منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك سيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةسيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرسيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورسيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةسيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةسيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودسيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرسيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة سيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لناسيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة سيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبسيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرسيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبسيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارسيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 سيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد بكاي التلمساني
عضو شرف
عضو شرف


وسام النشاط :
وسام النشاط

القيمة الأصلية

البلد :
الجزائر

عدد المساهمات :
210

نقاط :
602

تاريخ التسجيل :
15/08/2010

المهنة :
باحث وكاتب


سيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية Empty
مُساهمةموضوع: سيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية   سيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2010-11-03, 23:13

سيميائية المنمنمة الإسـلامية
التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية



د. إيـاد حسـين عبــد الله

منذ بدايات الإنسان الأولى، كان البحث عن وسيلة للتعبير هدفاً حقيقياً في التواصل مع بني جنسه وبيئته وإن اختلفت هذه الوسائل من بيئة إلى أخرى أو من زمان إلى آخر.

إلا أن النتيجة التي تمخضت عن ذلك هو الوصول إلى لغة كانت تارة مكتوبة أو مقروءة أو إشارية أو حركية أو أيقونية، ووصول الإنسان إلى اللغة إنما فتح الباب أمامه للتعبير عن أول تلك المشاعر والانفعالات والهواجس، وكل ما يجول بخاطره ويحدد علاقته وموقفه بالآخرين والبيئة وما تكتنفه في الزمان والمكان.

وهذه كقيمة إنما تحدد تقريباً موقف الإنسان من الفكر الحضاري والمدني في تعمير الأرض ونشوء الوعي باعتباره من أعلى القيم الكبرى التي تعمل على ديمومة الحياة واستمرارها. ولعل أولى تلك الوسائل التي اعتمدها الإنسان في التعبير، هي تلك الرسوم على جدران الكهوف والتي كان يرسمها لأهداف عديدة قد تكون اجتماعية أو دينية أو اقتصادية أو تحمل طقوساً معينة كان يشعر بحاجتها وضرورتها.
بنية الحرف استقت أولى قيمها الجمالية من الدعوة الجمعية للفكر وليس الممارسة الإبداعية الفردية وعلى أساس انتماء ودور الفرد في الجماعة، وبما يؤشر لنا بأن القيم الجمالية الجديدة هي قيم جمعية رغم أنها تحفظ للفرد دوره الحقيقي في بناء الحياة وديمومتها. في ذات الوقت التي تغيب الذاتية الفردية أمام المنجز الجمعي

إلا أن حقيقة تلك الرسوم كانت تشكل أولى مراحل الكتابة التي سميت فيما بعد بالصورية وهي أولى الأبجديات القادرة على التعبير والتواصل، ومن الطبيعي أن ترتقي وسائل الإنسان وأدواته بارتقاء فكره ونشاطه واكتشافه لقوانين الحياة والمادة، فأصبحت وسيلة تواصله «لغته» رمزية ثم مقطعية، وقطعت حقباً زمنية طويلة وصولاً إلى الأبجديات المختلفة باختلاف أمم الأرض وشعوبها، وكان كل من هذه الأبجديات يشكل على مستوى الشكل والمعرفة انعكاساً لتلك البيئة والثقافة ومجموعة القيم والمنظومات المجتمعية لتلك الأمم. وهكذا شكلت الأبجديات أعلى مراحل تطور وسائل الاتصال الإنساني منذ بدايتها كأشكال مرسومة وحتى وصولها إلى أشكال في أعلى مراحل التجريد في الشكل الذي اقترن بالصوت بعد أن كان صورة فقط. وكان أول مظاهر نشوء الأبجدية ومن ثم اللغة، كوعاء للفكر ووسيلة لنقل العلوم والمعارف وكتابة التاريخ التي حفظت الحضارة الإنسانية في كل صفحاتها هو عملية التدوين.

أما الحروف العربية فلم تكن لتبقى وسيلة لنقل تلك الأفكار فحسب، وإنما أصبحت قيمة جمالية عليا من خلال تمثل الأشكال الخطوط العربية وبسبب من علاقتها الوثيقة بالبيئة العربية وما فرضته العقيدة الإسلامية من قيم في الوفاء والصدق والإخلاص والأمانة والتي كانت تشكل المبادئ الأساسية للإنسان في علاقته بالمجتمع والبيئة. وقد اتضح ذلك لاحقاً من خلال العلاقة بين الحقيقة العلمية (الكيان الموضوعي) ونظرية المعرفة (الإبستمولوجي) التي يثيرها الحرف العربي، إذ بلغت ذروتها عندما توسط طرفا الجمال والدلالة اللغوية والمعرفية، وبما يمكن أن أسميه (جمال المبنى وكمال المعنى).

فهل أن اقتصار ما جودته الأقلام من تنوع على آيات الذكر الحكيم ومأثور القول وصافيات الحكم قد فاق التصورات وأصبح كفيلاً بأن يحيل الشكل ظاهراتياً إلى جماله الأقصى؟ وإن كان المبدأ كذلك فهل أننا نلتقي جمالياً وتطبيقياً بما أثاره جادامر في نظريته للتلقي والتأويل في أواخر القرن العشرين، بأن أقصى ما يمكن أن يصله الجمال هو الكمال. أو ما أثاره الإمام الغزالي قبل ذلك بما يقرب من عشرة قرون بأن (جمال الشيء في كماله اللائق به) وفي كلتا الحالتين لا يمكن الكشف عن هذه الدلالات الظاهراتية وبنيتها العميقة دون استقاء المعرفة من علوم شتى لأن ظاهرة تطور الحرف واستخدامه لم تكن بعيدة عن المنهج الفكري الذي حمله الإسلام مبشراً ومنذراً.

أي أن بنية الحرف استقت أولى قيمها الجمالية من الدعوة الجمعية للفكر وليس الممارسة الإبداعية الفردية وعلى أساس انتماء ودور الفرد في الجماعة، وبما يؤشر لنا بأن القيم الجمالية الجديدة هي قيم جمعية رغم أنها تحفظ للفرد دوره الحقيقي في بناء الحياة وديمومتها. في ذات الوقت التي تغيب الذاتية الفردية أمام المنجز الجمعي، ولم يدخل القرن الرابع الهجري حتى كانت فكرة معالجة الحروف داخلة في كل أشكال المعرفة الإنسانية، فعالجها العديد من الفرق والجماعات، كما عالجها الصوفية والفلاسفة وحتى المعتزلة، كل على حسب هدفه.

من هذا المنطلق ظهرت أشكال متعددة للخطوط العربية وعبر فترات زمنية استمرت لعدة قرون، وكان كل منها يؤدي وظيفة مختلفة وأصبح لهذه الأشكال قيم جمالية لها تقاليدها وضوابطها ومنطقها الجمالي الخاص الذي يعبر بصورة واضحة عن الثقافة العربية الإسلامية، وكان هذا التنوع والتعدد مصدر ثراء في قيم الجمال كما هو الأمر في مجالات الفكر والفلسفة والأدب والشعر والعلوم التي ازدهرت في القرن الرابع الهجري.
من هذا المناخ العام تستقي العديد من الأعمال الفنية العربية قيمتها الجمالية في أساليب شتى، ولاشك أن الخط العربي بمنطقه الجمالي الخاص يعد فناً جمعياً وليس فردياً، فقد اجتمعت كل أسباب ومفردات الجمال العربي لإرساء قواعده وأصوله طوال قرون عديدة بما يجعله يشكل بنية شبه مغلقة لا تقبل الإضافة أو الحذف، ليس بكونها تجربة عقيمة وإنما يحتاج فتح بنيته المغلقة ثانية إلى استدعاء كل تلك القيم التي نشأت وتطورت بسببها عبر أربعة عشر قرناً من الزمن.

إن دور الحرف بحد ذاته كان في نفس الوقت مفارقة للذاتية وكشفاً للحقيقة، سرعان ما أشاد صرح فن قائم بذاته هو فن الكتابة، ذلك الفن الذي لم ينفرد بنفسه كوسيلة تعبير ذهنية بل تخطاها عبر الفن المعماري، والعديد من التطبيقات العملية اليومية ذات المساس بحاجة الإنسان، ولقد ظلت أشكاله الفنية المتنوعة غنية بطاقاتها التجريدية إلى الحد الذي عبرت باستمرار عن المعطى الروحي الصرف للحضارة، وذلك باستمرار ظهورها كلوحات حائطية على جدران المسجد أو ككساء من القاشاني للمنائر والقباب، أو كنص كتابي للقرآن الكريم أو ضمن أشكال المخطوطات التي وثقت أشكالاً متعددة من المعرفة.

وتشكل المنمنمات العربية والإسلامية – وليدة المخطوطات التي نقلت لنا تلك المعرفة – واحدة من المظاهر الفنية والثقافية والاجتماعية التي عكست وإلى حد كبير ثقافة تلك المجتمعات، حتى عدت أحد أهم فنون الكتاب الرفيعة القائمة بذاتها والتي تعكس مضامينه الفكرية. وظهر هذا اللون الخاص من فن التصوير، الذي يُعرف اليوم باسم: المنمنمات - وكانت تسمَّى قديماً: التزاويق وقد طوَّر الفنانُ المسلمُ هذا الفنَّ الذي ورث أصوله من الحضارت السابقة على الإسلام، خاصةً الحضارات الهندية والفارسية والشرقية.. ووصل في هذا الفن إلى تحقيق لوحة فنية متفردة موضوعاً وشكلاً ومعالجة، بل إلى حد الإعجاز والدهشة في أحايين كثيرة، لكثرة ما فيها من حشود وعناصر، مرسومة بدقة شديدة، وبألوان زاهية، وحركات مختلفة، عميقة التعبير عن موضوعاتها المأخوذة من الواقع تارة، ومن الحكايا والأساطير الشعبية تارة أخرى. وإن عدها البعض نماذج تزويقية وسموها المزوقات أحياناً، إلا أن حقيقة الأمر لم تكن تحمل وظيفة تزيينية رغم تضمنها الكثير من العناصر التي توحي بذلك.
إنَّ أولَ كتابٍ عربي ظهرت فيه المنمنمات كان كتاب (كليلة ودمنة) وهو في أصله كتابٌ هندي ترجمه ابن المقفَّع إلى اللغة العربية، ومن أشهر الكتب التي احتوت على المنمنمات أيضاً مقامات الحريري وكتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني وكتاب الكواكب الثابته لعبد الرحمن الصوفي. ومن الكتب العلمية، كتاب خواص العقاقير لديوسقوريدس، وكتاب الترياق لـ (جالينوس) وكتاب البيطرة لأحمد بن الحسن وغيرها.

ولعل من أقدم ما وصلنا من صور النبي (صلى الله عليه وسلم) راكباً البراق منمنمة من مخطوط لكتاب «جامع التواريخ» لرشيد الدين فضل الله الهمذاني أنجز عام 1314 في تبريز وهو من محفوظات مكتبة أدنبره. تحتل الصورة جزءاً من ظهر الورقة الخامسة والخمسين من المخطوط وتظهر النبي أمام ملاكين وسط حقل أخضر صوّر وفقاً للأسلوب الصيني.

وقد برز في تاريخنا العربي والإسلامي عدد كبير من الفنانين الرواد منهم (يحيى بن محمود بن يحيى الواسطي) الذي اشتهر وعرف كواحد من مصوري (مقامات الحريري) التي تم إنجازها عام 1237ميلادي، ورسوم الواسطي هذه، عكست بالرسم واللون والخط والإشارة، ملامح عصر بكامله، ثم جاء (بهزاد) الذي ولد حوالي 1440م. وتوفي بعد عام 1514، وكان أسلوبه الفني أكثر حدة ودرامية من أسلوب الكثيرين من رسامي عصره، كما كان أكثر اهتماماً بالأفراد وشخصياتهم وبمشكلات الحياة اليومية، بعد (بهزاد) جاء (محمد خان شيباني) و(ميراك) و(ميرزا علي) و(مير سيد علي) و(مظفر علي) وغيرهم.

والملاحظ وجود قواسم مشتركة كثيرة بين هذا الفن والفن الشعبي، وكذلك بينه وبين (الأيقونة) التي كانت تمثل اللوحة المكرسة لموضوعات دينية مسيحية مستوحاة في غالبيتها من الكتاب المقدس.

ومن الطبيعي أن تحتاج الكثير من النصوص المعرفية التي تتضمنها المخطوطات بمختلف مواضيعها إلى رسوم توضيحية تجسد فكرة الموضوع وتنقل العين والفكر إلى المشهد سواء كان واقعياً أو خيالياً حتى يمتلك قدرة أكثر على التاثير والإقناع.. نعم إنها الصورة، ولكنها ليست كأي صورة أخرى، بل هي تكتنز كثيراً من المعاني والدلالات وتضم فنوناً عديدة في آنٍ واحد، ولها قدرة كبيرة على التعبير، ‏وتتميز بخصائص‌ مميزة‌ تشمل‌ الجوانب‌ التقنية‌ والأسلوبية‌ والوظيفية‌ التي‌ يطمح‌ إليها هذا التصوير، وينطلق‌ هذا كلّه‌ من‌ فلسفة‌ تتناول‌ الإنسان‌ والكون‌ والدين‌ في‌ إطار عرفاني‌، وتربط‌ فلسفة‌ التصوير في‌ الإسلام‌ بين‌ العالم‌ المادي‌ وبين‌ العالم‌ الروحي‌ ربطاً محكماً ينزع‌ إلى‌ الكمال‌ ويجعل‌ من‌ أعمال‌ الفن‌ نمطاً فريداً في‌ مزاياه‌.
من الطبيعي أن تحتاج الكثير من النصوص المعرفية التي تتضمنها المخطوطات بمختلف مواضيعها إلى رسوم توضيحية تجسد فكرة الموضوع وتنقل العين والفكر إلى المشهد سواء كان واقعياً أو خيالياً حتى يمتلك قدرة أكثر على التاثير والإقناع..

في هذه المساحة الصغيرة غالباً ما نحتاج إلى قراءة ما خلف العلامات والإشارات والرموز من خلال عملية الإتقان والجهد المضني الذي بذل في سبيله.. لأجل كتابة نص قرآني أو زخرفة، متمثلاً كمال المعنى في جمال المبنى وفي نسق مع معنى الحديث النبوي الشريف: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، فيحاول ما استطاع أن يترجم النور المشع من بين الحروف إلى تعبير فني عالٍ وزخرفة رافلة بالفرح والدلال والطمأنينة الروحية.. تتحول الخطوط والألوان المتقشفة بين يديه إلى نوع من العبادة في ملكوت الوجد والعرفان، ثم يأتي فنان آخر، فيكمل ما ابتدأه الأول. ومما لا شك فيه أن ما يشد المشاهد إلى هذه الفنون جميعاً هو تلك النقاط المتوهجة والمشتركة بين فنون الحضارة الإسلامية، بمهاراتها ومضامينها الإنسانية الراقية.
وبسبب من البنية التركيبية العميقة لشكل المنمنمة ومضامينها فإن المرور عليها كمزوقة جميلة يفقدها قيمتها الأنتروبولوجية والأركيولوجية، وعلى هذا الأساس تبدو ممارسة لعبة التفكيك والتركيب وتحديد البُنى العميقة الثاوية وراء البنى السطحية المتمظهرة فونولوجياً ودلالياً، وهي بأسلوب آخر دراسة شكلانية المضمون، هي ضرورة ينحى هذا البحث الكشف عنها عبر الشكل لمساءلة الدوال من أجل تحقيق معرفة دقيقة بقيمتها الجمالية والفكرية والاجتماعية، ضمن منهج السيمياء.

ولأن السيمياء أو السيميولوجيا كما عرفها فرديناند دو سوسير عبارة عن علم يدرس الإشارات أو العلامات داخل الحياة الاجتماعية وهي ذات الفكرة التي يقوم عليها البناء الفكري للمنمنمة، فإنه يبدو أن من المهم في ضوء ذلك البحث عن قراءة جديدة للمنمنمات، وهو ما تستهدفه هذه الصفحات.
فالمنمنمة ابتداءً مزيج هائل من العديد من العناصر والمفردات وهي على النحو الآتي:
1 - النصوص بخطوط عربية متنوعة وبقياسات وألوان متعددة.

2 - زخارف نباتية وهندسية وحيوانية مختلفة الطرز والأساليب والاتجاهات.

3 - رسوم ذات أشكال واقعية متعددة تميل إلى المبالغة في أحايين كثيرة، كالأشكال الآدمية والحيوانية والنباتية والجماد.

ولعل أهم ما يميز العلاقات القائمة بين هذه العناصر كتكوين فني يحمل مضامين معينة هو:
1 - المشهد الحكائي أو الروائي الذي يتخذ أشكالاً متعددة بين البطولة أو مشاهد الصيد أو وسائل توضيحية وتعليمية أو قصصاً لأحداث ووقائع ومواضيع عديدة.
2 - أكبر قدر من الانتظام في توزيع الأشكال والمفردات وفق أهميتها في التكوين والمضمون.
3 - التوزيع الهندسي المتعدد المستويات والاتجاهات وفق نظام رياضي يحاكي النسبة الذهبية الإسلامية في كثير من أشكالها.
4 - انسجام لوني وإن كان يميل إلى نوع من الواقعية إلا أنه غالباً ما ينزع نحو نوع من المبالغة والرفاهية اللونية التي تدعو إلى الدهشة واجتذاب النظر.
5 - إتقان عملية التنفيذ وصولاً إلى أدق التفاصيل بطريقة تدعو إلى إبراز المهارة والقدرة الفائقة والإعجاز أحياناً كثيرة.
6 - التسلسل المنتظم في سرد الحدث بكل تفاصيله في مساحة محدودة جداً.

وكل ما ورد آنفاً هو مجموعة كبيرة من الإشارات والرموز الدالة، وبالتالي فإنها نظام ذو دلالة مهما كان تنوعها وأصلها ولكل منها بنية خاصة لها وظائف داخلية وخارجية. وهذا الكم الهائل من العلامات والرموز والإشارات التي تكتنزه المنمنمة الإسلامية لايضاهيه عمل فني آخر ومن أي طراز. ووفقاً لقواعد الاتصال البصري فإننا أمام مجموعة نصوص بصرية وليس نصاً واحداً مما يدعونا إلى قراءة مركبة لهذه النصوص. وإذا كان جوهر النص هو العلامة فيمكننا متابعة عدة نصوص بصرية في آن واحد، والنص التشخيصي الأساسي الذي يمثل المشهد الحكائي بتقنيته الفنية والجمالية وهو الأكثر دلالالة وتشويقاً بحكم واقعيته والعناصر الجذابة التي يحملها على مستوى الفكرة أو المضمون. ويكون عادة هو النص الغالب على تكوين المنمنمات الإسلامية لما يمثله من مشاهد متنوعة لوقائع الأنبياء والملوك والأمراء، ولتوثيق أحداث معينة عبر الزمان والمكان ولما كان علم السيمياء يدرس الإشارات في قلب المجتمع فإن مجمل هذه الأحداث، تنتج تلك الإشارات والعلامات، وتشكل العلاقة بينها جميعاً نظاماً سيميائياً يعكس عمق المعنى، وعادة تكون تلك الأحداث ذات وقع مهم في مجمل التاريخ الإسلامي كمعراج النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسفر أيوب عليه السلام، وتعتبر القيمة التعبيرية ذات أثر واضح في مجمل التكوين بسبب من الخصوصية التي تحملها تلك المآثر.

وتبعاً لرؤية بيرس فإن كل تلك العلامات تدرك من خلال تلك المستويات الثلاثة (الإشارة - الموضوع-المعنى). ولهذا فإن مدلول أي من تلك المفردات في تكوين المنمنمة هو معنى الإشارة، أي أنه يمثل العلاقة الأفقية بين إشارة وأخرى. وهذا هو الذي يجعل من المدلول إشارة أيضاً تحتاج إلى مدلول آخر يفسر غموضها ويزيح إبهامها، أي أن تكوين المنمنمة كفيل بحل رموز تلك الإشارات والعلامات فيها. ورغم أن بيرس يركز في ذلك على الوظيفة المنطقية للإشارة، يركز دو سوسير على الوظيفة الاجتماعية المتمثلة بالمشهد الدلالي الاجتماعي، ولكلا المظهرين علاقة وثيقة ببعضهما في موضوع المنمنمة.

ولا شك في أن الموروث الفكري العربي لا يعدو أن يكون في كنهه مخزوناً علمياً أو ثقافياً، يظهر في شكل نظام من العلامات الدالة. وتتجلى سيميائية هذا النظام في إطاره اللغوي والثقافي والحضاري. ومهما اختلفت المواضيع في علو شأن مضامينها بين القدسية ومشاهد البطولة والصيد والفخر وجلسات العلم فإن الأسلوب السائد في تقنية تنفيذها هو ذلك المنظور المسطح الذي يعتمد على البعدين ويكاد يخلو من البعد الثالث، وهو حقيقة أحد أهم المبادئ في الفن الإسلامي، إلا أن صياغة مفردات التكوين بطريقة جذابة ودقيقة تسلب لباب العقول أحياناً وتضفي عليها طابعاً إعجازياً تنتهي فيه قيمة أو أهمية ذلك البعد.

إن النص اللغوي المتمثل بالكتابة العربية وغالباً ما يتعلق مضمونه بمأثور القول وصافيات الحكم أو الشعر الجميل، كما تتضمن أحياناً بعضاً من النصوص القرآنية. وعلى الرغم من اعتماد الجانب السردي لهذه النصوص لما له علاقة بالنص الأول إلا إن القيمة الجمالية التي يؤكدها التكوين الفني للخط العربي تبرز من خلال ما تثيره أشكال هذه الخطوط المتنوعة من وظائف مختلفة، إذ إن لكل خط من الخطوط العربية وظائف مختلفة على مستوى الاستخدام فضلاً عن التأثيرات البصرية المتبادلة مع باقي المفردات البصرية في المنمنمة. وهنا فإن النص الكتابي يؤدي دوراً مزدوجاً على مستوى الاتصال البصري والفكري. الأول في عملية السرد التي تؤكد المضمون، والثاني على مستوى التكوين الفني لشكل الخط العربي. ويبرز استخدام الحروف سواء كان باللغة العربية أو اللغات التي استخدمت هذا الحرف في شكلين أساسيين:

الاول: خطوط الإظهار والتي تستخدم كعناوين بارزة تدل على أهميتها الموضوعية، وفي ذات الوقت، تؤكد قيمتها الجمالية كأشكال الخط الكوفي بأنواعه والثلث والمحقق والطومار.. إلخ، وهي خطوط تحتاج إلى عناية كبيرة في التنفيذ والتكوين والتشكيل.

الثاني: خطوط تعتمد لكتابة النصوص وهو ما درج عليه في استخدام خط النسخ من قبل النساخين والوراقين وكذلك خط النستعليق والريحان والتوقيع وغبار الحلية والقصص والمؤامرات والرسائل..إلخ، واستخدام مثل هذه الخطوط هو لإمكانية تحقق قراءة النص بيسر وسهولة. وإن كانت العديد من المنمنمات تنفذ من قبل رسام واحد، إلا أن كثيراً من الخطاطين شاركوا في كتابة نصوصها بعد أو قبل انتهاء رساميها ومزوقيها، والنص الزخرفي يضفي على المنمنمة طابعاً تجريدياً وتزيينياً وكثيراً من الرفاهية والبذخ حتى ولو كان المشهد في معركة، وهذا التأثير وبحكم تقنية الزخارف الإسلامية المتنوعة وما تحمله من حياة لونية فارهة فإنها تضفي على المنمنمة إيقاعاً يتضمن قدراًَ كبيراً من الانتظام والتسلسل المنطقي للأشكال والعناصر، بل حتى على مستوى الأحداث التي تتضمنها المنمنمة. وتتنوع الأشكال الزخرفية فتكون هندسية ونباتية حيوانية تزخر غالباً بكثير من الألوان.

وتؤدي إيماءاتها إلى إشكالية قصدية في علاماتها، وهي الإشكالية التي تعد في الفكر السيميائي الحديث، موضوع نقاش بين اتجاهين: اتجاه يؤكد على الطبيعة الإبلاغية التواصلية للعلامة الزخرفية، ويمثل هذا الاتجاه كل من مونان، ومارتيني، وبرييتو في الفكر السيميائي الفرنسي. وهم يعتقدون أن العلامة تتألف في أساسها من دال ومدلول وقصد. واتجاه آخر يركز على الجانب التأويلي للعلامة، أي من حيث إمكانية العلامة للتأويل بالنسبة للمتلقي. ويمثل هذا الاتجاه رولان بارت الفرنسي، وهو اتجاه يوصف بالسيميائية الدلالية.

ورغم الارتباط الظاهري لأشكال الزخارف الإسلامية ببعض الواقعية الرمزية إلا أنها تنزع بشدة نحو التجريد فلم يكن الفنان يريد إعادة إنتاج الأشكال الطبيعية، خاصة أن المجال الأول لاستخدام الزخارف انطلق من العمارة الدينية كالمسجد وودور العلم ومن ثم قصور الملوك والأمراء.

إذ إن الفنان يكيّف تعامله مع الواقع الخارجي، من خلال كفاءته العقلية التي تسمح له بابتكار النمط الترميزي الدال وفق التصور الحسي، وما يوفره المحيط الاجتماعي من إشارات ورموز ترتبط بعالم الأشياء المحسوسة. وقد أصبح هذا التصور لعالم الأشياء محوراً أساسياً في النظرية الدلالية الإحالية التي جاء بها ريتشاردز، وأوجدن في مؤلفهما (معنى المعنى) والذي أصدره سنة 1923م.

وفي ذلك يقول القاضي عبد الجبار: «إن من حق الأسماء أن يعلم معناها في الشاهد ثم يبنى عليه الغائب». وقد أشار إلى هذا المعنى – كذلك - الراغب الأصفهاني، وذلك حينما تحدث عن الفقه، فيقول: «إن الفقه هو معرفة العلم الغائب بالعلم الشائع». فمن هذه الوجهة تعامل العلماء مع العلامة من حيث هي علامة تدل على حقيقة حسية حاضرة تحيل إلى علامة دالة على حقيقة مجردة غائبة.

ولعل تضمين المنمنمة عدة نصوص بصرية يجعل من بنائها الشكلي بناءً مركباً، مما يحيل الشكل ظاهراتياً إلى بنية معقدة تتنوع في الإشارات والرموز والعلامات على غير ذي دلالة.

ورغم أن الكثير من علماء السيميولوجيا في الغرب تناولوا هذا الطراز من البنى الدلالية المركبة والتقوا في كثير من المفاهيم مع فلاسفة العرب والمسلمين، بل نهلوا من مناهجهم، إلا أن الانحياز إلى منهج العلماء العرب والمسلمين يغدو هنا أكثر جدوى، بسبب ما تستهدفه العلامة من بنى عميقة في صميم الحياة الاجتماعية للمجتمع الإسلامي والمتغيرات والإرهاصات والتحولات التي سببها الفكر الإسلامي والمناهج الفكرية المتعددة التي انطوت تحت ردائه.

لقد تبلور علم السيمياء على يد علماء الأصول والتفسير والمنطق واللغة والبلاغة. وكان الباحث والموجه للدرس السيميائي هو القرآن الكريم، إذ منذ نزوله كان التأمل في العلامة بغية اكتشاف بنيتها الدلالية. فقد أرشد القرآن الكريم في مواضع عدة إلى تدبرها، ومن ذلك قوله تعالى: (إن في ذلك لآياتٍ لقوم يعقلون). (الرعد 4). وقوله تعالى: (وعلاماتٍ وبالنجم هم يهتدون) (النحل). ففي هذا التوجيه الرباني كان التعامل مع العلامة قصد فهم دلالتها الروحية والعقلية والكونية، والاستدلال بحاضرها على غائبها.

إذا تدبرنا مفهوم ابن سينا لدلالة اللفظ نجده يتفق ومفهوم دو سوسير للعلامة. فالعلامة في منظور ابن سينا ثنائية المبنى، تتألف من مسموع، ومعنى (مفهوم). وبهذا التصور يلغى من مفهوم العلامة المرجع الذي تحيل إليه العلامة، وذلك ما نجده عند دوسوسير أيضاً، إذ تتألف العلامة عنده من صورة سمعية (دال) وصورة ذهنية أو تصور (مدلول). وهناك بعض العلماء يعدون المرجع طرفاً أساسياً في العلامة. من أولئك أبو حامد الغزالي الذي يرى أن الأشياء في الوجود لها أربع مراتب، إذ يقول: «إن للشيء وجوداً في الأعيان، ثم في الأذهان، ثم في الألفاظ، ثم في الكتابة. فالكتابة دالة على اللفظ، واللفظ دال على المعنى الذي في النفس، والذي في النفس هو مثال الوجود في الأعيان. فالعلامة في نظر الغزالي تتألف من أطراف أربع أساسية، هي: الموجود في الأعيان، الموجود في الأذهان، الموجود في الألفاظ، الموجود في الكتابة».
إن حركة الحياة الدالة على الوجود هي ظاهرة في الأعيان وتعتمد الإدهاش البصري التي تتخذه المنمنمة في منهجها وطريقة تكوينها، ولعل أكثر ما نكتشفه في ذلك هو تلك الرغبة المتواصلة والحقيقية على الإخلاص في إنجازها وبكل ما تتطلبه من دقة فائقة وما يعنيه ذلك من صبر وجهد فائقين

الموجود في الأعيان:

إن حركة الحياة الدالة على الوجود هي ظاهرة في الأعيان وتعتمد الإدهاش البصري التي تتخذه المنمنمة في منهجها وطريقة تكوينها، ولعل أكثر ما نكتشفه في ذلك هو تلك الرغبة المتواصلة والحقيقية على الإخلاص في إنجازها وبكل ما تتطلبه من دقة فائقة وما يعنيه ذلك من صبر وجهد فائقين، ولما كان الأجر على قدر المشقة منهجاً واضحاً في كثير من مناحي الحياة الإسلامية فإن السعي المطّرد بالجمال للوصول به إلى الكمال كان لايؤدي إلا إلى أعلى مراحل الإتقان. ولعل هذا أحد أهم المبادئ التي كشف عنها الفن الإسلامي عبر تاريخه الطويل. ورغم أن الكثير من الوقائع هي حقيقية وغير متخيلة وتعتمد اسلوباً سردياً إلا أن المخيلة الإبداعية أعادت ترتيب هذه الوقائع وفق منهج الفن الإسلامي رغم شدة الحذر فيما يشاع في كراهية التصوير وأحياناً كثيرة تحريمه، ولم يجد الفنان المسلم من بد إلا في إلغائه ما نسميه اليوم بالبعد الثالث فكانت كل المنمنمات ذات منظور مسطح تخلو من العمق في التكوين، وإنما تعتمد تراتباً سطحياً متسلسلاً من أعلى إلى أسفل في تنظيم المفردات والأحداث والتكوين، وهو ما أدى بالتالي إلى أن تتسم بصبغة تزويقية زخرفية.

الموجود في الأذهان:

لعل الذهنية الإسلامية المتوقدة رغم حرصها على المنطق السليم في ظل الفكر الإسلامي الذي فرق في كثير من المتناقضات وأبعد مشاهد عديدة من الخيال لم يزل في بعض نواحيه ينهل من تراث الشعوب في مرحلة ما قبل الإسلام، وهذا أمر طبيعي حتى إنه في كثير من نواحيه كان منهلاً للفكر الديني في تشريعاته وتعاليمه، من هنا كانت الذهنية تمتلك كثيراً من مصادر المعرفة وإن تأرجحت بين الحقيقة والخيال، مما أضفى الكثير من مشاهد المبالغة ليس على مستوى الوقائع في منحاها التاريخي والإيديولوجي، وإنما على مستوى الشكل الظاهراتي، وهنا قد شكل ما هو موجود في الأذهان أساساً معرفياً في النسيج الحكائي السائد والذي غالباً كان ينسجم مع طبيعة الحياة ومراحل نموها الفكرى والعقيدي.

ولكن المنمنمة لم تكتف بصياغة تلك الأحداث وفق واقعيتها التي تساعد الذهن على استرجاع مصادره في المعرفة، وإنما صاغته بطريقة تستعرض فيه الوقائع والأحداث على نحو ما، تكون قد حدثت في حلم في أحيان كثيرة، وبالتالي الوصول بالواقعة إلى المشهد الحكائي النادر الذي تحاول هذه المنمنمة تخليده بأبهى حلة.

الموجود في الألفاظ:

لا شك أن شيوع اعتماد الجانب الحكائي والسردي الشفاهي في مجمل حركة الفكر والأدب في التاريخ القديم والعربي والإسلامي خاصة وإن كان من شأنه أن يقلل الاعتماد على عملية التدوين، وهو أمر طبيعي سببه قلة من يجيد التدوين والكتابة، وبالتالي محدودية الحاجة لها، إلا أنه أصبح وسيلة مهمة في عملية التواصل بين الحياة في كافة مناحيها وبين المجتمع، ولعل في بنية عملية الرواية والراوي – من روى – والتي تتخذ الهيئة اللفظية أساساً في بنائها المعرفي والأخبار كانت وسيلة في بناء كل جسور التواصل، حتى كان إنسان ذلك العصر يتتبع مصادر الرواية اللفظية عن فلان وعن فلان وعن فلان إلى أن يصل إلى مصادرها الحقيقية. فإن هو وجد شكاً في أحد رواتها كانت تلك الرواية لا ترقى إلى اليقين بل هي للشك أقرب.
ولم تكن تلك العملية تتكرر في الأسلوب الحكائي أو الروائي وإنما اشتملت على العديد من نواحي العلم والمعرفة في شتى جوانب الحياة.

هكذا شكل الموجود في الألفاظ نسيجاً مهماً يدخل في نسيج الحياة والمجتمع العربي والإسلامي، وبواسطته وصلتنا كثير من الوقائع والمعارف والعلوم والحوادث.

ورغم أن عملية التدوين كانت الشغل الشاغل في إعادة تدوين المعرفة وفق مبدأ – كل سر جاوز الاثنين شاع وكل علم ليس في القرطاس ضاع – إلا أن أهم دواوين العرب كان الشعر مثلاً، فقد بدأ وانتشر وتطور عبر الآفاق من خلال وجوده اللفظي، بل إن كل بحوره وموسيقاه كانت تعتمد تلك الألفاظ التي تدرك الأذن موسيقاها فتميز ما بين الغث والمحكم والهزيل والمنقول والأصيل.
ومن هنا فإن المنمنمة تكمل ما هو موجود في الألفاظ عبر كثير من الروايات والأحداث، وتعيد صياغة تلك الرواية بوسائل مختلفة عبر اختلاف رواتها بين الحقيقة والمبالغة، أو بين الصدق ومجافاته، بل إن كثيراً من عناصرها اللفظية التي تتجسد بأنواع مختلفة من الخطوط العربية تحمل كثيراً من النصوص الأدبية والشعرية والدينية والخرافية والواقعية وجميعها ترتبط بنظام لفظي يحيل لنا كل تلك المعاني والمدلولات التي تكتنزها.

الموجود في الكتابة:

وهو ما يؤشره التنوع الهائل في التراث العربي والإسلامي عبر عملية التدوين وتطورها في كافة مراحلها سواء كان ذلك على مستوى الشكل أو اللفظ، إذ إن المفردة الكتابية بشقيها التدويني واللفظي خضعت لنفس عمليات التطور البنائي، وبالتالي فإن القيمة اللفظية في تجويدها لم تكن لتقل عن القيمة التجويدية في كتابتها. وهكذا ورثنا علم التجويد في القراءة، كما ورثنا علم التجويد في الكتابة وحسن الخط.

لقد بددت الكتابة وعملية التدوين كل ما شاب عملية الرواية من سوء الظن والفهم التي كانت تصاحب بعض الرواة والمتفيقهين عبر التاريخ، فحفظت العهود والمواثيق ومأثور القول وصافيات الحكم عبر الأجيال.

ولم تكن الكتابة العربية بأشكالها الفنية المتعددة تؤدي أغراضاً في توصيل العلوم والمعارف والأخبار، وإنما بلغ ثراها في التعبير عن وظائف مختلفة في شوؤن الحياة، فكان لكل شأن ثقافي وفكر خط خاص يكتب به، وهي حالة تعكس تطور الجانب الجمالي وقدرته على التعبير المجرد في صورة الحرف عن مكنونات التجرية الفكرية، وقلما ارتقى حرف من حروف الأمم إلى ذلك.

وفي المنمنمة يؤدي الموجود في الكتابة دوراً مهماً لايقل عن الموجود في الأعيان، عندما يعيد إنتاج تللك الرواية بطريقة مزدوجة لا تخلو من جانب بلاغي رائع، الأول في إعادة تلاوة الحدث والتعبير عنه بأسلوب أدبي رفيع يزيد من متعة الذهن والذاكرة، والثاني في اختيار شكل من أشكال الخطوط العربية التي يشكل تكوينها جزءاً من تكوين المنمنمة عبر سلسلة من العناصر والأسس والعلاقات الجمالية.

جمع الموجودات:

لا شك أن اعتمادي على رؤية الغزالي الذي يرى أن الأشياء في الوجود لها أربع مراتب، في إعادة قراءة المنمنمة الإسلامية قراءة سيميائية قد أدركت مبتغاها، لأن الغزالي قد أدرك قبلنا أهمية اللغة في إبداع النظام التواصلي، حيث أشار إلى أهمية التحليل المزدوج الذي يتناول العلاقة بين الألفاظ والأفكار من جهة، والأشياء المشار إليها من جهة ثانية، وهو ما تنطوي عليه المنمنمة، فكل ما تحويه من أشكال وعناصر متمثلة بالشخوص والمفردات والزخارف والكتابات بأنواع خطوطها الجميلة والمتفردة كانت تسعى إلى خلق نظام تواصلي مركب وليس بسيطاً، وإنما يعيد إنتاج الفكرة بأنظمة بصرية متعددة، يؤكد الواحد منها الآخر في متوالية تتكرر دون توقف فتحيل المعنى إلى شيء من السحر وصورة من الخيال وعبر جمالات متعددة.

وربما يؤخذ على عملية الجمع بين الموجودات اختلافات تقاناتها ووسائطها المنوعة بين الشكل والمضمون وبين الظاهر للعيان وعما خفي في بنيتها العميقة، إلا أن عاملين أساسيين يوحدان كل الموجودات مع وجود كل تلك الاختلافات.

الاول: شدة تأثير المضمون الفكري والحكائي والروائي للمنمنمة. في وحدة الموضوع وتسلسل الأفكار والأحداث والوقائع. مما يجعل كل المفردات ترتبط بهذا الأصل فلا تحيد عنه مهما اختلفت وتنوعت مفرداتها.

الثاني: إعادة صياغة كل الموجودات في شكلانية صورية اتصالية تعي بدرجة عالية قيمة التكوين الفني ضمن المنطق الجمالي للفن الإسلامي والذي استوعب كل التأثيرات الفنية والجمالية والرموز التراثية والشعبية للأمم والشعوب التي انطوت تحت لوائه. فتحوّل تنوع التقانات والمفردات إلى ثراء جمالي تزخر به المنمنمة في محاولة للإفصاح عن كل شيء في هذه المساحة المحدودة.

والمنمنمة بجمعها بين وسائط متعددة المظهر والتقنية والمعالجة لايذكرني إلا بما تسعى إليه تقانات العصر الحديث بعد أن بدأت تحولات التفكير التناظري إلى نمط التفكير الرقمي في إعادة إنتاج أعمال فنية متعددة الوسائط، ولكل من هذه الوسائط أشكال مختلفة في آلية إدراكها وتواصلها وتكوينها من أجل الوصول بالعمل الفني إلى أقصى تعبير، وبالتالي إلى أبلغ تأثير. وربما يتسع الفضاء لاجتهاد آخر في تفسير العلامة وفق منظور آخر قد تغني الدراسة والبحث. وإن اختلف الدارسون القدامى والمحدثون في تفسير العلامة وبيان أهميتها على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم العلمية، من لغويين وفلاسفة وعلماء أصول، وحسب طبيعة العلامة من حيث هي شيء محسوس يدلّ على شيء مجرد غائب عن الأعيان.

إذ يقول ابن سينا: «إن الإنسان قد أوتي قوة حسية ترتسم فيها صور الأمور الخارجية.. فترتسم فيها ارتساماً ثانياً ثابتاً، وإن غابت عن الحس... ومعنى دلالة اللفظ (هو) أن يكون إذا ارتسم في الخيال مسموع اسم، ارتسم في النفس معنى، فتعرف النفس أن هذا المسموع لهذا المفهوم، فكلما أورده الحس على النفس التفتت إلى معناه».

كما نجد هذا التصور نفسه عند الراغب الأصفهاني، إذ يقول: «الدلالة ما يتوصل به إلى معرفة الشيء، كدلالة الألفاظ على المعنى، ودلالات الإشارات والرموز والكتابة، وسواء أكان ذلك بقصد من يجعله دلالة، أم لم يكن يقصد، كمن يرى حركة إنسان فيعلم أنه حي».
وإن تعددت صورة العلامة أو اختلفت أشكالها وهو أمر واقع ورثناه عبر الدراسات السيميائية القديمة منها والحديثة، إلا أنها في المنمنمة ورغم اختلاف التأويل تسعى جميعها إلى نظام تواصلي معرفي بين الكلمة تارة أو الصورة أو الزخرفة تارة أخرى.

وعلى هذا الأساس فقد تجيء العلامة في أشكال متعددة، مرة أيقونة أو تمثال، وأخرى رمز، وثالثة إشارة، ورابعة مؤشر. ورغم اختلاف تكوين كل صورة من صورها إلا أن النظام التواصلي على مستوى الفهم والتأويل والتفسير هو ما يجمعها، وعند إعادة تأويلنا لهذه الأشكال من العلامة في المنمنمات الإسلامية فإن قراءتنا يمكن أن تتضمن الصور الآتية:

الرمز: وهو دال أينما ورد في المنمنمة – وفق نظام دو سوسير – الذي يتكون من دالٍّ ومدلول، وبالتالي فإن ورود الدال في المنمنمة يتبعه بالضرورة مدلول كالسيف» أو الصقر أو الفرس أو أفعى، وقد يأتي الرمز ككلمة مكتوبه أو مجازاً منطوقة وتتألف من مجموعة وحدات صوتية – فونيمات – وهو يقابل اللفظ في التراث الإسلامي والعربي، وهنا فالعلاقة بين الرمز والمرجع علاقة غير معللة وغير مباشرة إلا من جانبي المثلث الذي يتضمن، المرجع، الفكرة، الرمز.وتتعدد الرموز في المنمنمة بتعدد ما تؤديه الكلمات والحروف من دلالات على مستوى النص وعلى مستوى الشكل الفني، وبالتالي فإن المنمنمة حافلة بالعديد من الرموز التي تحيل المتلقي إلى دلالات متعددة، ومن هذه الدلالات ما هو يعبر بصورة مباشرة لغوياً عن السرد الحكائي لمحتوى النص، ومنه ما يعبر بشكل غير مباشر عبر التكوين الفني للشكل، وفي كلتا الحالتين تؤدي الرموز دلالاتها في المنمنمة بطريقة بصرية.

الفكرة (المفهوم) : وهي الصورة الذهنية التي تتراءى من خلال الدال، والفكرة تقابل المعنى أو المدلول عند دو سوسير. كفكرة النصر أو الموت أو الخوف، والعلاقة بين الرمز والفكرة هي علاقة سببية، أي أن الفكرة هي العلة في وجود الرمز. وهو ما يقصده رسام المنمنمة العربية والإسلامية عبر كل الرموز التي تضمنها المنمنمة، ففكرة الفروسية والشهامة هي علة وجود الفرس، وفكرة النصر هي علة السيوف المسلولة، فالإحالات الذهنية التي تؤديها الدوال من خلال الرموز سواء كانت هذه الرموز أيقونية أو إشارية أو مؤشراتية هي جزء ذو أهمية النص البصري الذي يكمل الدلالات.

وقد تعددت الأفكار والمفاهيم في المنمنمات وأدت وظائف عديدة جداً بين الوظيفة الاجتماعية والأدبية والعلمية والتربوية والجمالية، أي أنه كانت تتخذ من النشاط الإنساني لتلك المجتمعات محوراً اساسياً فيها. ولهذا السبب فإن المفاهيم التي كانت تتداولها كانت جزءاً من التطور الأنتروبولوجي للمجتمع في إطاره العام، خاصة إذا علمنا أن جل ما تناولته هذه المنمنمات مشاهد ووقائع تخص الأنبياء والرسل كالمعراج وقصة النبي أيوب ووقائع الملوك والأمراء والأحداث الجسام.

المرجع: وهو الواقع الخارجي (الذي تمت الإشارة إليه بالموجود في الأعيان) وهذا لا وجود له عند دو سوسير، ويقابل المشار إليه في تعريف أوجدن وريتشاردز.

ويؤشر المرجع في المنمنمة مجمل المضمون الذي ترتكز عليه الفكرة ويحاول الفنان الترميز لها عبر النصوص البصرية المتعددة، وهنا تبرز ضرورة اتفاق تلك الرموز بمدلولاتها مع مجمل المرجع. فحلقات العلم والأدب بوجود رمز مثل شيخ فقيه ومريدين متيقظين، أو كرمز لصورة النبي (صلى الله عليه وسلم) والبراق تحيلنا إلى فكرة المعراج ثم تحيلنا إلى واحدة من معجزاته.
لا شك أن شيوع اعتماد الجانب الحكائي والسردي الشفاهي في مجمل حركة الفكر والأدب في التاريخ القديم والعربي والإسلامي خاصة وإن كان من شأنه أن يقلل الاعتماد على عملية التدوين، وهو أمر طبيعي سببه قلة من يجيد التدوين والكتابة، وبالتالي محدودية الحاجة لها، إلا أنه أصبح وسيلة مهمة في عملية التواصل بين الحياة في كافة مناحيها وبين المجتمع

إن المنمنمات التي تزخر بها الفنون الإسلامية لها مداخلها ومخارجها وأنماط تدليلها، إن في كل منها نصاً، وككل النصوص التي تتحدد باعتبارها تنظيماً خاصاً لوحدات دلالية متجلية من خلال الرموز والإشارات والعلامات في أوضاعها المتنوعة والتفاعل بين هذه العناصر، وأشكال حضورها في الفضاء والزمان يحدد العوالم الدلالية التي تكتنزها المنمنمة. ومن هذه الرؤية لا يمكن للمنمنمة أن تتحول إلى نص إلا من خلال عملية انتقاء مزدوجة هي انتقاء الرموز والعلامات والإشارات التي يجب أن تظهر وانتقاء العناصر التي يجب أن تختفي.

أي أن اختيار ما يسهم في تكوين النص البصري انتقاء يحضر في نص المنمنمة من خلال غيابه، (وكل شيء يدرك في ذاته وفي علاقاته بما يتطابق أو يتناقض معه).

وفقاً لذلك فإن اشتغالها كنص مغلق مكتف بذاته دالٍّ على معقولية النص البصري المدرك ورهين بإمكاناته على إعادة تنظيم العناصر التي تم انتقاؤها وفق نمط جديد وهو ما يشكل النص البصري فعلاً.

الدلالات البصرية

وما دامت المنمنمة هي تحديداً وليدة إدراك بصري، فإن تمثيل المفردات داخلها يعود إلى تحولات أنطولوجية لماهيات مادية وتقديمها على شكل إشارات وعلامات، باعتبارها عناصر ضمن أنساق سيميائية يعد الإدراك البصري نفسه بؤرة تجلياتها، ولأن التفاعل بين النظرة ومعطيات التجربة الواقعية التي تتضمنها المنمنمة هو وحده الكفيل بتحويل الإدراك البصري إلى نموذج، يحدد قيمة كل من عناصرها ووجودها الثقافي والديني والأسطوري، فإن أهمية هذه النظرة وما يتنج عنها من تأويل مختلف، بسبب ما يظهر منها وما يختفي، وكذلك في ألوانها وخطوطها ومساحاتها في تكوينات بالغة الدقة، تجعل من الذات المبصرة تحيل كل تلك الأشياء بفضل نظامها التاويلي إلى نسق سابق محاولة اختراق ذلك النسق، لأن في كل منمنمة بناء مزدوجاً، أوله تقوم به عين المصور في ترتيب عناصرها ومفرداتها وتكوينها والتي تتحكم في الشكل النهائي لإنتاج المنمنمة، والثاني هو ما يقوم به المتلقي في قراءته لتلك المنمنمة فيعيد تأويلها وفق نظام آخر، ومما لا شك فيه أن تتعدد القراءات بتعدد المتلقين، وإذا ما أخذنا البعد الزمني الذي رسمت به المنمنمات، فإن متغيرات الواقع الاجتماعي والفكري التي أضيفت إلى عمر الخبرات البصرية تجعل من قراءتها اليوم شيئاً شديد الاختلاف، ليس لأن المنمنمة كانت جزءاً من النسيج الفكري والاجتماعي لذلك الزمان، ثم تحولت إلى قطعة متحفية في يومنا هذا، وإنما ما كانت تؤديه المنمنمة كجزء من حركة الحياة في تلك البيئة وكرد فعل عليها لم يعد موجوداً، بفعل الكثير من التحولات الفكرية والتقنية والمعيشية، وبالتالي فإن المنمنمة بتكوينها الجمالي والاجتماعي والنفسي كانت مرآة دقيقة تعكس إيقاعات تلك العصور، وقد نختلف عن مدى قيمة وأهمية هذه الإيقاعات مقارنة بدوامة وحركة حياتنا اليوم، ولكنها بالنتيجة هي محصلة فكرية وجمالية لتقاليد وقيم وسلوكيات ونوايا من نوع آخر لم تعد كثيراً من أركانه موجودة اليوم، فماذا يعني ذلك تأويلياً اليوم؟

من المؤكد أن المنمنمة اليوم لا يمكن أن تدخل في نسق حياتنا إلا من خلال المتحف، بعد أن حولت التكنولوجيا آلاف الصفحات إلى رقاقة بسيطة لايتجاوز حجمها بضع ملليمترات مربعة.

من هنا فإن مشكلة الدلالة في المنمنمة تتضح في كيفية تحول مفرداتها التكوينية إلى علامة ونص وإلى معنى داخل هذا العالم المتنافر؟ وكيف يمكن بناء عالم دلالي منسجم انطلاقاً من الجمع بين عناصر مختلفة الماهيات والاشتغال والانتماء؟

ومع وجود الكثير من الخصائص الجمالية والتأويلية اليوم بين النصين البصري والكتابي بفعل علوم الاتصال، بل وحتى على مستوى التكوين البنائي لمفرداتهما.
عليه، فإن مشكلة الدلالة التي تطرحها المنمنمة، هي كيف تتحول عناصرها التكوينية إلى علامة ونص وإلى معنى داخل عالمها الذي تسعى إلى أن تكون جزءاً مهماً منه، رغم أن نصوصها البصرية ذات تنوع هائل لايجمعها إلا ذلك السحر الخلاب الذي يأخذ بالعقول. فكل عناصر التكوين فيها إحالات رمزية للإبلاغ حتى يصل بنا النص البصري عبر عملية التأويل إلى سرد حكائي متسلسل في كل مراحله، نتمكن من التعامل معه بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع الكلمات، أي أننا ندرك تلك العناصر وفق زاويتي نظر، زاوية الشكل الوجودي، كل الأشكال الضمنية في التكوين، وزاوية الفعل التدليلي – الأنساق التي تؤول وفقها الأشكال، وستكون المنمنمة من هذا المنظور بؤرة تنصهر داخلها البنيتان معاً، وتحيل هاتان البنيتان على تنظيم جديد للتكوين والمفردات والعلاقات: انزياح عن الأصل أو تثبيت له أو إعادة لتعريف أشكال وجوده. فالعنصر داخل المنمنمة ينظر إليه كتمثيل لوجود (ما يدرك في معزل عن الأشياء الأخرى أولاً، وما يدرك خارج، أي نسق ثانياً)، وينظر إلى تأليف الأشياء كبنية لإنتاج دلالة خاصة بفضائها المحيّـن من خلال هذا التأليف.

إن المنمنمة في سياقها التاريخي والجمالي ليست مجرد عملية فنية وجمالية وإنما تحديد لأنماط البيئة المتعددة التي يعيشها الإنسان في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تجتمع في قاعدة مثالية للفعل الإنساني، ولهذا فإن عملية إدراك دلالاتها لا يمكن إلا ضمن نسق كلي لايتجزأ وفق سياق يمنح العنصر المحدد داخل فضائها المغلق، دلالة تنأى به عن أصله لتحيله إلى فضاء تطور الفكر الإنساني أنتروبولوجياً، أي أن تنظيم الدال أو الدوال ضمن الأشكال الأيقونية في المنمنمة ونمط توزيع الوحدات المكونة لها هما المتحكمان في عملية إنتاج المعنى وتحديد طبيعته.
وبناء على ذلك ووفقاً لرأي إيكوفان عملية بناء الدال الأيقوني في المنمنمة يشغل ثلاثة مستويات أساسية، يغطي كل منها حقلاً من حقول الممارسة الإنسانية وهي:

الأيقون.
الأيقونوغرافيا.
والصورة البلاغية.

المستوى الأول: وهو خاص بالنسق الأيقوني وهو ما يمكن أن نترجمه بلغة بسيطة، في القدرة على تحويل دالٍ لفظي إلى دالٍ بصري. وبعبارة أخرى، فإن المسألة تتحدد في إعطاء المضمون المدرك أصلاً من خلال الحقل اللساني معادلاً صورياً مثال ذلك: تحديد خاصية «البطولة» من خلال مشهد النصر على الأعداء.

المستوى الثاني: ويعود إلى النسق الأيقونوغرافي، ويتعلق الأمر بمجموع التمثيلات البصرية التي تحيل على تشكيل صوري يحتوي في داخله مدلولاً نسقياً بشكل اعتباطي. ويشتمل إما على تشكيل صوري ذي صبغة تاريخية : «مجموعة فرسان» في زمان ومكان معينين، وإما على تشكيل بصري مرتبط بحقل الموضوع ذاته، فحركة الفرس تتميز بطريقة خاصة في الوقوف والمشي والنظرة والحركة وما يوضع عليه من زينة.
ج- أما المستوى الثالث فيعود إلى حقل البلاغة، ويتعلق الأمر بإعطاء صورة بلاغية متجلية من خلال حامل من طبيعة لسانية مقابلاً بصرياً (حلقة من حلقات الذكر أو السمر المزدحمة). ويضيف لها النص الكتابي سرداً خاصاً كنص بلاغي حكائي يجعل عملية التأويل وثيقة الصلة بالنص البصري.

إن التنوع الهائل في مفردات المنمنمات على مستويي المضمون والشكل الظاهراتي، وعلى رأي بيرس غالباً ما تشكل متوالية في عملية التدليل من خلال دخولها في نسق متناغم ينتج في محصلتها النهائية دلالاته ومعناه وقد تكون هذه المتواليات على ثلاثة مظاهر:

• متوالية تشكل إحالة صوتية لمشاهد معركة أو مشهد صيد أو جلسات علم أو سمر، ولكل منها إحالتها المختلفة. تتجسد من خلال الحركة والاتجاه وعلاقات الضوء والفضاء وطبيعة التكوين الفني الذي يجمعها.

• موضوع يتضمن متوالية تستند إلى التمثيل الأيقوني من أجل إنتاج الصورة الذهنية وتعيد المشهد إلى ما تختزنه الذاكرة من خبرة، حتى وإن كانت هذه الخبرة جزءاً من حلم، وهو ما يشكل أساس المعرفة التي تستند إلى موضوع، ودونه لايمكن أن يرتقي الموضوع إلى معرفة. وقد يتنوع التمثيل الأيقوني بين نصوص الخط العربي أو الزخارف المتنوعة أو الرسوم التشخيصية.. إلخ.

• مجموعة المفاهيم المتولدة من النصوص البصرية المختلفة في المنمنمة التي تحيل إلى صور ذهنية واقعية في مشهد متكامل من الأحداث والسير والوقائع ورغم واقعيتها الشديدة على مستوى إنتاجها الفني إلا أنها تنزع إلى أن تكون جزءاً من عالم يشوبه السحر والخيال، من خلال جعل كل العناصر ذات صفة مثالية في التكوين.

إن الترابط بين المظاهر الثلاثة، وفق تأليف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
manal99
*
*


القيمة الأصلية

البلد :
العراق

عدد المساهمات :
2

نقاط :
2

تاريخ التسجيل :
17/03/2012


سيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية   سيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية I_icon_minitime2012-03-17, 14:28

موضوع جميل ومفد وخصوصا كبحث المنمنات شكرا لكم دمتم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

سيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» مكتبة الفنون الجميلة
» الإنسانية والعالمية
» ارجو تحميل رسائل او كتب تختص بتاثير الحروب على الفنون التشكيلية باللغة العربية
» اللغة الإنسانية الأولى
»  سيميائية قصيدة "ولد الهدى" لأحمد شوقي مقاربة تحليلية في بنيوية الشعر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللسانيات النظرية :: السيميائيات-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


سيميائية المنمنمة الإسـلامية التفاعلات الحضارية بينها وباقي الفنون الإنسانية 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
ظاهرة الأشياء الخطاب البخاري العربي التداولية النحو اللغة على اسماعيل بلال المعاصر الخيام كتاب العربية مدخل مجلة مبادئ النقد الحذف محمد ننجز موقاي النص قواعد اللسانيات


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | الحصول على منتدى مجاني | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع