفهام عن مدى قدرة المخاطب على الوصول إلى النافذة إذا كان المخاطب في حالة ترويض على المشي بعد عطب ما وطلبُ المتكلم من المخاطب أن يفتح النافذة لتهوية الحُجرة. من الواضح أن ترجيح أحد القصدين لا يمكن أن يتم إلا بالنظر إلى سياق التواصل.
---------
من كتاب (المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي.. الأصول والامتداد) للأستاذ الدكتور أحمد المتوكل، منشورات دار الأمان الرباط 2006..
|
|
طارق الصين .عضو مشارك
البلد : الصين عدد المساهمات : 19 نقاط : 19 تاريخ التسجيل : 09/11/2010
| موضوع: رد: مبادئ نظرية النحو الوظيفي ( 2 ) 2010-11-09, 11:54 | |
| |
|