العربية سبع وعشرون حرفا
محمد هاشم البطاط
يقول الاخوة في مصر ما معناه ((ان ظليمة الناس يومي السبت والأحد ,وظليمتي لم تجري على أحد )) . وهذا المثل ينطبق تماما على ((الهمزة)) فما ظلم*على حد علمي* أحد في اللغات كظلم العربية للهمزة ,على الرغم من وفرة استخدامها في النطق فلا تعرّف الأسماء الا بها وبشقيقها اللام,وهي أول ما ينطق به بنو البشر , ومن أراد نطق حرف بصوته فيبدأ بها او ينتهي,ولا تخلو مائدة النحاة منها فهي وصل تارة وأخرى قطع وحينا استفهام ,وفضلها اكثر من ان يعدّ.ومع كل ذلك لاتجد لها مكانا بين اخوتها من حروف العربية فأبى *أئمة اللغة* الا ركلها خارجا ,فابتدؤا بالألف وانتهوا بالياء !
وبالمقابل هناك حرف دخل عنوة في((بيت الحروف)) رغم ندرة استعماله في الكتابة والنطق على السواء ولما لم يجدوا له اسما نعتوه او نعتوها بأخت الطاء وعندما تسأل عن المعيار في جعله بديلا عن أخت الصاد يقولون هو سماعي ,شاذ, لا قاعدة له ,ارجعوا الى المعاجم تجدوه ,أي هو حرف ((تاريخي)) موجود فقط في بطون الكتب, حاله حال الموميائات و((الانتيكات)) في المتاحف.وربما يحلو للبعض ان يتهمني باني سأضرب العرب في الصميم عندما اشكك في إحدى نفائسهم ومفاخرهم الا وهي اللغة ,التي بها يفخرون او بمعنى أدق بحرف واحد او حرفين فنسبوا إليهما وسموا بأهل الضاد,ولم يقولوا أهل الظاء !
وإني لأعجب من الشاعر حين قال :وآني لآت بما لم تستطعه الأوائل, فأفحمه صبي حين طالبه بان يزيد في العربية حرفا! وعجبي من حيرة الشاعر لا من ذكاء الصبي ,فلو كنت مكانه لقلت ان الزيادة كالنقصان فلا أزيدها حرفا بل انقص منها حرفا!
فاللغة لسان وليست كتابة ((ولقد انزلناه بلسان عربي مبين)) وما الكتابة الا دلالة على المنطوق فلا يمكن ان نكتب ما لا ينطق لذلك اختلفت صورة الحروف من لغة الى اخرى بل داخل اللغة الواحدة حتى اتخذ الحرف شكلا معينا يختلف قليلا او كثيرا عن سواه لدرجة ان الحرف مر باشكال شتى قبل ان يصل الى صورته الحالية . ولكن على أية حال يبقى صوت واحد للحرف وان تعدد شكله وقد يأتي للشكل الواحد اكثر من صوت كالألف والهمزة ويختلف في الشكل قليلا حسب موضع الحرف من الكلمة, وهي طريقة تتسم بالتعقيد نسبيا لكن فيها جمالية تنسيك تعقيدها .
الا ان هناك حرف واحد له شكلين مختلفين , ويدعي أرباب اللغة ومن يقدس أقوالهم يدعي هؤلاء ان هذا الحرف هو حرفان شكلا وصوتا ,اعني به حرف الضاد او الظاء.وأنا اطلب ممن يقرأ هذا المقال ان يجري تجربة بسيطة وهي كالتالي: يطلب من أصحاب النطق السليم ((ان لم يكن منهم طبعا)) ان يقرؤأ *عندي بيض دجاج وبيظ نمل* شرط ان يخفوا الدجاج والنمل !وبعدها يطلبوا من الحاضرين ان يخبروهم أيهما جاء أولا بيض الدجاج ام بيظ النمل؟ والنتيجة لا تحتاج الى فراسة كبيرة في معرفتها ببساطة سينقسم الحضور الى فريقين أحدهم يقول ان الأول للدجاج والآخر العكس أي أصبحت ((حزورة)) بل حتى الكاتب نفسه يكاد لا يميز بين الحرفين في حالتي النطق والاستماع!
والحقيقة ان التمييز بينهما لا يلقاه الا من أوتى من((رهافة السمع)) حظاً او((حضأ))عظيما.وقد اتهم مجددا باني افتقر الى الكثير من الإلمام بلغة الضاد وهذا شئ صحيح ,فعلوم العربية كالنحو والصرف وغيرها أعجزت أئمة اللغة ولم يبلغوها حتى قال أحدهم انه قضى شطرا من عمره او ربما كل عمره في((حتى)) وسيموت وفي نفسه شئ من (حتى)!!!
والشيء باشئ يذكر أجابني أحد مدرسي العربية عندما سألته عن الفرق بين الضاد والظاء فقال ان العربية فيها الكثير من المفردات المتشابهة في الرسم المختلفة في المعنى مثل : الضلال ضد الهدىو الظلال الفيء,وظل بمعنى بقى او دام وضل بمعنى لا يهتدي,وضفر أي فتل وظفر بمعنى فاز,وظن بمعنى الاعتقاد مع احتمال النقيض وضن أي بخل,وظهر كل شئ الا الجبل فان ظهره بالظاء!, وبيض للطيور وغيرها باستثناء النمل فهو بيظ….وهكذا…فعليه وجب تغيير الشكل ليتضح المعنى ,كما ان هناك فرقا في مخرج الحرفين فأحدهما يطبق اللسان بسقف الحلق والآخر بأعلى الأسنان السفلى. فقلت له يا سيدي ان كان كما تقول فما رأيك في العلم أي المعرفة , والعلم ((الراية)) ,وشهد أي حضر او رأى وشهد ((العسل)) ,وذهب ((راح)) وذهب أي معدن,؟قال : الفرق في تشكيل* الحركات *
فقلت: ان لم يوجد تشكيل قال فسياق الكلام يوضح المعنى فقلت: وفي مخارج حرف اللام حين تفخم وحين ترقق لماذا لا يختلف رسمها قال سياق النطق يستلزم التفخيم والترقيق…الخ
فقلت يا سيدي لماذا لا نضع الضاد والظاء موضع ما سبق وكان الله يحب المحسنين! فان لم نفهم بالشكل فهمنا بالمعنى أما قضية مخارج الحروف فأنا واكثر العرب لا يفرقون بين الحرفين ولا قيمة للغة لا تتداول!فعلم العربية ما شاء الله تبارك الرحمن في غنى عن هذه المعمعة, ففيه منها الكثير. أليس في ذلك مدعاة لتبجح وتنطع البعض ممن يعشق قول ضليع او( ظليع )فيه فيضفي عليها ما شاء من الأسرار التي لا يعرفها الا هو فيزيد في الإرباك إرباكا والطين بلة ,واغلب الظن ان ما ادخل الظاء الى صفوف الحروف هو أمرين أحدهما : هؤلاء المتنطعين ومدعي المعرفة فكما لا يخفى ان في بناء أية حضارة يبرز دور العلماء والمفكرين وتنهال عليهم المنح والعطايا وجوائز التكريم فتسمح بذلك لحشر البعض من المتطفلين بينهم وبما انهم لا يعرفون الكثير فأوجدوا لأنفسهم حقولا من المعارف لا أساس لها أصلا وقدموها على إنها من جليل العلوم التي لا تدرك .ومن يقرأ التاريخ يجد من قبيل هذا العجب العجاب ! فتراهم أما اشتغلوا بعلم الجن والأرواح او الفلسفة او اللغة وأي من هذه العلوم لا يسمن ولا يغني من جوع , إضافة لكون معلوماته تفتقر الى الأدلة الملموسة-أي يصعب برهانها- فمصاديقها أما قال الراوي او قال الإعرابي او كلام في كلام لا يعرف أساسه من أعلاه. وما يشبه هذا المعنى ما قال صديق لي وهو ضابط في البحرية (عميد بحري) قضى سنين من عمره في إيطاليا قال ان الطليان ((نسبة الى إيطاليا وليس للخراف)) يقولون نحن مثلكم معاشر العرب الا ترى الفرق بين الواقع الإيطالي والواقع الألماني مثلا ! السبب في هذا الفرق انهم (أي الألمان) اشتغلوا بالصناعة والأبحاث العلمية ونحن شغلنا أنفسنا بالرسم والموسيقى أي الفنون فكانت النتيجة ما ترى! وهذا الاستنتاج قد يحل الأحجية وبعض طلاسم التخلف الذي اشتهر به العرب فعندما كانوا يتكلمون فقط ويسرحون ويمرحون في ميادين الشعر لقبوا بالجاهلية وعندما اهتموا بالأخلاق والعدل والعلوم بنوا حضارة والملفت في نوع المعارف لدينا فحتى وقت قريب خصوصا في الأرياف تجد الحضور يتلهفون لسماع بطولات وخوارق من أحد يدعي انه قال كيت وكيت ويزعم ان فلانا ((رحمه الله)) له صولات وجولات مع ((الطنطل)) والمصيبة ان الشهود دائما أموات!!كذلك الحال مع أسلافنا فيغدق الأمراء والولاة على الألسن والألسن فقط فثلاثة أرباع الهدايا منحت للشعراء والقصاصين أي ثلثي المنافع الاجتماعية-بمفهومنا الحالي- تذهب لعدد محدود من الشعراء وإضرابهم والبقية العارمة من الرعية يعانون شظف العيش وسوء الطالع.
رأى النبي محمد(ص) أناسا مجتمعين حول رجل فسألهم عنه فقالوا انه علامة فقال بماذا ؟فأجابوه: بعلم الأنساب عندها قال الرسول الكريم(ص) هذا علم لا ينفع من تعلمه ولا يضر من جهله,خير العلوم ما نفع الناس.فنقرأ في كتب التاريخ ان يتخاصم الخصمان وهما من أساطين اللغة فيؤتى بأعرابي من البادية فيكون قوله فيصلا بينهما ! وأي قيمة لعلم ينسفه أعرابي لا يقرأ او يكتب!وأيضا نقرأ ان أحدا قام بمصائب وجرائم((ضد الإنسانية) تنجيه من العقاب كلمة استحسنها جناب الحاكم او بيت من الشعر! وغير هذا الكثير ما يجعلنا نعيد النظر الف مرة في ما نسميه جزافا بالعلوم.فعندما امتد جناحا العرب يوما ما شرقا وغربا وفتحت أبواب العلوم على مصاريعها وصار العالم يشار إليه بالبنان ويبالغ في تكريمه فكان ولا بد للذين لم يكن لديهم حظ او(حض)وافر من العلم بل لهم الوفير من الطموح ان شرعوا في تفسير المفسر وتبسيط البسيط والدخول في شعوب شتى واختلاق الأسرار فيعجز الكل عن فهمها لينبري هؤلاء بحلها وبالتالي يشار إليهم بالبنان ويصفق لهم القاص والداني كالساحر يوهم الناس بأشياء فيصفقون على إيهامهم.
فكان لابد من وجود جديد أي جديد تستوجبه الحضارة فأوجدوا في العربية كباقي العلوم وأضيف حرف حشر حشرا وسط اخوته وان كان لقيطا.والسبب الثاني هم أصحاب ((حساب الجمل) فأبوا الا ان يتمموا النصاب فانفجرت كنانتهم عن الحرف التاسع والعشرين فاكملوا به الألف.وإلا ما الداعي الى هذه المعمعة ونحن تعلمنا ثماني وعشرين او- سبع وعشرين- حرفا بنينا بها جميع المفردات ,وبالمناسبة فان حرف الظاء هو الحرف الوحيد الذي لا يمكننا خلق مفردة جديدة منه لأنه وببساطة حرف ميت كباقي اللغات الميتة وعلامة موته جموده وعدم تخطيه التاريخ والمفردات التي تحتويه هي هي لا تزيد ولا تنقص.