أغلبنا حاول أن يحصل على ترجمة عربية لنصوص بلغات مختلفة عبر محركات البحث على الإنترنت، وكانت النتيجة دائما مخيبة للآمال، فالنص المترجم وإن أعطى فكرة عامة عن المضمون، إلا أنه يفتقد للدقة المطلوبة. هذه الخدمة وغيرها من الخدمات مثل التدقيق الإملائي والترجمة عبر الصوت، هي ما يطلق عليها حوسبة اللغة العربية، أي إدخالها إلى عالم الكمبيوتر والإنترنت بحيث تصبح مفعَّلة بشكل أكبر.
هذا الهدف وإن كانت اللغة العربية قد خطت خطوات مهمة في اتجاهه، إلا أنها لم تصل بعد إلى قمة المطلوب، وهو ما دعا مجموعة من الشركات المهتمة بمجال تكنولوجيا المعلومات ومجموعة من الباحثين، لتأسيس ما يشبه التحالف فيما بينهم، كانت نتيجته مشروع ميدار MEDAR وهو اختصار لكلمات إنجليزية تعني "مشروع التعاون الأوروبي العربي للارتقاء بتقنيات حوسبة اللغة العربية".
خريطة طريق
ويخطط المشروع الذي يمول من ميزانية الأبحاث الخاصة بالاتحاد الأوروبي للوصول بخدمات الحوسبة إلى درجة دقة تقترب من الأداء البشري، وهو ما دعا مؤسسيه إلى إقامة مؤتمر بالقاهرة بدأت فعالياته الأربعاء 22 أبريل 2009 لوضع -ما سماه محمد عطية عضو اللجنة المنظمة- خريطة طريق تحدد كيفية الوصول لهذا الهدف.
ويعتبر عطية تنفيذ مثل هذا المشروع ضرورة لا مفر منها في وقت أضحت المعرفة متاحة بلغات كثيرة على الإنترنت بشكل أفضل من اللغة العربية، برغم أن عدد الذين يتحدثون بها يفوق بكثير أعداد المتحدثين بلغات أفضل حظا على الإنترنت، مثل الفنلندية التي يتحدث بها 5 ملايين مواطن فقط.
ولا ينكر عطية أن ثراء اللغة العربية المستمد من قدمها، وكثرة المتحدثين بها وتعدد لهجاتها، قد يكون أحد الأسباب التي تزيد من صعوبة هذا الأمر، لكنه يرى أن هذا التحدي لابد من قهره، وإلا هجر أصحاب اللغة لغتهم.
وقال: "للأسف بدأنا نلاحظ بدايات هذا الوضع، فاللغة الإنجليزية أصبحت هي لغة المثقفين العرب وكثير من المنازل بالدول العربية".
والسبب -كما يؤكد عطية- أنها لا تلبي حاجتهم بشكل ملائم؛ لأن المعرفة متاحة باللغة الإنجليزية.
مصلحة مشتركة
وعن دوافع الاتحاد الأوروبي لتمويل مشروع يستهدف خدمة اللغة العربية، يشير عطية إلى وجود سببين: الأول أن هناك حاجة ملحة -حاليا- في الغرب لفهم لغة العرب من منطلق "من عرف لغة قوم أمن مكرهم"، والثاني وهو الأهم أنهم ينظرون لحوسبة اللغة العربية على أنه تحدٍّ لو نجحوا في تحقيقه بنسبة نجاح عالية، سيسهل عليهم تنفيذه مع أي لغة أخرى.
ويتفق د.هاني حسن من شركة "IBM" مع الرأي السابق، مشيرا إلى أن الحاجة الغربية لفهم العرب أصبحت ملحة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
ويبتسم د.هاني قائلا: "ربما كانت إتاحة اللغة العربية بشكل أفضل على الإنترنت إحدى مزايا هذه الأحداث"، مضيفا أنه الآن بإمكان محركات البحث باللغة العربية أن تقودك لنصوص أجنبية، صحيح أنك لو أردت ترجمتها بدقة للغة العربية لن تحصل على مستوى جيد، لكنها -كما يوضح- خطوة مهمة على الطريق، حتى يبدأ مشروع "ميدار" من حيث انتهى الآخرون، وهو -ما يسميه د.هاني- بهدف "تراكم المعرفة التكنولوجية".
تراكم المعرفة
وكانت رسالة المشروع التي تحتويها أوراق المؤتمر قد أكدت هذا الهدف، وأشار إليها أكثر من مشارك في حديثه لـ "إسلام أون لاين".
ففي توضيحه لملامح خريطة الطريق التي يستهدف المشروع رسمها، قال د.محسن رشوان العضو المنتدب للشركة الهندسية لتطوير نظم الحاسبات: إن تحقيق ذلك يتطلب أولا تحديد التطبيقات المطلوبة، أي الاحتياجات، ثم معرفة ما هي التقنيات اللازمة لتحقيقها، وأخيرا قواعد البيانات اللغوية أو ما يسمى بـ "الذخائر اللغوية" التي يتم تغذية هذه التقنيات بها.
ويتطلب ذلك -كما يؤكد د.رشوان- الوقوف على مقدار ما تحقق في كل مجال، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان تحمل جهة واحدة عبء المشروع، بل لابد من وجود أكثر من شريك، للاستفادة من خبراته في مجال تخصصه.
الجمعية الأوروبية للذخائر اللغوية المعروفة اختصارًا بـ "إلدا" -أحد هؤلاء الشركاء- ويقول ممثلها بالمؤتمر د.خالد شكري: إن مهمتهم هي توفير الذخائر اللغوية للغة العربية بلهجاتها المختلفة، وهذه الذخائر إما نصوص مكتوبة أو مسموعة.
ومن الشركاء الآخرين شركة "صخر" التي قال ممثلها المهندس ميخائيل إميل غالي إن لديهم خبرة في مجال إتاحة برامج كمبيوتر تعليمية باللغة العربية، ستشكل أحد جوانب الخبرات المهمة التي سيستعين بها "ميدار".
ومن أبرز هذه البرامج التي يشير إليها المهندس غالي هو برنامج "إبصار" المخصص للمكفوفين، والذي يتيح لهم التعامل مع الكمبيوتر بالأذن بدلا من العين، حيث يقرأ لهم مضمون الصفحات التي يتصفحونها.
ليس نهاية الطريق
وثمة حقيقة أشار إليها المشاركون أكثر من مرة، وهو أن "ميدار" ليس نهاية الطريق، وقال د.كريم درويش باحث بشركة مايكروسوفت: إن "ميدار" لن يصل إلى قمة النهاية في مجال حوسبة اللغة العربية، مشيرا إلى أنه سيتيح في النهاية برامج مفتوحة المصدر، هذه البرامج يمكن لأي جهة نسخها وتطويرها بما يجعلنا نتقدم خطوة أخرى.
ولفت د.محمد عبد العال المدرس بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر الانتباه إلى تحد لابد أن يولده هذا المشروع وهو ضرورة المضي قدما لأن يدرج تخصص "الهندسة اللغوية" بالجامعات العربية.
وأوضح أن غياب هذا التخصص يجعل من الضروري استعانة المهندس التقني بمتخصص في اللغويات عند العمل على حوسبة اللغة العربية، والمشكلة في هذا الأمر -كما يشير د.عبد العال- أن اللغوي عند تعامله مع الحاسب، يجعله كبشر يدرك البديهيات، وهذا يجعل كثيرا من البرامج غير مجدية وتأتي بنتائج غير مرضية؛ لأن الكمبيوتر يحتاج لتغذيته بتفاصيل التفاصيل مهما كانت في نظر اللغوي بديهية.
ويقول د.عبد العال: خريجو تخصص الهندسة اللغوية يمسكون العصا من المنتصف، حيث يكون لديهم خلفية لغوية وتقنية، بما يمكنهم من معرفة كيف تتطوع التقنيات لخدمة اللغة.