قراءة في المجموعة القصصية "هي أمارة الماضي"
للقاص مصباح قجدور
هذه مجموعة قصصية للقاص مصباح قجدور ،وتضم هذه المجموعة ثمانية عشر قصة قصيرة حجم المجموعة من القطع الصغير في حوالي خسة وتسعون صفحة.
يتميز أسلوب الكاتب بالسهولة والبساطة والعمق في الوقت نفسه ،وهو يعتمد على التلميح بالإضافة إلى الحذف والاختزال ،وتنتمي هذه المجموعة إلى جنس أدبي حديث في أدبنا العربي هو القصة القصيرة جدا .
وقد ظهرت الحاجة الى القصة القصيرة جدا نتيجة لظروف العصر الاجتماعية والاقتصادية ،وتعقد أساليب الحياة التي أتسمت بعدم الاستقرار يضاف إلى هذا سرعة إيقاع الحياة الذي جعل القارئ يميل إلى قراءة النصوص القصيرة جدا والابتعاد عن النصوص المطولة المسهبة كالقصة القصيرة والرواية والمسرحية والمقالة والبحث الأكاديمي وغيرها.
كان ظهور هذا النوع من القص استجابة لكل العوامل المذكورة في تسعينيات القرن الماضي في أدبنا العربي.
والقصة القصيرة جدا هي جنس أدبي يمتاز بقصر الحجم والإيحاء المكثف والنزعة المقصدية به والرمزية المباشرة وغير المباشرة وتعتمد على خاصية التلميح والاقتضاب بالإضافة إلى سمات الحذف والاختزال .
تهدف القصة القصيرة جدا إلى إيصال رسائل مشفرة مليئة بالانتقادات الساخرة والطافحة بالواقعية والدرامية والانتقادات للإنسان ومجتمعه الملئ بالمتناقضات والتفاوت الاجتماعي.
في هذه المجموعة من القصص القصيرة جدا والتي تناول فيها القاص مجموعة من المواضيع :هموم المثقف،والقضايا الاجتماعية وكذلك الجانب التاريخي والجانب التربوي وغيرها.
ففي قصة " نقاش الدراسات العليا " و "تناقض" يناقش الكاتب قضيتين هما التشبث بالرأي لدي بعض المتعلمين حتى ولو كانت حجة الطرف الأخر قوية وواضحة فبعض هؤلاء المتعلمين يظن بل يجزم أن رأيه دائما على صواب وهذا نجده كثيرا عندنا الآن ،والقضية الثانية هي ادعاء بعض المثقفين الالتزام بالقيم والمبادئ ولكنهم في حقيقتهم عكس ذلك وهذا يعني ازدواج المعايير لدى المثقف الذي بذلك يخسر نفسه واحترام الناس له ويظهر ذلك من خلال قصة تناقض.
تناول مصباح قجدور أيضا الجانب التربوي من خلال قصصه ويتضح ذلك في قصة " انقراض النعام " وهي عبارة عن قصة ترويها الجدة لأحفادها متضمن لمضامين تربوية فهي تركز على أهمية تضامن الإنسان مع أبناء مجتمعه من اجل رقيه والمحافظة عليه،كذلك في قصة "صنع في قريتي"يؤكد الكاتب على أهمية اعتزاز الإنسان بثقافته ومجتمعه والعمل على الرفع من مستواه وعدم الهروب من هذا المجتمع ونقده من الخارج بل يجب العمل للرقي به من خلال العمل المفيد الخلاق.
ولم ينس الكاتب الجانب التاريخي من خلال كفاح الآباء والأجداد ضد الغزو الإيطالي لليبيا من خلا قصة "الشبع في تمسه والعطش في واو" وهي قصة تحكي قصة نجع ليبي تطارده القوات الإيطالية بأسلحتها الحديثة وطائراتها في صحراء فزان ومن خلال هذه القصة نرى تضامن الليبيين مع بعضهم البعض في أثناء تلك المحنة والتي تظهر المعدن الأصيل لهذا الشعب.
هذه بعض المضامين التي تناولها مصباح الغناي قجدور في هذه المجموعة التي هي الأولى وهو كما قلنا كاتب واعد سيكون له شأن في مجال القصة القصيرة.
ونلاحظ على هذه المجموعة بعض الملاحظات التي نأمل من الكاتب أن يتلافاها في المستقبل.
1 ـ كثرة الأخطاء المطبعية في هذه المجموعة التي نرجو أن تصحح في الطبعة القادمة.
2 ـ استخدام الكاتب بعض التعابير والأمثال الشعبية وكذلك كتب بعض الحوارات باللهجة العامية فكان يجب أن تكون هناك هوامش لشرح معانيها للقارئ الذي لا يعرف العامية الليبية.
هذه أهم الملاحظات التي رايتها مهمة أما الأسلوب فهو يتطور بالتأكيد من خلال القراءة وأعرف أن الكاتب قارئ جيد وانصحه بالقراءة لكاتبين كتبا القصة القصيرة جدا هما الكاتب السوري زكريا تامر و المغربي حسن برطال ونحن في انتظار إنتاج مصباح التالي...
سالم مسعود العرابي
الشاطي في 5/6/2007