في الأصل تعتبر المدونات العربية رغم تكاثرها المتسارع، قليلة قياسا بالمدونات الغربية، فالمدونات العربية في نسختها الإنجليزية و الفرنسية، هي الأكثر حضورا نوعيا وكميا مما هو متوفر باللغة العربية. ففي البداية كانت المدونات تكتب و تنشر باللغة الإنجليزية في المشرق و باللغة الفرنسية في المغرب العربي، ويعود السبب إلى عاملين أساسيين:
الأول: فني تقني، ظهر خاصة مع بداية نشأة المدونات على الإنترنت باللغة اللاتينية، وغياب البرمجيات العربية المتخصصة في تصميم مثل تلك المواقع.
الثاني: يعود إلى أن مؤسسي المدونات الأوائل هم في أغلب الأحيان أجانب مقيمين في المنطقة العربية، وكذلك من الشباب المتعلم من البرجوازية العربية المتفتحة على الثقافة الغربية و المتمكنة من اللغات الأجنبية. في هذا السباق، يعتبر المدون "هيثم صباح" أن "المدونات المكتوبة بالعربية هي في الغالب نقد ذاتي وإن كانت موجهة للحكومات المحلية، لكنها ليست مؤثرة بالشكل المطلوب بسبب سلطة الدولة و القانون و تجاهل الإعلام المحلي لها، في المقابل نجحت كثير من المدونات المكتوبة بالإنجليزية في الوصول إلى عناوين الأخبار على صفحات الجرائد العالمية و محطات التلفزيون و الإذاعة الغربية".
قد يكون أيضا الاتجاه نحو لغة أجنبية بحثا عما في تلك اللغة من تحررية لا توفرها اللغة العربية التقليدية، و التي تفرض القيود الأخلاقية التابعة من الثقافة و العادات و التقاليد العربية ذاتها. وهكذا يمكن أن تساهم المدونات في اهتزاز الثقافة العربية، وذلك من خلال إبراز عنصري اللغة و التعبير عن الرأي في قضايا الشأن العام و تحرر الفرد ثقافيا من أسر المجتمع و اضطهاد المؤسسة و الدولة.
في هذا الصدد، تقول مدونة سورية:" فكرة خطرت على بالي وخلقت في شعوراً من عدم الارتياح، في كل مرة أتصفح فيها المدونات السورية: لماذا نكتب بالإنجليزية؟ فكرت كثيراً ولم أجد جواباً. الأمر لا ينحصر فقط بالانترنت، كثيرون منا يتخاطبون بالإنكليزية عبر الSMS والبريد الالكتروني، هل نحن بالفعل أكثر قدرة على التعبير بلغة أجنبية؟ هل نحن عاجزون عن استخدام لغتنا الأم للتعبير عما يجول في خواطرنا؟ هل هي رغبة منا بدافع من لاوعينا، إلى الظهور بمظهر المثقف المنفتح عن العالم الخارجي؟ هل هي عقدة نقص تجعلنا نحس أن استخدام الانجليزية دلالة على التحضر والمعاصرة؟ هل استخدام الانجليزية بات مميزاً للنخبة المثقفة من الشباب العربي؟ هل نحن لا نستطيع استخدام الفصحى، ولأن العامية لا تكتب عادة فقد قررنا الابتعاد عن كليهما؟ هل العربية لغة غير مرنة ومحدودة الاستخدام في عالم الانترنت؟". رغم أن هذا الكلام يعارض ما يراه المدون الإيراني "حسين درخشان" عندما قال: إن لم تدون بالإنجليزية فكأنك لم تدون.
ففي المغرب العربي مثلا، وقبل أزيد من سنة بقليل، كان من الواضح أن اللغة الفرنسية هي المهيمنة على المدونات المغربية. لكن حاليًا بعد توفر خدمات تدوين مجانية بالعربية وشروع الصحافة المغربية (المكتوبة بالعربية) في الحديث عن التدوين والمدونات، بدأت اللغة العربية تفرض نفسها على المدونات التي تفرض نفسها هي الأخرى وتحصل على قراء دائمين، وعددها تقريبًا يتوزع بالتساوي بين العربية والفرنسية. العربية منها يطغى عليها الجانب السياسي والقومي، والفرنسية يطغى عليها الجانب الشخصي والاجتماعي وكذلك التقني.
ويرى "أحمد" صاحب مدونة "بلا فرنسية !" أن "سبب استخدام الفرنسية في المدونات لا يختلف عن سبب استخدامها في وسائل الاتصال الأخرى مثل الجرائد. هناك فئة من المدونين إما بسبب تكوينهم الفرنسي، أو عملهم لا يتصورون أن تكون العربية لغة اتصال خاصة مع المتعلمين، وهم بذلك يقصون نسبة كبيرة من جمهورهم."
الملاحظ هنا، هو نوع من القطيعة بين من يدون بالعربية وبين من يدون بالفرنسية. المدونون بالفرنسية يغلب عليهم الطابع الاحترافي، لذلك نصبوا أنفسهم – ربما ليس باختيارهم- متحدثين رسميين باسم التدوين المغربي وصار لهم تجمعاتهم واحتفالياتهم. على عكس المدونين بالعربية الذين يحملون معهم سلبيات التجمعات الحزبية وصاروا يتصارعون حول تأسيس ورئاسة التجمعات والاتحادات من جهة، ومن جهة أخرى، التسابق نحو إطلاق الحملات التدوينية على شاكلة "حملة لدعم الأقصى"، "حملة لدعم غزة"... الخ. مع ضرورة التنويه إلى وجود مدونين بالعربية سموا عن هذه التجمعات ونجحوا في إبراز مدوناتهم وتحقيق مصداقيتها.
وبما أن هدف المدونات هو بالأساس تحسيس المواطن البسيط، وتوعيته بحقوقه وواجباته، وبما أن هذا المواطن يتحدث في الغالب فقط باللغة العربية، فالكتابة له بلغته ستكون أكثر تأثيرا ونفعا. خاصة إن تعلق الأمر بالسياسة ومعالجة المشاكل الاجتماعية. وعليه نرى بأن أي لغة أخرى غير اللغة العربية، تبقى عاجزة عن ملامسة مشاعر الناس، الذين هم في الغالبية لا يقرؤون إلا باللغة العربية؟
للمزيد من المعلومات حول الموضوع الرجاء الاتصال ب amina_majik@yahoo.fr