| البعد التداولي في النحو الوظيفي | |
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: البعد التداولي في النحو الوظيفي 2010-12-05, 21:02 | |
| بحث بعنوان : البعد التداولي في النحو الوظيفي إعداد أستاذ دكتور طه الجندي الأستاذ المدرس بكلية دار العلوم جامعة القاهرة قسم النحو والصرف والعروض نشر بعدد رقم 27 مجلة كلية دار العلوم الشهرية ص7 البعد التداولي في النحو الوظيفي من منظور المعطى اللغوي التراثي عني هذا البحث برصد الوظائف التداولية Pragmatic Function ، وتوضيحها طبقا لنموذج من النماذج التي انتهت إليها اللسانيات الوظيفية Functional linguistics ، وهو الاتجاه الذي عرف بالنحو الوظيفي Functional grammar ، وقد اقترح هذا النموذج اللساني الباحث المغربي الجاد الدكتور / أحمد المتوكل ، وذلك في سلسلة من الدراسات والأبحاث ركز فيها على إبراز التفاعل القائم بين الخصائص البنيوية للعبارات اللغوية والأغراض التواصلية التي تستعمل هذه العبارات وسيلة لبلوغها ويرجع السبب في إيثاري لهذا النموذج إلى نجاحه في مراعة البعد التداولي الذي يحاول الربط بين البنية اللغوية للجمل و الظروف المقامية التي تنجز فيها ، فهو يعالج الظاهرة اللغوية ضمن ظروف خارجية تحيط بالعملية الكلامية ، دون حصر هذه المعالجة في إطار لغوي خالص ، لذا فإن هذا الاتجاه ينظر إلى الأبعاد ص 8 التداولية على أنها علاقات قائمة بين مكونات الجملة ، على غرار العلاقات التركيبية والدلالية ، وعليه ينبغي عند تحليل الجملة أن يكون ثمة تمثيل للوظائف التداولية ، تمثيل الوظائف التركيبية والدلالية ، وذلك بقصد تحقيق أهداف تواصلية محددة ، في إطار السعي إلى ما سمي لديهم بالكفاية التداولية وطبقا لهذا الاتجاه فإنه ما دامت الغاية الرئيسية من الكلام هي التواصل والتفاهم فإن معنى هذا الكلام يجب أن يتسع ليشمل ما يتضمنه من ظروف خارجية تحيط به دون الاقتصار عند معالجته على الارتباطات اللغوية الداخلية فحسب ، وها هو ذا فيرث يرى أن المعنى لا يعتمد على الأصوات والكلمات والأبنية فحسب ، بل يعتمد كذلك على السياق ، كما يرى بالمر أن علم الدلالة لا يجب حصره في مجال لغوي خالص ، فمن شأن هذا أن يمدنا بنظرية لغوية ضيقة ، يمكن بصعوبة أن يقال : إنها تتعامل مع المعنى كما ينبغي ، كما يؤكد لاينز أن الباحث لا يستطيع أن يقدم تقريرا شاملا عن معنى الجملة دون أن يبين الصلات التي تربط الجمل بالسياق ، وأيضا فإن هناك من يذكر أن الفكرة القائلة بإمكان تحليل سلسلة ص 9 لغوية (جملة مثلا) تحليلا كاملا بدون مراعاة للسياق قد أصبحت في السنين الأخيرة محل شك كبير كما يذكر اللساني الفرنسي مييه أن الكلمة الحقيقية هي الكلمة في السياق ، وأن الكلمات ليس لها معان ، وإنما لها استعمالات ،وأن هذه الاستعمالات تخرج بها من محيط اللغة الساكن إلى محيط الكلام المتحرك ويصبح من مطالب هذا المنهج لفهم وظيفة اللغة من حيث هي أداة كما يذكر المتوكل ، او من حيث هي آلة كما يذكر الدكتور نهاد الموسى ، أن ننظر إليها في إطار عوامل رئيسية ثلاثة ، ينتظمها الموقف الكلامي ، وهي المتكلم والمستمع والأشياء ، أي عناصر الموقف المحسة ، وأوضاعها التي هي موضوع الكلام ، ويقوم الرمز اللغوي على التواؤم وهذه العوامل الثلاثة وفي مقابل هذا الاتجاه الوظيفي ثمة اتجاه اخر يدرس اللغة بوصفها انساقا تركيبية مجردة ، وعزلها تماما عن الخلفيات غير اللغوية ، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن النظر إلى المعنى من خلال إطار لغوي خالص يعد أسهل بكثير ، إذ ص 10 لو نظرنا إليه من خلال الظروف غير اللغوية فإن ذلك يعني أن علم الدلالة سيشمل مجموع المعارف الإنسانية ، وهذا ما لا يمكن لأية نظرية أن تتضمنه وإذن فنحن أمام اتجاهين : اتجاه يدرس اللغة في إطار لغوي محض ، ويقتصر في درسه للغة على ثلاثة مكونات : مكون تركيبي صرفي ، وآخر دلالي ، وثالث صوتي معتبرا المكونين الثاني والثالث تأويليين ، لا تأثير لهما في الأول . واتجاه آخر يدرس اللغة ضمن ارتباطها بظواهر مقامية ، ويرى أن معنى اللغات لا ينحصر فينا تدل عليه الصيغ التركيبية وحدها ، فيسعى إلى إضافة مكون تداولي جنبا إلى جنب مع المكونين التركيبي والدلالي ، يتخذ من خلاله هذا المكون التداولي وضعا قاعديا بالنسبة للمكونات الأخرى ، حيث يسهم في إمدادها ثلاثتها بما يحتاج إليه اشتغالها من معلومات وقد أسلفت القول بأن إيثاري للاتجاه الوظيفي مرده إلى مراعاته لهذا البعد التداولي عند معالجته للظاهرة اللغوية ، هذا البعد الذي يربط بين البنية اللغوية والمظاهر المقامية التي تنجز فيها ، وهنا أضيف أن ثمة قدرا معقولا من توافق النظر بين تلك المعطيات المعاصرة وما جاء في تراثنا الغوي والبلاغي بخاصة من ضرورة الربط بين بنية المقال ومقتضيات المقام ، فإذا أضيف إلى ذلك اقتناع الباحث الذي يصل إلى درجة الاعتقاد بأن المقاربات التي تصل بين النظرية اللغوية التراثية والاتجاهات الحديثة صارت مطلبا ضروريا ، وأمرا لازما ومهما ، بل ونافعا تبين لنا مدى أهمية الربط بين الفكر اللساني المعاصر والتراثي القديم . ص 11 وفي هذا الصدد ينبغي القول بأن تراثنا اللغوي زاخر بالرؤى والأفكار التي تعنى بمعالجة البنية اللغوية من خلال ربطها بسياقات غير لغوية ، ولا يقتصر هذا على البلاغيين فحسب ، بل شمل كثيرا سواهم . ويكفي العودة إلى كتاب سيبويه على سبيل المثال لنراه يفسر ما يعرض في بناء المادة اللغوية من ظواهر مخالفة لأصول النظام النحوي باللجوء إلى السياق والعناصر غير اللغوية ، ووصل بعلمائنا الأمر إلى أنهم حددوا أوصافا بنيوية لظواهر مقامية مرتبطة بها ، ولا يخفى علينا ما طرحوه من أوصاف بنيوية لظاهرة التخصيص ، وظاهرة العناية ، وظاهرة الحصر ، وظاهرة التوكيد ، وغيرها من الظواهر المقامية ، أو لنقل التداولية ، فإسناد وظيفة من هذه الوظائف إلى أحد مكونات الجملة يحدد بنيتها ، فقصد الاختصاص مثلا كان من دواعي تقدم المفعول به في قوله تعالى "إياك نعبد وإياك نستعين " ، كما ينص على هذا الزمخشري ، وأيضا في قولك "زيدا ضربت" ، فتقديم المفعول تخصيص له بالضرب دون غيره ، كما يقول ابن الأثير ، ويذكر التفسير نفسه في عرضه لقوله "بل الله فاعبد وكن من الشاكرين " ، فيقول : فإنه إنما قال :بل الله فاعبد ، ولم يقل : بل اعبد الله ، لأنه إذا تقدم وجب اختصاص العبادة به دون غيره ، ولو قال : بل اعبد الله ، لجاز إيقاع الفعل على أي مفعول شاء ، ص 12 ولا أريد أن استطرد في سرد ما ورد عنهم من أقوال متعلقة بتفسير بنية اللغة انطلاقا من المقامات التي وردت فيها ، وقد تبين مما سقته عن الزمخشري وابن الأثير الآن ، وعيهما وإدراكهما أن ظاهرة مقامية كالاختصاص تمكنت من تحديد بنية الجمل التي أسندت إلى أحد مكوناتها ، ولا شك أن هذا الطرح التراثي يؤكد اشتراك أصحابه مع ما يقدمه الدرس الوظيفي المعاصر من أن ثمة ارتباطا بين الخصائص البنيوية للعبارات اللغوية والأغراض التواصلية التي تستعمل هذه العبارات وسيلة لبلوغها ، وأيضا فإن خير برهان على هذا التأكيد بين الفكرين : التراثي والمعاصر ، حول التصور لطبيعة اللغة ووظيفتها ، تناول ابن جني لمفهوم اللغة ، إذ حدها بأنها "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم " وكما هو واضح فإن هذا المفهوم قائم على الثنائية بين الأصوات من جانب والأغراض التي يروم المتكلم إبلاغهما من جانب آخر ، ولا شك أن مراده بالأصوات هو تركيب الألفاظ بحسب ما يقتضيه نظام القواعد ، وأن هذه التراكيب تتميز بكونها وظيفية ، أي تجب معاملتها بربطتها بما تؤديه من وظائف ، ومن ثم فلا ينبغي أن تكون دراسة اللغة بحثا في أنساق تركيبية مجردة ، ومعزولة عن وظيفتها وعن الغرض منها ، وأرى قبل معالجتي للأبعاد التداولية أن أعرض لبنية النحو في هذا الاتجاه راجيا أن يكون ذلك معينا على فهم النظرية الوظيفية كما عرضها المتوكل ص 13 بنية النحو في الاتجاه الوظيفي : سأقتصر في تحديدي لبنية لنحو على النموذج النواة لهذه النظرية ، كما عرضه المتوكل في أوائل أعماله ، إذ لم ترد عليه تعديلات جوهرية سوى بعض التفريعات التي ذكرها متعلقة بالوظيفتين التداوليتين : المحور والبؤرة ، هذا إذا ما صرفنا النظر عن أن هذه النظرية في أطوارها التالية قد انتقلت من نحو الجملة إلى ما سماه المتوكل بنحو الخطاب الوظيفي . ويمكن القول بأن بنية النحو ، كما تقترحها هذه النظرية في نموذجها النواة التي تشتمل على مستويات تمثيلية ثلاثة : الأول : مستوى لتمثيل الوظائف الدلالية Symantic Function مثل وظيفة المنفد agent والمستقبل recipient والمستفيد benticiciary والزمان time والمكان place والحال case وغيرها الثاني : مستوى لتمثيل الوظائف التركيبية constituent مثل وظيفة الفاعل subject والمفعول object الثالث : مستوى لتمثيل الوظائف التداولية Pragmatic function مثل وظيفة المبتدأ theme والذيل tail والبؤرة : focus والمحور : topio والمنادى : vocative وتندرج هذه المستويات الثلاثة تحت ثلاثة أنواع من البنى : أ- البنية الحملية predicative structure ب- البنية الوظيفية functional structure ج- البنية المكونية constituent structure
|
|
| |
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: رد: البعد التداولي في النحو الوظيفي 2010-12-05, 21:03 | |
| ص 14 أما البنية الحملية وهي بنية الأدوار الدلالية ، ومن خلالها نفرد مستوى لتمثيل الوظائف الدلالية (المنفد – المتقبل – المستقبل) وهي وظائف دلالية تقوم بها موضوعات المحمول ، وحدوده اللواحق – كما سوف نرى – ويتكفل ببناء هذه البنية نوع من القواعد سماه المتوكل قواعد الأساس fund ، وفي أعماله التالية سماه الخزينة ، ولقواعد الأساس شقان يسهمان معا في بناء البنية الحملية : أ- المعجم lexicon ، ويقدم المفردات الأصول التي يتعلمها المتكلم كما هي قبل استعمالها ، وفيما يتعلق بالعربية فإن المفردات الأصلية ، ويسميها المتوكل المحمولات الأصلية ، هي المحمولات المصوغة على الأوزان الأربعة : فَعَل ، فَعِل ، فَعْل ، فَعُل ، وأيضا ما أسماه النحاة العرب بالجامد ب- قواعد تكوين المحمولات ، وتتكفل باشتقاق المفردات الفروع من المحمولات الأصلية ، كالأفعال التعليلية (فَعَل – أفعل ) ، وأفعال المطاولة (انفعل – تفعل) ، وأفعال المشاركة ( فاعل – تفاعل) ، والاتخاذ (تفعل – افتعل ) ، والطلب (استفعل) و غيرها ، إلى جانب المصادر وباقي المشتقات الأخرى ، فهذه المفردات ، أو لنقل المحمولات يكونها المتكلم من المحمولات الأصلية حسب قواعد منتجة ويرد هذان النوعان من المفردات ، أو لنقل : المحمولات : الأصول والمشتقة في شكل أطر حملية predicate يتم خلالها تحديد محلات هذه المحمولات ، ويقصد بالإطار الحملي بنية تشتمل على : ص 15 1- المحمول predicate ، يقصد به في العرف السائد الفعل في الجملة الفعلية ، والخبر غير الجملة في الجملة الاسمية ، ومقولة هذا المحمول التركيبية (ف) (عل)) ، (أ (اسم)) ، ص (فة ) ، (ظ (رف)) 2- محلات الحدود التي يتطلبها هذا المحمول ، إذ إنه يتطلب عددا معينا من المشاركين في الواقعة التي يدل عليها ، ويرمز إليها بالمتغيرات : س1 ، س2 ، س3 ، وتنقسم حدود المحمول باعتبار أهميتها بالنسبة للواقعة الدال عليها هذا المحمول إلى قسمين : أ- حدود موضوعات arguments ، وهي التي تعلب دورا أساسيا ، بالنسبة للواقعة التي يدل عليها المحمول ، أي الحدود التي يقتضيها تعريف الواقعة ذاته ، ب- حدود لواحق satellites ، وهي الحدود التي تلعب دورا في تخصيص الظروف المحيطة بالواقعة 3- الوظائف الدلالية : منف(ذ) ، (متق) بل ، (مستف) يد ، التي تحملها محلات الحدود ، وتقهم هذه الوظائف بالنظر إلى الأدوار الدلالية التي تفهم من الواقعة الدال عليها المحمول ، وأخيرا قيود الانتقاء التي يفرضها المحمول بالنسبة لمحلات حدوده الموضوعات فالإطار الحملي للفعل شرب ، مثلا كما قدمه المتوكل هو الآتي : شرب ف (س1) حي (س1) منفذ ، (س2) سائل (س2) متقبل ، وواضح من هذا الإطار الحملي للفعل شرب أنه قد حدد : مقولته التركيبية (ف) ، اي فعل محلات حدوده س1 و س2 الوظائف الدلالية التي يشترطها المحمول في حدوده الموضوعات طبقا لدلالته المعجمية ، وهي هنا ابتلاع سائل عن طريق الفم ، وتحتم هذه الدلالة أن ص 16 يكون للفعل حدان رئيسيان ، كائن حي ينفذ عملية الشرب ، وسائل متقبل لهذا الحدث ، وهذان هما الحدان الموضوعان اللذان يقتضيهما المحمول إجباريا ، وإذا اكتفى المحمول بهما سمى إطاره نوويا ، بمعنى أنه لا يشتمل إلا على صنفا من القواعد ، قواعد توسيع الأطر الحملية ، تضطلع بإضافة محلات الحدود اللواحق ، وينتج عن تطبيق هذه القواعد ما يمكن تسميته بالأطر الحملية الموسعة في مقابل الأطر الحملية النووية ، فإذا كان الإطار الحملي السابق للفعل شرب ، نوويا بحكم اكتفائه بالحدين الرئيسين : المنفذ والمتقبل فإن ثمة حدودا أخرى يمكن إضافتها إلى الإطار الحملي لهذا الفعل ، يكون ذلك بإضافة الحدود اللواحق التي يمكن استحضارها في عملية الشرب ، مثل زمان الشب ، ومكانه وعلته وغيرها من الحدود التي تلعب دورا في تخصيص الظروف المحيطة بالواقعة ، التي يدل عليها فعل الشرب ، وذلك في حالة الجمل التي تشتمل على حدود الزمان والمكان والحال وغيرها . ويمكننا التمييز بين الحدود والموضوعات والحدود اللواحق بمعياري الخضوع لقيود الانتفاء ، والحذف ، إذ يفرض المحمول قيود توارد بالنسبة للحدود الموضوعات دون الحدود اللواحق التي لا يشترط فيها هذا القيد ، كما أن حذف حد من الحدود الموضوعات يمس بسلامة الجملة ، بخلاف الحدود اللواحق ، والأمر نفسه يصدق على المحمول نفسه ، إذا إنه كما يذكر المتوكل يشكل المكون النواة لذلك لا يمكن حذفه دون المساس بسلامة الجملة ص 17 وحين يتم تطبيق قواعد توسيع الأطر الحملية يتخذ الإطار الحملي مادة أولية لصياغة البنية التحتية للعبارة اللغوية ، وحالتئذ يتم نقل هذا الإطار إلى بنية حملية تامة التحديد ، وتأتي بعد ذلك مرحة إدماج للمفردات اللغوية في محلاتها (س1 ، س2 ، س3) ، وبذا نحصل على البنية الحملية التامة التحديد هكذا : شرب ف (س1 زيد (س1) منف (س2 شاي (س2) متق (س3 صباحا (س3) زم (س4 في المقهى ) مك وهذه البنية الحملية لجملة : شرب زيد شايا صباحا في المقهى وتعد هذه البنية الحملية دخلا لقواعد إسناد الوظائف التي يتم بمقتضاها الانتقال من البنية الحملية إلى المكون الثاني من مكونات الجملة وهو : البنية الوظيفية : وبمقتضى هذا المكون تسند الوظائف إلى حدود الحمل في مرحلتين اثنتين : إسناد الوظائف التركيبية ، ثم إسناد الوظائف التداولية ، حسب شروط مقامية معينة ، بالنسبة لإسناد الصنف الثاني من الوظائف ، وطبقا للنحو الوظيفي فإن عدد الوظائف التركيبية يقلص إلى وظيفتين اثنتين : وظيفة الفاعل subject والمفعول object وتعرف هاتان الوظيفتان في إطار ما يسميه سيمون ديك بوجهة النظر prespective ذلك أنه مع أن هاتين الوظيفتين تلعبان دورا أساسيا بالنسبة للواقعة التي يدل عليها المحمول ، إذ يشكل الفاعل المنظور الأول والرئيسي ، في حين أن المفعول يشكل المنظور الثانوي ، فإنهما ليستا في درجة واحدة بالنظر إلى الوجهة التي يدل عليها المحمول ، فقد لوحظ أن ثمة تفاوتا من حيث الأهمية أو المركزية بين حدود الموضوعات نفسها ، فالحد الحامل لدور المنفذ أهم بالنسبة للمحمول من الحد الحامل لدور المتقبل ، وقصر الوظائف
ص 18 التركيبية على هاتين الوظيفتين راجع إلى أن "تحديد موضوعات المحمول يتم في النحو الوظيفي على أساس الأدوار الدلالية : لا على أساس الوظائف التركيبية " وبذا تكون البنية الوظيفية الجزئية للجملة : شرب زيدا شايا هي : شرب ف ((س1) زيد (س1) منف فا . (س2) شايا (س2)) متق مف ثم نطبق قواعد إسناد الوظائف التداولية ، بمقتضى شروط مقامية معينة ، فنحصل بذلك على البنية الوظيفية التالية : شرب ف (س1) زيد (س1)) مف فا مح . س2 شايا (س2)) متق مف بؤ جد ويبرر إسناد الوظائف التركيبية قبل إسناد الوظائف التداولية بأن ثمة وظائف تداولية تسند بالدرجة الأولى إلى مكونات حاملة لوظائف تركيبية معينة ، فالوظيفة التداولية المحور مثلا ، تسند بالدرجة الأولى إلى المكون الحامل للوظيفة التركيبية الفاعل ، وفقا لاتجاه عام يخضع له عدد كبير من اللغات الطبيعية ، وأخيرا يتم نقل هذه البنية إلى المكون الثالث وهو : البنية المكونية : وتشتمل على مجموعة من القواعد اصطلح على تسميتها بقواعد التعبير ، وتتفرع هذه إلى مجموعات ثلاث من القواعد هي : قواعد إسناد الحالات الإعرابية case assignment قواعد الموقعة placement rules
ص 19 وهي القواعد التي تتربت المكونات بمقتضاها داخل الجملة قواعد إسناد النبر والتنغيم accent intonation rules ولضيق مساحة البحث لن أعرض لكيفية تطبيق هذه المجموعة من القواعد التي تبدأ بإسناد الحالات الإعرابية . ثم قواعد الموقعة ، وأخيرا قواعد النبر والتنغيم ، غير أن ما أود قوله هنا هو أنه بتطبيق هذه القواعد يتم إنتاج بنية تركيبية تسمى بالحمل. وأود قبل البحث عن مراد المتوكل من مصطلح الحمل والفرق بينه وبين الجملة ، أن أقرر أنه مع إيماني بمشروعية كل جهد يحاول الكشف عن أسرار النظام اللغوي ، وتفسير جوانبه المتعددة ، مهما اختلف عما توارثناه عن نحاتنا القدامي ، فإنني أرى أن ما جاء في هذا الاتجاه خاصا بالحدود الموضوعات والحدود اللواحق ، لا يبعد كثيرا عما استقر في التراث النحوي العربي من حيث الوظائف العمد والفضلات ، وأن النظرة إلى الحدود الموضوعات ، وهما الفاعل والمفعول بوصفهما يشكلان وظيفتين تركيبيتين لازمتين لتحديد وجهة المحمول (الفعل) ، لا تتعدى نظرة النحاة العرب لهما ، من ضرورة احتياج الفعل لفاعله ، وكذلك لمفعوله ، وكدليل على شدة ارتباط الفعل بفاعله جعلهما النحاة كالكلمة الواحدة، ولم يقتصر حديثهم على أهمية الفاعل بالنسبة إلى فعله ، بل شمل أيضا المفعول به ، إذ هو عندهم لازم للفعل لزوم الفاعل ، يؤكد هذا الإمام عبد القاهر في مقامة الموازنة بين الفعل المتعدي واللازم في قوله: "إن الضرب لما كان فعلا منك يتناول غيرك ، وحركة مؤثرة اقتضى اللفظ الدال عليه شيئا يتناوله بالعمل ، ويؤثر فيه ، فقلت زيدا ، والقيام لما كان فعلا يحصل منك ولا يؤثر في غيرك لم يقتض ما يدل عليه شيئا يعمل فيه "
|
|
| |
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: رد: البعد التداولي في النحو الوظيفي 2010-12-05, 21:11 | |
| ص 20 كما يؤكد وثوق العلاقة بين الفعل وفاعله ومفعوله ابن برهان ، فيذكر إنه إذا كان حدث كالضرب يقتضي ضاربا فإنه في الوقت نفسه يقتضي مضروبا ، فيكون الاسمان من الفعل بمنزلة واحدة ، ولأن مضروبا يلزم لزوم ضارب ، لأن الفاعل موجد للفعل والمفعول به قابل له ، ولا يصح وجود الفعل إلا بهما والأمر نفسه يصدق على ما قدموه من أقوال عن المبتدأ والخبر ، وارتباط كل واحد منهما بالآخر ، نجتزئ في هذا الصدد هذا النص لابن يعيش الذي يبرر فيه رأي الكوفيين في عامل الرفع في المبتدأ والخبر ، وأنها يترافعان ، أي يرفع كل واحد منهما صاحبه ، فيذكر أنهم إنما قالوا ذلك : "لأنا وجدنا المبتدأ لا بد له من خبر ، والخبر لا بد له من مبتدأ ، فلما كان كل واحد منهما لا ينفك عن الآخر ، ويقتضي صاحبه ، عمل كل واحد منهما في صاحبه مثل عمل صاحبه فيه " والحق أن التوافق بين الفكرين التراثي والوظيفي المعاصر ، لم يقتصر على المكونات الموضوعات ، أو لنقل العمد ، وإنما تعداه ليشمل الحدود اللواحق ، أو لنقل الفضلات ، وهي التي تحمل أدوارا دلالية لتقييد الحدث ، إما بتوكيده أو بيان نوعه أو عدده ، كما تقيد مكان حدوثه أو زمانه ، أو علة حدوثه أو بيان مصاحبه وقت الحدوث ، وهكذا ، ومن هذه الجهة يمكن إدراج عناصر أخرى تأتي لتقييد الفعل ، يشير إلى شئ من هذا الرضي في قوله : "والذي جعلوه غير المفعولات يمكن أن يدخل بعضها في حيز المفاعيل ، فيقال للحال هو مفعول مع قيد مضمونه ، إذ المجيء في "جاء زيد راكبا" ، فعل مع قيد الركوب ، ويقال للمستثنى هو المفعول بشرط إخراجه "
ص 21 وحتى تصنيف المتوكل للجملة في العربية ، على ما سوف نرى ، قد تم بالنظر إلى محمولها ، فإذا كان فعلا فالجملة فعلية ، وإن كان غير فعل فالجملة اسمية ، وهي نفسها تكون رابطية ، إن إدمج فيها ناسخ ، أقول هذا التصنيف لا يبعد كثيرا عن تصنيف القدماء للجملة ، إذ بنوه على فكرة الإسناد ، فالجملة فعلية إذا كان المسند (المحمول) فعلا مقدما على فاعله ، واسمية إن كان الخبر (المحمول) اسما أو صفة أو جملة أو جار ومجرور أو ظرفا وأعود إلى القول بأنه بتطبيق قواعد البنية المكونية يتم إنتاج الحمل ، والمقصود بالحمل : "الجملة البسيطة التي تتكون من المحمول (الفعل في الجملة الفعلية ، والخبر غير الجملة في الجملة الاسمية أو الرابطية المنسوخة) وحدوده الموضوعات واللواحق وثمة فرق بين الحمل بهذا التحديد والجملة ، إذ الجملة لها مفهوم أوسع من جهة أنه يمكن اشتمالها على أكثر من حمل واحد ، كما أنها قد تشتمل على مكونات خارجة عن نطاق الحمل ، أي لا تشكل جزءا منه ، ولا تكون حدا من حدوده ، وهي المكونات التي تحمل وظائف تداولية خارجية ، أو لنقل كما قال المتوكل "وظائف خطابية خارجية ، لا يسندها المحمول ، ولا تقع في حيزه" وطبقا لما ذهب إليه المتوكل ، فإن الوظائف التداولية التي تخرج عن نطاق الحمل ثلاثة : المبتدأ theme قصر المتوكل هذا المصطلح على ما عرف في النحو التراثي بالمبتدأ الذي خبره جملة فقط
ص 22 الذيل tail على حد قوله ، واقترح تسميته بالتابع المنادى vocative وهي وظيفة كما يرى المتوكل ، كافية "لا لوصف اللغة العربية فحسب ، بل كذلك لوصف اللغات الطبيعية بصفة عامة فإذا أضفنا إلى هذه الوظائف الثلاثة اثنتين داخلتين في نطاق الحمل ، هما المحور topic والبؤرة focus تبين لنا أن الوظائف التداولية في نموذج النحو الوظيفي خمس : اثنتان داخل الحمل ، وثلاث تخرج عن نطاق الحمل ، ونخلص من كل ذلك إلى أن مكونات بنية الجملة حسب النحو الوظيفي أربعة : المحمول وموضوعاته المكون المنادي المكون المبتدأ المكون الذيل (التابع) ويمثل هذه المكونات الشكل التالي للجملة : منادي ، مبتدأ (حمل) ، ذيل ولا يبعد هذا الشكل عما اقترحه سيمون ديك 1997 م ، لقطعة الخطاب التي تتكون من الجملة ، يقصد الحمل ، وما يواكبها من العناصر الضواحي ، وقد اقترح لها البنية العامة الآتية : مكون خارجي – جملة – يقصد الحمل – مكون خارجي وواضح من هذه البنية العامة للجملة أن المكونات الخارجة عن نطاق الحمل ، وهي التي أسماها المتوكل في أعماله التالية بالضواحي تكون إما قبل الحمل ، وإما بعده ، وقد مثل لهذه المكونات بهذا التركيب :
ص 23 يا عمرو – خالد ، زارني صديقه ، بل أخوه ومكوناتها : الحمل : زارني صديقه والمنادى : يا عمرو والمبتدأ : خالد والذيل : بل أخوه وواضح أن ثلاثة من هذه المكونات خارجة تماما عن نطاق الحمل وهي مكون المبتدأ والمنادى والذيل وتتمثل خارجيتها في الخصائص التالية : 1- استقلالها عن الحمل ، بمعنى أنها لا تشكل موضوعا من موضوعات المحمول ، ولا لاحقا من لواحقه ، وهي بالتالي لا تحمل وظيفة تركيبية ، ولا وظيفة دلالية ، ووظيفتها على هذا ا، هذه المكونات الضواحي قد لا تخضع لقيود الانتقاء التي يتطلبها المحمول بالنسبة لحدوده الموضوعات ، ومثل المتوكل لذلك بقولك : الكتاب – شرب مؤلفه شايا إذ يلاحظ أن الفعل شرب ينتقي موضوعيه : الفاعل والمفعول بمقتضى قيدي : حي وسائل ولكنه لا ينتقي الوظيفة التداولية المبتدأ وأيضا فإن هذه المكونات لا تخضع غالبا لمطابقة المحمول ، كما يظهر من مقارنة الجمل الآتي التي ساقها المتوكل نفسه : الفتاه ، أخواها مسافران الفتاة ، جاء أخواها الفتاة ، أخواها مسافرة الفتاة ، جاءت أخواها ويتجلى استقلال المكون الضاحية أيضا في أنه لا يقع في حيز القوة الإنجازية المواكبة للحمل ، ويعبر عن القوة الإنجازية للجملة بفعل من زمرة الأفعال الإنجازية Per formative verbs مثل : سأل ، قال ، عد ، أمر
ص 24 فالمكون الضاحية لا يدخل في حيز scope القوة الإنجازية لهذه الأفعال كما يدل على ذلك تقدمه عليها موقعا أخوك أعدك أنه سيزورك غدا الامتحان أخبرك أنه ستعلن نتائجه اليوم ليس هذا فحسب بل إن للمكون الضاحية قوة إنجازية تخصه قد تكون مباينة للقوة الإنجازية للجملة يعني الحمل ومثل المبتدأ الاستفهام وللحمل الإخبار وأخيرا فإن المكون الضاحية ينبغي أن يستقل عن الحمل في مستوى البنية التطريزية حيث يفصل بينهما خطا بفاصلة غير أن هذا لا يعني أن المكونات الضواحي مستقلة عن الحمل الاستقلال الذي يبيح لأن مكون ضاحية أن يسبق أو أن يلي أي حمل ، إذ غالبا ما نرى أن المكونات الضواحي عادة ما ترتبط بالحمل عبر علاقة تداولية كعلاقة الورود التي يؤدي خرقها إلى تركيب لاحن وينضاف إلى رابط الورود في غالب اللغات رابط إحالي هو الرابط الضمير العائد على المكون الضاحية ويحسن بعد هذا العرض للحمل وموضوعاته وحدوده اللواحق والمكونات الخارجة عنه أن أشير إلى البنى الموقعية للجملة العربية والإطار البنيوي لها وطبعا لرؤية المتوكل فإن الجملة العربية تنقسم إلى ثلاثة أنماط : الأول الجملة الفعلية وهي التي يكون محمولها فعلا والتصور النهائي لتركيب البنى الموقعية داخل هذا النمط من الجمل طبقا لوظائفها التركيبية وأدوارها الدلالية ووظائفها التداولية هو م4 ، م2 ، م1 ، م سيجما ، ف ، فا (مف) ، (ص) ، م3 الثاني الجملة الاسمية وهي التي يكون محمولها مركبا وصفيا ( م ص) أو مركبا اسميا ( م س ) أو مركبا حرفيا (م ح) أو مركبا ظرفيا ( م ظ) والتصور النهائي لترتيب بناها الموقعية طبقا للمستويات الثلاثة السابقة هو : م4 ، م2 ، م1 ، م سيجما ، ف ( م ص ، م س ، م ح ، م ظ) ، (مف) (ص) م3 الثالث الجمل الرابطية ومحمول هذا النمط من الجمل كمحمول الجمل الاسمية إلا أنها تستمل على رابط من قبيل كان والتركيب النهائي للبنى الموقعية داخل هذا النمط من الجمل هو : م4 ، م2 ، م1 ، م سيجما ، م س ، ط ، فا ( مص ، مس ، م ج ، م ظ ) (مف ) (ص) م 3 وواضح من ترتيب مواقع هذه الأنماط الثلاثة أنها تحتوي على المواقع نفسها باستثنناء الفوارق الآتية 1- محمول الجملة الفعلية فعل ويأتي متقدما على فاعله في حين أن محمول الجملة الاسمية مركب وصفي أو اسمي أو حرفي أو ظرفي ويأتي متأخرا عن فاعله (الفاعل هنا هو ما اصطلح على تسميته في النحو العربي المبتدأ)
|
|
| |
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: رد: البعد التداولي في النحو الوظيفي 2010-12-05, 21:15 | |
| ص 26 2- مع أن الجمل الرابطية تشاطر الجمل الاسمية خصائصها الحملية والوظيفية ، فإنها تزيد عنها باشتمالها على رابط من قبيل (كان) ، ويدمج هذا الرابط بمقتضى قاعدة إدماج الرابط ، وتعني هذا القاعدة أن "الرابط يدمج بالنسبة للغة العربية في الجملة الاسمية ، إذا كان عامل المحمول Predicate operator الزماني ، الزمان الحاضر أو الزمان المستقبل أو الزمان الصفر، وبالتأمل لهذها المواقع نتبين ما يلي : بخصوص الموقع م4 للمكون المنادى ، وهو موقع خارج تماما عن نطاق الحمل ، في حين أن الموقع م2 يحتله مكون آخر خارج عن نطاق الحمل أيضا ، هو المكون المبتدأ أم الموقع م1 وهو الموقع الصدر ، أعني صدر الحمل ، فتحتله الأدوات ، كأداتي الاستفهام هل والهمزة ، وأدوات النفي والشرط والأدوات الوجهية "إن وليت ولعل" ويليه الموقع م(رمز انا مش فاهماه يا باشا يا رفيع) ويؤوي هذا المكونات التي تحمل أحدي الوظيفتين التداوليتين المحور وبؤرة المقابلة ، وكلتاهما وظيفتان تداوليتان داخلتان في نطاق الحمل ، ثم يأتي موقع فا ، وهو مخصص للوظيفة التركيبية الفاعل ، بعده الموقع مف ، وهو مخصص للوظيفة التركيبية الثانية المفعول ، ثم يأتي الموقع ص ، الذي لا يؤؤي إلا المكونات اللواحق غير الحاملة لوظيفة تركيبية أو تداولية تخولها احتلال الموقع م (نفس الرمز اللي انا مش فاهماه) ، وأما الموقع ط ، فهو موقع يحتله المكون الرابط المدمج بالجمل بمقتضى قاعدة إدماج الرابط ، وأخيرا يبقى الموقع م 3 ، وهو مخصص للمكون الذيل الذي يمثله في النحو العربي البدل والبنى الإضرابية وأود في هذا الصدد أن أؤكد ان ثمة قدرا من التوافق بين هذا الطرح المعاصر في النحو الوظيفي الذي خصص موقعا في صدر الحمل للأدوات الصدور وبين الفكر التراثي ، الذي أوجب أن تكون للحروف الموضوعة لأداء المعاني في غيرها الصدارة في الكلام ، معتبرا أن كل ما يغير معنى الكلام ، ويؤثر في مضمونه ن وكان حرفا ، فمرتبه الصدر ، كحروف النفي ، وكحروف التنبيه والاستفهام والتشبيه والتحضيض والعرض وغير ذلك "
ص 27 وهذا هو عين ما نص عليه السيرافي في قوله : "إن حرف الاستفهام يقع في صدر الكلام ، ما تقع ما النافية ، وإن المؤكدة ، والحروف الداخلة على الجمل لها صدور الكلام وقد علل العلماء وجوب تصدير هذه الحروف بأسباب ترجع إلى : " ما تقتضيه عملية التواصل من وجوب تعاون المتكلم مع المخاطب ، وذلك بمساعدته على فهم مقصده من اول الامر وهذا هو عين ما قررت الرضي في قوله :"وإنما لزم تصدير المغير الدال على قسم من الأقسام، ليبني السامع ذلك الكلام من أول الأمر على ما قصد المتكلم ، إذ لو جوزنا تأخير ذلك المغير ، فأخر ، لتردد الذهن في أن هذا التغيير راجع إلى كلام المتقدم ، أو أن المتكلم يذكر بعد ذلك المتغير كلاما آخر يؤثر فيه ذلك المغير ، فيبقى في حيرة " تلك باختصار شديد البنية الموقعية للجملة العربية ، ومن نافلة القول بعد هذا العرض لتلك البنى الموقعية أن نؤكد أنه قد روعي في هذا التوزيع الأبعاد التركيبية والدلالية والتداولية جميعا ، وبحثي هذا مقتصر على عرض الأبعاد التداولية التي ارتضاها المتوكل طبقا لهذا الاتجاه ، وفيما يخص هذه الأبعاد فقد قدمت آنفا انها ترتبط بالظروف السياقية والمقامية التي تنجز فيها الجمل ، كما أنه قد بان من عرضي ان هذه الوظائف خمس : اثنتان داخلتان في نطاق الحمل ، وقائمتان ضمن مكوناته على غرار العلاقات التركيبية والدلالية ، وهما البؤرة والمحور والثلاث الباقية وظائف خارجة عن نطاق الحمل ، ولها مواقع محددة في الجملة العربية ، وهي المبتدأ والذيل ، والمنادى
ص 28 وأبدأ بعرض هذه الوظائف ، وبسط القول فيها ملتزما في عرضي الترتيب نفسه الذي قدمها به المتوكل أولا : البؤرة وهي وظيفة تداولية داخلة ضمن نطاق الحمل ، ومبعث تداوليتها راجع إلى تبعيتها لقصد المتكلم وإرادته ، ذلك أنه إذا كان ترتيب العبارة اللغوية هوة الترتيب الذي تحدده علاقت النحو من فعل وفاعل ومفعول في الجملة الفعلية ، ومن مبتدأ محكوم عليه وخبر محكوم به في الجملة الاسمية ، فإن ترتيب المتكلم لعبارته اللغوية مرده إلى أمر آخر ، مرتبط بشروط مقامية تعود إلى قصده ، وإرادته ، فقد يقصد المتكلم من وراء حديثه إضافة معلومة لم تكن متوفرة عند المخاطب ، وقد يردي الحصر أو رفع التوهم أو الشك أو التخصيص ، أو توكيد معلومة ، يعتقد أنها المعلومة الواردة ، فيقدمها مصحوبة بإحدى أدوات التوكيد ، أو يصدرها في أول الحمل ، وكلها أعراض تواصلية لها دروها المؤثر في البنية اللغوية ، ولها ارتباطها القوي بوظيفة البؤرة وهي في الوقت نفسه أمور تظهر بوضوح أن البنية التركيبية لها ارتباطها بوظيفة التواصل
ص 29 تعريف البؤرة يذكر المتوكل أن البؤرة ، في النحو الوظيفي ، هي الوظيفة المسندة إلى المكون الحامل للمعلومة الأكثر أهمية ، أو الأكثر بروزا في الجملة وفي هذا الصدد ميز بين نوعين من البؤرة : 1- بؤرة الجديد : focus of new وهي الوظيفة المسندة إلى المكون الحامل للمعلومة التي يجهلها المخاطب ، أي التي لا تدخل في القاسم الإخباري المشترك بين المتكلم والمخاطب ب- بؤرة المقابلة : focus of contrast وعرف بؤرة المقابلة بأنها البؤرة التي تسند إلى المكون الحامل للمعلومة ، التي يسك المخاطب في ورودها ، أو المعلومة التي ينكر المخاطب ورودها ومن خلال حديثه عن التمييز بين هذين النوعين ، ذكر أن بؤرة الجديد ترد في طبقة مقامية يكون فيها المخاطب جاهلا لمعلومة ، ويريد المتكلم إعطاءه إياها ، أو يعتبر المتكلم أن المخاطب يجهلها ، ويكون هذا في البنى الخبرية المجردة ، كما ترد ايضا في حالة جهل المتكلم المعلومة ، ويطلب من المخاطب إعطاءه إياها ، ويكون هذا في الجمل الاستفهامية المحتوية على أسماء الاستفهام ، من ، ما ، ماذا ، أين ، متى ، وتستخدم اللغة العربية في إظهار المكون البؤري الحامل لبؤرة الجديد وسيلة النبر ، كما في مثل : جاء "زيد" ( يا باشا الدكتور حاطط خط فوق الكلمة مش تحتها اللي هية زيد وانا مش عارفة احطه فوق فحطيطه بين قوسين ابقى شوف لو دة ليه معنى او هاتكتب بالطريقة دي ف الامتحان) لقى زيد "عمرا" خرج خالد "غاضبا"
ص 30 وعندي أن أثر هذه الظاهرة الصوتية واضح في الكشف عن المعاني المختلفة ، مثل إظهار أهمية العنصر المنبور ، وفي التمييز بين الخبر والاستفهام والتعجب ، وأيضا التهديد والتضرع والخوف ، وكلها معاني يكشف عنها النبر ، ولم يغفل القدماء أثر هذه الظاهرة في الكشف عن المعاني ، فهذا ابن سينا يذكر أن من أحوال النغم والنبرات ، وهي هيئات في النغم مدية ، غير حرفية يبتدأ بها تارة ، وتخلل الكلام تارة ، وتعقب النهاية تارة ، وربما تكثر في الكلام ، وربما تقلل وربما أعطيت هذه النبرات بالحدة والثقل ، هيئات تصير بها دالة على أحوال أخرى من أحوال القائل أنه متحير أو غضبان ، وربما صارت المعاني مختلفة باختلافها ، مثل أن النبرة قد تجعل الخبر استفهاما و الاستفهام تعجبا وغير ذلك أما بؤرة المقابلة ، فترد في طبقة مقامية مختلفة ، يكون فيها المخاطب متوفرا على معلومات ، ينتقى منها المتكلم المعلومة التي يعتبرها واردة ، كما ترد في طبقة مقامية يتوفر فيها المخاطب على المعلومة التي يعتبرها المتكلم غير واردة ، فيصحح المتكلم معلومة المخاطب ، وأيضا فإن هذا النوع يرد في طبقة مقامية يكون فيها المتكلم متوفرا على مجموعة من المعلومات ، ثم يطلب من المخاطب أن ينتقي له المعلومة الواردة ، ويظهر هذا النوع من البؤرة في أنماط بنوية أساسية ثلاثة : أ- البنيات التي يتصد فيها المكون البؤري ومثل المتوكل لذلك بالاتي : "لبارحة" عاد زيد من السفر "لا اليوم" "عن مقالته" حدثني عمرو "لا عن كتابه" "أغدا ألقاك" "أم بعد غد"؟
ص 31 2- البنيات الموصولية التي يتزحلق فيها المكون البؤري ، ومثل لذلك بالاتي : الذي رأيته البارحة زيد لا خالد الذي أعطيته الكتاب عمرو لا زيد ج – بنيات القصر والحصر ، مثل : ما رأيت البارحة إلى زيدا إنما رأيت البارحة زيدا وللتمييز بين هذين النوعين من البؤرة اقترح المتوكل اختبارين أو وسيلتين ، أو كما يقول لذلك رائزين : 1- رائز سؤال وجواب : وفي هذا الصدد بين أن الجمل المشتملة على بؤرة الجديد ، تكون أجوبة طبيعية للجمل المشتملة على أسماء الاستفهام مثل : ماذا قرأت البارحة ؟ قرأت البارحة كتابا ولا تعتبر أجوبة طبيعية لمثل هذا السؤال المشتمل على بؤرة المقابلة فلا يجاب عن السؤال السابق بمثل قولهنا كتابا قرأت البارحة الذي قرأته البارحة كتابا ما قرأت البارحة إلا كتابا
|
|
| |
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: رد: البعد التداولي في النحو الوظيفي 2010-12-05, 21:17 | |
| ص 32 2- رائز التعقيب ويطلق مصطلح التعقيب على العبارات المصدرة بحرف النفي "لا" ، أو بحرف الإضارب "بل" ، ويستمعل إلحاق هذا الضرب من العبارات بأواخر الجمل رائزا لوجود بؤرة المقابلة فالمكون المصدر ، أي الحامل لبؤرة المقابلة ، يكون أكثر قابلية للتعقيب بالنفي أو بحرف الإضراب من المكون المتأخر ، أي الحامل لبؤرة الجديد ، كما يتضح ذلك في التراكيب التالية ، وهي نفسها أمثلة المتوكل شايا شرب خالد "لا لبنا" ؟؟ شرب خالد شايا "لا لبنا" ما شايا شرب خالد "بل لبن" ؟؟ ما شرب خالد شايا "بل لبنا" وإذا كان نوعا البؤرة فيما سبق قد أسندا لمكونين داخل الحمل فإنهما قد يسندان إلى الحمل برمته ، وللتمييز بين الجمل المحتوية على بؤرة الجديد ، وتلك التي تشتمل على بؤرة المقابلة ، قدم المتوكل وسيلة أو اختبار أو على حد قوله رائز السؤال والجواب فبين أن الجمل المسندة إليها بؤرة جديدة تقع أجوبة طبيعية عن أسئلة مثل : ما الخبر ؟ ما الجديد ؟ ماذا فعلت ؟ كما يظهر من التمثيل الذي قدمه المتوكل نفسه : ما الخبر ؟ غادر زيد بيته زيد مريض
ص 33 ولا تقع أجوبة طبيعية لمثل هذا السؤال الجمل الحاملة لبؤرة المقابلة ، وهي التي تتصدر بأدوات مؤكدة من مثل : إن ، إنما ، قد إذ لا نجيب على السؤال السابق بقولنا قد غادر زيد بيته إن زيدا مريض إنما زيد مريض فمثل هذه الأدوات تدخل على الجمل لتأكيد مضمونها ، مما يعني أن الجملة ، أو لنقل الحمل ، كلها بؤرية ، وبؤرتها مقابلة وهذا النوع من البؤرة يمتاز بأنه يتصدر بأدوات مؤكدة ، من قبيل إنما ، إن ، قد بخلاف بؤرة الجديد التي لا تشتمل بنيتها على مثل هذه الادوات والحق أن هذا الطرح لا يبعد كثيرا عما ورد عن علمائنا من أن خطاب خالي الذهن مختلف بنيويا عن المتردد في الخبر الشاك فيه أو الجاحد له ، وما أوردته آنفا عن الزمخشري وابن الأثير متعلقا بما ذكروه من أن تقديم العنصر اللغوي عائد إلى قصد التخصيص ، وهنا أضيف ما ذكره الجرجاني من تقسيمه قصد المتكلم إلى قسمين : أحدهما : أن يكون الفعل فعلا قد أردت أن تنص فيه على واحد ، فتجعله له ، وتزعم أنه فاعله دون واحد آخر ، أو دون كل أحد والقسم الثاني : ألا يكون القصد على هذا المعنى ، ولكن على أنك أردت أن تحقق على السامع أنه قد فعل وتمنعه من الشك ، فأنت لذلك تبدأ بذكره لكي تباعد بذلك من الشبهة وتمنعه من الإنكار ، والأمر نفسه ذكره السكاكي في المفتاح من أن مقصد التخصيص من المتكلم يستوجب تقديم العنصر اللغوي ص 34 فإذا قلت : بزيد مررت ، أفاد أن سامعك كان يعتقد مرورك بغير زيد ، فأزلت عنه الخطأ مخصصا مرورك بزيد دون غيره والملاحظ أن ما ورد في هذين النصين يوارد اعتبار المتوكل تقديم المكون البؤري ، إما بقصد تخصيصه باعتباره الحامل للمعلومة الأكثر بروزا ، أو لتأكيده باعتباره أيضا مكونا يحمل معلومة ذات أهمية خاصة ، وعن البنيات الموصولية التي يتزحلق فيها المكون البؤري يقول ابن الناظم " وكثيرا ما يصار إلى هذا الإخبار ، يقصد الإخبار بالذي ، لقصد الاختصاص ، أو تقوي الحكم ، أو تشويق السامع أو إجابة الممتحن " ولا يخفى أن هذا القول من ابن الناظم متفق تماما مع ما قدمناه عن المكون البؤري من أنه الحامل لمعلومة قد تكون موضع شك أو إنكار ، والاختصاص وتقوية الحكم اللذان تحدث عنهما ابن الناظم لا يستدعيهما إلا شك أو إنكار من قبل المخاطب وقد اشترط المتوكل بالنسبة للبنيات الموصولية وجود قيدين يضبطان إسناد هذه الوظيفة في البنيات المصولة : أن يكون المكون البؤري قبلا لأخذ الحالة الإعرابية الرفع ، وأن يكون قابلا للإضمار ، والحق أن المتوكل قد استعار هذين القيدين مما ورد في كتب النحو العربي حول شروط ما أسماه النحاة بالإخبار بالذي ، ويمكن توضيح هذين القيدين من قول الرضي : "أخبر عن زيدا ، من قولك ضربت زيدا بالذي ، فالمعنى أجعل الذي مبتدأ خبره زيد ، واجعل تلك الجملة الأولى ، وهي ضربت زيدا صلة لـ الذي ، بلا تغيير شيء منها إلا أن تجعل مكان زيدا ضميرا عائدا إلى الذي وتؤخر زيدا خبرا عن الذي" ص 35 فقول الرضي إلا أن نجعل مكان زيد ضميرا عائدا على الذي هو نفسه ما أقره المتوكل من أن يكون المكون البؤري قابلا للإضمار ، وقوله : وتؤخر زيدا خبرا عن الذي ، هو نفسه ما اشترطه المتوكل من أن يكون المكون قابلا للحالة الإعرابية الرفع وقد كان للمتوكل تناول لأداتي الاستفهام هل والهمزة ، أثناء معالجته لوظيفة البؤرة بنوعيها ، فالهمزة عنده ، مختصة بالدخول على الجمل المشتملة على بؤرة مقابلة ، يستوي في ذلك أن تكون البؤرة مسندة إلى أحد مكونات الجملة ، كما مثل بقوله : أغدا ألقاك أم بعد غد ؟ ، أم إلى الحمل برمته ، كما مثل في قولك : أغادر زيدا بيته "أم لا" ؟ وأما هل فإنها لا تدخل إلى على جملة أسندت إليها برمتها وظيفة بؤرة جديدة ، كما في قولهم : هل عاد زيد من السفر ؟ ولا يخفى أن هذا يوافق ما جاء عن لغويينا القدامى ، من أن الهمزة تستخدم للتصور ، كما في أزيد قائم ؟ ، ولطلب التصديق كما في : أزيد قائم ، بخلاف هل ، إذ أنها عندهم مختصة بطلب التصديق فحسب ، كما في : هل زيد قائم ؟ قيود إسناد وظيفة البؤرة ؟ ذكر المتوكل أن ثمة قيدا متعلقا بإسناد الوظائف الثلاث : الدلالية والتركيبية والتداولية إلى موضوعات البنية الحملية ، يتمثل هذا القيد في أن : 1- لا موضوع يحمل أكثر من وظيفة واحدة من كل نوع من الوظائف الثلاث في نفس الحمل 2- لا وظيفة تسند إلى أكثر من موضوع واحد داخل نفس الحمل ، ويصدق هذا القيد بشقيه على الوظائف الدلالية والوظائف التركيبية ، وأيضا التداولية بالنسبة لشقه الأول ، فلا يمكن أن يحمل مكون واحد وظيفة الفاعل و المفعول ، أو وظيفة البؤرة والمحور مثلا ، غير أن هذا القيد العام لا يصدق على الوظائف التداولية بالنسبة لشقه الثاني ، إذ من الممكن أن تسند نفس الوظيفة إلى أكثر من مكون واحد ، ففي مثل : أعطى زيد عليا الكتاب ، نرى أن وظيفة بؤرة الجديد قد أسندت إلى المكونين : عليا , الكتاب ، ومعنى هذا أنه يمكن لأكثر من مكون واحد أن يشغل وظيفة بؤرة جديدة ، وفي هذا الصدد ذكر المتوكل أن المكونات الحاملة للوظائف الدلالية ، الحال ، العلة ، المكان ، الزمان ، المكونات المسورة ، المكونات التي تدخل عليها حتى ، كلها مكونات لها الأسبقية في شغل وظيفة البؤرة ، حتى إنه ذكر إن إسناد هذه الوظيفة إلى مكون لا يدخل في هذه الزمرة مع وجودها تكون جملته ذات مقبولية دنيا ، كما يظهر من المقارنة بين زوجي الجمل الآتية : ص 36 جاء زيد "باسما" ، ؟؟ جاء "زيد" باسما وقف خالط "احتراما" لأبيه ، ؟؟ وقف "خالد" احتراما لأبيه استدعي الرجال "كلهم" ، ؟؟ استدعي "الرجال" كلهم يقرأ زيد حتى "الشعر" ، ؟؟ يقرأ "زيد" حتى الشعر ومما يزكي هذه الفرضية عنده ، التعقيب بالإضراب على هذه الجمل عند نفيها ، إذ يلاحظ أن المكون المتجه إليه النفي هو أحد هذه المكونات لا غيره ، كما يتبين من المقارنة بين زوجي الأمثلة التالية : ما جاء زيد "باسما" بل غاضبا ، ؟؟ ما جاء "زيد" باسما بل عمرو ما وقف خالد "احتراما" لأبيه بل مملا ، ؟؟ ما وقف "خالد" احتراما لأبيه بل عمرو ما استدعي الرجال "كلهم" بل بعضهم ، ؟؟ ما استدعي "الرجال" كلهم بل النساء لا يقرأ زيد حتى الشعر "بل حتى كتب التاريخ " ، ؟؟ لا يقرأ "زيد" حتى الشعر بل خالد ص 37 إذ يلاحظ أن مقبولة الزوج الثاني من الجمل السابقة هو مقبولية أقل بالمقارنة بالزوج الأول : لسبب بسيط ، هو أن التعقيب لم يتجه إلى المكون البؤري الذي انصب عليه النفي إعراب المكون البؤري وفيما يختص بإعراب المكون البؤري يذكر المتوكل أن وظيفة البؤرة بنوعيها لا تحدد الحالة الإعرابية التي يأخذها المكون التي تسند إليه ، ويرجع ذلك إلى أن قواعد إسناد الحالات الإعرابية تكون حسب انتماء المكونات إلى الحمل ، أو عدم انتمائها إليه ، فالمكونات الخارجة عن الحمل تأخذ حالتها الإعرابية بمقتضى وظائف التداولية ، المبتدأ ، المنادى ، الذيل أما المكونات الداخلية فتأخذ حالتها الإعرابية طبقا لوظائفها التركيبية أو الدلالية ، ويعني هذا أنه لا تأثير للوظائف التداولية الداخلية في تحديد الحالة الإعرابية ، بل تسند الحالات الإعرابية إلى المكون البؤري بمقتضى وظيفته التركيبية ، إذا كان حاملا لوظيفة تركيبية فيأخذ الحالة الإعرابية الرفع إن كان فاعلا ، والنصب إن كان مفعولا ، أو وظيفته الدلالية إن لم يكن حاملا لوظيفة تركيبية ، فيأخذ الحالة الإعرابية النصب إلا إن سبق بحرف جر ، فيأخذ الحالة الإعرابية الجر الربط binding في البنيات البؤرية والمقصود بالربط العلاقة القائمة بين المكون المتصدر والضمير العائد عليه من داخل الحمل ، أو الموقع الذي كان له داخل الحمل ، وعليه ، فإنه وطبقا لما ذهب إليه المتوكل فإن هناك نوعين للربط : ص 38 1- الربط الضميري : وفيه يرتبط المكون المتصدر بضمير مذكور داخل الحمل ، ومثل لذلك بقوله : المجلة تصفحتها ، وقد رمز للمكونيين اللذين لهما نفس الإحالة برقم واحد ، هكذا : المجلة (1) تصفحت ها (1) 2- الربط الموقعي ، وفيه يرتبط المكون المتصدر بالموقع الذي كان من المفروض أن يشغله لو لم يتصدر ، كما يتبين من هذا المثال : الشاي (1) شربت (إشارة مش عارفاها 1) متق مف وقد استوحي المتوكل هذا التقسيم للربط مما ذكره الفاسي الفهري من أن هناك نوعين للمراقبة : أ- المراقبة المركبية ، وجعلها المتوكل الربط الضميري ، ويمكن تسميتها بالمراقبة البنيوية ، لأن المكون المتصدر مرتبط بالحمل برابط بنيوي هو الضمير. ب- المراقبة المرجعية ، وجعلها المتوكل الربط الموقعي ، ويمكن تسميتها بالمراقبة الملحوظة ، لعدم وجود رابط بنيوي بين المكون المتصدر وموقعه ، وما بينهما من علاقة قائم على الملاحظة
وليميز المتوكل بين هذين النوعين ساق ما سمى في النحو التحويلي بقيود الجزر ، وتشمل : قيد المركب الحرفي ، وقيد أ/أ ، وقيد المركب الأسمي المعقد ، وقيد البنية الوصلية ، وطبقا لنموذج النحو التحويلي فإن تحويل نقل المركب الجزيري إلى الصدر يحكم نقل هذا المركب كاملا ، وعدم نقله كاملا يقدم جملا غير أصولية وغير صحيحة ، غير انه لوحظ أن هذا القيد يصدق على النوع الثاني من أنواع الربط ، وهو الربط الموقعي ، أما الربط الضميري فلا يخضع لهذه القيود ، وبين المتوكل هذا من خلال عقدة موازنة بين المتوكل هذا من خلال عقدة موازنة بين الربط الضميري والربط الموقعي في الجمل الآتية :
ص 39 صديق غفرت لـ في مقابل : صديقي غفرت له زيد قرأت كتاب في مقابل : زيد ، قرأت كتابه الكتاب شكرت الرجل الذي أعارني في مقابل : الكتاب شكرت الرجل الذي أعارنيه كتابا اشتريت مجلة و في مقابل : كتابا مجلة وإياه فالزوج الأول من الجمل السابقة غير صحيح وغير مقبول ، ويرجع ذلك كما قلت ، إلى أن تحويل النقل للركن المتصدر قد خرق قيد المركب الجزيري الذي يحتم نقل المركب كاملا ، سواء كان مركبا حرفيا ، كما في المثال الأول ، أم اسميا معقدا ، كما في الثاني "مركب إضافي" أم موصوليا ، كما في المثال الثالث ، أم عطفيا ، كما في الرابع ، وهذا بخلاف الزوج الثاني في التراكيب السابقة الممثلة لما سمي بالربط الضميري ، إذ إنها تراكيب صحيحة مقبولة مع خرفها لقيد المركب الجزيري ، في كون الركن المتصدر لم يكن المركب الجزيري برمته وفي إطار النحو الوظيفي علل المتوكل لحن الزوج الأول من الحمل السابقة على أساس كونها قيودا على علاقة الربط ، أو على أساس أنها قيود ضابطة لقواعد الموقعة ، وعن قيود الربط ذكر أنه لا يخضع لقيود الجزر إلا نوع واحد من الربط هو الربط الموقعي ، أما الجملة التي يرتبط فيها المكون المتصدر بضمير داخل الحمل فلا تخضع لهذه القيود أما قيود الموقعة فيمكن صياغتها على أساس أنها قيود تضبط قواعد الموقعة التي تحتل بمقتضاها الموقع (م اشارة مش فاهماها) المكونات المسندة إليها وظيفة بؤرة المقابلة ، ويمكن تلخيص هذه القيود في القيد الجزيري العام الآتي : يتموقع في (م نفس الاشارة) المكون الجزيري برمته ويخلص المتوكل إلى أن التمييز بين هذين النوعين من الربط يؤدي إلى وجود نوعين من الجمل ، فالربط الضميري يكون في البنيات التي يتصدرها المكون الشاغل للوظيفة التداولية المبتدأ ، وأيضا المحور في حين أن الربط الموقعي يكون في البنيات التي يتصدرها المكون الشاغل للوظيفة التداولية بؤرة المقابلة ، وعليه فيمكننا التمييز طبقا لهذه الخاصية بين التراكيب التالية : زيدا رأيت زيدا رأيته زيد رأيته إذ نحكم على المكون المتصدر في التركيب الأول بأنه بؤرة مقابلة نظرا لكون الربط معه ربطا موقعيا ، وعليه فهو يحمل معلومة غير معروفة للمخاطب ، هي نفسها المعلومة التي يريد المتكلم إبلاغها إياه ، في حين أن المكون المتصدر في التركيب الثاني محورا لارتباطه بالحمل برابط بنيوي هو الضمير ، وسوف نرى أن هذا الرابط البنيوي كان وسيلة لجأت إليها اللغة لتصدير المحور المفعول ، ذلك أن المفعول الشاغل لتلك الوظيفة غالبا ما يحتل موقعا وسطا بين الفعل وفاعله ، ويصعب احتلاله للموقع (م نفس الاشارة) ، أي تصدر على الفعل ، حتى لا يختلط بوظيفة البؤرة ، ويعني كون العنصر المتصدر محورا أنه صار عنصرا محل اهتمام ومحط عناية ، أما العنصر المتصدر في التركيب الثالث ، فهو عنصر يحمل وظيفة خارجية ، هي المبتدأ ، لارتباطه بهذا الرابط البنيوي ، وعليه فهو يحمل معلومة يتقاسم معرفتها كل من المتكلم والمخاطب ودلالته مقتصرة على تحديد الخطاب ، والمكون الذي يليه يدل على فحوى هذا الخطاب ، كما سيتضح فيما بعد ثانيا : المحور topic والمحور هو الوظيفة التداولية الثانية الداخلة ضمن نطاق الحمل ، ومرد تداوليتها راجع إلى أنها تمثل وضعا تخابريا قائما بين المتكلم والمخاطب ، يتمثل هذا الوضع التخابري في أن العنصر الشاغل لتلك الوظيفة يحمل معلومة يتقاسمها كل من المتكلم والمخاطب ، ولأنها كذلك فغالبا ما ينصرف الحديث إليها ، فتكون مدار الكلام ، وتصبح محل اهتمام ومحط عناية
|
|
| |
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: رد: البعد التداولي في النحو الوظيفي 2010-12-05, 21:19 | |
| ص 41 مفهوم المحور تسند وظيفة المحور ، طبقا لما اقترحه سيمون ديك ، إلى المكون الدال على ما يشكل المحدث عنه داخل الحمل predication ، وقيل إن تلك الوظيفة تسند إلى الحد الدال على ما يشكل محط الحديث في الحمل بالنسبة لمقام معين ، ومعلوم أن المكون لا يكون محدثا عنه إلا إذا كان حاملا لمعلومة يتقاسمها المتكلم والمخاطب ، فينصرف الحديث إليها ، وتصبح محل اهتمام ومحط عناية ، أي أن محط الحديث واهتمامه ينصب على المحدث عنه داخل الحمل ولأنني معنى بالنموذج النواة الذي قدمه المتوكل أولا فلن أقف أمام ما قدمه من تفريعات للمحور في نموذج نحو الخطاب الوظيفي ، إذ أعاد المتوكل النظر في مقاربة وظيفة المحور على أساس أن لها فروعا ، المحور المعطى ، والمحور الجديد ، والمحور المعاد ، يقول : بفضل هذا التنويع أتيح التمييز بين التراكيب التالية : أ- رأيت رجلا واقفا بباب العمارة : محور جديد ب- كان الرجل يحمل باقة ورد : محور معطى ت- نزلت فتاة من مصعد العمارة : محور جديد ث- سألني الرجل الذي كان يحمل باقة الورد عن هويتها : محور معاد ومع أني معنى فقط بالنموذج النواة فإنني لا أتفق معه في تلك التفريعات لوظيفة المحور ، وبخاصة ما يتعلق بما سماه المحور الجديد إذ إن هذا عندي ، ومن خلال المثال المقدم منه ، يدخل في نطاق بؤرة الجديد ، لسبب بسيط هو أن المحور لا يحمله إلا مكون يدخل في نطاق المعرفة المشتركة بين المتكلم والمخاطب ، وهذا ما لا يصدق على مثاله ومن هذا المنطلق أيضا يمكن التجاوز عما سماه بالمحور المعاد ، وحتى المحور المعطى ، لأن المعرفة المشتركة ، أو لنقل الوضع التخابري بين المتكلم والمخاطب متسع ليشمل كل هذه التفريعات ص 42 قواعد إسناد وظيفة المحور : يبدو أن إسناد تلك الوظيفة لا يخضع لقيد ما دام الحد المسندة إليه دالا على محط الحديث في الحمل ، وقد قرر المتوكل أن ثمة اتجاها عاما في اللغات الطبيعية تسند بمقتضاها وظيفة المحور إلى الحد الحامل للوظيفة التركيبية الفاعل بالدرجة الأولى ، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حين ذكر أنه قد يكون في مقام الكلية اللغوية أن تنزع الوظيفة الدلالية (المنفذ agent) والتركيبية (الفاعل subject) والوظيفة التداولية (المحور topic) إلى التواجد في مكون واحد ، ويعد فاعلا حقيقيا وفاعلا نموذجيا المكون المسندة إليه الوظائف الثلاث مجتمعة ، هذا ويمكن القول بأن الحد الفاعل يستأثر بهذه الوظيفة حين وردوده ، وتكون له الأسبقية على غيره من المكونات في أن تسند إليه وظيفة المحور ، وقد قرر المتوكل في هذا الصدد أن اللغة العربية لا تختلف عن غيرها في كونها تنزع إلى تجميع وظيفة المنفذ ووظيفة الفاعل ووظيفة المحور في مكون واحد ، وهو ما يطلق عليه في أدبيات اللسانيات النمطية مصطلح الفاعل النموذجي ، كما قرر أن تجميع هذه الوظائف ليس قاعدة ، بل مجرد نزوع عام يمكن أن يخالفه إسناد المحور إلى غير المنفذ ، الفاعل ، وساق تعليلا لأسبقية المكون الفاعل في أخذ وظيفة المحور ، فذكر أن ذلك راجع إلى اشتراكهما في مجموعة من الخصائص منها - أن كلا من الفاعل والمحور يعد نقطة انطلاق داخل الحمل ، فالفاعل نقطة انطلاق بالنسبة للوجهة المعتمدة في تقديم واقعة المحمول ، والمحور ونقطة انطلاق بالنسبة للحديث - أن كلا منهما ينزع إلى احتلال موقع من المواقع في بداية الحمل ، فالفاعل يتقدم على المكونات الأخرى باعتباره المنظور الأول للوجهة ، أما المحور فينزع إلى احتلال أحد مواقع الصدر في الحمل باعتباره حاملا لمعلومة معطاة given ، أي معلومة يتقاسمها المتكلم والمخاطب ، حيث لوحظ أن المكونات الحاملة للمعلومات المعطاة تتقدم على المكونات الحاملة للمعلومات الجديدة ،ولم ينس المتوكل أن يقدم من تراثنا النحوي ما يؤكد فرضيته في إسناد وظيفة المحور إلى الفاعل مشيرا ، في هذا الصدد ، إلى حصر النحاة العرب ما أسموه بعلاقة الإسناد بين الفعل والفاعل ، أو نائب الفاعل مصطلحين نفسه على النسبة بين ما أسموه بالمبتدأ والخبر جاعلين الأول مسندا إليه ، والثاني مسندا ، والمراد بالإسناد عندهم أن يخبر في الحال ، أو في الأصل بكلمة أو أكثر عن أخرى ، على أن يكون المخبر عنه أهم ما يخبر عنه بذلك الخبر في الذكر وأخص به ، ويقصد بالمخبر عنه المسند إليه ، سواء كان فاعلا أم مبتدأ ، فالفاعل أخص بفعله ، وأهم بالذكر من المنصوبات الواردة بعده ، والأمر كذلك بالنسبة للمبتدأ ، لأنه محل الحكم ، ومن قبل الرضي نص سيبويه على هذا الأمر وأكده ، عندما قرر أن بنية الجملة تقوم على المسند والمسند إليه ، واحتياج كل من هذين الركنين للآخر نابع من أن أحدهما هو الحديث ، والآخر هو مدار الحديث ، وهو محل العناية من هذا الحديث ، أو لنقل هو المحور الذي ينصب عليه هذا الحديث
ص 44 وفي هذا الصدد أود التذكير بأن مصطلح الفاعل لدى المتوكل يشمل ما استقر في الدرس النحوي قديما بالمبتدأ إلى جانب الفاعل أيضا ، أي أن الفاعل عنده شمل ركن المسند إليه في كلتا الجملتين : الاسمية والفعلية ، وقد فرق هذا الباحث بين نوعين مما اصطلح عليه بالمبتدأ ، المبتدأ الذي خبره مفرد أو شبه جملة ، فهذا النوع جعله المتوكل ذا وظيفة تركيبية ، وأطلق عليه مصطلح الفاعل ، والثاني المبتدأ الذي خبره جمله ، وهذا جعله ذا وظيفة تداولية خارجة عن الحمل ، ولها موقع ثابت ، وسماه المبتدأ ، وقد قدمت هذا التنويه في خلال الحديث عن وظيفة المحور ، مع أنه قد يرد له ذكر عند الحديث عن وظيفة المبتدأ ، لأعرض لما قد يحدث من لبس بين وظيفة المحور الداخلة ضمن نطاق الحمل ، ووظيفة المبتدأ الخارجة عن نطاق الحمل ، ويحدث هذا اللبس حين يكون المحور متصدرا للجملة ، كما في مثل قولنا : خالد صديق ، إذ يلتبس المحور هنا بالمبتدأ في مثال المتوكل : زيد سافر أبوه ، ومبعث هذا الالتباس ، راجع إلى أن المبتدأ والمحور يشتركان في : 1- تجاور موقعيهما ، وبخاصة حين يحتل المحور صدر الحمل 2- تماثل إعرابيهما ، إذ إن المحور يرفع في غالب أحواله ، بحكم أن الوظيفة المثلى له هي الفاعل ، والمبتدأ يرفع في جميع أحواله 3- خضوعهما معا لشرط الإحالية ، وبخاصة حين يتصدر المحور الجملة إلى جانب أن كلا منهما محدث عنه ، إلا أنه بالرغم من هذا التشابه يظل المبتدأ والمحور مكونين ذوي خصائص تدوالية وتركيبية مختلفة ، ويكمن الفرق الأساسي بينهما في أن المحور محدث عنه داخل الحمل ، في حين أن المبتدأ محدث عنه خارجي بالنسبة للحمل ، بعبارة أخرى يشكل المحور والحديث المحمول عليه حديثا عن المبتدأ ، وثمة سمات أخرى تميز بين المبتدأ والمحور ، منها . 4- المكون المبتدأ يمكن أن يتقدم على الأدوات الصدور التي تستأثر بالصدارة التامة في الحمل ، بخلاف المكون الفاعل كما يتبين من المقارنة بين الجمل التالية التي مثل بها المتوكل نفسه .
زيد ، أسافر أبوه ؟ زيد ، أرجع أبوه ؟ زيد ، أقابلته في مقابل : عمرو أشاعر ؟ زيد أفي الدار ؟ السفر غدا ؟
ويستنتج من ذلك أن المبتدأ يحتل موقعا متقدما على موقع الأدوات الصدور (م1) ، في حين أن فاعل الجملة الاسمية يحتل موقعا داخليا متأخرا عن موقع هذه الأدوات ، وذكر أنه يمكن الاستدلال على أن فاعل الجملة الاسمية يحتل موقعا واردا بعد موقع (م1) ، بإمكان تقدم إحدى الأدوات عليه ، كما يتبين من مثل قولنا : أعمرو شاعر ؟ هل عمرو شاعر ؟ إن عمرا شاعر فتجاوز الأداة الصدر والفاعل في هذا النمط من الجمل يعني وفقا لقيد أحادية الموقع أنها يحتلان موقعين مختلفين وإن تجاورا . ولا يخفى أنني أوردت آنفا
ص 46 بعضا من مواطن الاختلاف بينهما في أثناء الحديث عن سمات المكونات الضواحي التي منها المبتدأ ، بل لا أجاوز إن قلت : إنه من أهمها وإذا ما اكتفينا بهذا الاستطراد التوضحيح فإننا نخلص إلى مبدأ عام مؤداه إسناد وظيفة المحور إلى الحد الحامل للوظيفة التركيبية الفاعل بالدرجة الأولى ، غير أن هذا المبدأ العام لا يمنع إسنادها إلى أي مكون من مكونات الحمل شريطة أن يكون الحد المسندة إليه دالا على محط الحديث في الحمل ، كما ينص على ذلك تعريف هذه الوظيفة ، وألا يكون حاملا لوظيفة تداولية أخرى ، كما يتبين من خلال الجمل التالية التي ساقها المتوكل : من قابل زيدا ؟ قابل زيدا خالد ماذا أعطيت زيدا ؟ أعطيت زيدا الكتاب من رجع البارحة ؟ رجع البارحة زيد إذ نلاحظ ان وظيفة المحور قد أسندت إلى الحد المكون للوظيفة الدلالية متقبل في المثال الأول ، وللحد مستفيد في الثاني ، وفي الثالث للحد الزمان
موقع المحور يمكن تحديد موقع المحور من خلال ما تقرر من أنه المكون الحامل للمعلومة التي يتقاسمها المتكلم والمخاطب ، ولتحديد موقع المحور علينا أن نحدد نوع الجملة التي يرد فيها المكون الحامل لهذه الوظيفة ، وقد أوردت أن الجملة العربية تنقسم تبعا لنوع المحمول إلى قسمين : 1- الحملة ذات المحمول الفعلي ، وهي الجملة الفعلية 2- الجملة ذات المحمول غير الفعلي ، وهي التي يكون محمولها مركبا اسميا أو وصفيا أو ظرفيا أو حرفيا ، وهذه بدورها تنقسم إلى قسمين :
أ- جملة غير مشتملة على رابط مثل كان ب- جملة مشتملة على رابط وسميت بالجملة الرابطية
|
|
| |
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: رد: البعد التداولي في النحو الوظيفي 2010-12-05, 21:20 | |
| ص 47 موقع المحور في الجملة الفعلية : أوردت آنفا أنه يكاد يكون في مقام الكلية اللغوية أن تنزع الوظيفة الدلالية المنفذ والتركيبية الفاعل والتداولية المحور إلى التواجد في مكون واحد ، حتى إنهم اعتبروا أن الفاعل النموذجي هو المكون الذي تسند إليه الوظائف الثلاث مجتمعة ، وقد تفرر أنه في حالة إسناد وظيفة المحور إلى المكون الفاعل يظل هذا المكون محتلا للموقع "فا" الذي تقتضيه وظيفته التركيبية ، ولا يمكن موقعته في (م نفس الاشارة اياها) ، إذ بتقدمه على فعله يصبح مبتدأ محتلا بالتالي للموقع الخارجي "م2" ولا يخفى تطابق هذا القول مه ما ورد عن نحويينا القدامى من اشتراط تقدم الفعل على فاعله ، معللين ذلك بأن الفاعل كالجزء من الفعل ، وكما لا يجوز تقديم حرف من حروف الكلمة على أولها ، لا يحوز تقديم الفاعل على فعله ، وإذا كان الفاعل كالجزء من الفعل وجب أن يترتب بعده إن هذا القول يوحي بصريح العبارة أن الفعل وفاعله وحدة بنيوية واحدة ، يكون فيها الفاعل بمثابة الجزء من الفعل ، لذا فلا يمكن أن يكون موضوعا للكلام ، أو كما يقولون مدار الحديث وحدة مستقلة ينطلق المتكلم منها ليخبر عنها بالفعل ، والجملة هنا تحمل خبرا غير ابتدائي ، إذ المسند "الفعل" يكون قد ذكر من قبل في السياق الكلامي وقد قدر الرضي ما يفيد وجوب تقدم الفعل على فاعله مانعا دخول "زيد" من "زيد قام" في حد الفاعل ، لأن قام تسند إلى ضمير مستتر والجميع مسند إلى زيد ، إلا أنه اتفق أن الضمير هو زيد ، فتوهم أنه وارد ، وليس بوارد ، لأن هذه دلالة عقلية ، وحدنا باعتبار الدلالة اللغوية وقبله نص ابن السراج على "أن الفاعل لا يجوز أن يتقدم على الفعل إلى على شرط الابتداء خاصة " واتفاق الطرح المعاصر في هذه المسألة مع التراثي يجعلنا نقر بأن موقع الفاعل ينبغي أن يلى موقع فعله ، حتى مع شغله لوظيفة المحور ، ولا يصح تقدمه عليه ، حتى لا يتحول إلى مكون خارج عن نطاق الحمل ، هو المكون المبتدأ ، وتسند بالتالي وظيفة الفاعل ووظيفة المحور إلى الضمير المستتر في الفعل هذا عن إسناد الوظيفة إلى الفاعل ، فإذا أسندت إلى المفعول به فإنه يتقدم من موقعه ليحتل موقعا متوسطا بين موقعي الفعل والفاعل دالا بذلك على أنه العنصر الذي يهم المخاطب أمره ، وهو بذلك يخالف سلمية ترتيب المكونات "وحسب هذه السلمية فإن المكونات الحاملة للمعلومات التي يتقاسم معرفتها كل من المتكلم والمخاطب تنزع إلى احتلال المواقع الأولى في الجملة " وكان ينبغي طبقا لهذه السلمية أن يحتل موقع المحور (م سيجما) ، غير أنه يعسر أن يحتل هذا الموقع ، إذا لم يكن مرتبطا بضمير يعود عليه من داخل الحمل ، أي من الموقع الذي كان له قبل احتلاله لموقع المحور ، فمثل قولنا : زيدا (مف مح) رأى عمرو الواردة إجابة على السؤال : من رأى زيدا (مف مح) يحكم على هذا التركيب بأنه في مقبولية دنيا ، إذ اعتبر المكون المتقدم محورا ، ويسترد هذا التركيب صوابيته أو مقبوليته إما : أ- بتوسط المفعول بين الفعل والفاعل ، فتكون الإجابة على السؤال بقولنا : رأى زيدا عمر ب- وإما بربط المفعول بضمير يعود عليه من داخل الحمل ، هكذا : زيدا رآه عمرو ، إذ تلجأ العربية في تصدير المحور إلى ما يمكن أن نسميه استراتيجية الاشتغال ، حيث يربط إحاليا المحور ضميرا داخل الحمل ، وقد أوردت آنفا شيئا من هذا ، وسوف نرى عند معالجتنا لوظيفة المبتدأ أن اللغة العربية تستعمل أساليب الاشتغال وسيلة لتصدير المحور المفعول ت- باعتبار المكون المتصدر زيدا بؤرة مقابلة ، لا محورا ، ينص على هذا المتوكل في قوله : وتسترجع ، يعني جملة زيدا رأى عمرو ، مقبوليتها التامة إذا أولت على أساس أن المكون الذي يتصدرها زيدا ، مسندا إليه وظيفة بؤرة المقابلة ، لا وظيفة المحور ، وهو بؤرة في هذا التركيب لكونه حاملا لمعلومة غير معروفة لدى المخاطب ، هي بالذات المعلومة المقصود إبلاغها إياه
موقع المحور في الجملة الإسمية : يختلف موقع المكون المحور في الجملة الاسمية باختلاف وظيفته التركيبية أو الدلالية : موقع المحور الفاعل : يراد بمصطلح الفاعل هنا ما استقر في الدرس النحوي التراثي بالمبتدأ الذي خبره مفرد أو شبه جملة
ص 50 يحتل المحور المسندة إليه وظيفة الفاعل الموقع "فا" ، الوارد مباشرة قبل المحمول ، وله شرط واحد متمثل في قيد الإحالية ، "التعريف" أي أن تكون عبارته محيلة ، أي عبارة حاملة للمعلومة الكافية لتمكين المخاطب من التعرف على ما تحيل عليه ، ويمتنع بمقتضى هذا القيد أن يتصدر المحور الفاعل ، إذا كان عبارة غير محيلة ، وهذا القيد هو عين ما جاء في التراث النحوي من شرط تعريف المبتدأ ، الفاعل هنا ، وأن شرط تعريفه راجع إلى أنه يحمل معولمة مشتركة بين المتكلم والمخاطب ، وبذا ينصرف الحديث إليه ، ويصبح محل الاهتمام ، ومحط العناية ، يذكر شيئا قريبا من هذا ابن يعيش في قوله : "فحق المعرفة أن تكون هي المبتدأ ، وأن يكون الخبر نكرة ، لأنك إذا ابتدأت بالاسم الذي يعرفه المخاطب ، كما تعرفه أنت ، فإنما ينتظر الذي لا يعمله ، فإذا قلت : قائم أو حكيم ، فقد أعلمته بمثل ما علمت مما لم يكن يعلمه ، حتى يشاركك العلم به " وعند المتوكل ، أن قيد الإحالية مرتبط بجعل المكون المتقدم شاغلا لوظيفة المحور ، أما إذا كان بؤرة مقابلة فإنه لا يخضع لقيد الإحالية ، ومن ثم فإنه ، وطبقا لما يراه المتوكل ، يجوز الإتيان بمثل قولنا : كتاب ( فا بؤ مقا) عندي (لا كتابان) كتاب (فا بؤ مقا) عندي (لا مجلة) وقد أقر بأن إجازته لمثل هذه التراكيب تتنافى مع ما ذهب إليه النحاة العرب القدماء في أن ما أسموه بالمبتدأ في هذا النمط من البنيات اسم معرف بالضرورة ، ولا أتفق معه في ذلك ، ومرد عدم اتفاقي معه راجع إلى أن شغل هذه المكون للوظيفة التداولية بؤرة المقابلة يجعلنا نوقن بأن المعلومة التي يحملها كانت ضمن حديث سابق ،
ص 51 تردد المخاطب في قبولها ، أو أنكر ورودها فيه ، مما جعل المتكلم يقدمها لأنها تحمل المعلومة الأكثر بروزا ، ومن ثم فهذا المكون هنا له مرجعية إحالية ، تنطبق الإحالية فيها مع ما ذكره المتوكل نفسه من أن العبارة المحيلة "هي العبارة التي تحمل معلومة تمكن المخاطب من التعرف على ما تحيل عليه " ومن ثم فلا يشترط في الإحالة المعيار التركيبي وحده ، تحليها بالألف واللام مثلا ، أو بالإضافة ، وإنما هية إحالية سياقية نابعة مما اسميناه بالوضع التخابري القائم بين المتكلم والمخاطب ، أي بالقدر الذي يتقاسمانه من المعرفة المشتركة ، وعليه فلا وجه لما ذكره من أن النحاة منعوا ما أجازه هو ، إذ أن من يتأمل ما منعوه من أنماط يتبين أنها كلها كانت تفقد شرطا مهما وضعوه لجواز الابتداء ، وهو شرط الإفادة ، وافتقاد هذ الشرط لا يتحقق إلا إذا كان العنصر مجهولا تماما للمخاطب ، أي أن ما يحمله من معلومة لا يدخل مطلقا في حير ما يتقاسمه المتكلم مع المخاطب من معرفه مشتركة ، وهذا يفقد الاتصال قيمته ، ويصبح الحديث ضربا من الإبهام لا يفيد ، فيضحى ممنوعا من النحاة ، ومن المتوكل ، فيما أظن ، وذلك بخلاف ما إذا كان هذا العنصر يحمل قدرا من الإفادة ، حتى لو فقد شرط التعريف البنيوي فإنه جايز من الفريقين كليهما أيضا وإذا كان الفاعل المحور قد ورد في الموقع الذي تشغله وظيفته التركيبية (فا) ، الذي يسبق المحمول في هذا النمط من الجمل فإنه قد يرد متأخرا عن المحمول ، وذلك إذا أسندت إلى المحمول الوظيفة التداولية المحور ، او بؤرة المقابلة ، مما يجعله يتقدم ليحتل الموقع (م سيجما) المخصص لهاتين الوظيفتين ، التداوليتين الداخلتين ضمن نطاق الحمل ، وهنا لا يخضع الفاعل ، المبتدأ في العرف السائد ، لقيد الإحالية ، بخلاف ما إذا ورد متقدما ، ويمكن التمثيل لذلك بأمثلة المتوكل نفسها : في البيت (مح) زائر (فا)
ص 52 في البيت (بؤ مقا) الزائر (لا في الحديقة) غدا (مح) السفر (فا) غدا (بؤ مقا) السفر (لا اليوم) وواضح أن المحمول قد تقدم على الفاعل لشغله إحدى الوظيفتين التداوليتين المحور أو البؤرة التي تخولانه التقدم ليحتل الموقع (م سيجما) المخصص لإحدى هاتين الوظيفتين
إعراب المكون المحور : لقد سبق القول بأن الوظائف التداولية الداخلية لا تؤثر في تحديد الحالات الإعرابية لمكوناتها ، وإنما تسند الحالة الإعرابية لتلك المكونات بمقتضى الوظائف التركيبية والدلالية ، وعليه فإن المكون المحور يأخذ حالته الإعرابية بمقتضى هاتين الوظيفتين
ثالثا : المبتدأ theme تعود تداولية تلك الوظيفة إلى أنها : أ- تشترك مع الوظائف التداولية الأخرى كالمحور والبؤرة والذيل في أنها مرتبطة بالمقام ، ذلك أن تحديدها لا يتم إلا انطلاقا من الوضع التخابري القائم بين المتكلم والمخاطب في طبقة مقامية معينة ب- تتحد صوابية هذه الوظيفة في إطار معارف المتكلم حول العالم الخارجي ، وقد مثل المتوكل لتوضيح ذلك بالجملة : أما مراكش فإن منارتها من الآثار الخالدة إذ تعد هذه الجملة صحيحة ، لكون الحمل (فإن منارتها من الآثار الخالدة) واردا بالنسبة لمراكش ، لكون المنارة موجودة في تلك المدنية ، وفي مقابل هذا فإن الجملة : أما الدار البيضاء فإن منارتها من الآثار الخالدة ، لاحنة ، ولا يمكن إرجاع لحنها إلا لعدم ورود الحمل (فإن منارتها من الآثار الخالدة) ، على الدار البيضاء ، لعدم وجود المنارة بوصفها علما في مدينة الدار البيضاء
تعريف المبتدأ : قرر المتوكل أن هناك شبه إجماع على الفكرة الأساسية التي يقوم عليها تعريف المبتدأ في الدراسات التي اهتمت بالوظائف التداولية ، تقرر بمقتضاه ان وظيفة المبتدأ تسند إلى المكون الذي يحدد مجال الخطاب بالنسبة إلى ما يأتي بعده وتبعا لذلك فإن الجملة التي تشتمل على تلك الوظيفة تبنى عادة من مكونين : مكون دال على مجال الخطاب ، وهو المبتدأ ومكون يليه يدل على فحوى الخطاب ، وهو الحمل بعده ، ولعل هذا هو المعنى من قول ابن يعيش : المبتدأ هو معتمد الفائدة ، والخبر محل الفائدة ، يتضح ذلك في مثل قولنا : علي كافأته وهذه الجملة ، كما هو واضح ، تتركب من ركنين اثنين : أ: الحمل (كافأته) ب: المبتدأ (علي) وهو الذي يحدد المجال الذي يعتبر إسناد مجموع الحمل بالنسبة إليه واردا وفي هذا الصدد أود التذكير بأن المتوكل قد فرق بين نوعين مما اصطلح تسميته في الدرس النحوي العربي عامة بالمبتدأ : المبتدأ الذي خبره مفرد أو شبه جملة ، فهذا جعله المتوكل ذا وظيفة تركيبية داخلة في نطاق الحمل ، وأطلق عليها مصطلح الفاعل ، في مقابل المصطلح الغربي subject في حين أطلق مصطلح المبتدأ مقابلا للمصطلح الغربي theme على النمط الذي يخبر عنه بالجملة جاعلا تلك الجملة أو لنقل الحمل ، هو فحوى الخطاب
|
|
| |
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: رد: البعد التداولي في النحو الوظيفي 2010-12-05, 21:22 | |
| ص 54 والمبتدأ قبلها هو المحدد لمجال الخطاب ، وموقعه بالتالي خارج البنية الحملية التي تشكل الخطاب ذاته ، ذلك أن كل عملية تخاطب تقوم على ركنين اثنين : خطاب ومجال لهذا الخطاب ، وطبقا للنحو الوظيفي فإن البنية الموقعية لهذه الوظيفة التداولية قارة في الموقع (م2) وهو من المواقع الخارجة عن البنية الحملية ، وتسند إليه الحالة الإعرابية الرفع بحكم وظيفته التداولية نفسها وأود قبل الحديث عن خارجية المبتدأ أن أذكر أن بعضا من نحويينا القدامى قد قدموا شيئا قريبا من هذا الطرح المعاصر ، وبخاصة الفريق الذي خرج عن القسمة الثلاثية للخبر ، وجعلوه قسمين ، كابن السراج مثلا ، إذ إنه قسم الخبر قسمين مستندا في تقسيمه هذا إلى أنه إما أن يكون الخبر يشكل مع المبتدأ وحدة دلالية واحدة ، أو على حد قوله ، الخبر هو المبتدأ في المعنى ، وهو ما يعنيه المتوكل من كون الفاعل يشكل الموضوع الأول للواقعة المفهومة من الحمل ، ويشمل هذا النوع الخبر الإفرادي والخبر شبه الجملة ، وإما أن يكون الخبر غير المبتدأ ، غير أنه يظهر فيه ضميره ، وجعل هذا النوع مقتصرا على الخبر الجملة ، وهنا يكون المبتدأ ركنا مغايرا لفحوى الخطاب الذي تقدمه جملة الخبر ، وما ذلك إلا لأنه يشكل مجال الخطاب ، لا فحواه ، أي أنه هو المحدث عنه ، والأمر نفسه قدمه الجرجاني في المقصد مسايرا في هذا رأي الفارسي ، كما قدمه ابن عصفور في شرحه لجمل الزجاجي ، ولا أجاوز الصواب إذا اعتبرت أن تعريف للمبتدأ من أنه جعل الاسم أول الكلام لفظا أو تقديرا ، لتخبر عنه لا يبعد عما ارتضاه المتوكل من تعريف لهذه الوظيفة
ص 55 خارجية المبتدأ سبق أن أوردت بعضا من المسوغات التي اعتبرت أن المكونات الضواحي : ومنها المبتدأ بطبيعة الحال ،خارجة عن نطاق الحمل ومستقلة عنه ، إذ إنها لا تشكل موضوعا من موضوعاته ، ولا لاحقا من لواحقه ، وبالتالي لا تحمل وظيفة تركيبية ولا دلالية ، ووظيفتها فقط هي وظيفة تداولية خطابية ، وأيضا فإنها لا تخضع لمطابقة المحمول ،إلى جانب أنها لا تقع في حيز القوة الإنجازية التي للحمل ، بل إنه قد يكون لها قوة إنجازية خاصة بها مباينة للقوة الإنجازية التي للحمل بعدها ن كما في قولنا : هند ؟ لقد شربت فنجان قهوة وأزيد هنا أن من مسوغات خارجية المبتدأ ، واستقلاله عن الحمل عدم اشتراط ربطه بالحمل بعده برابط بنيوي كالضمير مثلا ، ويعني هذا أن الرابط ليس ضروريا في جميع الأحوال ، إذ إنه صار من المتفق عليه في النحو الوظيفي أن المبتدأ الحقيقي هو الذي لا يرتبط بنيويا بالحمل بعده ، حتى إن جملة مثل : هذه الشجرة الأوراق كبيرة تعد جملة صحيحة ، بل عادية جدا في اللغة الصينية ، وبالنسبة للغة العربية قد يتطلب المبتدأ رابطا يربطه بالحمل بعده ، وهذا هو الغالب ، وقد لا يتطلب ذلك ، كما في قولهم : السمن ، منوان بدرهم زوجي ، المس مس أرنب البر ، كر بستين الصوب ، المتر بخمسين
ص 56 غير أنه يلاحظ أن الحالات التي يقتضي فيها المبتدأ رابطا أكثر من الحالات التي يستغنى فيها عنه ويؤكد خارجية المبتدأ أيضا ، تقدمه على الأدوات الصدور complementiziers التي تأخذ الصدارة المطلقة في الحمل ، أي التي تحتل الموقع م1 ، بخلاف المكونات الداخلية التي لا يصح تقدمها على تلك الأدوات ، كما يتبين من الجمل الآتية ، وهي التي مثل بها المتوكل : زيد ، أعاد أم لم يعد ؟ زيد ، هل عاد ؟ زيد ، إن عاد أكرمه زيدا أقابلت أم عمروا؟ زيدا هل قابلت زيدا إن قابلت أكرمه فالزوج الثاني من هذه التراكيب لاحن ، لتقدم الموضوع الثانوي للحمل ، وهو المفعول على الأدوات الصدور، بخلاف التراكيب الأولى التي تقدم فيها المبتدأ على هذه الأدوات ، مما يعني استقلاله عن الحمل ، ومما يؤكد لحن الزوج الثاني من هذه التراكيب ما تقرر في الدرس النحوي التراثي أن : "الحروف التي لها صدور الكلام لا يقدم ما بعدها على ما قبلها "
ص 57 ويؤكد خارجية المبتدأ أيضا ، إمكانية تقدم مكون خارجي آخر عليه ، كالمكون المنادى ، في حين أنه لا يمكن أن يتقدم عليه مكون من داخل الحمل ، كالمكون البؤرة مثلا ، فلا نقول طبقا لما يراه المتوكل زيدا عمروا ، قابل خالدا زيد ، أعطى الكتاب الكتاب زيد ، أعطى خالدا وعنده أنه لو كان المكون المتصدر في الجمل التي نحن بصددها فاعلا متقدما على فعله لأمكن أن يتقدم عليه مكون داخلي ، بؤرة أو محور ، كما يحدث في اللغات ذات البنية الرتبية ، فاعل ، فعل ، مفعول وكل هذه المسوغات تؤكد خارجية المبتدأ ، غير أنه مع ذلك لا يعني أنه مستقل عن الحمل بعده تمام الاستقلال ، وما تقدم في مفهومه من كون الحمل واردا بالنسبة لمحال الخطاب يؤكد وجود علاقة بينهما تجعل الحمل صالحا لأن يحمل على المبتدأ ، أي أن يظل المبتدأ مربوطا بما يليه بشرط الورود الذي إن خرق أدى خرقه إلى جمله غير سليمة تداوليا وقد أوردت آنفا تركيبا مثل : أما الدار البيضاء فإن منارتها من الآثار الخالدة يعد تركيبا لاحنا ، ولا يمكن إرجاع لحنه إلى لكون المنارة ، بوصفها علما على المدينة ، ليست في الدار البيضاء ، ويحدد شرط الورود هذا تداولية المبتدأ ، لارتباطه بالمقام ، إذ لا يمكن تحديده إلا انطلاقا من الوضع التخابري القائم بين المتكلم والمخاطب في طبقة مقامية معينة ، وأيضا في إطار معارف المتكلم بالعالم الخارجي
ص 58 إحالية المبتدأ (تعريفه) ما يريده المتوكل من مصطلح الإحالية هو جعل المخاطب يتعرف على ما تحيل عليه العبارة ، أي أن تكون المعلومة التي تحملها العبارة كفيل بجعل المخاطب يهتدي إلى المحال عليه المقصود ، وهذا القول متساو تماما مع ما قرره النحويون القدامى من شرط تعريف المبتدأ ، أقول هذا مع أن المتوكل قد ألمح إلى أن الإحالية أمر مرتبط بالمقام ، أو بما سماه بالوضع التخابري بين المتكلم والمخاطب ، أي بالقدر من المعرفة المشتركة بين المتكلم والمخاطب ، فنفس العبارة تكون كافية إحاليا في وضع تخابري ، وتكون غير كافية إحاليا في وضع تخابري آخر ومن ثم فإن الإحالية لا تعتمد المعيار التركيبي وحده ، أي كون المبتدأ معرفا بأل أو الإضافة أو غيرهما ، وقد ألمح المتوكل إلى أن هذا المعيار الوحيد الذي اعتمده النحاة العرب القدامى ، وإنما العبرة عنده متوقفة على المخاطب ، ومدى تمكنه من الاهتداء على التعرف على ما تحيل إليه الكلمة والحق أن جهد النحاة العرب لم يقتصر على المعيار التركيبي وحده ، كما فهم ذلك المتوكل ، بل راعى أيضا هذا القدر من المعرفة المشتركة بين المتكلم والمخاطب ، أو ما يسمى الآن بالمعيار التداولي ، ومن يتأمل معالجتهم لأنواع (ال) العهدية أو الجنسية ، وأن العهدية إما أن يكون العهد فيها ذهنيا ،أو حضوريا ، أو ذكريا ، ليخلص إلى أمر مهم هو أن المعيار التركيبي لم يكن وحده الغرض المروم منهم ، وإلا فإن "أل" في كل هذه الأنواع بنيتها واحدة ، وإذا فما ذهب إليه المتوكل من أن العبارة قد تكون محيلة في موقف ، وغير محيلة في آخر ، وبالتالي لا تصلح للمبتدئية مع كونها محلاة ب "أل" ، من وجهة نظر صورية صرف غير مسلم به ، وقد مثل لذلك بقوله :
ص 59 الشجرة تساقطت أوراقها فالشجرة في التركيب لا تصلح للابتداء عنده ، مع كونها معرفة بأل ، إذا لم يكن المخاطب متمكنا ن الاهتداء إليها ولا أسلم بهذا القول من المتوكل لقناعتي بأن المتكلم لا ينطق بهذا التركيب إلا وهو يعمل أن مخاطبه متمكن من الاهتداء إلى كنه الشجرة عن طريق الذهن أو الحضور ، أو الذكر ، وإلا فهي عبارة هرائية ، لا تحمل معنى يحترم مبدأ الاتفاق على مجال الخطاب الذي ينبغي تصوره بين المتكلم والمخاطب ، هذا المبدأ الذي من أجله اشترط النحاة قيد تعريف المبتدأ ، حتى نتمكن من الإخبار عنه ، لأن الإخبار عن المجهول لا يفيد ، على حد قولهم ، واعتمد النحو الوظيفي مبدأ إحالية المبتدأ ، حتى تتم عملية إنتاج الخطاب التي تشترط لكل من المتكلم والمخاطب الاتفاق على مجال الخطاب ، ولا يتم ذلك إلا إذا كان المبتدأ يحمل معلومة كفيلة يجعل المخاطب يتعرف على ما تحيل عليه ، ومن ثم فإن جملا مثل : رجلا ، رأيت أباه فتاه ، خطبها زيد جمل لاحنة ، واللحن فيها تداولي ناتج عن عدم احترام مبدأ الاتفاق على مجال الخطاب الذي يجب أن يحصل في كل عملية تخاطب بين المتكلم والمخاطب يبقى بعد ذلك أن نذكر بأننا وحسب النحو الوظيفي ، قد خلصنا إلى أن تحديد العلاقات القائمة بين مكونات الجملة يتم حسب مقتضيات متعددة ، منها مراعاة شروط المقام ، أو ما يعرف لديهم باسم البنية الإخبارية ، ويقصد بالبنية الإخبارية البنية التي تحدد العلاقات القائمة بين مكونات الجملة حسب المقام
ص 60 وبمراعاة هذه العلاقة يمكن أن يتصدر التركيب مكون يحمل الوظيفة التداولية : البؤرة أو المحور أو المبتدأ ، وهنا يبقى اللجوء إلى سمات كل وظيفة منها لتحديد كنه العنصر المتقدم ، وفي هذا الصدد قدم المتوكل معاجلة متميزة للتراكيب التي اصطلح على تسميتها بتراكيب الاشتغال في النحو العربي ، فعرض لها من وجهة تداولية تمكن من خلالها من توجيه رفع الاسم المتقدم الذي انشغل عنه الفعل بضميره ن أو نصبه توجيها تداوليا ، فذكر أن رفع الاسم في مثل : خالد قابلته راجع إلى انه مكون خارج عن الحمل ، يدل فقط على مجال الخطاب ، والحمل بعده دال على فحوى الخطاب ، ووظيفته تداولية هي المبتدأ ، ويحتل الموقع (م2) المخصص لهذه الوظيفة ، غير أنه بكثرة الاستعمال وتكراره ينزع هذه المكون الخارجي إلى الاندراج داخل الخطاب ذاته ، بهذا الاندراج تنقلب التراكيب التي من قبيل (29أ) إلى التراكيب التي من قبيل (29ب) 29أ – هند ، أحببتها 29ب – هند أحببتها وفي التركيبين نتبين أن العنصر الذي شغل وظيفة المبتدأ في أ ، الخارجة عن نطاق الحمل ، قد شغل وظيفة تداولية داخلة ضمن نطاق الحمل ، وهي وظيفة المحور ، وفي الوقت ذاته حمل وظيفة تركيبية هي وظيفة المفعول ، ووظيفة دلالية هي وظيفة المتقبل ، وتم ذلك كله تحت الضغط الذي مارسه المحمول ، أحب ، على هذا المكون، هند ، حتى أصبح حدا من حدوده ، يأخذ من الخصائص الوظيفية والبنيوية ما تأخذه الحدود الداخلية العادية ، ويشغل بالتالي الموقع (م سيجما) المخصص للوظيفة التداولية المحور ، مما يعني أنه عنصر صار محل اهتمام ومحط عناية، غير أن هذه الغرض المقامي أو التداولي وحده لا يتيح للمفعول أن يتقدم على الفعل ، كما أسلفت ، وإنما يجعله في موقع متوسط بين الفعل والفاعل ، هو الموقع (م تاو) ، إذ إن المفعول الشاغل لوظيفة المحور يعسر تصديره على الفعل ، أي يصعب أن يحتل الموقع (م سيجما) حتى لا يختلط بوظيفة البؤرة ، فعند المتوكل أن جملة مثل : دلائل الإعجاز ألف الجرجاني تشارف اللحن ، إذ اعتبر المكون المتصدر محورا ، أي إذا عدت جوابا للجملة : من ألف دلائل الإعجاز ؟ ولا تعد سليمة إلا إذا أولت على أساس أن المكون المتصدر فيها بؤرة مقابلة ، لا محورا ، أي إلا إذا وردت جوابا للجملة : أ مفتاح العلوم ألف الجرجاني ؟ غير أنه قد يفرض المقام اللجوء إلى تصدير المفعول المحور ، وهنا تلجأ اللغة ، حسب قول المتوكل ، إلى استراتيجية الربط الضميري ، فتجعل هذا المكون رابطا لضمير داخل الحمل ، إذ ذاك تستعيد البنية سلامتها التامة ، وتصلح الجملة : دلائل الإعجاز ألفه الجرجاني جوابا للجملة : من ألف دلائل الإعجاز ؟ وكان المتوكل يفسر هذا العنصر المتصدر المنصوب على أنه مبتدأ ، وأخذه علامة النصب ، مع أنه مبتدأ ، راجع إلى أن بنيات الاشتغال بنيات صدى ، وقد رفض هو نفسه هذا التحليل مستندا إلى ما بين هذين المكونين ، المبتدأ والمحور ، من خصائص غير متماثلة ، فثمة فروق بين قولنا : زيد ، قابلته ، برفع زيد ، وزيدا قابلته ، بنصب زيد ، فهو في المثال الثاني مكون داخلي أسندت إليه وظيفة المحور ، ويحتل بالتالي الموقع (م سيجما) ، في حين أنه في المثال الأول مكون خارجي شاغل لوظيفة تداولية ، هي المبتدأ ، ويحتل بالتالي الموقع (م2) ويؤكد هذا عدم جواز تقدم هذا المكون الداخلى على أداة من أدوات الصدور كحرفي الاستفهام وكذلك حروف النفي والتوكيد وغيرها
|
|
| |
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: رد: البعد التداولي في النحو الوظيفي 2010-12-05, 21:25 | |
| ص 62 فلا نقول : زيدا أقابلته ؟ أو ( زيدا ما قابلته) ، بخلاف قولنا : (زيد ، أقابلته ؟) و (زيد ، ما قابلته ) فهذان التركيبان مقبولان ، بخلاف التركيبين السابقين ، فهما لاحنان ، وغير مقبولين ، وإلى جانب ذلك فإن هناك فرقا تداوليا بين ورود المكون مرفوعا ، على أنه مبتدأ ، ووروده منصوبا حاملا لوظيفة تركيبية هي المفعول ، ووظيفة دلالية هي المتقبل ، فهو في حالة الرفع يعد مكونا تداوليا شاغلا لوظيفة خارجة عن نطاق الحمل ، لا تعني أكثر من كونها محددة لمجال الخطاب ، والحمل بعدها يقدم فحوى الخطاب ، أما وروده منصوبا فيعني أنه شاغل لوظيفة المحور ، وتقدمه لهذا الموقع مرده إلى أنه محل اهتمام ومحط عناية ، وإذا أخذنا التراث مرجعا ، وذلك من الأهمية بمكان ، بأخذ منه كلما دعت الحاجة ، فإنني أضيف إلى هذا التفسير المعاصر ما جاء في التراث لتأكيد الفرق بين التركيبين ، فهذا الإمام عبد القاهر الجرجاني يذكر ما بين رفع (كل) في قوله تعالى : "إن كل شيء خلقناه بقدر" ونصبه ، فيقول : بيان ذلك أنك إذا قلت : إنا كل شيء خلقناه بقدر، تقديره خلقنا كل شيء خلقناه اشتمل الخلق على جميع الأشياء البتة ، كما أنك إذا قلت : خلقنا كل شيء بقدر ، كان كذلك ، وإذا قلت : إنا كل شيء خلقناه بقدر لم يكن متمخضا للعموم ، لأنه لا يجوز أن يظن أن (خلقناه) صفة لشيء في قوله : كل شيء ، حتى كأنه قال : إنا كل شيء مخلوق لنا بقدر ، أي كائن بقدر ، فيجوز أن يكون ها هنا ما ليس بمخلوق في الأشياء ، ويقرب المسألة بصرب مثال آخر يبين فيه أن الرفع مختلف عن النصب من حيث إن كون الاسم منصوبا دال على عموم لا نجده في حالة كون الاسم مرفوعا ، فيذكر أنك إذا قلت : كل ظريف ضربته في الدار ، جاز أن يظن أن "ضربته " صفة لظريف ، وأن "في الدار " خبره ، حتى كأنك قلت : كل ظريف مضروب في الدار ، فيجوز أن يكون هاهنا ظرفاء لم تضربهم ، وهم الذين ليسوا في الدار ص 63 إن الإقرار بهذه الفروق الدلالية والتداولية والتركيبية بين مثل هذه الجمل يجعلنا لا نتفق مع المتوكل فيما ذهب إليه من أن تراكيب الاشتغال في اللغة مردها إلى التطور اللغوي زاعما أنه بفضل ، كثرة الاستعمال وتكراره ينزع المكون الخارجي إلى الاندراج داخل الخطاب ذاته ومرد ذلك إلى الضغط الذي يمارسه عليه محمول الجملة ، تحت هذا الضغط تمتص تدريجيا هذه المكونات داخل الجملة ، فتصبح حدا من حدود الحمل ، خاصة في التراكيب التي لا يوحد فيها بينة وبين هذه الجملة حاجزا ، أداة من الأدوات الصدور وما لا أتفق فيه مع ما ذكره من أن هذا الضرب من التطور عبر التنقل من قسم خطابي إلى آخر ، أي من الجملة الكبرى إلى الجملة الصغرى ، يعد وضعا شاذا لإخلاله بعملية التواصل ، ولا يدوم ذلك طويلا ، إذ سرعات ما تعود اللغة إلى التراكيب الأصلية ، وقد يتزامن التركيبان في حقبة معينة ، إلا أن التركيب الثاني ، تركيب النصب ، غالبا ما يندرج نحو الانقراض ومرد عدم اتفاقنا معه راجع إلى مابين التركيبين من فوارق دلالية وتداولية ، تلك الفوارق تجعلنا نوقن بوجود هذا النمط من التراكيب إلى جوار الآخر ، وألا انقراض لواحد منهما على حساب الآخر ، على الأقل بالنسبة إلى الفصحى ، وقد كان علماؤنا القدامى على دراية بطبيعة اللغة ، وأكثر فهما لها عندما أقروا بوجود مثل هذه التراكيب في اللغة ، وانصب تركيزهم على ما بينها من فروق دلالية ص 64 فهذا ابن جني يذكر مثلا أن وضع المفعول به أن يكون بعد الفعل والفاعل ، غير أنه إذا عناهم قدموه على الفاعل ، فقالوا : ضرب عمرا زيد ، فإذا ازدادت عنايتهم به قدموه على الفعل الناصبة ، قالوا : عمرا ضرب زيد ، فإذا تظاهرت العناية به عقدوه على أنه رب الجملة ، وتجاوزوا به حد كونه فضلة ، فقالوا : عمرو ضربه زيد ، فجاءوا به مجيئا ينافي كونه فضلة ، ثم زادوه على هذا الرتبة فقالوا : عمرو ضرب زيد ، فحذفوا ضميره ونووه ، ولم ينصبوه على ظاهر أمره رغبة به عن صورة الفضلة ، وتحاميا لنصبه الدال على كون غيره صاحب الجملة وفي هذ النص الكاشف يقر ابن جني بوجود أنماط متعددة في بناها البادية على السطح ، وإن كان المعنى العميق لها واحدا ، ويرجع هذا التعدد البنيوي إلى ما يؤديه كل نمط منها من أغراض تواصلية لا تتوفر في الأنماط الأخرى ، وقد أقر بوجود هذا التعدد البنيوي للأصل الواحد الإمام عبد القاهر ، وها هو ذا يقر بوجود أربع مراتب لتراكيب الاشتغال المرتبة الأولى : قولك : ضربت عبد الله والثانية : أن تقول : عبد الله ضربت، فتؤخر الفعل عن المفعول والثالثة : أن تعدي الفعل إلى ضمير الاسم وترفعه بالابتداء ، فتقول : عبدُ الله ضربته ، لأن الفعل إذا تعدى لضميره لم يتعد إليه والرابعة : أن فعلا ينصبه على شريطة التفسير ، فتقول : عبدَ الله ضربته ، وليس النصب بالاختيار ، لأنك إذا قصدت أن تجعل الاسم منصوبا مفعولا ، فمن حقك أن تقول عبد الله ضربت ، فلا يتعدى الفعل إلى ضميره ليفتقر إلى إضمار آخر، وهي أقل المراتب لما ذكرت لك، من أنك تضمر من غير حاجة إلى الإضمار، وسرد هذه المراتب مرتبط في نظرنا بما تؤديه من أغراض تواصلية ص 65 مما يجعلنا لا نتفق معه فيما ذكره من أن المرتبة الرابعة هي أقلها استعمالا ، اللهم إلا إذا نظرنا إلى ذلك من وجهة نظر تركيبية محضة ، ومع التحفظ أيضا على ذلك ، أما إذا راعينا البعد التداولي فستبين أن لكل تركيب منها غرضا دلاليا وتداوليا لا يكون في غيره ، وقد مضى بنا منذ قليل نص لعبد القاهر نفسه وقف فيه على بعض الأسرار الدلالية لنصب الاسم المتقدم ويبقى أن أذكر بما سبق وأن أوردته من فروق دلالية بين قولهم : عبدَ الله ضربته ، وعبدَ الله ضربت ، بنصب عبد الله فيهما فالمكون في المثال الأول ، كما قدمنا منذ قليل ، شاغل لوظيفة تداولية هي وظيفة المحور ، وذلك لأنه يحمل معلومة يتقاسم معرفتها كل من المتكلم والمخاطب ، وقدمت إلى هذا الموقع إشعارا بكونها محط اهتمام ومحل عناية ، وأمكن تصديره ، واحتلاله للموقع (م سيجما) ،مع أنه من المواقع التي يصعب احتلال الحدود الموضوعات لها من داخل الحمل ، وهذا بخلاف المكون المتصدر في المثال الثاني ، إذ أنه هنا شاغل لوظيفة تداولية ، هي بؤرة المقابلة ، وذلك لأنه يحمل معلومة غير معروفة لدى المخاطب ، وهي المعلومة التي يقصد المتكلم إبلاغها إياه ونخلص إذن إلى أن نموذج النحو الوظيفي قدم لنا فروقا تداولية بين التراكيب زيدا قابلت زيدا قابلته زيد ، قابلته استطعنا بواسطتها تقديم تفسير لحالتي الرفع والنصب للاسم المتصدر ، وبخاصة التركيبان الثاني والثالث ، وهو ما لم نلحظه في غالب معاجلة القدماء لظاهرة الاشتغال ، إذ كانت في العموم معالجة بنيوية خالصة ، لم يصلوا فيها إلى رأي واحد ، ولا إلى نتيجة حاسمة ، ودارت جل أحكامهم حول مصطلحات ص 66 الاستحسان والترجيح لهذا الوجه أو ذلك أو مصطلحات المنع الندرة والقلة لهذا المسلك أو ذاك ، ويكفي أن تعود إلى مصدر ما من كتب النحو المعتمدة ، والأصلية لترى مدى عنايتهم بالأقسام التي يدور حولها الباب ، ومن العجيب أنك لن تجد وجها واحدا كان موطن اتفاق بينهم ، لذا فلا عجب أو زجدنا من المحدثين من نادى بإلغاء باب الاشتغال وطرحه كلية من أبواب النحو العربي رابعا : الذيل Tail وأقترح تسميته بالتابع : وهو ظيفة تداولية ، خارجة عن نطاق الحمل ، تعود في الأساس إلى عملية إنتاج الخطاب التي فيها يحدد المتكلم مجال خطابه ، ثم يبني حملا يقدم من خلاله فحوى هذا الخطاب ، غير أنه قد يتبين له بعد ذلك إضافة معلومة جديدة ، يستدرك بها معلومة واردة في الحمل ، إما لتوضيحها ، أو لتعليلها ، أو لتصحيحها ، وهذه بلا شك أغراض تداولية من خلال الوضع التخابري بين المتكلم والمخاطب في طبقة مقامية معينة ، وقد كان لهذا الغرض التداولي أثره في تحديد موقع هذه الوظيفة وجعله يشغل حيزا بعد الحمل متمثلا في الموقع تعريف الذيل يورد المتوكل تعريف ديك للذيل ، فيذكر أنه الذي يحمل "المعلومة التي توضح معلومة داخل الحمل ، أو تعدلها " ثم يضيف هو بعدا آخر للذيل إلى جانب بعدي التوضيح والتعديل ، هو دور التصحيح ، ويبين أن هذا البعد نابع في اللغة العربية من وجود البنيات الإضرابية ممثلا لذلك بمثال : قابلت اليوم زيدا بل خالدا وطبقا للمتوكل فإننا أما ثلاثة أغراض تقوم بها تلك الوظيفة ، تظهر هذه الأغراض في عمليات مختلفة لإنتاج الخطاب : 1- ذيل التوضيح ،ويرد في طبقة مقامية ، يقوم المتكلم فيها بإعطاء المعلومة (م) ثم يلاحظ أنها ليست واضحة الوضوح الكافي فيضيف المعلومة (م2) .ومثل ذلك بالمثال : سافر أخوه ، زيد إذ يتبين أن العنصر الحامل للمعلومة (زيد) قد أصيف لتوضيح الإبهام القائم في الضمير (ه) ، في (أخوه) ، أو لنقل قد أسهم في تحديد الذات التي يحيل عليها هذا الضمير ، باعتبار أن المخاطب لم يستطيع التعرف على هذه الذات بواسطة الضمير وحده 2- ذيل التعديل : وطبقته المقامية متمثلة في إعطاء المتكلم المعلومة (م) ، ثم يلاحظ أنها ليست بالضبط المعلومة المقصود إعطاؤها فيأتي بالمعلومة (م2) التي تعدلها ، ومثل لذلك بالمثال : قرأت الكتاب ، نصفه ، إذا أضيفت المعلومة "نصفه " لتعديل المعلومة "الكتاب" 3- ذيل التصحيح ، وتتمثل عمليته الخطابية في أن يعطي المتكلم المعلومة "م" ثم ينتبه إلى أنها ليست المعلومة المقصود إعطاؤها ، فيضيف المعلومة "م2" قصد تصحيحها ، فهو هنا يأتي بمعلومة أخرى ، تحل محلها ، ومثل لذلك بالمثال : قابلت اليوم زيدا ، بل خالدا ، إذ أضيفت المعلومة "خالدا" لتصحيح المعلومة التي تحملها عبارة "زيد" وفي هذا الصدد أود أن أقرر عدم اتفاقي مع المتوكل في زعمه أن ذيل التصحيح يستأثر بالظهور في البنيات الإضرابية إلا إذا توسعنا في هذه البنيات لتشمل إلى جانب المعطوف ب"بل" أنواعا من البدل متعلقة بهذه النقطة تحديدا ، فهي تأتي لتصحيح معلومة سابقة عليها ، وقد وردت هذه الانواع تحت عنوان واحد
ص 68 يشملها ، سمي بالبدل المباين ، وشمل ثلاثة أنواع أرجعها الأشموني إلى نية المتكلم في قصد المبدل منه أو عدم قصده ، وتوضيح ذلك في الآتي : أ- بدل الغلط ، وفيه لا يقصد منه البتة ، وإنما سبق اللسان إليه ، فيأتي بالعبارة الحاملة للمعلومة الصحيحة ، فهو بدل سببه الغلط في ذكر المبدل منه ، لا أنه نفسه غلط ب- بدل النسيان ، وفيه يقصد المبدل منه ، ثم يتبين للمتكلم بعد ذكره فساد قصده ، فيأتي بالعبارة الحاملة للمعلومة الصحيحة ، بدلا من المعلومة التي ذكرت على سبيل النسيان ، وقد ذكر الأشموني أن الفرق بين هذين النوعين متمثل في أن الغلط متعلق باللسان والنسيان متعلق بالجنان ت- بدل الإضراب ، وفيه يقصد المتكلم المبدل منه ، ثم يضرب عنه ليأتي بمعلومة مقصود بها الإضراب عن المعلومة التي يحملها المبدل منه
وقد مثل الأشموني للأنواع الثلاثة بقوله : خذ نبلا مدى وقد شرح الأشموني هذا في الأنواع من خلال مثاله ، فبين ذلك بأنه : إن كان المتكلم إنما أراد الأمر بأخذ المدى ، فسبق لسانه إلى النبل فبدل غلط ، وإن كان الأمر بأخذ النبل ، ثم بان له فساد تلك الإرادة ، وأن الصواب الأمر بأخذ المدى فبدل نسيان ، وإن كان أراد الأول ثم أضرب عنه إلى الأمر بأخذ المدى ، وجعل الأول في حكم المسكوت عنه فبدل إضراب وبداء ، والأحسن أن يؤتى فيه ب "بل" ، وما ذكره الأشموني من أن الأولى أن يؤتى ب "بل " في مثل هذه البنيات سبقه إليه ابن عصفور معللا ذلك بتوهم إرادة الصفة : ألا ترى أنك إذا قلت : رأيت حمارا ،أو ثورا ، أمكن أن تتوهم أنك رأيك رجلا جاهلا أو بليدا غير أنه قرر أن الوجهين ممكنان ، واستدل على صحة مجئ بدل الاضراب خاصة بقول رسول الله : إن الرجل ليصلي الصلاة ، وما كتب له نصفها ثلثها ربعها
|
|
| |
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: رد: البعد التداولي في النحو الوظيفي 2010-12-05, 21:32 | |
| ص 69 وثمة أمر آخر قد لا أتفق فيه مع المتوكل ، وهو متعلق بفهمه لمعنى الإضراب الذي يقدمه العنصر "بل" ، ذلك أنه إن كان فهمه لمعنى الإضراب مقتصرا على أنه نفي الحكم عن السابق وإثباته للاحق ، فلن أتفق معه في ذلك ، لأنه فهم قاصر لهذا المعنى ، إذ له إلى جانب ذلك معنى آخر ، نص عليه ابن القيم في بدائع الفوائد ، فعنده أن الإضراب نوعان : 1- إضراب نفي ، ويكون إذا نفيت الحكم عن الأول وأثبته للثاني 2- أضراب اقتصار ، ويكون إذا أثبت الحكم إلى الثاني ، كما أثبته للأول ، وإنما أتيت ب "بل" ، لنفي الاقتصار على الأول ، لا لنفي الإسناد إليه ، وهذا أكثر استعمالها في القرآن وغيره ، كقوله تعالى "أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر " ، فالمقصود من الإضراب هنا إضراب الاقتصار الذي يقرر الحكم على الثاني مثل الأول ، بل إن العناية بالثاني فيه أهم ، وهو على حد قول ابن القيم ، شبيه بمصحوب قد ، إذ إن تجريد العناية بالكلام إلى ما بعده أهم عندهم من الاعتناء بما قبله "
ص 70 بنيات الذيل كما في النحو الوظيفي : بان بعد عرض الأنماط الثلاثة لوظيفة الذيل أنها ترد في أنماط تحمل وظائف مختلفة في النحو العربي التراثي ، تتوزع في الآتي : 1- وظيفة المبتدأ ، كما في مثل : سافر أخوه ، وأيضا في مثل : حضر الصديقان ، و ظلموني الناس ، على قول من يعرب : الصديقان ، الناس ، مبتدأ مؤخر 2- البدل ، وذلك في المثالين السابقين عند من يرى أن الظاهر بدل من الضمير اللاحق بالفعل ، أيضا في قولنا : أطربني خالد صوته ، وفهمت الدرس بعضه 3- المعطوف ب "بل" ، واضيف إلى ذلك المعطوف ب "لكن" ، وذلك مثل قولنا : قابلت زيدا بل عليا ، وما قابلت عليا لكن خالدا
وأنا مع المتوكل في جعله الاسم الظاهر المؤخر في النمط الأول حاملا لوظيفة الذيل ، وهي وظيفة في قسم منها تشغل عنصرا يحمل معولمة تأتي لتوضيح إبهام في عنصر سابق عليها ، وهو فهم أقرب إلى هذا النمط في فهم النحاة له على أنه مبتدأ مؤخر ، ذلك أن المبتدأ في عرف النحاة هو العنصر المحكوم عليه بالخبر ، فالحكم عليه يجعله سابقا ، لأنه المحدد لمجال الخطاب ، ويليه فحوى هذه الخطاب ، وتأخره يرشح أن طبقته المقامية تجعله حاملا لمعلومة يراد منها توضيح إبهام في عنصر سابق عليها ، ويصرفه عن أن يكون حاملا لمعلومة تحدد مجال الخطاب ، وهذا ما نلاحظه أيضا في مثل قولهم : حضرا الصديقان ، وظلموني الناس ، ولعل أضطرابهم في إعرابهم الاسم الظاهر في المثالين بين القول بالابتداء والبدلية ، يبين مدى ترددهم في الحكم على مثل هذا العنصر المؤخر ، إذ لم يخلص تماما للغرض المراد من وراء وظيفة المبتدأ ، في كونه محكوما عليه ، كما أنه لم يبتعد عنها تماما لارتباطه بالجملة قبله برابط بنيوي هو الضمير ،
ص 71 وهو في الوقت ذاته متفق مع الغرض من وظيفة البدل التي تكون في قسم منها للتوضيح ، وفي هذا الصدد يمكن أن يضاف إلى وظيفة الذيل ما اصطلح على تسميته بالبدل المطابق ، لأن غرضه التداولي ، أو لنقل قيمته الدلالية التوضيح والتقرير ، وطبقا لما رأيناه في تراثنا النحوي نستطيع تقسيم البدل إلى قسمين : نوع يكون الأول فيه نية الطرح هو بدل البعض من الكل ، وبدل الاشتمال ، لأن المقصود هو الثاني لا الأول ، ونوع لا ينوى فيه طرح الأول ، وهو بدل الكل من الكل ، بل يكون الثاني بمنزلة التذكير والتوكيد وتقوية النسبة ويرجع هذا المعنى للبدل المطابق إلى أنه هو والمبدل منه متحدان في المفهوم ، ولذا يأتي الثاني من الأول بمنزلة الموضح والمبين ، فإذا أضيف إلى ذلك عطف البيان بحكم قاعدتهم المبتعة بأن كل ما جاز إعرابه بدلا جاز إعرابه عطف بيان ، إلا في مسائل محددة غلبت فيها الصنعة النحوية ، تبين لنا أن قيمة هذا العنصر الدلالية وغرضه التداولي هو التوضيح والتوكيد ورفع الالتباس ، وأقوالهم الواردة في ذلك تؤيد هذا الخط العام ، فهذا ابن عصفور يؤكد أن البدل المطابق "إعلام السامع بمجموع الاسمين ، أو الفعلين على جهة البيان أو التأكيد" وقبله يذكر ابن الأنباري أن القيمة الدلالية للبدل تتمثل في "التوضيح ورفع الالتباس وإزالة التوسع والمجاز" ولا يخفى أن التوكيد والبيان والتوضيح ورفع الالتباس معان مفهومة من البدل المطابق ، وعطف البيان ، كما أنها أغراض تداولية تقدمها وظيفة الذيل
ص 72 خارجية الذيل أسلفت القول بأننا ، طبقا للنحو الوظيفي ، نحكم بكون هذه الوظيفة أو تلك خارجية بالنظر إلى موقعها من الحمل ، بمعنى أنها إذا لم تكن تشكل موضوعا من موضوعات الحمل ، ولا تشغل حدا من حدوده تكون خارجة عنه ، وبالتالي فلا تحمل وظيفة تركيبية ولا دلالية ، ووظيفتها فقط وظيفة تداولية ، وهذا ما يصدق تماما على وظيفة الذيل ، فما قدمناه بين أنها لا تتعدى أن تكون حاملة لمعلومة توضح معلومة في الحمل ، أو تعدلها أو تصححها ، ولعله من أجل ذلك قرر ديك ، أن ارتباط هذه الوظيفة بالحمل يفوق ارتباط الوظيفتين الاخريين المبتدأ والذيل ، وثمة روابط أخرى بين الذيل والحمل ، منها التطابق الإعرابي بين الذيل والعنصر الحملي الذي يحاكيه في كثير من البنيات المذيلة ، وقد دفع هذا التوافق الإعرابي المتوكل إلى التساؤل ، عن مدى التوافق بين القول بخارجية الذيل وتوافقه في الإعراب مع أحد مكونات الحمل ، وفي إجابته عن هذه التساؤل عقد موازنة بين موافقة النعت والتوكيد لمتبوعهما ، وموافقة البنيات المذيلة للعنصر الذي تحاكيه ، فذكر في هذا الصدد معالجة لا تبعد عن معالجة القدامى كثيرا ، إذ ذكر أن بنيات النعت والتوكيد عبارة عن مركبات اسمية ، يعد المنعوت أو المؤكد رأسها ، ويأخذ النعت والتوكيد الحالة الإعرابية التي للرأس عن طريق تبعيتها للرأس ، وهذا بالطبع لا يصدق على الذيل (البدل أو المضرب عنه ) ، بحكم خارجيته عن الحمل ، أي أنه في حكم المستقل وهو بالتالي لا يشكل مع العنصر الذي يأتي لتوضيحه أو تعديله أو تصحيحه مركبا اسميا واحدا ، ولذا اقترح المتوكل تعليل الاتفاق الإعرابي بينهما بما يمكن تسميته بمبدأ الإرث، وبمقتضى هذا المبدأ لا يرث الذيل عن المكون الحملي المرتبط به التطابق الإعرابي وحده ، بل يرث إلى جانب ذلك الوظيفة الدلالية والوظيفية والتركيبية إذا كانت له وظيفة تركيبية
ص 73 ولا شك أن هذا الطرح له صدى فيما ذهب إليه النحاة العرب في تمييزهم البدل عن بقية التوابع باعتباره عنصرا مستقلا عن المبدل منه ، وينظرون إليه على أنه خارج عن نطاق جملة المبدل منه ، وهو في حكم الجملة المستقلة ، ونقدم في هذا الصدد نصا كاشفا لابن السراج يوضح فيه هذه المسألة تماما ، وأدعه يتحدث بنفسه ، فيقول : "حق الكلام أن يستغني بنفسه قبل دخول البدل ، لأن حق البدل أن يكون بمنزلة ما ليس في الكلام ، وأن يكون متى أسقط استغنى الكلام" وإلى مثل ذلك يذهب العلامة عبد القاهر ، فيقول : " التحقيق في البدل أن يكون في حكم الساقط معنى " وصرح بهذا أيضا ابن يعيش في حكايته قولا لأبي علي : كيف يكون البدل إيضاحا للمبدل منه ، وهو من غير جملته ، فقال : لما لم يظهر العامل في البدل ، وإنما دل عليه العامل في المبدل منه ، واتصل البدل بالمبدل منه في اللفظ جاز أن يوضحه ولا يحتاج مني هذا التطابق في توارد الخواطر بين الفكرين : التراثي والمعاصر إلى مزيد من التعليق إحالية الذيل بينت آنفا أن الإحاليةعند المتوكل تعني أن تحمل العبارة المحيلة معلومة تمكن المخاطب من التعرف على ما تحيل عليه ، وأن هذا التحديد بهذا المفهوم هو تحديد تداولي مرتبط بالمقام ، وبالوضع التخابري بين المتكلم والمخاطب ، وبالنسبة لأحالية الذيل فقد انطلق المتوكل من الدور الذي تقوم به هذه الوظيفة في العملية الخطابية ، فإذا كان الذيل حاملا لمعلومة تستهدف إزالة إبهام وارد في الحمل فإنه يشترط فيها الإحالية ، أو لنقل التعريف ، ومثل المتوكل لهذا بقوله :
ص 74 أخوه مسافر ، رجل قابلت أخاه ، صديق وذكر أن هذه التراكيب ذات مقبولية دنيا ، إن لم تكن لاحنة في مقابل : أخوه مسافر ، زيد قابلت أخاه ، عمرو أما بالنسبة لذيل التعديل أو التصحيح فإنه لا يشترط فيهما أن يكونا عبارتين محيلتين ، لأن المعلومة التي يحملها كل منهما لا يقصد بها إزالة إبهام عن معلومة واردة في الحمل عن طريق تعيين ما تحيل عليه ويقدم لنا التراث مبررا لعدم اشتراط مطابقة البدل للمبدل منه تعريفا وتنكيرا بأنه هو المقصود بالحكم ، أي أنه يحمل معلومة مرادة لذاتها ، فهو في حكم المستقل بنفسه إعراب الذيل للمكون الذيل حالتان إعرابيتان ، كما نص على ذلك المتوكل ، ناتجتان من تنوع بناها ، وتعدد وظائفها في النحو التراثي العربي ، وهاتان الحالتان هما : 1- حالة الرفع ، ويأخذ المكون الذيل هذه الحالة الإعرابية في البنيات التي تحمل وظيفة المبتدأ المؤخر في النحو العربي التراثي ، وكذلك في البنيات التي يأتي فيها الفعل مطابقا لفاعله في التثنية والجمع ، وهي التي اصطلح على تسميتها بلغة "أكلوني البراغيث" 2- أما باقي بنيات البدل والإضراب ، فإن الذيل يأخذ حالته الإعرابية : بمقتضى وظيفته التركيبية أو الدلالية التي يرثها عن المكون المقصود تعديله أو تصحيحه باعتباره عوضا عنه ، وقد أورد توضيحا لذلك البنية الوظيفة الآتية للمثال :
|
|
| |
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: رد: البعد التداولي في النحو الوظيفي 2010-12-05, 21:33 | |
| ص 75 ساءنى زيد سلوكه ساء ف (س1 : زيد "س1") منف فا /رفع مح (س2 : ني "س2") متق مف / نصب بؤجد (ص1: سلوك منف / رفع فا (5) "ص1") ذيل إذ يتضح في هذه البنية الوظيفية أن المكون التداولي الذيل ، سلوك ، قد ورث عن المكون المقصود تعديله "زيد" وظيفته التركيبية "فا" والدلالية "منف" والإعرابية الرفع
خامسا : المنادى vocative يشكل المنادى الوظيفة التداولية الخامسة ، وقد اقترحها المتوكل لوصف البنيات الندائية بالنسبة للغة العربية ، ذكر أن هذه الوظيفة كافية :لا لوصف اللغة العربية فحسب ، بل كذلك لوصف اللغات الطبيعية " وأضافها المتوكل على الوظائف الأربعة السابقة ، لأنه لا يمكن إغفالها على حد قوله ، لورودها في سائر اللغات الطبيعية ، ولغنى خصائصها في اللغة العربية وهي وظيفة خارجة عن نطاق الحمل ، بحكم أنها لا تشكل موضوعا من موضوعات المحمول ، ولا لاحقا من لواحقه ، وإنما هي وظيفة خطابية مرتبطة بالمقام ، إذ تقوم بدور ملحوظ في عملية إنتاج الخطاب ، يتمثل هذا الدور في التنبيه الذي يوقعه المتكلم ليعطف به المخاطب عليه ، ليكون محلا لتلقي كلامه ص 76 كما أنه تخصيص للمنادى المخاطب بالكلام ، وجعله معنيا به دون غيره ، ولعل هذا الدور المتمثل في تنبيه المخاطب كان السبب في أن المكون المنادى غالبا ما يرد قبل الخطاب ، بما في ذلك المكون الدال على مجال الخطاب ذاته ، وهو المبتدأ ، وقد اقترح المتوكل الموقع (م4) مخصصا للمكون المنادى تعريف المنادى اقترح المتوكل التعريف التالي للمنادى : المنادى وظيفة تسند إلى المكون الدال على الكائن المنادى في مقام معين ونظرا لقلة الدراسات الحديثة التي عالجت هذه الوظيفة اعتمد المتوكل في وصفه لخصائصها على ما ورد في كتب النحو العربي القديم ، مع اعتماده بالطبع على مبادئ النحو الوظيفي إطارا نظريا للتحليل إسناد وظيفة المنادى تسند وظيفة المنادى إلى الكائن المدعو بهدف استرعاء انتباهه ، لتتم عملية التواصل بينه وبين المتكلم ، فهو تنبيه من المتكلم المادى للمخاطب المنادى ، وتخصيص له من بين سائر أمته ، على حد قول سيبويه ، ليكون محلا لتلقي الكلام ، ومن هذا الهدف التداولي المتمثل في مطلق التنبيه ، اعتبر المتوكل كما اعتبر النحاة القدامى ، أساليب الندبة والاستغاثة أنواعا من مندرجة تحت الوظيفة المنادى ، على الرغم مما بينها من تباين في الخصائص البنيوية ، ويمكنني تأكيدا هذا التوجه باشتراك هذه الأنواع في استعمال الحرف يا ، فإذا كان المنادى بهذا الحرف مدعوا ليكون معنيا بالنداء ، فإن المستغاث لجلعه معنيا بطلب الإغاثة ، والمندوب مدعو لجعله معنيا بالتفجع ص 77 وقد ذكر المتوكل قيدين يضبطان إسناد وظيفة المنادى ، وهما في الحقيقة لا يخرجان في جوهرهما عما اشترطه النحاة في المنادى : 1- يشترط في الوظيفة المنادى أن تحيل على كائن حي ، وقد اقترح المتوكل أن يصاغ هذا القيد على مستوى البنية الحملية ، كقيد من قيود الانتقاء الضابطة لإدماج المكونات ، وأزيد أنا إلى جانب هذا القيد قيدا آخر متصلا به ، هو قيد العقل ، وذلك ليتحقق بهذا النداء التفاعل المرجو بين المتكلم المنادى والمخاطب المنادى ، مع ملاحظة أن المتكلم قد يخلع على المكون المنادى صفة الحياة والعقل ، وينزل غير العاقل في منزلة العاقل ، فيتوجه له بالنداء ، ويخاطبه بحديثه ، وهنا يحكم على مثل هذه التراكيب بالقبول ، من ذلك قوله تعالى : يا جبال أوبي معه والطير " ، وقوله تعالى :"وقيل يا أرض ابلغي ماءك ويا سماء أقلعي " ، ومن ذلك أيضا قول أبي النجم ، وهو من الشواهد النحوية : يا ناق سيري عنقا فسيحا إلى سليمان فنستريحا وقول الآخر : ألا يا نخلة من ذات عرق عليك ورحمة الله السلام ففي هذه التراكيب نوديت الكائنات غير العاقلة ، الجبال ، أرض ، سماء ، ناقة ، نخلة ، واختصت بطلب الإقبال لما ذكرت من أن المتكلم قد نزلها منزلة الكائنات العاقلة ، وهذا هو مسوغ صحة هذه التراكيب ، وإلا عدت جملا لاحنة لخرقها قيدا يجب توفره في المكون المنادى 2- أما القيد الثاني الذي اقترحه المتوكل ، فهو أن يكون المكون المنادى محيلا على المخاطب ، وهذا ما يتناغم تماما مع تداولية تلك الوظيفة القائمة على تنبيه يوقعه المتكلم ليعطف به مخاطبه ليتلقى حديثه ، وهذا القيد المحيل على المخاطب له صداه في المعالجة التراثية للمنادى ، فهذا الإمام عبد القاهر يشير إلى ما يؤكد هذا القيد ، بقوله :"إن النداء خطاب بلا شبهة ، فإذا قلت : يا زيد ، جرى مجرى يا إياك ، وأدعوك ، ألا ترى أنك تعيد إليه الضمير على لفظ المخاطب ، يا زيد فعلت كذا وكذا ، فلولا أن هذا الظاهر قام مقام المضمر لما أعدت إليه الضمير العائد إلى نحو إياك وأنت ، ولقتل : يا زيد فعل كذا ، وكأنهم آثروا المظهر وأقاموه مقام المضمر لأجل أن المخاطب قد يكون معرضا عن المخاطب متباعدا عن مكانه ، فإذا قال له : يا إياك ، لم يعلم إنه يعنيه ، أو يعني غيره ، فإذا ذكر الاسم الظاهر ، وقال : يا زيد ، ويا رجل ، علم أنه يقصده ، وتنبه له
أدوات النداء وقواعد إدماجها في اللغة العربية ثمة أدوات تسبق المكون المنادى ، ويرى المتوكل أنه يمكن تقليص أدوات النداء التي أحصاها النحاة إلى عدد أقل ، إذ إن بعضها عنده ليس سوى بدائل لهجية ، والأدوات التي اعتمدها هي ، يا ، أيها ، أ ، إلى جانب ما سماه بالأداة صفر ، ويشفع له الاقتصار على بعض الأدوات وصرف النظر عن غيرها أنه لم يرد عن النحاة ضوابط محددة لاستعمال كل أداة منها ، باستثناء ما ورد عنهم من جعل بعض هذه الأدوات لنداء القريب ، وأخرى لنداء البعيد ، فما ورد عنهم من أدوات سوى الهمزة تستعمل جميعها للبعيد حتى التسويغ الذي قدمه سيبويه في النداء البعيد إنما كان للأدوات جميعها سوى الهمزة ، فيذكر "أنهم يستعملونها إذا أرادوا أن يمدوا أصواتهم للشئ المتراخي عنهم ، أو للإنسان المعرض عنهم الذين يرون أنه لا يقبل عليهم إلا باجتهاد"
ص 79 وثمة أمر آخر يمكن ذكره هنا ، وهو ما ذهب إليه المتوكل في جعله "أيها" ، من أدوات النداء ، وهذا بخلاف رؤية النحاة لها ، إذ هي عندهم من العبارات الحاملة للمكون المنادي ، وليست أداة للنداء ، ويشفع له ما نلاحظ في استعمال هذه العبارة من وجوب الإتيان بعدها بالاسم المحلي ب أل دالا في الحقيقة على المكون المنادى ، مما يمكن اعتبارها أداة تدخل على المنادي كباقي الأدوات الأخرى ، أقول هذا مع علمي بإمكانية اقتران أداة النداء "يا" بها في كثير من بنيات النداء ، إذ يمكن تفسير ذلك بأن اقتران الأداتين معا إنما يكون لضرب من زيادة لفت انتباه المخاطب أما إدماج هذه الأدوات فقد عالجها على مستوى البنية الوظيفية على أساس المعلومة الوظيفية (من "دي") التي يحملها المكون (ص) عن طريق تطبيق قاعدة إدماج أدوات النداء ، ويمكن التمثيل لذلك بالبنية الوظيفية الآتية الممثلة لجملة : يا زيد ، جاء الضيوف (ص: زيد ص) منا [جاء ف (س1: ضيوف "س1" منف فا مح] بؤ جد ثم تنقل هذه البنية الوظيفية إلى بنية مكونات متحققة في شكل الجملة أما كيفية إدماج أدوات النداء فيتم بالنظر إلى السياق والمكون المنادى ، وصحيح أنه اعتمد مبادئ النحو الوظيفي إطارا لمعالجته غير أنه مع هذا لم يبعد كثيرا عن رؤى النحاة القدامي لسمات كل أداة ، وعلى سبيل المثال فإن ما قدمه من
ص 80 قيود لاستعمال الأداة الصفر يناظر ما طرحه النحاة بشأن حذف حرف النداء من شرط كون المنادي علما مفردا كان أو مضافا ، وخلص من ذلك إلى امتناع مجئ المنادى بدون أداة ، إذا كان نكرة ، أو عنصرا إشاريا ، وهكذا تتواصل معالجته حول باقي الأدوات ، ويخلص إلى صوغ إدماج الأدوات على الوجه التالي : قاعدة إدماج أداة النداء الصفر : دخل input : (ص ي) منا خرج output : (ص ي) ما شرط : (ص ي) = اسم علم ، مركب إضافي قاعدة إدماج أداة النداء أ : دخل (ص ي ) منا خرج (أ ص ي ) منا شرط : (ص ي) = اسم علم ، مركب إضافي ، جملة موصولة ب "من" قاعدة إدماج أداة النداء "أيها" دخل (ص ي) منا خرج (أيها ص ي) منا شرط : (ص ي) مركب اسمي معرفة ، مركب إشاري ، جملة موصولة بالذي خارجية المكون المنادى : قدمت آنفا ما ذكره المتوكل من أن خارجية المنادى تكمن في أنه لا يشكل موضوعا من موضوعات الحمل ، ولا لاحقا من لواحقه ، وهنا أقدم عنه أن ثمة أمرا آخر يشكل خارجية هذه الوظيفة ، هو مخالفتها للحمل في القوة الإنجازية ، إذ إن قوته الإنجازية هي النداء ، بخلاف الحمل بعده
ص 81 فهذا قد تكون قوته الإنجازية الأمر أو النهي أو الخبر ، كما استدل المتوكل على خارجية المنادى عن الحمل بانعكاس ذلك على إعرابه وموقعه ، ففيما يتعلق بإعرابه تسند إليه الحالة الإعرابية النصب بمقتضى وظيفته التداولية ، طبقا للمبدأ المعتمد في إسناد الحالات الإعرابية حسب النحو الوظيفي ، وتتحقق الحالة الإعرابية النصب على السطح بالعلامة الضم ، أو بالعلامة الإعرابية الفتحة أو ما ينوب عنها وقد استدل المتوكل على أن الحالة الإعرابية هي النصب بإشارة النحاة العرب إلى أن تابع المنادى يأخذ سطحا العلامة الإعرابية الفتح في البنيات التي يكون فيها المنادى منصوبا ، كما يأخذ العلامة نفسها إلى جانب علامة الضم في البنيات التي يكون فيها المنادى مبنيا على الضم والقول بأن النادى استحق علامته الإعرابية بمقتضى وظيفته التداولية يكفينا هناء البحث في عامل المنادى الذي اختلف حوله النحاة قديما من قائل بأنه فعل محذوف ناب عنه حرف النداء ، ومن ذاهب إلى أنه الحرف نفسه ، وقد استمر هذا الخلاف إلى يومنا ، إذ نقرأ للمحدثين من يميل إلى هذا الرأي أو ذاك موقع المكون المنادى ثمة موقع قار للمكون المنادى في البنية الموقعية للجملة العربية حسب النحو الوظيفي ، يحتل فيه هذا المكون الموقع (م4) ، وهو موقع خارجي بالنسبة للحمل ، يأتي سابقا للموقع (م2) المخصص للمبتدأ ، وتفسير هذا مرده إلى الدور المنوط في عملية إنتاج الخطاب "فالمكون المنادى باعتباره مقصودا به تنبيه المخاطب بالدرجة
|
|
| |
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: رد: البعد التداولي في النحو الوظيفي 2010-12-05, 21:36 | |
| ص 82 الأولى يرد قبل الخطاب نفسه ، بما فيه المكون الدال على مجال الخطاب "المبتدأ"، واحتلاله لهذا الموقع ثابت حتى لو ورد متوسطا بين موضوعات الحمل أو لواحقه ، أو متأخرا عن الحمل، لأن غالب أحواله احتلال الصدر ، ويؤكد هذا الاتجاه الوظيفي لموقع المنادى رؤية النحو التراثي إذ أقر بذلك إمام النحو سيبويه ، عندما أكد أن أول الكلام أبدأ النداء ، إلا أن تدعه استغناء بإقبال المخاطب عليك وفي ختام هذ البحث أقرر أنني بحمد الله ، قد أنجزت ما كنت أتمناه من وراء هذا البحث ، إذ قمنت فيه بعرض الأبعاد التداولية طبقا لنموذج من النماذج التي انتهت إليها اللسانيات الوظيفية، وهو نموذج النحو الوظيفي ، ولم أقتصر فيه على مجرد العرض لهذه الأبعاد ، مع أن هذا في حد ذاته هدف علمي يقصد لذاته ، وإنما أثبت إلى جانب ذلك قدرا معقولا من توافق النظر بين تلك المعطيات المعاصرة ، وما جاء في تراثنا اللغوي من أفكار متصلة بكثير من القضايا المعروضة وكان منهجي في عرض هذه الأبعاد التداولية مطابقا لرؤية الباحث الجاد الذي أخذ على عاتقه نقل اتجاه النحو الوظيفي إلى العربية ، وهو الباحث المغربي الدكتور أحمد المتوكل ، ولم أسمح لنفسي أن أخرج عن فكر الرجل ، وإن كنت قد قدمته أحيانا ، بلغتي الخاصة ، وفي الغالب الأعم كنت أستهدي بأقواله ، إذا وجدت أنه قريبة إلى الفهم ، وأكرر القول : إنني حاولت الربط بين هذا الفكر الحديث ، والمعطيات التراثية ذات الصلة بالقضايا المعروضة ، وذلك من أجل الوقوف على ما يتضمنه هذا التراث من آراء متطورة ، وهذا عندي هدف علمي أصيل وقد تمثلت محاولات الربط بين الفكريين في الآتي : ص 83 تبين للبحث أن ثمة قدرا طيبا من توافق النظر بين المعطى الوظيفي المعاصر ، والتراث النحوي بعامة ، وأن ما جاء في التراث من أغراض مقامية كقصد الاهتمام والحصر والعناية والتخصيص لا تبعد كثيرا عن الأبعاد التداولية مثل البؤرة والمحور وما إلى ذلك قدم البحث توضيحا موجزا لبنية النحو في الاتجاه الوظيفي منتهيا إلى اعتماد هذا الاتجاه على الأدوار الدلالية في تحديده لموضوعات المحمول "الفعل" ، كما أنه قد أفرد مستوى لتمثيل الوظائف التداولية بجوار تمثيل الوظائف التركيبية والدلالية بين مكونات الجملة ، وقد ربط البحث في هذا الصدد ، بين ما جاء في النحو الوظيفي خاصا بالحدود الموضوعات والحدود اللواحق ، وما استقر في التراث النحوي من حديث حول الوظائف العمد ، والفضلات ، فين أن ما جاء في هذا الاتجاه خاصا بالحدود الموضوعات ، هي عندهم الفاعل والمفعول ، لا يتعدى نظرة النحاة العرب للفاعل والمفعول من ضرورة احتياج الفعل لهما معا، وأيضا المبتدأ والخبر وارتباط كل منهما بالآخر ، وقد بان لنا أن الفاعل في الاتجاه الوظيفي يشمل ما اصطلح عليه في التراث النحوي بالفاعل ، والمبتدأ ذي الخبر الإفرادي ، أو شبه الجملة ، وكلاهما جعلهما المتوكل في وظيفة واحدة داخلة ضمن نطاق الحمل ، سماها كما قلت الفاعل ، في حين أطلق مصطلح المبتدأ على النمط الذي يخبر عنه بالجملة ، وفي هذا الصدد بين البحث أن بعضا من نحويينا القدامى قد قدم شيئا قريبا من هذا الطرح ، وخاصة الفريق الذي خرج عن القسمة الثلاثية للخبر ، وجعلوه قسمين : الخبر الجملة ، وما عداه ، وهذا فريق نفر من النحاة لا يستهان بهم على رأسهم بان السراج والفارسي والإمام عبد القاهر وابن عصفور ، ولم يقتصر الأمر في التوافق بين الفكرين على الحدود الموضوعات بل تعداه إلى ما سمي باللواحق ، إذ لم تتعد المعالجة الوظيفية للحدود اللواحق معالجة القدامي للحدود والفضلات التي تحمل أدوارا دلالية تأتي لتقييد جهة الحدث ص 84 ما جاء في النحو الوظيفي خاصا بالوظيفة الفاعل ، وأن هذه الوظيفة تستأثر حين ورودها بالوظيفة التداولية المحور التي تعنى أنه محط الحديث ومدار الاهتمام ، أقول أن ما جاء في ذلك يقترب مما تناوله النحاة لما أسموه بعلاقة الإسناد بين الفعل والفاعل أو نائبه ، وبين المبتدأ والخبر ، وفي ذلك نلمس حرص النحاة العرب القدامى على الإقرار بأن الفاعل والمبتدأ كليهما أهم ما في التركيب ، والأخص بالذكر ، فالفاعل أخص بفعله ، وأهم بالذكر من المنصوبات بعده ، والأمر نفسه يصدق على المبتدأ تمكن هذا النموذج الوظيفي ، من وجهة نظري ، من التمييز بين تراكيب ما سمي بالاشتغال ، في النحو العربي ، إذ عالجها معاجلة تداولية مقبولة وجيدة ، واستطاع تقديم تفسير مبني على الأبعاد التداولية لحالتي الرفع والنصب للاسم المتصدر ، وهو ما لم نلحظه في معالجة النحاة العرب القدامى للظاهرة ، إذ كانت معالجتهم بنيوية خالصة ، لم يصلوا فيها لرأي واحد ، ولا إلى نتيجة حاسمة ، ويمكن الإشارة إلى تفسير المتوكل لها في : زيدا رأيته الاسم المنصوب المتصدر يحمل وظيفة تداولية داخلة ضمن نطاق الحمل ، هي المحور ، لارتباطه بالحمل بعده برابط الضمير ، وهو وسيلة استراتيجية لجأت إليها اللغة لتصدير المحور المفعول ، إذ إنه طبقا لهذا الاتجاه ، يعسر تصدير الحدود الموضوعات ، الفاعل والمفعول ، ويعني كون هذا العنصر محورا أنه بتصدره يصبح محل اهتمام ومحط عناية (زيدا رأيته) ذكر أن الاسم المرفوع يحمل وظيفة خارجية هي المبتدأ ، وتقتصر دلالته على تحديد مجال الخطاب ، والحمل بعده يدل على فحوى هذا الخطاب ص 85 (زيدا رأيت ) المكون المتصدر هنا يحمل وظيفة تداولية داخلية هي بؤرة المقابلة ، وبالتالي هو يحمل معلومة غير معروفة للمخاطب ، هي نفسها المعلومة التي يريد المتكلم إبلاغها إياه
بان في البحث أن ثمة توافقا بين الدرسين : الوظيفي والتراثي فيما سماه المتوكل بمصطلح الإحالية ، الذي يتساوى مع المصطلح التراثي التعريف ، وفي هذا الصدد أود تسجيل مخالفتي لهذا المصطلح ما دام المصطلح التراثي يفي بالغرض ، أما المصطلح الوافد فيكفي للتدليل على خفاء معناه وإبهامه ان صاحبه قد اضطر لوضع مفهوم له، ليتمكن القارئ من تحديد معناه ، كما قام الباحث بمناقشة المتوكل فيما ألمح إليه من أن النحاة العرب قد اعتمدوا في تحديدهم للتعريف المعيار التراكيبي وحده ، وهو ما فنده الباحث في حينه عندما بين أن النحاة اعتمدوا معيار الفائدة وتحققها ، بصرف النظر عن كون العنصر معرفا أو غير معرف ، ما دام يحمل هذا القدر من المعرفة المشتركة التي تمكن المخاطب من فهمه والتعويل عليه بان في البحث أنني غالبا ما كنت أضع مصطلح التابع بين هلالين بجوار مصطلح الذيل ، ولم أرد تغيير هذا الأخير حفاظا على طرح المتوكل ، وإنما فعلت ذلك لأسجل عدم رضاي النفسي عن هذا المصطلح ، وفي هذا الصدد فإنني هنا أقترح تغيير مصطلح الذيل ليكون مصطلح التابع أضفت ما عرف بالبدل المباين ، ليكون مع البنيات الإضرابية التي اقتصر المتوكل فيها على المعطوف ب بل ، ف معاجلته لما سماه بذيل التصحيح ، إذ إن البدل المباين بأنواعه الثلاثة ، هو نوع من التصحيح للمبدل منه ، وأيضا فقد أدرجت ما سمي بالبدل المطابق ليكون ضمن ذيل التوضيح ، لأن غرضه التداولي وقيمته الدلالية هي التوضيح وتقوية النسبة والتوكيد سجل الباحث عدم اتفاقه مع المتوكل في : أ- قصره البنيات الإضرابية على المعطوف ب بل ، إذ أضاف الباحث إليها بنيات البدل المباين كما قلت، وأيضا المعطوف بلكن ب- فهمه لمعنى الإضراب الذي قصره على أنه نفي الحكم عن السابق ، وإثباته للاحق ، وقد بان أن هذا الفهم قاصر ، لأنه ركز على جانب واحد من جوانب الإضراب ، وهو إضراب النفي ، وثمة جانب آخر للإضراب هو إضراب الاقتصار ، وفيه يثبت الحكم الثاني ، كما ثبت الأول حرص الباحث على إظهار التوافق بين الاتجاه الوظيفي والطرح التراثي حول فكرة ما سمي بخارجية الذيل ، واستقلاله عن الحمل ، إذ بين البحث أن هذا الطرح له صدى فيما ذهب إليه النحاة العرب ، في تمييزهم للبدل عن بقية التوابع باعتباره عنصرا مستقلا عن المبدل منه ، وأن حق البدل أن يكون بمنزلة ما ليس في الكلام وأخيرا فإن معالجة المتوكل للوظيفة التداولية المنادى ، واعتماده في جانب كبير من ذلك على ما ورد في كتب النحو القديم ليؤكد لدى الباحث اعتقادا يصل لدرجة اليقين ، هو أن الجديد لا ينبغي أن ينبت عن القديم ، وأن المعالجات التي تصل بين النظرية اللغوية التراثية والاتجاهات الحديثة صارت مطلبا ضروريا وأمرا مهما ونافعا والله من وراء القصد
|
|
| |
احمد حسين المدني .عضو فعّال
عدد المساهمات : 31 نقاط : 61 تاريخ التسجيل : 04/06/2010
| |
| |
د.عبدالواحد مشير دزةيى عضو شرف
البلد : العراق عدد المساهمات : 412 نقاط : 791 تاريخ التسجيل : 20/07/2010 الموقع : https://www.facebook.com/drabdulwahid.dezaye.7 المهنة : استاذ ( Professor)
| موضوع: بارك الله فيك 2011-10-09, 21:00 | |
| |
|
| |
آمال بن غزي مدير المنتدى
وسام النشاط : وسام المبدع : البلد : ليبيا عدد المساهمات : 1570 نقاط : 2344 تاريخ التسجيل : 09/01/2010 الموقع : بنغازي المهنة : أستاذ جامعي
| موضوع: رد: البعد التداولي في النحو الوظيفي 2011-10-18, 13:41 | |
| شكرا جزيلا أخي أحمد على ذوقك وكلماتك المشجعة .. مع فائق تمنياتي بالتوفيق والشكر موصول للدكتور عبد الواحد وأتمنى أن نتواصل لأجل البحث في مجال التداوليات وتطبيقاتها في التراث العربي |
|
| |
| البعد التداولي في النحو الوظيفي | |
|