الـمعنى: هل هو حجر الفلاسفة بالنسبة إلى المترجم المحترف؟
ماتي أراجونييه لوميراس*
ترجمه عن الإنجليزية أيمن حمودة- الأردن
العلاقات البينصية intertextual مع الوثائق و عمليات الكتابة هي جزء من الوسائل التي من خلالها تكون معاني النص مسؤولة عن تفسير الأفكار الواقعة خارجه.
تروسبورج
تهدف هذه المقالة إلى تحليل الطريقة التي يبني بها المترجمون المحترفون المعنى النصي، وإبراز العلاقات المعقدة بين المقاربات السيميوطيقية والبراجماتية والبلاغية والسيمانتية والألسنية عن طريق استخدام إطار منهجي قائم على نظرية أنواع النصوص وتطبيقاتها. ولأن فهم المعنى يعتمد التفاعل بين العوامل النصية والعوامل المؤثرة في سياق النص فإن الكلام على وجود معنى مستقل أو موضوعي في النص كلام مضلل؛ ذلك أن المعنى يبنى بإدماج المعايير التي تشكل نقطة تلاق للتواصل الإنساني بهدف استخلاص معنى يتفق عليهnegotiable meaning .
وعلى الرّغم من وجود تعريفات متعددة للترجمة- تتنوع بتنوع النظر في طبيعة هذه العملية وما ينتج عنها- فإنّ معظمها يتمحور حول المعنى٬ وهي تصب في النهاية في التصور التقليدي للترجمة حيث هي عملية منفصلة تلزم المترجم التعامل مع نص يحتوي جميع المعلومات المطلوبة التي تتيح له فهم المعنى الكلي للنص. ويأتي الإسهام الجلي لدراسات النوع الأسلوبي genre والتحليل النصي ليؤكد أهمية وضع النص في السياق contextualizing ؛حيث لا يعود المعنى-وفق هذا التصور- ما هو محتوى في النص بل ما يخضع للنسبية text relativized والتفاوض وإعادة الصياغة حسب العوامل الخارجية التي تشكّل مفصلا مهمًّا في فهم التواصل بين الفاعلين٬ والمؤسسات٬ والأماكن أو المناسبات، والغايات التواصلية والمقاصد٬ والتقاليد الرسمية والاجتماعية.
وبناء على ما سبق٬ فإن ثمّة ضرورة لمراجعة تعريفات الترجمة لفهم ماهية المعنى بشكل أوسع
١. كيف يبني المترجمون المعنى؟
حيثما يكون الإقناع تكون البلاغة
و حيثما تكون البلاغة يكون المعنى
كينيث بيرك
حاول المترجمون منذ المدرسة البغدادية في القرن التاسع مرورا بمدرسة ألفونسو الثاني عشر في القرن الحادي عشر انتهاء بدراسات الترجمة المعاصرة إيجاد تعريف مشترك لماهية الترجمة؛ فمنذ بداية الترجمة ومنذ نظرية الترجمة الحرفية literal translation-ترجمة الكلمة بكلمة- وصولا إلى نظرية ترجمة المعنى يواصل المترجمون بحثهم عن القواسم المشتركة لعملية الترجمة .
لكن تفسير معنى الترجمة يفتقر في اللغات المختلفة إلى قاعدة مشتركة ،مع ملاحظة أن كل ثقافة من الثقافات تعطي أولوية معينة لمبدأ التكافؤ equivalence في عملية الترجمة وتغفل دور التأويل.
لكن ماذا عن المعنى؟ لقد قام المترجمون بتبني منظور دلالي من أجل جعل عملية الترجمة ذات طابع منتظم، ولهذا فإن مهمة المترجمين هي إيصال المعنى أو بشكل محدد أكثر إيصال المعنى السياقي. وهي مهمة تعترضها صعوبات ؛منها وجود العديد من طرق فهم المعنى، وانطلاق الكلام على الترجمة من رؤى متعددة ،وقيام المترجمين بالتحول من المعنى الإشاري إلى المعنى السياقي والبراجماتي ،وعدم تفريقهم تفريقا واضحا بين مصاحب النص co-text أي النصوص المحيطة بالنص مع جميع المعلومات اللغوية والنصية، وبين السياق(أي المواقف التواصلية المتكررة٬أنظر نورد ٬١٩٩٧٬ميلر١٩٨٤٬). كما لا يميز المترجمون بين المعنى الاستدلالي والمعنى التواصلي٬ والحيل البلاغية المستخدمة لإقناع القارئ٬ والغاية التواصلية في موقف تواصلي معين أو مقاصد المؤلف.
إذن فالمعنى ليس موضوعيا و لا شاملا ؛إذ القراء (أو المترجمون) هم الذين يبنون المعنى اعتمادا على السياق المتعلق بموقف معين (نورد ١٩٩٧٬); مما يعني أن الذاتية subjectivity هي نقطة البداية في عملية الترجمة بغض النظر عن نمط النص إعلاميا كان أو نصحيا٬ أو جدليا٬ أو قصصيا ، وبصرف النظر عن نوع النص: تلخيصا كان أوتوجيها أو مادة بحثية.
1.1. قراءة النص
ليس الاستقلال اكتفاء ذاتيا، فالنص لا يأخذ معناه إلا عندما
تتم قراءته في السياق. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نرفض
مبدأ المحايثة الذي يهيئ لنا أن كل شيء كامن في النص.
بيندكت بوميير- بينسمين
حاولت دراسات الترجمة بناء على ما تقدم أن تقدم مفاهيم سليمة لجعل المعادلة التواصلية مفهوما صالحا للتطبيق. غير أن الأحداث التواصلية ليست واضحة و ثابتة كما هي الحال في الرياضيات; فالتواصل يأتي أولا في كل تفاوض أو تفاهم بين البشر لتحقيق غايات مشتركة وإقناع الآخرين بأن الرسالة تستحق القراءة وأنها قد تسهم في تطور الحقل المعني(ريان ٢٠٠٤:٢٢٠). و لا بد عند فهم الترجمة بوصفها عملا تواصليا من نوع معين إلى الالتفات إلى هذه الإسهامات:
أولا: علم الدلالة أو البلاغة والمعنى البراجماتي (ليديرار و سيليسكوفيتش ١٩٨٤);
ثانيا: الوظيفة التواصلية الاجتماعية (نورد ٬١٩٩٧ رييس و فيرمير ١٩٩١٬);
ثالثا: التكافؤ الدلالي أو الوظيفي.
لو نظرنا في قاموس أكسفورد الإنجليزي Oxford English Dictionary٬ لوجدنا أن المعنى يشير إلى الرسالة٬ والمقاصد٬ والسبب٬ والوسيلة٬ وهو أيضا ما يضفي المعنى على الأهداف. هذا المفهوم أقرب بكثير لمدرسة البلاغة الحديثة (أنظر ريزرمان٬ ميلر ١٩٨٤/٬١٩٩٧ فريدمان و مدوي) من مفهوم المدرسة الفرنسية (أنظر ليديرار وسيليسكوفيتش ١٩٨٤) لأن المعنى يعبـر هنا عن المقاصد الذاتية في مناسبة معينة من خلال أهداف مشتركة.
فالتكافؤ -ومرة أخرى بحسب قاموس أكسفورد في الفيزياء- هو "تساوي التأثير". و"مبدأ التكافؤ" في الكيمياء هو القاعدة التي تقول إن المقادير المختلفة للمواد المتنوعة متكافئة في التركيبات الكيميائية. و إذا ما أردنا أن نحافظ على مفهوم التكافؤ وجب علينا الاعتراف بأن التساوي ليس له علاقة باللغويات٬ لأنه يحقق تأثيرا بلاغيا فقط. إذن فالترجمة ليست كتابة نص مطابق بل هي عملية ديناميكية تعتمد دمج أجزاء متعددة٬ أي الجمل والقواعد والمعنى والأهداف والثقافات وأسلوب البلاغة. و كما هو الحال مع الكيمياء٬ فإن المعنى هو -بالقياس على حجر الفلاسفة- ليس شاملا و لا موضوعيا.
و يكفي القول إن المنهج التقليدي الذي يتبعه المترجمون ينفي أهمية الجانب البراجماتي: إذ تعتمد العلاقة بالنص وسيطًا يتمثل في كفاءة القراءة لدى المتلقي فيتعذر عدّ النص منعزلا بذاته٬ إذ تتحكم به شبكة التواصل الاجتماعي وهو الذي ينشأ أصلا ليدرك من المجتمع لغايات معينة.
إن قراءة النص وكتابته يرتبطان بالضرورة بنوع النص الذي لا يعد شكلا خارجيا بل هو يشكـل النص في السياق الخاص به. و بالتالي يؤثر نوع النص في بنيته٬ وفي أسلوب القراءة- أي أسلوب التأويل- مقدما معلومات قيمة للقيم الثابتة خارج النصextratextual parameter ولا سيّما المناسبة التي ظهر فيها النص وصار له بفضلها معنى معين.
١.١.١. تحديد مناسبة النص
المعنى ليس المحتوى٬ بل هو مكان ووظيفة
آن فريدمان Anne Freadman
لقد شاع أن بناء المعنى يتم في إطار تواصلي(النص) وأن ذلك جزء من أدوات المترجم. ومع ذلك يجب تعريف النص في سياق مرتبط بموقف معين حيث تتضافر القيم الثابتة خارج النص(أنظر: نورد ٬١٩٩٧ أراجونييه ٢٠٠٧ب) اعتمادا على منهج الترجمة المتبع) أنظر: الوظائفية٬ نورد ٬١٩٩٧ السياق٬ نيوبيرت و شريف ٬١٩٩٢ بيكر ٬١٩٩٢ نورد ١٩٩٧)
ويتفق الباحثون دائما على وجود سبب للتواصل ،ويعدّون ذلك جزءا من تعريف المعنى.وعدا ذلك تعدّ مناسبة النص "الغلاف" الذي يقع فيه الحدث .و الذي يساعد على تفسير المتغيرات الآتية:
-الغايات التواصلية;
-الأهداف الذاتية;
-المشاركين أي المؤلف و القراء و المؤسسات;
-التقاليد.
و تحدد جميع العوامل السابقة الطريقة التي تمكننا من فهم النص الخاص بمناسبة معينة٬ فتلك العوامل هي أنشطة متداخلة تنتج لأسباب مختلفة على المترجمين تحديدها. و يعدّ نوع النص من المعلومات القيمة لأنها تقوم على ربط النص أي المنتج الثابت بالسياق، أي بالعملية الديناميكية. فيرتبط المعنى بالظرف المحيط وهو محط تقاطع الاعتبارات الفونصية extratextual.
١.٢.١. تأويل النص
فالتأويل من داخل النص هو إذن دراسة مجموعة المعاني المختلفة
التي يحاول القراء فصلها عن النص و الذي هو ليس إلا جزء
بسيط من مجموعة النصوص المرتبطة بعضها البعض.
وولف Wolff
يمكن للقارئ أن يفهم النص بتأويله ديناميكيّا في ظرف معين ومن العلاقات بين الجمل و الترابط المنطقي بينها. فالمعنى إذن هو ما يستخلصه القارئ من النص و يجعله مفهوما بناء على توقعاته و افتراضاته المسبقة.
لكن علينا أن ندرك أن النص موجه إلى مجتمع محدد من القراء وهذا من القيود التي ينبغي أن نضعها في الحسبان دائما ؛فالمترجم ليس هو المخاطب الأول ،لذا فلن يأخذ أحد بعين الاعتبار وجهة نظر المترجم لمجرد أنه "يقف هناك" كالمتلصصvoyeur
فمثلا، يقوم المحامي بقراءة شهادة براءة الاختراع و يحدد الجانب القانوني فيها، ويقرر هل تستحق أن تثار الدعوى القضائية بشأنها أم لا . و يأخذ طالب الطب بعين الاعتبار الكلمات الرئيسية و الطريقة التي تنظم بها المعلومات الجديدة في تلك الشهادة، ويقرأ المهندس شهادة براءة الاختراع لمعرفة ما حققته المنافسة كي يحصل على المعلومات ويحسن من الهندسة الحديثة. أما المترجم فيقرأ تلك الشهادة ليكتب نصا جديدا لمجموعة من القراء المهتمين الذين ينتمون عموما إلى جماعة المتخصصين نفسها- محاولا الوصول إلى فئة المتخصصين التي استقبلت النص في لغة الأصل- إنما في ثقافة مختلفة.
إن الجوانب المتعلقة بالتأويل –العلم الذي يدرس العملية التأويلية في القراءة- مهمة لبناء المعنى وإتمام الجوانب اللغوية٬ والنحوية٬ والبلاغية٬ والبراجماتية التي تم مناقشتها سابقا.
٢. النص و كيفية ترجمته
المترجم صاحب موقف مخلص في ترجمة المعنى
من لغة المصدر إلى لغة الهدف.
بيندكت بوميير- بينسمين
اتفق العلماء على أن:
أ. التكافؤ هو ما يسعى إليه المترجم.
ب. المعنى متأصل في النص.
ويعود سبب أهمية المعنى إلى حاجة المترجمين إلى الاعتماد على وحدة قياس تستخدم لتنظيم عملية الترجمة. ومازال مبدأ تكافؤ المعنى يشكل المنهج الذي يطبقه العديد من المترجمين عندما يقومون بعملهم. لكن المشكلة هنا في عدم وجود معنى وإنّما في وجود تأويلات متعددة؛فالمعنى ليس ثابتا: إنه يتغير بتغير الزمان والمكان، ولهذا فإن النص نفسه في الزمان نفسه- معزولا عن سياقه- سيفقد جزءا من هدف وجوده، أما القارئ فسيحصل على تأويلات جديدة للغايات التواصلية والمقاصد الذاتية.
لنتخيّل أنّنا رأينا الكثير من الناس في الشوارع في جنوب الصين يلبسون ألبسة بيضاء ويرقصون ويصيحون. ماذا تعني تلك الطقوس؟ في موقف كهذا نحن غرباء، وليس لدينا المعرفة المشتركة بين المجموعة المتجمّعة وكل ما نحن قادرون على فعله ربط اللون الأبيض بالزفاف، والرقص بالبهجة، والصياح بالغضب أو في النهاية بالأغاني. إن "قراءتنا" لهذا التقليد لا يمكن أن تكون صحيحة إذا لم نكن نعرف مثلهم نوع النصّ والطقوس المتعلقة بجماعة معيّنة في لحظة ومكان معيّنين. ( انظر هوكين وبيركنكوت1995(
إنّ الحلّ بسيط: إنّه في تحديد المتغيّرات أعلاه، ووضعها في سياقها الثقافي (أو معرفة نوع النص). وبذا يصبح لدينا المعلومات التي نحتاجها لفهم السلوك المثالي لمراسم الدفن في جنوب الصين. وهذا يعني أن لا وجود لتكافؤ بين الأفعال المنفصلة، وأن ربطها معا قد يزوّدنا بمعلومات عن تلك الطقوس.
الطقوس المكافئة (طقوس الدفن) في أوروبا مختلفة بوضوح، لأن الإشارات التي نراها مختلفة، لكن إن أراد المشاهد أن يفهم ما يحدث في الطقوس أو الاحتفالات الغربية فإن عليه أن يتعرفها. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل فكرة التكافؤ في رأيي فكرة خطيرة في دراسات الترجمة. ولهذا فضّلت الحديث عن "أحداث متوازية"، قياسا على "نصوص متوازية" ولم أتحدث عن تكافؤ.
وبقدر تعلق الأمر بالترجمة فليس ثمّة تكافؤ بل تواز، لأن القيم مرتبطة بالثقافات، ولغة الشكل، والنصّ، والقواعد، وأسلوب الكلام، والطقوس الخ. وهذه أمور تحدث تغيّرات في أغراض التواصل. فعلى سبيل المثال،ليس للكورتيس الإسباني (1)Cortes مكافئ في اللغة الإنجليزية، أو الفرنسية أو الصينية؛ فتعتمد اختيارات المترجمين هنا الملخص الموجود في النظرية Skopos، وعلى الطقوس(مناسبة النص).
لقد أُحْدِث تغيير في النصّ الجديد المترجم ليتوافق مع توقّعات المتلقين عدا تأويله لمعرفة المترجم بالمتغيّرات السياقية. أما ما يتعلق بمناسبة النص فيجب أن نضيف عاملا فوسياقي آخر: أقصد مقاصد المؤلف.
2.1 كشف المقاصد الخاصّة
إننا نتعلّم تبنّي الدوافع الاجتماعية باعتبارها طرقا
لإشباع المقاصد الخاصّة خلال العمل البلاغي.
ميلر
من المفيد قبل الوصول إلى النقطة التي نبحثها البدء بتفسير الفعل التواصلي في المستوى الجماعي. النصّ إذن هو أداة تستعمل لتبادل المعلومات بين المشاركين المختلفين في سياق مؤسّس ضمن مراسم أو طقوس معيّنة يتعرفها أعضاء الجماعة. سيصبح النصّ مفهوما وينال أهدافه إذا حمل معلومات جديدة ومقبولة من القرّاء. والشيء الأكيد أن القرّاء سيكونون قادرين على فهم أهمية حدث التواصل، ومن المستحسن أن تستعمل أشكال سهلة التمييز (2) (مواضعات معينة، نوع النصّ، الخ.).
ويستغلّ الكاتب في المستوى الفردي خبرته ومعرفته بالطقوس الاجتماعية أو المتواضع عليها لتحقيق أهداف معينة: كسب الاعتراف، التأكيد أنه هو أو هي الأولى والوحيدة التي كتبت المعلومات الجديدة عن اكتشاف علمي، ترقية، دفعة الخ. إن ما تمثله المقاصد الخاصّة للمعنى بالنسبة إليه هي بمنزلة ما يمثله الأسلوب بالنسبة إلى التقاليد أو المواضعات: شيء فريد، لا هو متعلّق بالطقوس، ولا بنوع النص.
إن الالتفات إلى المقاصد هو واحد من أكثر المهام الصعبة أمام المترجمين لأنها تبقى ضمنية في النص: على المترجمين أن لا يفترضوا أن المعنى يجب أن يكون واضحا.
2.1 كشف المقاصد الخاصة
عندما يكشف المترجم المقاصد الخاصّة، سيكون عنده رؤية جديدة عن النصّ في سياقه. حيث يصبح جاهزا للتعهّد بالترجمة دون خيانة المؤلف. تصبح الترجمة حينئذٍ فعل كتابة نيابة عن الكاتب تحمي صورة المؤلف عدا أنها تحرم مقاصده طبقا لمقتضيات النص ومناسبته التي اختارها المؤلف لنصه.
3. الخاتمة
لم أقم في هذا النص بأكثر من الاقتراب من موضوع ساحر كهذا. ومع ذلك، فإذا كان من شيء مثير نقترحه فهو أن الدراسات المتعلقة بنوع النص قد تساعد المترجمين على إعادة النظر في الترجمة. فكما بينا فإن المعنى لم يعد فكرة سهلة نبحث عما يكافئها، لأن الترجمة ليست جزءا من معادلة تواصلية حيث المعنى هو حجر الفلاسفة. وحتى لو قيل إنّ الترجمة مشابهة للكيمياء من حيث تحويل مادة خام (نصّ) إلى شيء جديد (الترجمة)، فليس ثمّة تفسير متين للأساس الفكري للكيمياء، ولا للهدف والقيمة العالمية للمعنى.
يجب أن تؤخذ المتغيرات الفونصية في الاعتبار قبل قراءة النصّ وهي ستساعد القارئ، ولاسيّما عندما يكون غريبا، على جعل التفسير النصّي مناسبا للقيام بترجمة معيّنة (يحددها وضع الترجمة) وللقرّاء المستقبليين. فهناك تفسيرات بقدر ما هنالك قرّاء.
ويحتاج المترجمون المحترفون والعلماء لإنجاز تلك المهمة أن يعملوا على إعادة تعريف الترجمة، وترك مفاهيم صعبة ومضلّلة مثل المعنى الذي يميل إلى تشييء عملية الترجمة بدلا من أن يعترف بأنّ أيّ فعل تواصلي هو فعل ذاتي بطبيعته.
لو كان للنصوص معنى موضوعي وواضح بصرف النظر عن السياق كما تهيئ لنا دراسات الترجمة فلأي هدف يعمل المحامون؟
هوامش المؤلفة
(1) لا بد من أن يقال إن الكاتب لا يأخذ المترجم في الاعتبار أبدا، ولا هو يأخذ في الاعتبار وجود نقص في الكفاية الفكرية(الفكرة الرئيسية) عند المترجم والمعرفة المتبادلة، والمواضعات، وأغراض التواصل، لكن على المترجم بحكم الواقع إعادة إنشاء الظرف، لأنه ليس جزءا منه، وهو يحتاج إلى إعادة المتغيرات خارج النص وهي علة وجود الاحتفال.
2 "أشكال" هنا يجب أن تفهم بأنها "ممارسة مستقرة".
هوامش المترجم
*مترجمة ومحررة في منظمة الملكية الفكرية العالمية.
الكورتيس المؤسسة البرلمانية في اسبانيا وتتكون من مجلس أدنى( مجلس النواب) ومجلس أعلى(مجلس البلاط)