لماذا لا نقرأ..؟
محمد هاشم يوسف البطاط
القراءة هي مقياس تحضّر الامم و ملهمة المفكرين و بانية مجد الانسان بل هي اولى الفرائض و سابقة الاوامر التي اوحاها الله لنبيه الكريم عندما افتتح عهد النبوة و الرسالة بكلمة اقرأ,فقد جائت بصيغة الامر و ان كان المأمور لم يعهد القراءة من قبل لكنه أُمر بها و بدوره أمر بها.
و مذ كنّا بناة حضارة الانسان الاولى لم يعرفنا احد بل القراءة دّلت علينا وكتبنا فقرأ من جاء من بعدنا و عندما تهنا في غياهب الجهل كنّا لا نجيد القراءة, و عندما عادت الكرّة و اصبحنا سادة الامم قرءنا و كتبنا او لأننا كنا نجيد القراءة و الكتابة اصبحنا سادة اهل الدنيا ..لافرق.
ودالت الايام و اذا بنا آخر الركب و لم نكتف بذلك بل تهنا لاننا لم نقرأ لوحات الدلالة.
لان المعادلة تقول اذا فتّشت عن الحضارة تجد بُناتها قرّاء.
واذا لم تجد القراءة اذن لاوجود لحضارة و هذا ما يحصل الآن ,العرب لا يقرؤن سوى بضعة اسطر مقارنة بالامريكي الذي يقرأ احد عشر كتاباً!!!
و لننطر حالنا مع الامريكي نجد الفرق واضحاً اي ان المعادلة صحيحة.
و القراءة ثقافة وليست حضارة لكنها ثقافة تؤدي الى حضارة و السؤال الذي يطرح و بقوّة لماذا لا نقرأ؟
هذا الفقدان لشهية القراءة اصبح داءً عضالاً أصابنا بالهزال و عدم المناعة و لا يكاد يولد جيل حتى يصاب سريعاً بالخرف والشيخوخة المبكرة و ليس له من الشيخوخة حظّ الحكمة وخبرة السنين بل ناله فقط دنو الاجل المحتوم.
في الحقيقة هذه كارثة بما في الكلمة من معنى فقد اصبحت القراءة حرفة لها من يمتهنها وصاحبها مختصّ خلافا لحقيقتها فهي كالطعام لا تحتاج الى طبقة تجيد المضغ لأنها من غرائز بني البشر. هناك اكثر من سبب يجعل منا امة(اميّة) اهمها:
ان مما جبلت عليه ثقافتنا هي (التعليم السماعي) وهذا طغى بحيث لم يترك فسحة كافية لملئ الفراغ الثقافي او التعليمي بطريقة التعلّم بالقراءة.أي انه أخذ حيّزاً كبيرا اثّر بشكل واضح على المساحة المتبقية يدعمه بذلك ضئآلة المساحة الممنوحة للتعلّم المطلق بمعنى ان حاجتنا للتعليم تقتصر على المحدود او الضروري وبالتالي اصبح من يوسّع حدود الرغبة في التعلّم في نظر محيطه شاذاً(بالسلب و الايجاب) مما انعكس على المتعلم نفسه فآمن بشذوذه بل تطرّف في ذلك كردّة فعل اثمرت عن خلق طبقة معزولة عن بيئتها اُطلق عليها (الطبقة المثقفة) فقدت هدفها غير المعلن و هو الارتقاء بالواقع الثقافي-للجماهير-و بالنتيجة صار الناس في واد والمثقفون في واد.فكلما زاد المثقفون في نهل المعارف ازداد هذا الفارق اتساعا وانف المثقف من النزول الى مستوى الشارع لان الشارع وصل الى درجة الحضيض ولا يرجى اصلاحه كذلك ادى هذا البعد لغموض المفاهيم التي تلقاها المثقف بالنسبة للشارع فاصبح من العسير جدا يصل احيانا الى المستحيل افهام الشارع بها فضلا عن اقناعه وبذلك تقطع هذه السلسلة ولا سيبيل الى اصلاحها الا بوجود طبقة وسطى تحاول شد طرفي المتتالية و بعث حالة التواصل من جديد ليستفيد الشارع مما تعلمه المثقف و كان ذلك بولادة -التعليم السماعي-وفي الظاهر صحّت المعادلة لكن الحقيقة غير ذلك فلم يستفد المتلقي كثيرا من وجود هذه الطبقة الوسطى لعدّة اسباب اهمها:
فقدان هذا الترابط البيني بين النخب المثقفة والطبقة الوسطى-المبلّغة –وعدم وجود رقابة حقيقية لتفسير الافكار وتوجيهها بالوجهة المعنية من قبل النخب, لذلك نرى الطبقة الوسطى تذهب بعيدا عن ما يريده المثقفون و ترداد شططا يوما بعد يوم. اذ لا علاقة قانونية او فالنسمها علاقة منهجية بينهما واقتصرت العلاقة على الغائية وتبادل المنفعة الذاتية مع ما يرشح من قليل فائدة للمتلقي.حتى اصبحت بحدّ ذاتها مستقلة –بوجه من الوجوه- تسيّر الجماهير وتحدد زوايا انطلاقها فاصلة بذلك فصلا بيّناً المتلقي عن المفكر, واستلبت زمام القيادة, وطفى فهمها الضحل على الفهم العميق و المجدي,وحاليا بدى هذا التضخّم مهولاً تحوّلت بموجبه النخب المثقفة الى دوائر ضيقة ومتعددة كثيرا ما تصتدم ببعضها بعيدا عن الواقع الثقافي المعاش.
ثانيا:
الاحتياج,فحاجتك تدل على حقيقتك.أي عندما تحتاج الى قدر ما من الطعام يعني ذلك انك جائع بقدر ما انت محتاج.
وحدود الحاجة كنوعها تعطي صورة حقيقية اولية تساهم بشكل من الاشكال في تشخيص العلة في هذا الركود الثقافي المصاب بالتخمة لاغيا الحاجة لحقيقية لما بعد التعلّم.
لان الفرد لا يرى في القراءة وهي صورة من صور التعلم حاجة لبلوغ هدف. فالاهداف المرسومة ليست من بين طرقها طريق القراءة .
فلو قرأت مئآت الكتب لن تحصل على فلس واحد او لاتستفد شيئا وهي -حكمة- معقولة , وكثيرا ما يوصف القارئ بانه-فايخ- أي مترف و مقياس كون الشخص عمليا هو بعده عن القراءة فمتى ما قلت قرائته اصبح شخصا عمليا .وهذه النظرة متأتية من واقعنا المعاش فالقراءة سبيل نسلكه لبلوغ هدف ابعد بكثير من الصفحة الاخيرة للكتاب وواقع الحال ان الكثير منا يقرأ ولا يتعدى هدفه القراءة و القراءة فقط. ويقع على الآخر سيل من اللوم تحت شعار –القراءة ما توكل خبز-او تجود قريحة احدهم بنظرية مفادها –دعهم يقرؤن ونحن المستفيدون-ويعتبر نفسه اذكى منهم وانهم مجرد حمقى ثم سرعان ما يناقض نفسه حين يسمع بقوتهم وغلبتهم وتفوقهم العلمي ,يصفهم بانهم شياطين وسبب دمار الامة وتخلفها وما هذا الاضطراب الوصفي الا نتاج عدم ادراك الحاجة الفعلية وعدم فهم الغاية وهي الوصول للسعادة و الرفاهية فمحيط الدائرة اضيق من ان يسع رؤية مابعدها.
فعندما يحتاج الانسان للقرءة يقرأ كتعلمه لباقي الحرف و الصناعات لانه يجد نفسه بحاجة لتعلمها لادراك حاجة اولى (البقاء)
لو فرض قانون لايسمح لغير المتعلمين بالحصول على درجةوضيفية مثلا مع السماح لهم باكمال دراستهم ,نلاحظ اقبالا كثيفا على مقاعد الدراسة. فالحاجة ليست فقط ام الاختراع بل هي ام البحث والعمل
الترغيب: هنالك حادثة قريبة في هذا المعنى ….:
عملت احدى المؤسسات الثقافية مسابقة وذكرت ان حلول جميع الاسئلة موجودة في ثلاث كتب فقط ,وكانت هناك جوائز للاجابات الصحيحة فما كان من المشتركين الا ان بحث عن تلك الكتب فاستعارها او اشتراها فقرئها ليتوصل الى الحلول .فكانت بحق فكرة رائدة وعملية, لحثّ الناس على القراءة.