دراسات الترجمة بين الاجتهاد والاختصاص
د. محمد أل عبد اللطيف
قسم اللغات الأوربية والترجمة
كلية اللغات والترجمة
جامعة الملك سعود،
المملكة العربية السعودية
ملخص
يهدف هذا البحث إلى تسليط الضوء على دراسات الترجمة من حيث كونها مجالاً حديثاً للدراسات الأكاديمية المتخصصة. تسليط الضوء على طبيعة هذه الدراسات، أنواعها ومجالاتها المختلفة. ومن أهداف هذا البحث كذلك توضيح بعض الصعوبات التي تسهم في تعقيد موضوع دراسات الترجمة، وتعدد اتجاهاتها. تسليط الضوء على ماهية القضايا المركزية لدراسة الترجمة. ,أخيراً وليس أخراً تبيان ضرورة التخصص النظري في هذه الدراسات كمجال لغوي حديث وجديد.
مقدمة:
في البداية، أريد التنويه بان الترجمة بشقيها، الشفوي والتحريري، قديمة قدم الحضارات نفسها، والشواهد على قدم ممارسة الترجمة ما زالت ماثلة للعيان في كبرى المتاحف العالمية، مثل رسائل تل العمارنة التي تعود للقرن الخامس عشر قبل الميلاد والمكتوبة باللغتين الأكادية والمصرية القديمة، وحجر رشيد الذي يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد وكتب باللغات الهيروغليفية، اليونانية، والديموطية المصرية القديمة. ليس ذلك فحسب بل أن بعض مصادر التاريخ الهامة مثل ملاحم هيرودتس تذكر بأن الشعب المصري كان مقسماً إلي سبع فئات إحداها فئة المترجمين. ويشهد على ذلك أيضاً الكثير من الرقاع والبرديات المترجمة من الهيروغليفية إلى اليونانية القديمة المعروضة في المتحف البريطاني. وهذا كله يبرز أهمية الترجمة لحضارات البحر الأبيض المتوسط القديمة ولتبادل المعارف والخبرات بين هذه الحضارات.
ويذكر ميلان ديميتش M. Dimič بأن ربع الألواح تقريباً التي وجدت في مكتبة نينوى الملكية كانت على هيئة قواميس وكتب قواعد للغات السومرية والبابلية والأشورية مما يدل على أهمية الترجمة في ذلك الوقت لحضارات الشرق الأوسط القديمة الأخرى، على سبيل المثال لا الحصر.
وقد استمرت ممارسة الترجمة خلال التاريخ الحضاري للإنسان ولم تتوقف يوما ما فهي تخبو وتنشط من فينة لأخرى حسب الظروف والاحتياجات. فالثقافات كما يرى يوري لوتمان (1991) تشبه في هدوئها ونشاطها البراكين، فهي تارة تمر بمرحلة من النشاط والفوران والنشاط الفكري فتنشط فيها حركة التأليف والترجمة إلى هذه الثقافة، ثم تمر بمرحلة من الإشعاع تتم فيها الترجمة من هذه الثقافة، ثم تأتي فترة من الركود يكون فيها النشاط الفكري كامن حتى تتوفر فيه عوامل الثورة الفكرية فلا تلبث تلك الحضارة حتى تدب فيها عوامل النشاط مرة أخرى.
هذا من حيث الممارسة التلقائية للترجمة الممارسة التي تولدها الحاجة المباشرة ولا تخضع لتنظيم أو مؤسسة. أما من حيث ممارسة الترجمة بشكل منظم ومنتظم فمصادر التاريخ تذكر لنا أن أقدم مدرسة للترجمة ربما تكون "بيت الحكمة" التي أنشأها الخليفة المأمون، وهى مدرسة تعنى بالبحث والتأليف والترجمة، وقد ذكر ابن النديم أن ما تم ترجمته في هذه المدرسة في ذلك الوقت يفوق الأربعمائة كتاب من بينها 149 كتاب في الطب فقط، وكانت هذه المدرسة تترجم من اليونانية والسريانية لأن اغلب المشتغلين بالعلوم في ذلك العصر هم من النساطرة النصارى واشتهر منهم بعض المترجمين الذين لأهميتهم حازوا شهرة الكتاب العظام مثل اسحق بن حنين، وأبنه حنين، وقسطا لوقا والأعسم وغيرهم. وفي هذه المدرسة بالذات ترجمت كتب الفلسفة اليونانية أيضاً وترجم جالينوس وأرسطوا و إفلاطون واقليدس وغيرهم إلى العربية. أما المدرسة الثانية فهي مدرسة طليطلة التي تأسست في القرن الثاني عشر الميلادي والتي تدرب فيها بعض الأسبان وعرب المغرب العربي، وكذلك بعض اليهود، وبعض الإنجليز على الترجمة خاصة من العربية إلى اللاتينية .
وقد عرفت الترجمة أيضاً كثير من الشعوب الأخرى، ولعبت الترجمة دوراً كبيراً في حياة كثير من الأمم. فعلى سبيل المثال، كان هناك وظيفة رسمية للمترجم والمترجم الفوري في بلاط الحكومة الصينية في القرن الحادي عشر الميلادي وكان هؤلاء يخضعون لتدريب قد يمتد إلى سبع سنوات قبل أن يلحقوا في بلاط الحكومات الصينية الإقطاعية كمترجمين رسميين. وقد أنشأت الصين أول كلية رسمية لتدريس اللغات الأجنبية والترجمة في عام 1862م وكان أحد أهدافها إعداد مترجمين في لغات الدول الأكثر تأثيراً على الصين في ذلك الوقت.
وقد ازداد الاهتمام بهذه الدراسات على مستوى العالم، وخاصة الغربي، بشكل موسع في العقدين الأخيرين فقط إلى درجة لافتة للانتباه. لعدة أسباب لعل أهمها وأولها هو فتور الاهتمام بالنموذج اللساني الشكلي وابتعاد هذا النموذج تدريجياً عن دراسة اللغة المعاشة في المجتمع مما دفع الكثير من المهتمين باللغة للنظر في مجالات الترجمة التي أصبحت ممارسة لغوية يومية مثيرة لفضول اللغويين لأنها تتعلق بأكثر من لغة ولكونها ممارسة ذهنية معقدة لم تأخذ نصيبها من الاهتمام اللغوي. وهذا شجع الأبحاث اللسانية والفلسفية في هذا المجال.
أما العامل الثاني فهو ازدياد الاعتماد على الترجمة كوسيلة للاتصال بازدياد الاهتمام بعولمة الثقافة. و دخول العالم مرحلة ما يسمى بثورة الاتصالات، مما سرّع وكثّف من التقارب والتفاعل بين الحضارات، بحيث ازداد التبادل التجاري والنشاط الدبلوماسي بين الدول بشكل غير مسبوق في التاريخ البشري. ولذلك يطلق بعض المهتمين بهذه الدراسات مثل أدمون كاري E Cary على عصرنا هذا تسمية "عصرالترجمة". والنمو المطرد في الحاجة للترجمة تطلب إعداد كوادر بشرية قادرة على القيام بمهام الترجمة مما أدى إلى التوسع في إنشاء أقسام ومعاهد وكليات تتولى إعداد هذه الكوادر، وبالتالي زاد الاهتمام بهذه الدراسات.
أما العامل الثالث فهو انتعاش الأمل في إمكانية الترجمة الآلية في نهاية السبعينات نتيجة لتقدم دراسات الحاسب الآلى والذكاء الاصطناعي، ولتحقيق بعض نظم الترجمة بمساعدة الحاسب الآلي بعض النجاح كما هو الحال مع نظام ترجمة الأحوال الجوية في كندا “Taum Météo” الذي صممه بيير إيزابيل P. في كندا بعد أن فتر الاهتمام بها نتيجة لانتكاسات برامج الترجمة التي صممت في الخمسينيات والستينات من هذا القرن. وكذلك انتشار وتوسع دراسات و تطبيقات الحاسب الآلي في اللغات المختلفة مما جعل الكثير من الدول تسعي حثيثاً لترجمة هذه الدراسات في لغاتها المختلفة، فيمكن القول أن عولمة استخدام الحاسب الآلي كانت صافرة الانطلاق لمجالات العولمة الأخرى.
تعتبر "دراسات الترجمة" ، لهذه الأسباب وغيرها، أسرع مجالات دراسات اللغة نمواً وتوسعاً هذه الأيام. وتبرز أهمية دراسات الترجمة كموضوع بحث فلسفي ولساني وعلمي وأدبي. والبحث النظري في الترجمة والمحاولات المتعددة لمعرفة طبيعة هذا المجال الذي نمارسه كثيراً ونعرف عنه قليلاً أدى الى زيادة الوعي بصعوبة وتعقيد هذه الممارسة.
1-صعوبة دراسات الترجمة:
يمكن القول أن "دراسات الترجمة" حقل له خصوصيات معرفية ابيستمولجية تميزه عن مجالات الدراسات اللغوية الأخرى مثل اللسانيات أو الأدب أو غيرها. وهذه الخصوصيات أسهمت في تشعب الاهتمامات والنظريات في هذا الموضوع، ويتفق المهتمون بالدراسات النظرية للترجمة على أمر واحد فقط وهو صعوبة وتشعب هذا المجال. حتى أن العالم السيميائي أيان ريتشارد I. A. Richard، ، وصفها بأنها "أعقد ما يمكن القيام به منذ بداية الخليقة" (نايدا 1964،10).
ويمكن إرجاع بعض صعوبة "دراسات الترجمة" للأسباب التالية:
1.ا لترجمة والثقافة واللغة:
للغة ارتباط وثيق بالثقافة يبرز بأوضح أشكاله في الترجمة. فالترجمة لا تستطيع التركيز على جوانب لارتباط اللغة بالثقافة دون جوانب أخرى، فهي أي الترجمة تحتاج لجميع جوانب الثقافة ولا تستطيع إغفال أي منها. وقد عرف ذلك جيداً كل من اشتغل بعلوم الإناسة (الأنثربولوجي) ليس لاهتمامهم بالترجمة في حد ذاتها بل لاهتمامهم بدراسة الإنسان ونشاطه الفكري والحضاري. فقد خلص هؤلاء منذ وقت طويل إلى قناعة لا تتزعزع بأنه لا يمكن دراسة حضارة أو ثقافة بدون دراسة لغتها، وانه لا يمكن فهم قوم ما من الخارج، خارج فهم لأنفسهم، وأن ترجمة معاني لغة ما حسب فهم شعبها الخاص لها هي أصعب مهام البحث الإناسي.
وقد قاس بعض علماء الإناسة anthropology ، بعد بحث طويل شمل عدداً كبيراً من الحضارات والشعوب، تطور الإنسان ببداية استعانته بنظم رمزية لتنظيم وتسجيل حياته التي ازدادت تعقيداً مع تطور عقله ونمو معرفته وتراكمها بدرجة فاقت حجم ذاكرته. ويتناسب مدى تطور وتعقيد النظم الرمزية التي استخدمها شعب من الشعوب تناسباً طردياً مع مدى التطور المعرفي والحضاري لذلك الشعب. فالنظم الرمزية، لغوية كانت، حسابية أو صورية، ساعدت الإنسان على تجريد أفكاره والاحتفاظ بها خارج دائرة التآكل الزمكاني (الزماني والمكاني)، كما ساعدته على نقلها للآخرين و تبادل الأفكار معهم، مما يسهم من جديد في تطوير وتعقيد هذه الأفكار.
ولهذه الأسباب، ميز إرنست كاسارير E. Casserier الإنسان ووصفه بـ "الكائن الرمزي" (homo-symbolicus) بدلاً من الوصف الشائع المتداول المستخدم سابقاً "الإنسان العاقل" (homo-sapiens) بحجة أن اللغة كانت شرطاً رئيساً سابقاً لتطور العقل البشري وتميزه. فلم يكن ممكناً، حسب كاسارير أن يتطور عقل الانسان ويصل إلى مستواه المعروف من التعقيد بدون رموز تسهل عملياته. كما أن تطور العقل بصورة مستمرة أدى إلى توسع و تعقيد تركيب اللغة الرمزية لإنسان، فهناك تلازم جدلي بين العقل واللغة. فتطور النظم الرمزية للإنسان ربما يشكل بداية المرحلة الهامة في تطور البشرية ولذلك فالإنسان البدائي هو الإنسان الذي طور أول نظام رمزي لغوي.
واللغة اللفظية verbal language تشكل تطوراً لاحقاً ومرحلة عليا من التطور الرمزي للإنسان لأن لها خصائص ومهام تتطلب قدراً أكبر من التجريد والرمزية. ووظيفة هذه اللغة ليست تواصلية فحسب بل لها وظائف أخرى تمثيلية (تمثل الواقع وتصويره وتجريده)، و أرشيفية (حفظ المعرفة ونقلها وتوارثها)، وطقوسية (تؤدي بها العبادات وتقام بها الاحتفالات الخ)، وهذه جميعها وظائف لا تقل أهمية عن أهمية الوظيفة التواصلية. و لذلك، تعتبر اللغة محور الوجود الفكري والحضاري للإنسان، وبدونها لا يمكن التفريق بين الإنسان وبين سائر الكائنات الأخرى.
ولم يكن تطوير أي من النظم الرمزية المعرفية الأخرى كنظم الحساب والكيمياء والفلك والزراعة وغيرها ممكنا قبل تطور اللغة اللفظية التي لها دور كبير في تطور النظم الرمزية الأخرى الأكثر تجريداً التي نستخدمها في عالم اليوم، مثل الرموز الرياضية، الكيميائية، الحاسوبية وغيرها. فاللغة اللفظية بحق هي المهد الذي تولد فيه المعرفة. والمعرفة في عمقها تأخذ شكلاً لغوياً وترتبط ارتباطاً أساسياً باللغة، وهي غير ممكنة خارج الإطار اللغوي.
وفي كتاباته المبكرة، يرى الفيلسوف اللغوي لودفيغ فيتقينشتاين L. Wittgenstein أن حدود معرفة شعب ما تتطابق مع منطق اللغة التي يتكلمها، وأن حدود التفكير والمنطق هي حدود اللغة. فحدود المعرفة والعقل هي حدود اللغة، فما لا يمكن الكلام عنه لا يمكن التفكير فيه. وقد قال الجاحظ في البيان والتبيين "أن عقل الرجل مدفون في لسانه".
ويؤكد الكثير من علماء النفس واللسانيات النفسية هذه المقولة ويعتبرون العمليات العقلية المختلفة مثل التفكير والتذكر عمليات في جوهرها لغوية. وتوضح لنا الدراسات اللسانية الحديثة للغة أن اللغة عامل أساسي في التربية والتعليم، وهي الأداة الأولى لتشكيل تفكير الناشئة وعقولهم. حيث أن العقل السليم ليس في الجسم السليم فقط وإنما في اللغة السليمة.
واللغة أيضاً هي المكون الأساسي لثقافة الشعوب وحضارتهم، فمجموع السلوكيات والإنجازات المادية والعقلية التي يطلق عليها حضارة تتحول عند تجريدها من وسطها المادي، إلى نصوص لغوية. والحضارة تشبه اللغة في كونها كل مجرد يشمل بين ثناياه المادي والعقلي والروحي. ويرى هيردر، الفيلسوف الألماني، أن "المجموعات البشرية، صغيرة كانت أم كبيرة،… محكومة بتراث مشترك وذاكرة جماعية واحدة، تكون اللغة رابطها الأول وأداتها الرئيسة-واللغة في الحقيقة أكثر من أداة-إنها التجسيد في حد ذاته لروح الأمة " وقد ذكر الكواكبي أن حال الأمة في الاستبداد والحرية تستنطق من لغتها إذا كانت كثيرة ألفاظ التعظيم أو ألفاظ الخنوع أو تفتقر إليها. ويعتقد الأفغاني أن فقدان الأمة للغتها يفقدها هويتها. ومن المعروف أن الفكر العربي الإسلامي ظهر بصورة جلية مع ظهور علم الكلام، وارتبط ارتباطاً وثيقاً، وربما كان علم الكلام لدى المسلمين في ذلك الوقت يقابل مصطلح الفلسفة عند الغرب.
وعندما يتضح لنا الارتباط الوثيق بين اللغة والثقافة، نعرف أن الترجمة تستمد أهميتها ليس فقط من اللغة ذاتها، وإنما من الفكر والثقافة للغة المترجم منها واللغة المترجم إليها. و هي، أي الترجمة، عملية لا تكون في اللغة فقط وإنما في العقل والوعي والشعور العام أيضاً. وإذا قبلنا مقولة جوليان هاوس J. House، المهتمة بدراسات الترجمة، بأن الكثير مما يكتب هو في الحقيقة ترجمة مستترة Covert translation، فسنعرف أن جل ما نقراؤه ونعتقده تأليفاً هو في الواقع ترجمة. كما وأن النصوص الإنسانية المركزية، مثل الكتب السماوية، وكتب الحكمة والفلسفة،هي نصوص تتبادلها الشعوب والحضارات في غالب الأحيان عن طريق الترجمة.
2.1 الفجوة بين الممارسة والتطبيق:
بالرغم من التاريخ الطويل لممارسة الترجمة إلا أن الاهتمام النظري بها يعتبر حديثاً جداً و لا يتناسب وتلك الممارسة. فقد اقتصر الاهتمام النظري بالترجمة في السابق على ما كتبه بعض المترجمين من مقدمات لترجماتهم يشرحون فيها بعض الصعوبات العملية التي واجهتهم و يتناولون عن صعوبة الترجمة بشكل عام. وهذه المقدمات ذات طابع عملي وتتصل مباشرة بممارسة الترجمة لا بنظريتها، ولذلك فالاهتمام بجوانب دراسات الترجمة النظرية يعتبر حديثاً جداً قياساً إلى تاريخ ممارستها الطويل.
وممارسو الترجمة، طيلة هذا التاريخ، أفراد من مشارب وعلوم واتجاهات مختلفة. ولكل منهم تجربته الخاصة به التي تشكلها توجهاته وأدوات وآليات حقل المعرفة الذي يشتغل به. فتراكمت خبرات متنوعة ومتفرقة لا تجمعها رابطة في كثير من الأحيان. فالترجمة على سبيل المثال، من نظام كتابة صوري Pictographic إلى نظام كتابة تجريدي ideographic تختلف في طبيعتها عن ممارسة الترجمة بين نظامين تجريديين للكتابة. والترجمة في المجالات العلمية تختلف عنها في المجالات القضائية أو الدينية والأدبية.
ولذلك بخلاف الكثير من حقول المعرفة الأخرى بدأ مجال "دراسات الترجمة" بممارسة واسعة مكثفة ومتشعبة، ثم أنتقل، إلى مجال التنظير في مرحلة متأخرة كثيراً مما جعل التنظير للترجمة ياتي من تخصصات تأثرت بممارسات متباعدة تهتم كل منها بجزئية معينة من الترجمة تهتم بها وتركز عليها وهذا ، جعل تطوير نظرية متكاملة للترجمة أمرا في غاية الصعوبة. ليس ذلك فحسب بل إن محاولة الجانب التنظيري للترجمة تطوير نظرية متكاملة للترجمة تعوض عن الفجوة الزمانية هذه جعل معظم محاولات التنظير للترجمة تأتي ناقصة وذات طابع معياري normative إلى حد كبير، أو في أسوأ الأحوال تكون غير ذي فائدة عملية، ولعل ما ذكره دو بقراند(1981) De Beaugrande عن كون نظرية كاتفورد (1965) حول الترجمة ذات قيمة عملية محدودة وتشهد على محدودية فائدة اللسانيات للترجمة في ذلك الوقت، ذو علاقة بهذا الشأن.
3.1 الطابع التداخلي للترجمة:
ويجمع المهتمون باللغة على أن ممارسة الترجمة عملية متعددة الأوجه interdisciplinary . وبناء عليه، تتنوع وجهات النظر حول الترجمة متأثرة بممارستها في تلك المجالات. ويكون التداخل بأشكال مختلفة ويأخذ صوراً متعددة، وهذا يصعب إلى حد كبير من حسم بعض القضايا الرئيسة في الترجمة مثل الأسس التي يجب أن تتبعها أو المعايير التي تحكم جودتها.
ففي الترجمة تتداخل القدرة على ممارسة الترجمة بشكل كبير مع قدرات أخري متعددة مثل معرفة المجال المترجم فيه، التمكن من اللغتين: المترجم منها والمترجم إليها. وهناك خطورة كبيرة في التداخل بينهما وهذا التداخل يولد تراكيباً لغويةً هجينةً تتداخل فيها تراكيب لغة النص مع مثيلتها من لغة النص المترجم. وخير مثال على ذلك ترجمة بعض الأسماء ذات الخصوصية الثقافية والتاريخية مثل العبارة التي تتردد دائماً في الصحافة العربية " مجلس الشيوخ" فهي تطلق على: "مجلس الشيوخ الأمريكي"، ومجلس الشيوخ البريطاني The Senate بالنسبة للأول The House of Lords بالنسبة للثاني. فالاختلافات بين هذين المعنيين كبيرة جداً وأصلهما اللغوي مختلف أيضاً. فالأول على سبيل المثال مجس تشريعي منتخب ومقرة يسمى "مبنى الكونقرس" الـ Capitol وتعرب أحياناً بـ "الكابيتول" و لا مجال لترجمة هذه الكلمة بـ "بيت الشيوخ الأمريكي. و"الكابيتول" أصلها ايطالي وتنعت القلعة التي تشيد على هضبة مرتفعة وتطل على المدينة. وتسمية أعضاء هذا المجلس بالشيوخ هي من سبيل المجاز والتجاوز إذ أن معنى كلمة senator حسب قاموس اكسفورد هو عضو المجلس التشريعي الحاكم في بلد أو ولاية ما. أما Lord فهي تسمية ذات مغزى إقطاعي وتتضمن نوعاً من السيطرة التامة والتملك الذي يحكم العلاقة بين السيد من جهة والعبد أو الخادم من جهة أخرى. وكلمة House تطلق على المبنى الذي يعيش فيه الإنسان أو على جزء من ذلك المبنى وتسمية مجلس الشيوخ البريطاني بالـhouse أساسها أنهم تشاطرون ذلك المبنى مع مجلس العموم المجلس التشريعي الذي يلي في الرتبة والسلطة التشريعية مجلس اللوردات. ولا سبيل للقاريء العربي من معرفة الفرق بينها ما إذا لم يعرف مسبقاً ما هو الأصل الإنجليزى والخلفية التاريخية لهاتين العبارتين.
ثم أن دراسات الترجمة تتقاطع مع أكثر مواضيع اللغة صعوبة وتعقيداً مثل قضية المعنى في اللغة أو ما يسمى بقضية "معنى المعنى" (the meaning of meaning) كما تعرف في أدبيات اللغة والترجمة، وهي قضية لغوية رئيسة لم تحسم بعد، وقد استعصت على كل محاولات التنظير. إذ أن لكلمة "معنى" ذاتها معان متعددة. مثل أن تقول أن كلمة كذا تعني كذا؛ أو فلاناً يقصد كذا؛ أو أن السحاب يعني المطر، أو سعة العينين واحورارهما يعني جمالهما. ثم أن هناك المعنى اللغوي، والمعني الاجتماعي، المعنى النفسي، والمعنى الجمالي، وغيرها.
وتتداخل الترجمة أيضاً، حسب أندريه لوفيفر (1992) A. Lefevere ، مع قضايا ذات علاقة بالسلطة والمشروعية والحساسية الثقافية، مما يجعلها موضوع جدل دائم وعميق حول مشروعيتها، مدى التأثير المباح للغة أو ثقافة في لغة وثقافة أخرى. هل تشكل الترجمة اختراقاً ثقافياً للغة المترجم منها؟ هل تختلف الترجمة إذا كان المترجم أجنبياً يعرف اللغة كلغة ثانية، أم متكلم أصلي للغة المترجم إليها؟ ما مشروعية أن يترجم شخص لغير ثقافته الأصلية؟ والى غير ذلك من الأسئلة ذات الطابع الإيديولوجي.
4.1 الطابع الازدواجي للترجمة:
إن الترجمة عملياً أشبه ببندول ساعة يتأرجح إذا مالت إلي جانب ما وأقتربت منه ابتعدت بالضرورة عن الجانب الأخر. فهي إما أن تراعي الأصل أو تحابي الهدف. إما أن تحافظ على المعنى الحرفي للفئة المترجم منها أو تنزع لمعنى غير حرفي اقرب إلى فهم الفئة المترجم لها. وليس هناك ضوابط علمية أو عملية تستطيع بشكل موضوعي تحديد أولوية جانب على الأخر.
ثم أن الترجمة تبرز بشكل واضح الفجوة بين الذاتي والموضوعي. فهي إما أن تكون فردية خلاقة أو تكون جمعية وظيفية لا إبداع فيها. وهذا الموضوع الذي يأخذ شكلاً في دراسات اللغة المختلفة، مثل ماهية المعرفة اللغوية، المعرفة المشتركة الخ..، لم يحسم بعد، وتعتبر الترجمة أحد أكثر عمليات اللغة إبرازاً لهذا الموضوع.
والترجمة عملية تنطوي على مفارقة منطقية لا فكاك منها وهي أنها تحاول أن تحتفظ بماهية محتوى لغوي تحاول في ذات الوقت تغييره، أو على الأقل تغيير شكله. وعند تغيير الشكل فلا بد من المساس بالمحتوى أيضاً. ومن الطريف أن لكلمة ترجمة في اللغة الإنجليزية معنيين محتملين يعكسان هذه الصورة فتفسير الجزء الأول من كلمة ‘translation’ ، وهو حرف الجر اللاتيني‘trans’ ويعني حرفياً "الجهة الأخرى، أو فوق". وفي كلمة translation إما أن يعني النقل على شاكلة معناه في كلمة `transport` أو ‘transfere’ وتكون الترجمة في هذه الحالة نقل نص أو محتوى نص من لغة لأخرى، أو يعني التحول من شكل لآخر أو إعادة تكوين ذلك الشيء مقاربة لكلمة ‘Transform’. ويشبه ذلك تعريف الترجمة في اللغة العربية فلكلمة "ترجم" معنيان مختلفان: الأول بمعنى "بين الكلام ووضحه"، والثاني بمعنى "ترجم عن غيره ونقل عنه".
وفي لسان العرب، يعتبر الترجمان "المفسر للسان"، وهو أيضاً "من يترجم الكلام، أي ينقله من لغة إلى أخرى". فالمعنى في العربية أيضاً يتأرجح بين التفسير والنقل ويشبه إلى حد ما المعنى في اللغة الإنجليزية. ويمكن القول أنه بشكل عام تأرجحت دراسات الترجمة بين هذين المعنيين المختلفين لكلمة ترجمة. فدراسات الترجمة الشكلية ذات الاتجاه العقلاني ترى الترجمة على أنها نقل محتوى معروف ومقدر إلى حد كبير إلى لغة أخرى. أما دراسات الترجمة النسبية فترى أن الترجمة تعني التحول إلى نص جديد لا علاقة له بالنص الأصلي.
لقد تعددت الرؤى والاتجاهات في دراسات الترجمة بشكل لا يدركه الكثير من الدارسين والمشتغلين في هذا المجال على حد سواء. وهذا التعدد لم يكن محض صدفة، أو نتيجة لاختلاف سطحي، وإنما هو نتيجة لتشعب المنطلقات الفكرية والفلسفية لهذه الرؤى والاتجاهات. فهذه الاختلافات، بعبارة أخرى، تعكس اختلافات أكثر عمقاً مما يبدو للوهلة الأولى. وفي زعمنا فإنه من الضروري للدارسين والمشتغلين بدراسة الترجمة من الإلمام بشكل جيد بهذه الاتجاهات وأسسها المعرفية والفلسفية من أجل الإلمام الصحيح بدراسات الترجمة.
2- المفاهيم المختلفة لكلمة لغة:
ربما يغيب عن البعض وخاصة غير المتخصصين في مجال "دراسات الترجمة" أن للترجمة مفهوم أوسع وأعم من المفهوم المتعارف عليه عادة بكلمة "ترجمة" والذي يعني على وجه الخصوص من لغة محكية إلى لغة محكية مساوية ومكافئة لها من الناحية الرمزية. فنحن، خلاف ذلك، نترجم أيضاً من نظم رمزية غبر لغوية لنظم رمزية أخرى غير رمزية، أو منها لنظم رمزية لغوية. و لرومان ياكبسون مقالة مشهورة كتبها في عام (1959) في علاقة الترجمة باللسانيات وفيها قسم الترجمة حسب تصوره لاختلاف النظم الرمزية إلى ثلاثة أقسام هي:
1-الترجمة البين-سيمائية (intersemiotic translation): أي الترجمة من نظام علاماتي لنظام سيميائي آخر مختلف عنه في طبيعته السيميائية، كأن يترجم فنان ما قصيدة إلى لوحة فنية، أو قصيدة إلى قطعة موسيقية، أو أن نقرأ معادلات رياضية بلغة لفظية أو نعيد كتابتها بها والعكس. ويسمي المناطقة (المشتغلون بالمنطق) كتابة المنطق بالرموز المنطقية "ترجمة". ومن قبيل ذلك أن نترجم اللغة اللفظية ذاتها إلى لغة رمزية ثنائية للحاسب الآلي.
2-الترجمة البين لغوية (inter-lingual translation :- وهي الترجمة من لغة محكية verbal language (لفظية) إلى لغة لفظية أخرى، كالترجمة من العربية إلى الإنجليزية أو العكس. وهذه الترجمة هي الأكثر انتشاراً وممارسة وربما أهمية، ولذلك هي ما يتعارف عليه عادة بمعنى كلمة ترجمة.
3-الترجمة الضمن-لغوية (intra-lingual translation): وهي الترجمة التي تمارس ضمن لغة واحدة. كإعادة إنتاج عمل روائي على شكل عمل سينمائي. أو كتابة ألفية بن مالك في نصوص نثرية شارحة كشرح ابن عقيل لهذه الألفية. أي أنها ترجمة تنتقل من جنس لغوي لآخر ضمن اللغة الواحدة.
وفي زعمنا فإن هذه التقسيمات للترجمة التي تدخل ضمن المعاني المتعددة لكلمة "ترجمة" لم تكن وليدة الصدفة، وإنما يمكن إرجاعها بشكل أساسي لتعدد معني كلمة "لغة" ذاتها والتي يمكن استخدامها للتعبير عن معاني ودلالات متعددة في سياقات ومجالات مختلفة.
فاللغة محط اهتمام علوم كثيرة مثل: الفلسفة، السيمياء، اللسانيات، الحاسب الآلي، وعلوم النفس والاجتماع، الفن، وعلوم القواعد والأساليب، وكل من هذه العلوم تناول من اللغة ظواهر معينة ركز عليها واهتم بها. ولذلك فكلمة "لغة" بعناها العام الواسع تسبب كثيراً من اللبس والغموض في الفهم لدى البعض. ومن أجل توضيح المستويات المختلفة التي يمكن للدارس تناول اللغة، يمكن التفريق، ولو إجرائياً كما فعل ياكبسون، بين أربعة معان رئيسة لكلمة "لغة":
أ-اللغة بمعناها المطلق: وهو استخدام مجموعة من البشر أو غير البشر (كما تحاول أن تثبت لنا دراسات السيمياء الحيوانية zoosemiotics ) لمجموعة من العلامات، أي علامات لفظية أو غيرها، بشكل متفق عليه بين هذه المجموعة لتحمل معان معينة. وتكون العلامة هنا أي شيء يدل على شيء آخر ويكون ذا معنى. وبهذا المفهوم، فإن البشر في مجتمع ما يستخدمون الكثير من النظم الرمزية في تنظيم حياتهم وتسهيل التفاهم فيما بينهم: نظم مرور، أنماط بناء، لغات مظهرية، نظم رمزيه علميه، لغات لفظية الخ..
ب-اللغة بمعناها العام: حيث يفرق بعض المهتمين بدراسة اللغة بين اللغة اللفظية ‘verbal language’ (ما نعنيه عادة بمعنى لغة) باعتبارها نظاماً علامتياً رمزياً له خصائص معينة واللغات الأخرى بإطلاق عبارة "اللغة الفطرية" natural language على اللغة اللفظية لتميزها عن النظم اللغوية الأخرى. وتتميز اللغة الفطرية بأنها لغة نكتسبها اكتساباً بفطرتنا وسليقتنا ولا نبذل جهداً في تعلمها.
وقد يختلف علماء اللغة (السليقيون nativists أوالارتقائيون evolutionists) حول أصل اللغة أو كيفية تطورها إلا أن معظمهم يرون أن اللغة اللفظية الإنسانية تشكل على الأرجح خاصية إنسانية وتمثل العامل الأول لقطيعة الجنس البشري عن غيره من السلالات الحيوانية. ومن أهم الخصائص التي تميز اللغة اللفظية عن غيرها من اللغات الرمزية: قابليتها للاكتساب learnability من حيث كونها لغة إنسانية فطرية؛ إنعكاسيتها: reflexifity وهى قدرتها على الكلام عن نفسها كنظم لغوي وقدرتها على وصف نفسها؛ وقابلية نظامها للكذب prevarication وهي قدرتها على الغش وإعطاء معلومات خاطئة. واللغة بمعناها العام تشكل مجال البحث اللساني Linguistics.
ج- اللغة بمعناها الخاص:
وهي اللغة التي يتكلمها شعب ما كاللغة العربية و الإنجليزية والفرنسية وغيرها. ولكل من هذه اللغات نظام خاص بها يشكل مادة درس علوم القواعد، والبلاغة، والأساليب الخاصة بتلك اللغة. واللغة بهذا المعنى هي مفهوم عام يطلق على مزيج كبير ومتداخل من الأجناس اللغوية، والأساليب واللهجات.
د-اللُغَّية : أو لغة متكلم بعينه بحكم أن لكل متكلم نهجا أو أسلوبا لغويا خاصا به يكون في معظم الأحيان مثل بصمة إصبعه فريدة لا يشبهه بها أي فرد أخر في المجموعة اللغوية. واللُغَّية هي ما يكتسبه الفرد نتيجة خبرته اللغوية الخاصة به، وهي التي تعكس لوازمه اللغوية والأسلوبية، كأن نقول مثلاً أن لغة الجاحظ سلسة، ولغة سيبويه معقدة، أو اللغة في رواية ‘أولاد حارتنا’ لنجيب محفوظ لغة ذات مستويات متعددة.
ولو أخذنا بعين الاعتبار هذه المعاني المختلفة لكلمة لغة، ولو نظرنا إلى الترجمة على أنها نقل محتوىً لغوي من لغة لأخرى لتمكنا من فهم التفريعات اللغوية اثلاث التي يقترحها رومان ياكبسون لكلمة "ترجمة"، ولربما أمكن إضافة مفهوم جديد رابع لمفاهيم الترجمة السابقة التي ذكرها ياكبسون، وهي أيضاً ترجمة ضمن لغوية، وهي ما يمكن تسميته ب(4) "الترجمة الأسلوبية". وهي الترجمة التي تهتم بإعادة صياغة أسلوب ما إلى أسلوب آخر ليس في اللغة ذاتها فحسب وإنما وفي الجنس اللغوي ذاته. وذلك مثل إعادة كتابة كتاب معقد بأسلوب جديد مبسط مثل إعادة تبسيط كتب العلم والفلسفة، أو إحالة نص قديم إلى نص جديد من نفس اللغة مثل إعادة كتابة مسرحيات شكسبير على شكل مسرحيات مبسطة للأطفال، أو إعادة كتابة "كليله ودمنه" بأسلوب قصصي جديد يتناسب مع فئات الأعمار المختلفة.
وهذه المفاهيم المختلفة لكلمة "لغة" لم تسهم فقط في تعدد معاني كلمة "ترجمة" وإنما أسهمت بشكل جذري، إضافة للأسباب السابقة، في تعدد نماذج ومناحي دراسات الترجمة. خاصة وأن بعض المفاهيم التي تستعمل ضمن نموذج أو علم معين تستمد معناها بشكل جذري من علاقتها بالمفاهيم الأخرى داخل هذا النموذج، ومن حيث المستوى الذي يتم تناول اللغة به وطبيعة البحث اللغوي في هذا المجال و أدواته. كما أن هذا هو السبب الرئيسي في نظري في كون دراسات الترجمة في معظم الأحيان تبدو وكأنها ذات طابع توليفي eclectic.
و عندما نقول بان دراسات الترجمة ذات طابع توليفي فهذا لا ينفي حقيقة وجود دراسات مستقلة للترجمة. فهذه الدراسات تشهد في الآونة الأخيرة ظهور قضايا تعتبر إلى حد ما قضايا مركزية تحدد الخطوط العريضة لهذا المجال. ومن هذه القضايا الأساسية "المعنى"، "التكافؤ"، "السياق"، "وحدة الترجمة"، "معايير الترجمة" الخ. وهذه القضايا لم تكن نقاط التقاء، ولكنها حالها حال الترجمة ذاتها، نقاط التقاء واختلاف في نفس الوقت.
3- طبيعة دراسات الترجمة:
أدى تشعب مواضيع دراسات الترجمة وتداخلها مع العلوم الأخرى إلى تنوع دراسات الترجمة واتساعها. ومن هذه الناحية يمكن تصنيف دراسات الترجمة حسب طبيعتها، كما يلي:
1.3 دراسات الترجمة الفلسفية:
و تشمل أولاً الدراسات المتعلقة بالطبيعة السميائية للرموز والعلامات بصفة عامة، والمتصلة باللغة اللفظية بصفة خاصة، وكذلك المتعلقة بماهية المحتوى المعنوي الذي تدل عليه النصوص اللغوية أو ما يسمى بقضية "معنى المعنى"، كما اسماها اقدين و ريتشارد (1949) Ogden & Richard في كتاب يحمل نفس العنوان. فقضية المعنى اللغوي، التي تحتل قلب دراسات الترجمة، تبقى حتى يومنا هذا عصية على جميع محاولات التعريف لعل أهمها ارتباطها عوامل مثل السياق اللغوي والمعرفة المسبقة، ولازدواجيتها بين ما تعنيه اللغة وما يقصد بها، وهي قضية تشترك فيها دراسات الترجمة مع الدراسات الفلسفية.
و تشمل الدراسات الفلسفية للترجمة تلك الدراسات التي تحاول سبر كنه العامل الذي يبقى ثابتاً بين اللغتين عند الترجمة بينهما، والذي يتم تناقله بين هاتين اللغتين وبناء عليه يمكن اعتبار أحدهما ترجمة للأخرى، وهو ما اسماه ولفجانج دريسلر W. Dresseler بالعامل المشترك الثالث teritium comparationis . فالترجمة بالنسبه للكثير من الباحثين لا تتعلق بالمعنى اللغوي فقط وإنما بعوامل نفسية، وثقافية وتاريخية، كما سبق وأوضحنا.
ومن دراسات الترجمة الفلسفية أيضاً دراسات ذات علاقة بطبيعة الترجمة و إمكانية الترجمة أو استحالتها، نسبية الترجمة وعلاقتها بنسبية اللغة والمعنى. ومن ذلك على سبيل المثال كتابات اللغوي فالارد كواين W. Quine، المعروفة لدارسي الترجمة على وجه الخصوص، والذي حاول من خلالها تفنيد الأسس العلمية المعرفية للدراسات اللسانية منطلقاً من طروحات تدور في مجملها حول قضية استحالة الترجمة، مثل خصوصية وتفرد كل لغة فيما يتعلق بعلاقتها مع العالم الخارجي، واستحالة ترجمة تلك العلاقة (المعني اللغوي بالعالم الخارجي حسب رأي كواين) بين اللغات، متخذاً موقفاً مشابهاً من نسبية المعنى اللغوي ومستنداً على عدم إمكانية إثبات وجود الترادف المعنوي التام synonymy بين الألفاظ حتى داخل اللغة الواحدة. ومحاولة آخرين مثل ديفيدسون (1984) Davidson الرد على هذا الإدعاء بحجة أن النظم المفاهيمية و إن اختلفت يمكن أن يفسر بعضها بعضاً دون حاجة للتطابق في المعنى مما يؤكد إمكانية الترجمة.
ومن قبيل ذلك أيضاً كتابات والتر بينجامين W. Benjamin وفلسفته القبلية حول اللغة الخالصة `reine sprache` التي يجب على المترجم إعادة تكوينها في النص المترجم أو كتابات دريدا حول تفكيك القراءة و إعادة تكوين العلاقة بين الأصل والترجمة.
ويمكننا القول بأنه بالرغم من الكتابات المتعددة والجدل المتعمق حول إمكانية الترجمة من استحالتها، والذي دعا إليه الجدل حول النسبية اللغوية، إلا أن هذا الجدل متعلق بمفهوم فلسفي للترجمة مغرق في التطرف، وهو جدل قصد به في الأساس إثارة الشكوك حول الطابع المعرفي للسانيات كعلم. وهذه الدراسات لم تهتم بالترجمة لذاتها وإنما اهتمت بها لإثبات قضاياً أخرى ذات طابع فلسفي وغير ذات علاقة مباشرة بمفهوم الترجمة المتعارف عليه أو ما يمكن تسميته ب الترجمة الطبيعية natural translation. وهذه الدراسات أيضاً لم تتطرق لدارسة طبيعة عملية الترجمة translation process أو لوظيفة الترجمة كوسيلة للتواصل تفرضها الحاجة المعاشة.
2.3 دراسات الترجمة المعرفية (الإبستيمية) (epistemological)
وهي الدراسات ذات الطابع الانعكاسي reflexive التي تبحث في طبيعة دراسات الترجمة ذاتها، والخصائص التي تميزها عن غيرها من الدراسات، وتبحث في كون دراسة الترجمة مجالاً مستقلا بذاته أو جزءاً من مجالات أخرى؟ والحدود الإبستيمولوجية لهذه الدراسات التي تميزها عن غيرها.
كما تبحث هذه الدراسات في الدقة المفترضة في دراسات الترجمة ومعايير تقييم الترجمة وكيفية الحكم على ترجمة ما بأنها جيدة وأخري بأنها رديئة. الأولويات التي يجب احترامها عند الترجمة، سبل المفاضلة بين الترجمات المختلفة.
ومن الدراسات ذات الطابع الابستيمولوجي تلك التي تحاول البحث، بناء على المعايير السابقة، في تصنيف الترجمة ضمن العلوم الدقيقة كاللسانيات أو ضمن الآداب والفنون، وهل يمكن اعتبار هذه الدراسات "علما"ً أو "فنا"ً، "علماً غير دقيقاً" أو "فناً دقيق" أو كليهما معا. وأخيراً مدى الحاجة و الضرورة للتفريعات والتقسيمات ضمن هذه الدراسات مثل التفريق بين دراسات الترجمة في المجالات العلمية ومثيلاتها من دراسات الترجمة في المجالات الأدبية؛ وضرورة التفريق بين الترجمة التحريرية والترجمة الشفهية، الخ..
ويمكن أيضاً التفريق في دراسات الترجمة من حيث مجالاتها، حيث إن هناك، على وجه التقريب، ثلاث مجالات تعنى بدراسة الترجمة لكل منها منهجه ونموذجه الخاص، وهى وإن تشابهت مختلفة جداً. الأول هو علوم اللغة واللسانيات، بمختلف اتجاهاتها؛ ذات الاتجاه العقلاني الشكلي. والثاني هو مجال السيمياء وما يتصل بذلك من نظريات الاتصال(communication theory) ونظريات الاتصال االلغوي ذات الطابع البرقماتيكي؛ أما الثالث: فهو مجال الدراسات التأويلية (hermeneutics) والأدبية وهو مجال يدرس طبيعة النصوص وأوجه تأوليها ويجانب العقلانية والشكلية إلى وجهة نظر نسبية حول اللغة والمعنى اللغوي، ويستعصي على محاولة المقاربة الشكلية التي تستخدم في مجال السيمياء واللسانيات. و تعتبر دراسات الترجمة نقطة التقاء لجميع هذه المجالات سمحت ببدء محاولة التقريب فيما بينها كونها المساحة التي التقت فيها جميع الحوارات حول اللغة.
3.3 دراسات الترجمة التطبيقية: (pedagogical):
وهي الدراسات ذات الطابع العملي التي تهدف إلى إعداد وتهيئة المترجمين. و تتداخل معها دراسات من مجالات مختلفة مثل الإعداد اللغوي للمترجمين، الدراسات اللسانية والنصية ذات العلاقة، التدريب الفعلي على الترجمة، ووسائل تقييم جودة المادة المترجمة. ومما يميز دراسات الترجمة التطبيقية عن غيرها من دراسات اللغة التطبيقية هي أن دراسات الترجمة، نتيجة لطابعها التوليفي الذي أسلفنا ذكره، يمكن أن تتجاوز الحدود التقليدية المتعارف عليها بين مجالات اللغات، ويمكن أن يشتمل برنامج تدريس الترجمة على ما قد يعتبره البعض وجهات نظر متناقضة، فدراسات الترجمة يمكن أن تجمع بين دراسات اللسانيات ودراسات الأدب، وبين الدراسات النظرية والدراسات التطبيقية بين دراسات اللغة الوصفية ودراسات النقد الترجمي المعيارية.
فدراسات الترجمة، كما تسعي الكثير من البرامج الحديثة، ترمي لهدفين أساسيين. الأول نظري و الثاني عملي ثم هنالك العلاقة بينهما. وهي علاقة في الغالب صعبة وغير محددة لبعض الأسباب الذي سبق ذكرها.
فمن الناحية النظرية، ونتيجة لغياب نظرية موحدة للترجمة لعدم وجود نظرية موحدة للغة في المقام الأول، جعل الهدف الأساسي من دراسات الترجمة النظرية هو شحذ الحس اللغوي لدي الطالب وزيادة وعيه بحساسية التعابير اللغوية والفروق الصغيرة بين التراكيب والمعاني، وكذلك ارتباط اللغة من هذه الناحية، بمقامات الحال المختلفة من جهة، وبثقافة اللغة من جهة أخرى. فالقارئ المترجم، بخلاف القارئ العادي، يجب أن يكون على قدر كبير من الوعي اللغوي ولديه المهارة المطلوبة في القراءة النقدية.
أما الناحية العملية فتسعى لتنمية المهارة العملية لدي الدارس عن طريق الترجمة الفعلية، سواء كان ذلك في مجال الترجمة التحريرية، أو الترجمة الفورية. ويكون ذلك عادة بزيادة ألفة الطالب بمجال الترجمة الذي سوف يعد له وكذلك تنمية قدرته على الكتابة أو الحديث في هذا المجال وتزويده بالمفردات والمصطلحات والآليات اللازمة، وعادة ما يكون ذلك في تدريبه على الترجمة الفعلية في مجال محدد.
وتعتمد دراسات الترجمة إلى حد كبير على الدراسات اللغوية التقابلية contrastive studies وخاصة تلك التي لها علاقة بدراسات اللغة البراقماتيكية التقابلية contrastive pragmatics، ودراسات البلاغة التقابلية contrastive rhetoric . والدراسات التقابلية خلفت الدراسات المقارنة التي وجه لها نقد كبير بحكم افتراض أحكام معيارية على لغات معينة، غالباً ما تكون لغات بدائية، استناداً إلى لغات أخرى هي في معظم الأحوال لغات الباحثين. فالدراسات التقابلية لا تفترض لغة معيارية بعينها ولا تفترض ضرورة للتشابه أو الاختلاف بين اللغات من حيث التركيب. وربما يعود الفضل لتطور دراسات الترجمة في إبراز الدراسات التقابلية للغات.
وقد أدى توظيف الدراسات التقابلية في الترجمة، والتحليل النقدي للنصوص المترجمة إلى زيادة الوعي بمدى تأثر اللغات بعضها ببعض والى بروز أهمية الترجمة مجدداً في مجال اللغويات التطبيقية كعامل مهم في تدريس اللغات، بعد أن كان ينظر إليها كعامل معوق لتعلم اللغة. وتجلت هذه العلاقة بعد ظهور الحاجة لتدريس اللغات بهدف إعداد المترجمين. حيث ظهر أن للترجمة دوراً كبيراً في سرعة تعلم اللغة والوعي بخصائصها. كما أن هناك أراءاً تقول بسرعة فهم قواعد اللغة عند ترجمتها ومقابلتها مع قواعد اللغة الأم. ثم أن دراسة النصوص المترجمة أثبتت فائدة كبرى في دراسة ما يطلق عليه بظاهرة التداخل اللغوي interlanguage وهي قضية تحضا باهتمام كبير في دراسات تعليم اللغة الحديثة.
الخلاصة
كانت هذه محاولة للتعريف بدراسات الترجمة في معظم جوانبها، التعريف بأبعادها المختلفة، طبيعتها العلمية والابيستملوجية. وبالرغم من أن هذه المجالات تبدو على السطح متباعدة ومتفرقة، إلا أن الكثير من المهتمين بدراسات الترجمة يرون أن هناك عاملاً مشتركاً يجمع هذه الدراسات وهو كونها جميعاً متعلقة بموضوع وظاهرة واحدة هي "الترجمة"، ويرون ضرورة التقريب والتوفيق بينها ومعرفة مدى إمكانية إفادة البعض منها من البعض الآخر. و هي في واقع الأمر دراسات متصلة ومتداخلة إلى حد كبير، و قد ظهر لنا في الآونة الأخيرة تخصص جديد هو تخصص "دراسات الترجمة". مجال معرفة متخصص جديد، له قضاياه واهتماماته الخاصة، و له بالإضافة لمشاكله طموحات كبيرة ليصبح حقلاً مهماً وأساسياً من حقول دراسة اللغة.
وهناك سؤال ربما يتبادر لذهن القارئ الكريم بعد هذا العرض لدراسات الترجمة، وهو كيف يمكن لهذه الدراسات المتشعبة المختلفة أن تشكل مجالاً أو تخصصاً واحداً؟ وهو سؤال منطقي ومشروع خاصة إذا ما أثير حول تخصص حديث العهد والتكوين. لاسيما وأن هناك الكثير من المهتمين بدراسات اللغة لا يعتبرون هذا المجال مجالاً متخصصاً لذات الأسباب. والجواب المحتمل هنا هو أن تخصص دراسات الترجمة يتعلق بظاهرة واحدة هي الترجمة بالرغم من اختلاف اتجاهات دراستها وتباين الرؤى حولها. واختلاف الرؤى وتباينها لا يعني تغير الترجمة ذاتها. ودراسات الترجمة كتخصص، تشبه إلى حد كبير دراسات الطب الحديث، فليس هناك دراسة واحدة متكاملة يمكن أن يطلق عليها تخصص الطب، ولكن هناك مجموعة من الدراسات، مثل الأحياء والكيمياء،والتشريح وعلوم وظائف الأعضاء، وعلوم الأمراض والعقاقير الخ.. وهذه العلوم تشكل في مجملها ما يسمى "بدراسة الطب". ووظيفتها جميعاً الطبابة وشفاء المرضى. ويتوجب على الدارس للطب أن يلم بها جميعاً إلى حد كبير كي يصبح طبيباً. وفي مرحلة لاحقة يتخصص الطبيب في مجال واحد من مجالات الطب بصفة دقيقة. و هذا هو الحال في دراسات الترجمة، ودارسة الترجمة تتطلب من الدارس الإلمام بمجالات معرفية متداخلة ومتنوعة، مثل الإلمام باللغات ذات العلاقة، دراسة علوم اللغة والمعاني والأساليب، الإلمام بثقافة وحضارة اللغة المترجم منها، معرفة نظريات الترجمة وطرق تقويمها، ثم يأتي التخصص الدقيق الذي يتطلب معرفة وافية ودقيقة بالموضوع الذي يترجم فيه. وهذا ما تسعى له وتركز عليه مدارس ومعاهد وكليات اللغات والترجمة.
كما لا يفوتنا أن نذكر أن تنوع دراسات الترجمة له جانب ايجابي كبير، حيث أن هذه الدراسات، نتيجة لمنهجها الوسط بين الصرامة العلمية والتسامح الأدبي، أتاحت الفرصة لعودة الاهتمام بمواضيع جديدة في اللغة مثل قضية "التكافؤ" بين عناصر اللغات، الدراسات المقارنة التقابلية بينها، علاقة اللغة بالثقافة، علاقة الترجمة بتعليم اللغات، وغير ذلك من قضايا دراسات اللغة المتعلقة بالترجمة من قريب أو بعيد. وجميع المؤشرات تبين أن دراسات الترجمة سوف يكون لها نصيب الأسد من الاهتمام اللغوي في المستقبل، وهي آخذة في التبلور والنضوج يوماً بعد آخر.. والله من وراء القصد.
المراجع
Baker, G and P Hacker (1984) Language, Sense and Nonsense. Oxford: Blackwell.
Bassnett-McGuire, S. (1980) Translation Studies. New York: Methuen
Catford, J. C. (1965) A Linguistic Theory of Translation: An Essay In Applied linguistics. London: Oxford University Press.
De Beaugrande, R. (1978) Factors in the Theory of Poetic Translation. Netherlands: Van Gorcum.
Derrida, J. (1985) The Ear of The Other: Autobiography, Transference, Translation. Trans. Peggy Kamuf. New York: Schocken.
Dimič, M. Translation and Interpretation in Bicultural and Multicultural Societies. In Batts (ed.) Translation and Interpretation: The Multicultural Symposium. (1975). Vancouver, pp. 13-35.
Hourani, Albert (1991) A History of The Arab Peoples, London: Faber &Faber.
House, J. (1977) A Model for Translation Quality Assessment. Tübingen: Gunter Narr.
Hung, E. Translation Curricula Development in China. In C. Dollerup & V. Appel (eds.) Teaching Translation and Interpreting, 1995, Benjamin, pp 31-46.
Jakobson, R. (1959) On Linguistic Aspects of Translation. In R. Brower (ed.) On Translation. Cambridge Massachusetts: Harvard University Press.
Kelly, L. G. (1979) The True Interpreter: A History of Translation Theory and Practice In the West. Oxford: Blackwell.
Lefevere, A. Introduction. In Translations/ History/ Culture. A. Lefevere (ed.) (1993), London: Routledge.
Lotman, Y. (1990) Universe of Mind; A Semiotic Theory of Culture. London: Tauris.
Lyons, J. (1977) Semantics. (6th ed.) Vol 1. Cambridge university Press.
Malmkjær K. (ed.) Translation and Language Teaching, (1998), Manchester: St. Jerome.
Quine, V. Meaning and Translation. In R. Brower (ed.) On Translation. Cambridge, Massachusetts: Harvard University Press. (1959), 148-73. ---Two Dogmas of Empiricism, In Olshewsky T. (ed.) Problems in The Philosophy of Language. Rinehart and Winston, (1969), pp. 398-417.
Ogden C. K. and Richards I. A. (1949) The Meaning of Meaning. London: Routledge And Kegan.
Ringbom, H. Contrastive and Error Analysis. In B. Spolsky (ed.) Concise Encyclopedia of Educational Linguistics. 1999, Pergamon, pp 489-495.
Unified Dictionary of Linguistic Terms (1989): Arab League Ed. Cult. and Sc. Organization.
The New Shorter Oxford Dictionary. (1993) Vol .2, P. 3371, Oxford: Clarendon.)
إبراهيم أنيس ورفاقه، "المعجم الوسيط"، الجزء الأول، الطبعة الثانية.
ابن منظور، "لسان العرب"، القاهرة :دار المعارف.
الدوري عبد العزيز "الإسلام وانتشار اللغة العربية والتعريب" في القومية العربية والإسلام (1982)، ط. ث.، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص ص 61-99.
حكيم الدين، أسعد مظفر (1989) "علم الترجمة النظري"، دمشق: دار طلاس.
عبدالرحمن، طه (1995) " فقه الفلسفة: الفلسفة والترجمة"، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي.