يعمل المقال على مساءلة إشكالية النظرية والنهج في الخطاب النقدي الأدبي المغربي الحديث من خلال كتاب" تحليل الخطاب الشعري" للدكتور محمد مفتاح. وهي إشكالية تشغل الخطاب النقدي الأدبي العربي الحديث عامة والمغربي خاصة. قد عملنا على تقديم مكثف لفصول الكتاب مع التركيز على المكون البلاغي من خلال عرض إسهامات الدكتور محمد مفتاح في هذا المجال.
- تقديم
1- في العمل:
يعتبر كتاب "تحليل الخطاب الشعري" إستراتيجية التناص[1]، نقطة تحول نوعي في الفكر النقدي المغربي، لكونه يؤسس لخطاب نقدي يعمل على وضع شفرات إبستيمية للممارسة النقدية. فمن خلال مرجعية الكتاب يتمظهر هذا الهم المعرفي من خلال تصنيف البيبليوغرافيا، التي يمكن تصنيفها إلى قسمين كبيرين:
أ- المصادر والمراجع باللغة العربية( المصادر العربية)
ب- المصادر والمراجع باللغة الأجنبية(المصادر والمراجع الأجنبية)
- المصادر والمراجع العربية تنقسم إلى شقين:
أ-1 الشق الأول قديم، أو ما يسمى بالتراث، سواء في مجال النقد الأدبي كابن رشيق: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده؛
حازم القرطاجني : مناهج البلغاء وسراج الأدباء؛ ابن بسام : الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة...أو التراث البلاغي بأعمدته: عبد القاهر الجرجاني ،السكاكي ،جلال الدين السيوطي،ابن دريد ..ثم التراث النحوي : ابن جني وابن هشام[2].
أ-2 الشق الثاني : حديث وخاصة في فقه اللغة : تمام حسان وبنية الإيقاع الشعري لكمال أبو ديب.
ب- المصادر والمراجع باللغة الأجنبية: ومنها المراجع الفرنكفونية والأنجلوساكسونية، وتتوزع هذه الكتب عدة مرجعيات في ممارسات علمية مختلفة؛ كاللسانيات البنيوية والتوليدية والسميائيات بمختلف مدارسها، السرديات، نظريات تحيل الخطاب، الهرممينوطيقا والتداوليات.
فمن خلال اعتماد العمل النقدي على هذه المرجعيات، يكون قد أرخ لتحول عميق في الممارسة والفكر النقديين بالمغرب، والذي كانت تطغى عليه، حتى وقت قريب من صدور هذا الكتاب، البنيوية التكوينية أو بعض المناهج ذات أصول سيكولوجية أو سوسيولوجية[3].
فنحن إذن أمام عمل مركب، يمارس عدة وظائف. فهو من جهة يفتح النقد المغربي على مرجعيات جديدة، ويعمل على تأطير علاقة الممارسة النقدية بالمرجعية، والذي يتجاوز السجال السابق والمتعلق بإشكالية الذات والموضوع أو علاقة المنهج بالموضوع، وتطويع المنهج المستورد؛ ويعمل على تقويم وبسط عدة نظريات من خلال إبراز قوتها وحدودها، والإمكانيات المعرفية التي قدمتها وتقدمها للبحث العلمي، وفي الأخير فهذا العمل تخليص للتراث العربي بشقيه الإبداعي والنقدي( البلاغي) من التصور المتحجر الذي كان يمارس عليه، كما أن هذا العمل يحمل وعيا إبستملوجيا وتاريخيا للنظرية النقدية[4].
2- في الإشكالية:
ما هي الإشكالية العامة التي يعمل الكتاب على مقاربتها؟
نعتقد أن صلب هذه الإشكالية يتشاكل والوضع الاعتباري للكتاب ككل. فالكتاب ليست كالأعمال النقدية السابقة، يخط لنفسه إشكالية يحاول مقاربتها، إن إشكاليته ليست بالتقليدية، فإشكالية الكتاب هي إشكالية النقد الأدبي بالمغرب؛ إنها الإشكالية المرجعية لهذا النقد وكذا الإشكالية المعرفية، إنها كذلك إشكالية اللغة الواصفة، إنها أخيرا إشكالية المعرفة المبنية من خلال العمل النقدي.
فالعمل يقوم على:
♦ خلق انسجام في المعرفة الأدبية والنقدية ومنحها النسقية المعقولة؛
♦ إعطاؤه وضعا معرفيا وعلميا،
♦ اكتشاف قوانين في الممارسة الأدبية ووضعها رهن إشارة النقد؛
♦ ربط الممارسة الأدبية والنقدية ببقية المعارف وبما يستجد فيهما؛
♦ تحديد الوظيفة والأثر اللذين يحدثهما الأدب والنقد.[5]
فهذه التصورات هي ما يشكل صلب الإشكالية التي يحاول الكتاب مقاربتها من خلال إستراتيجية متمفصلة إلى:
أ- شق نظري؛
ب- شق تطبيقي
والعمل الذي سنقوم هو إعادة بناء إشكالية الكتاب وبسط مستواها العلائقي من خلال علاقتها مع الموضوع والمنهج والمرجعية والأهداف.
قبل مباشرة موضوع اشتغالنا، سنقدم مكونات العمل، التي تعتبرالتحقق السميوطيقي الأول في بناء الإشكالية المدروسة. فالعمل النقدي ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: يتكون من ثمانية فصول، وهي:
♦ الفصل الأول: التشاكل والتباين
♦ الفصل الثاني: الصوت والمعنى
♦ الفصل الثالث : المعجم والتركيب
♦ الفصل الرابع : التركيب
♦ الفصل الخامس: التركيب البلاغي
♦ الفصل السادس: التناص
♦ لفصل السابع : المقصدية
القسم الثاني : إستراتيجية التناص(خاص بالتحليل)، وينقسم إلى:
♦ بنية التوتر؛
♦ الدهر العادل تحت عنوان آخر هو: بنية الاستسلام؛
♦ الدهر الجائر العادل؛
♦ الدهر الجائر العادل تحت عنوان آخر هو : بنية الرجاء والرهبة، إضافة إلى مدخل وخاتمة ملحق تبث فيه موضوع التحليل: رائية ابن عبدون.
أول ملاحظة يمكن تسجيلها هي أن الدكتور محمد مفتاح عمد إلى تقطيع الفضاء العام للعمل النقدي إلى فصول دقيقة ومركزة. فالكتاب حسب المعطيات المورفولوجية ينقسم إلى قسمين: قسم نظري وآخر تطبيقي.
القسم النظري هو الذي بينا فصوله أعلاه. أما التطبيقي فهو المقسم إلى ثلاثة أقسام. لكن وبخلاف أعمال أخرى يتأسس هذا العمل على التوازن الكمي بين قسميه. فالقسم الأول يتشكل من 158 صفحة، أما القسم الثاني فيتوزع على 156 صفحة. فهناك توازن بين التصور النظري والتطبيقي، وهذه المسألة تنسجم والتصور العام الذي يطرحه العمل.
فيما يخص القسم النظري، وهو الذي سيكون موضوع هذه الدراسة، سنقدم إحصاء يخص الجانب الكمي لكل فصل:
المدخل : 10 صفحات
الفصل الأول: التشاكل والتباين 12 ص
الفصل الثاني: الصوت والمعن 26 ص
الفصل الثالث: المعجم 12 ص
الفصل الرابع: التركيب 11ص
الفصل الخامس : التركيب البلاغي 37 ص
الفصل السادس: التناص 17 ص
الفصل السابع : التفاعل 17ص
الفصل الثامن : المقصدية 4 صفحات
الخاتمة : 3 صفحات.
إذا رتبنا هذه الفصول كميا، فسنجد الفصل الخامس هو المهيمن في هذا القسم، أي التركيب البلاغي، وهذا الفصل هو الذي يشكل أساس هذه الدراسة، وهذا لا يعني عدم أهمية الفصول الأخرى، ذلك أن التركيب البلاغي تخترقه كل المفاهيم المدروسة في الفصول الأخرى. فما هي هذه التصورات التي يعرضها الكناب بخصوص هذا الموضوع؟
2-1 التركيب البلاغي : الاستعارة:
لقد كانت ولازالت الاستعارة هي سر توهج اللغة وسموها. فالاستعارة هي تماه خارج الزمان والمكان والإنسان واللغة .ولهذا "فهي موضع اهتمام من قبل اللسانيين وفلاسفة اللغة والمناطقة وعلماء النفس والأنثروبولوجيينن...ونتيجة لهذه الاتجاهات المختلفة، فإن النظريات حول الاستعارة وتأويلها تنوعت واختلفت[6]. وبالنسبة للتناول اللساني للاستعارة هناك الاتجاه الشعري مع جاكبسون وج.تامين ومولينو وميتز طامين؛ والاتجاه الوليدي مع شومسكي وفان ديك ولوفان؛ والفلاسفة نجد سورل، ثم الدراسات اللسانية المشكلة للنظرية الجشتالتية.
ويمكن تصنيف الدراسات ذات المرجعية اللسانية للاستعارة إلى:
2-1-1 – النظرية الإبدالية :
تقوم هذه النظرية على المرتكزات التالية:
أ- إن الاستعارة لا تتعلق بكلمة معجمية واحدة بقطع النظر عن السياق الواردة فيه؛
ب- إن كل كلمة يمكن أن يكون لها معنيان: معنى حقيقي وآخر مجازي؛
ج- الاستعارة تحصل باستبدال كلمة حقيقية بكلمة مجازية؛
د- هذا الاستبدال مبني على علاقة المشابهة الحقيقية أو الوهمية[7].
فمن خلال هذه المرتكزات نجد تماسا بينها وبين تعريف العرب القدماء للاستعارة بأنها : استعمال اللفظ في غير ما وضع له في أصل اللغة، لعلاقة المشابهة[8].
وهذه النظرية هي أكثر وضوحا للعيان فيما يسميه البلاغيون العرب بالاستعارة التصريحية المطلقة التي يصرح فيها بلفظ المشبه به الذي هو اسم جنس.
2-1-2- النظرية التفاعلية:
وهي تتأسس على المسلمات التالية:
أ- الاستعارة تتجاوز الاقتصار على كلمة واحدة؛
ب- إن الكلمة أو الجملة ليس لها معنى حقيقي محدد بكيفية نهائية، وإنما السياق هو الذي ينتجه؛
ج- إن الاستعارة لا تنعكس في الاستبدال ولكنها تحصل في التفاعل أو التوتر بين بؤرة المجاز وبين الإطار المحيط بها؛
د- إن المشابهة ليست العلاقة الوحيدة في الاستعارة فقد تكون هناك علاقات أخرى غيرها؛
هـ - إن الاستعارة لا تقتصر على الهدف المجالي والقصد الشخصي، ولكنها أيضا ذات عاطفية ووصفية ومعرفية، وبتعبير شامل" إننا نحيا بها"[9].
فهذه المسلمات وإن تجاوزت طرح التصور الإبداعي فإنها ليست غريبة على الحقل البلاغي العربي، وهذا ما عمل الناقد على إدراجه من خلال عرض نظرية البلاغيين العرب، انطلاقا من تصور السكاكي لمفهوم " الادعاء" والذي يؤول على ضوئه ما يسمى بالاستعارة المكنية[10].
2-2 الاستعارة والتحليل بالمقومات:
إن الاستعارة ليست بناء لغويا ودلاليا مستقلا بل إنها نسق مركب لساني- دلالي- وتداولي تنتجها أطر ثقافية. ولبناء وتفكيك النسق الاستعاري اعتمد التحليل بالمقومات، وقبل بسط هذا الميكانزم الإجرائي يتساءل الناقد:
ما المقوم؟ ما معنى التحليل بالمقومات؟
فالوحدة المعجمية "طفل" تتضمن:[+اسم] ،[+حي]، [+إنسان]، [- بالغ]، [+ذكر].
" لكن الباحثين في هذا التحليل لا يتفقون على مصطلحات موحدة"[11].
فتبعا للبنيوية الأوربية يقسم الناقد المقوم إلى قسمين :
1- مقوم ذاتي مثل "حي" – " إنسان"- " ذكر"؛
2- مقوم سياقي مثل : الرجل يأكل. "الرجل" [+اسم]- [+حي]- [+إنسان]- [+بالغ]- [+ذكر].
"يأكل"-[+فعل مضارع]- [+مسند إلى إنسان]- فكل من اللفظتين "رجل" و "يأكل" تحتوي مقوم" إنسان".
فقد حصل إذن تراكم مقومي نتج عن تركيب ملائم للسياق الغوي وما فوق لغوي، على أنه إلى جانب التراكم المقومي فإن هناك خلافا بين كثير من مقومات التركيب منها: [+اسم]- [+فعل][12].
فجملة "الرجل يأكل" تؤمن - من حيث التركيب- مقبوليتها الدلالية من خلال تراكم إيجابي حيث أن " الرجل"و"يأكل" يحتويان على قوم " إنسان"وعلى تراكم سلبي: الأول اسم والثاني فعل.
وقد تبنى هذه التقنية في التحليل يامسليف، ياكبسون، كريماص وغيرهم. ويعتبر علم وظائف الأصوات مرجعيتهم وخاصة اعتمادهم في التحليل مفهوم الثنائية. كما أن هذا التحليل كانت له امتدادات في أمريكا وخاصة مع التوليدية.
إلا أن هذا التحليل عرف بعض المشاكل المتعلقة بصعوبة تحديد قائمة نهائية من المقومات للوحدة المعجمية الواحدة، فتعريف معجم " روبير" للأسد تمتزج فيه المقومات الجوهرية بالأعراض؛ فالمقومات الجوهرية هي: [+الثدييات]- [+الافتراس]- [+ذو شعر]- [+لبدة]- [+ذوذنب بزيرة من الشعر]؛ والمقومات العرضية، وهي: [+أصهب]- [+سمراء]...وقد نعتنا هذين الوصفين بالعرضية لأنهما لايينطبقان إلا على بعض الليوث التي تعيش في بعض المناطق[13].
فالتحليل بالمقومات يميز بين المقومات الجوهرية والمقومات العرضية. فالاستعارة "رأيت فرسا" تعتبر ذات توتر خفيف، لأن مقوما جوهريا مشتركا بين الطرفين " الإنسان " و" الفرس": [+الحياة] وأعراض أخرى، تحصل عن طريق التداعي، متوقعة.
"رأيت آلة": هنا بعد وتوتر، ولا توقع، فليس هناك أي مقوم جوهري أو عرضي يجمع الإنسان بالآلة، وإنما الجامع بينهما هو مقوم أو مقومات موجودة بالقوة متفق عليها من قبل المتكلم المتلقي[14]، إذ أن الاستعارة بالنسبة للباث عبارة عن تفاعل يتم بينه وبين العالم من حوله، ولذلك فإنها من هذه الجهة تصور معين لسمات هذا العالم ومظاهره الخفية ، أي عملية اكتشاف تصوري لعلاقات لم يكن لها وجود قبل الاستعارة[15].
فالاستعارة حسب هذه التصورات إنجاز لما لم يكن موجودا من قبل في مستوى نظام اللغة، أي أنها تفاعل بين الباث وبين اللغة، ويتم هذا التفاعل بدمج عبارة ومحتوى التصور الأصلي، ضمن محور المشابهة الخاص بعبارة ما، ومحتوى التصور الفرعي الذي يقترن إليه في مستوى التخيل.
فماذا يجمع إذن بين مكونات الاستعارة التالية:" انتصر "بوريس يلتسين" على عدوه الحميم"؟[16]
ويقصد الباث بالعدو الحميم "ميخائيل غورباتشيف". فما هي المقومات التي تنهض عليها هذه الاستعارة؟
الجواب على هذا التساؤل يقتضي تحليل كل لفظة معجمية، واستخلاص مقوماتها الجوهرية ومقوماتها العرضية، والبحث عما يسمى بمحور المشابهة. فهذه الاستعارة تحتوي على مقومات مختلفة، وهذا ما يجعلها غريبة. وفي هذا الإطار يتحدث الناقد عن قتل الاستعارة، بحيث أن المقومات الجوهرية المشتركة بين الطرفين تقتل الاستعارة، وأنه لذلك كان مجال الاستعارة هو المقومات العرضية أو الأعراض، أو ما انتزع وجه شبهه من التداعيات الحرة.
وعلى هذا الأساس يخلص الناقد مما سبق على أن:
٭هناك استعارة ميتة تحتوي على مقومات وأعراض مشتركة كثيرة؛
٭هناك استعارة تشتمل على مقومات مختلفة كثيرة بين الحدين؛
٭هناك استعارة أكثر حيوية لا تحتوي على مقومات أو أعراض محددة، وإنما تقوم على التداعي الحر الذي هو خزان للاستعارة[17].
إن المهتم بالبلاغة يدرك رغم اختلاف النظريات أن المشابهة هي العلاقة الجوهرية في الاستعارة، لهذا عمل البلاغيون القدامى والمحدثون على وضع شروط لضبط هذه المشابهة بتبيان المقوم أو العرض المشترك بين الحدين.
ومن القدماء، ذكر الناقد الجرجاني الذي وضع مفهومين إجرائيين أساسين هما:
1- الاشتراك في جنس الصفة؛
2- الاشتراك في الحكم والمقتضى.
ومن المحدثين ممن حاول وضع مبادئ تبين آليات الارتباط بين المعنى الحرفي والمعنى المجازي، نجد سورل الذي ميز بين الاستعارة المقبولة من غيرها، ورصد كيفية اشتغالها. وقد انطلق من مبدأ عام، وهو أن كل عملية استعارة تحتاج إلى:
- مستمع يفهم ما يتلقاه؛
- متكلم يريد أن يقول شيئا غير ما تدل عليه الكلمات، إلا أن الطرفين يتفاهمان؛
وهذا راجع لعدة أسباب:
منها ما تؤكده نظرية التلقي وخاصة مع وقع الأثر مع إيزر من خلال ما يسميه بالذخيرة المشتركة بين الباث والمتلقي، والتي تتأسس على نظرية التواصل.
كما أن سورل حدد مراحل تشفير الاستعارة والتي سماها الناقد بإستراتيجية تحديد مسبق للبحث من تأويل استعاري أو رفضه، إضافة إلى امتلاك مبادئ تسمح بحساب القيم الممكنة، ثم تحديد ومعرفة المقوم أو العرض.
لكن رغم التقدم الذي يسجله سورل فإنه يبقى حبيس النظرية التشبيهية.
بعد ذلك ينطلق الناقد إلى طرح تصور النظرية الجشتالتية عند لاكوف وجونسون، من خلال كتابهما : " الاستعارات التي نحيا بها"، حيث انتقدا من خلاله النظرة الوضعية إلى الاستعارة. ومن أهم هذه الانتقادات نجد:
- إنها تنكر وجود أنواع من الاستعارات بدعوى أنها ميتة متخذة مقياس للغرابة..وتقوم هذه النظرية الوضعية على مبدأ المشابهة بين حدين. فقد قالا:" إن التناول الوضعي للمعنى هو تماما النقيض مع أي شيء قررناه في هذا الكتاب"[18].
فالكتاب يطرح عدة تصورات يبدؤها بحديثه عن الاستعارة الاتفاقية التي هي ثلاثة أقسام:
1- استعارة موجهة مبنية على أساس التوجيه المكاني؛
2- استعارة أنطولوجية؛
3- استعارة بنيوية.
وعلى العموم فالاستعارة بالنسبة للكتاب:"تسمح بفهم ميدان تجربة في ألفاظ ميدان آخر. وأساس هذه النظرية هو إدماج الجزء ضمن بنية كلية منسجمة، على أنها أنواع تتحدد بحسب مفهوم المحمول"[19].
فلفهمااستعارة مثل"الجدال حرب"[20]، يفترض وجود :
1-المشاركون: يمثلون دور الخصمين؛
2- الأجزاء: تخطيط – الإستراتيجية- الهجوم؛
3- المراحل – الشروط: البداية/الوسط/النهاية؛
4- التوالي الخطي: التراجع بعد الهجوم- الدفاع بعد الهجوم – الهجوم المضاد بعد الهجوم...،
5- السبب: الهجوم ينتج الدفاع؛
6 الغاية : الانتصار.
فهذا الترتيب يدخل ضمن ما يسمى بالاستعارة الاتفاقية المعتمدة على المشابهة المنوطة بإشراك المقومات، ولكن هناك استعارة مبتدعة تخلق مشابهات جديدة. فعلاقة المشابهة ضرورية إذن في أية استعارة مهما كانت[21]. وهذا الكلام يفيد بان المكونين لعلاقة المشابهة يمكن أن يحللا إلى مقومات لتبين المشترك بينهما. غير أن المؤلفين لا يعيران كبير اهتمام إلا للخصائص التفاعلية الناتجة عن تفاعل الإنسان مع محيطه" فالاستعارة بالنسبة للباث عبارة عن تفاعل يتم بينه وبين العالم من حوله، ولذلك فإنها من هذه الجهة تصور معين لسمات هذا العالم ومظاهره الخفية"[22].
فالاستعارة إذن، تعكس الثقافة والبيئة اللتين نبتت فيهما، الشيء الذي يجعلها تتميز بالنسبية، لأنها تعكس رؤية مبدعها. كما أن نسبيتها هي نتاج فعل القراءة، من خلال إدراك المتلقي لمشابهاتها حسب التجربة الشخصية مع محيطه العام.
من خلال ما عرضناه بخصوص النظرية الجشتالتية والنظرية التشبيهية، يتضح وجود خصائص مشتركة بينهما، والتي لخصها الكتاب في:
مفهوم الانسجام: مع اختلاف التصور لهذا المفهوم، فالنظرية التشبيهية تتصور مفهوم الانسجام من خلال الاتصال / الانفصال في المقومات. أما النظرية الجشتالتية فتنطلق من نماذج تعبيرية اتفاقية تكون غربالا لقبول بعض التراكيب أو رفضها[23].
مفهوم المشابهة كلاهما يأخذ به فالتشبيهية تعتمد على المشابهة المبنية على المقومات، أما الجشتالتية أساس المشابهة لديها هو الخصائص التفاعلية المفتوحة؛
الانتقاء: كلاهما يسلم بأن الاستعارة تبرز عناصر وتخفي أخرى.
3- في الختم:
كان هذا أهم ما ورد في الفصل من تصورات تتعلق بالتركيب البلاغي الذي تناول مفهوم الاستعارة. وقد اقتصر عملنا على تناول هذا الفصل ، نظرا للأهمية البالغة التي يشكلها داخل العمل النقدي. إضافة إلى العمل الجاد الذي يقوم به الكتاب مما إضافه إلى المجال البلاغي، من خلال تبني تصور جديد للدراسة البلاغية، ينطلق من تصور لساني وتداولي، يتأسس على مفهوم التفاعل والدينامية والتطور، وهي المفاهيم التي تتفاعل مع مفاهيم الفصول الأخرى للكتاب، مثل التشاكل-التناص- الإيقاع- الصوت- المعنى؛ بالإضافة إلى كون مفهوم التفاعل والدينامية سيشكلان القاعدة الأساسية لاهتمام الدكتور محمد مفتاح في كتاباته اللاحقة المعتمدة على نظرية التلقي وخاصة نظرية الوقع الجمالي وآليات إنتاج وقع الأثر والنظرية التأويلية التي تتأسس على تفاعل الباث والمتلقي.
د. المصطفى الدقاري. الرباط.المغرب
- مفتاح(محمد) : تحليل الخطاب الشعري ((استراتيجية التناص) المركز الثقافي العربي. ط 3: 1992. الدار البيضاء[1]
- مفتاح (محمد) : تحليل الخطاب الشعري. م.م ( انظر المصادر والمراجع باللغة العربية. ص: 349-350 [2]
-أنظرأزرويل(فاطمة الزهراء): مفاهيم نقد الرواية بالمغرب: مصادرها بالعربية والأجنبية . لفنك .ط1: 1989 البيضاء..[3]
-أنظر تحليل الخطاب. .م المدخل ض: 7[4]
5 - الدغمومي (محمد): نقد النقد- وتنظير النقد العربي المعاصر. سلسلة رسائل وأطروحات رقم:44. منشورات كلية الآداب بالرباط.ط1. 1999 .ص:44-45
- تحليل الخطاب.م.م ص: 81[6]
- تحليل الخطاب م.م ص: 82[7]
- بلمليح(إدريس) : "استعارة البات واستعارة المتلقي" في ( نظرية لتلقي/ إشكالات وتطبيقات ) كلي الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.1993.ص:105[8]
- تحليل الخطاب .م.م ص:84[9]
- تحليل الخطاب م.م ص ك 85[10]
- تحليل الخطاب م.م ص:88[11]
- تحليل الخطاب م.م ص: 89[12]
- تحليل الخطاب.م.مص: 93[13]
- تحليل الخطاب م.م ص: 93[14]
- استعارة البات واستعارة المتلقي. م.م : 113[15]
- thibot doiron : Désunion Soviétique. Film documentaire[16]
- تحليل الخطاب.م.م ص:95[17]
-- تحليل الخطاب.م.م ص103[18]
- تحليل الخطاب .م.م ص: 107[19]
- تحليل الخطاب .م.م ص:108[20]
- تحليل الخطاب م.م ص:108[21]
- استعارة الباث واستعارة المتلقي.م.م ص:112[22]
- تحليل الخطلب م.م ص:[23]