صبرى محمد خليل خيرى .
البلد : السودان عدد المساهمات : 96 نقاط : 284 تاريخ التسجيل : 31/07/2014
| موضوع: المفاهيم السياسيه لجماعه الإخوان المسلمين بين الإمام المؤسس و مذهب التفسير السياسي للدين 1 2015-12-06, 07:55 | |
| المفاهيم السياسيه لجماعه الإخوان المسلمين بين الإمام المؤسس و مذهب التفسير السياسي للدين 1 د. صبري محمد خليل / أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم تمهيد: وضع الإمام حسن البنا ، مؤسس جماعه الأخوان المسلمين ، المفاهيم السياسية الاساسيه ،التي تشكل الأسس النظرية للمذهب السياسي للجماعة، وقد اتصفت هذه المفاهيم بالتجريد، اى ذات معاني عامة مجردة ، لا تشير إلى مضمونها الخاص العيني ، فهي اقرب للفلسفة السياسه منها إلى علم السياسة، ويرجع هذا التجريد إلى أسباب متعددة منها أن الإمام حسن البنا كان يسعى- أساسا - لتأسيس مدرسه فكريه جامعه، وليس وضع نظريه سياسيه محدده. تعدد الدلالات على المستوى النظرى : وهذا التجريد لزم منه – من الناحية النظرية - أن أصبح لهذه المفاهيم دلالات متعددة، يمكن إجمالها في دلالالتين : الدلالة الأولى : وهى الدلالة التي قصدها الإمام حسن البنا عند وضعه لهذه المفاهيم . دلاله اجتهادية وليست نصيه: وهذه الدلالة ليست نصيه ، اى ليست جزء من أصول الدين، التى مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ، و التي لا يجوز مخالفتها – كما يصور أنصار موقف القبول المطلق لأفكار الإمام حسن البنا- بل هي دلاله اجتهادية ، اى اجتهاد يتضمن تفسير- فهم- معين للنصوص، يحتمل الصواب والخطأ ، وبالتالي يجوز ان يختلف المسلمين فيه دون اثم او تكفير . الاتفاق: حيث ان بعض مكونات هذه الدلالة- الاجتهادية - محل اتفاق وقبول ومنها: اولا: المكونات الدينية : ا/نبذ الخلاف: ورد في رسالة المؤتمر الخامس عند تحديد خصائص دعوة الإخوان التي تميزت بها عن غيرها من الدعوات ( البعد عن مواطن الخلاف، البعد عن هيمنة الأعيان والكبراء ،البعد عن الأحزاب والهيئات، العناية بالتكوين والتدرج في الخطوات ،إيثار الناحية العملية الإنتاجية على الدعاية والإعلانات...) ب/عدم تكفير المخالف والالتزام بضوابط التكفير الشرعية : ورد في رسالة التعاليم ( لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض – برأي أو معصية – إلا ان أقر بكلمة الكفر ، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة ، أو كذب صريح القرآن ، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال ، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر ) . ثانيا: المكونات السياسية: الوحدة: دعا الإمام حسن البنا إلى الوحدة الاسلاميه ، غير أن تصوره لكيفية تحقيقها تصور واقعى عملي ، قائم على التدرج ،بالانتقال مما هو كائن إلى ما هو ممكن الى ما ينبغي أن يكون ، وليس تصور خيالي قائم على القفز مما هو كائن إلى ما ينبغي ان يكون ،كما انه جعل علاقة الوحدة الاسلاميه (الدينية ) بالوحدة الوطنية والقومية ، علاقة تحديد وتكامل، وليست علاقة إلغاء وتناقض ،اتساقا مع هذا ينقل عن إلامام حسن البنا تأييده للوحدة العربية كخطوه في اتجاه الوحدة الاسلاميه (من أول يوم ارتفع صوت إلاخوان هاتفا بتحية الجامعة إلاسلامية أن إلاخوة إلاسلامية إلى جانب الرابطة القومية والحقوق الوطنية ،وكان إلاخوان يرون أن الدنيا إلى التكتل والتجمع ون عصر الوحدات العنصرية والدويلات المتناثرة قد زال او أوشك ،وكان إلاخوان يشعرون بأنه ليس في الدنيا جامعة اقوي ولا اقرب من جامعة تجمع العربي بالعربي، فاللغة واحدة والأرض واحدة والآمال واحدة والتاريخ واحد)( نقلا عن بيومي، إلاخوان المسلمين والجماعات إلاسلامية في الحياة السياسية المصرية الموقف من الصراع العربي الصهيوني: رفض الإمام حسن البنا الاعتراف بدوله إسرائيل كدوله قائمه على اغتصاب ارض فلسطين ، كما ينقل عن الإمام حسن البنا بعض النصوص التي تفيد رفضه اعتبار ان الصراع العربي/ الصهيوني هو صراع دينى بين المسلمين واليهود لمجرد انهم يهود ، فهو فى حقيقته مشكله ارض مغتصبه وليست مشكله دينيه، ومن هذه النصوص منها قوله( فأقرر إن خصومتنا لليهود ليست دينية؛ لأن القرآن حضَّ على مصافاتهم ومصادقتهم، والإسلامُ شريعةٌ إنسانيةٌ قبل أن يكون شريعةً قوميةً، وقد أثنى عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقاً {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} سورة العنكبوت, الآية: 46.، وحينما أراد القرآن الكريم أن يتناول مسألة اليهود تناولها من الوجهةِ الاقتصادية والقانونية”( أحداث صنعت التاريخ/عبد الحليم محمود:1/409-410. العدل الاجتماعي : كما أشار الإمام حسن البنا إلى وجوب التزام المسلمين بالعدل الاجتماعي فى الكثير من النصوص ،حيث يقول ( لم يقف أمر النظام الاقتصادي الإسلامي عند هذا الحد، ولكنه رسم الخطط الأساسية للتقريب بين الطبقات، فانتقص من مال الغنى بما يزكيه ويطهره وينقيه ويكسبه القلوب والمحامد، وزهّده في الترف والخيلاء، ورغّبه في الصدقة والإحسان، وأجزل له في ذلك المثوبة والعطاء، وقرر للفقير حقًّا معلومًا، وجعله في كفالة الدولة أولاً، وفى كفالة الأقارب ثانيًا، وفى كفالة المجتمع بعد ذلك. ثم قرر بعد هذا صور التعامل النافع للفرد الحافظ للجماعة تقريرًا عجيبًا في دقته وشموله وآثاره ونتائجه، وأقام الضمير الإنساني مهيمنًا عليها من وراء هذه الصور الظاهرية. كل هذا بعض ما وضع الإسلام من قواعد ينظم بها شأن الحياة الاقتصادية للمؤمنين، وقد فصلت الحياة التقليدية الممسوخة التي يحياها الناس في هذه الأعصار بين الاقتصاد والإسلام، فقمتم أنتم ومن أهدافكم وأغراضكم الإصلاح الاقتصادي بتنمية الثروة القومية وحمايتها، والعمل على رفع مستوى المعيشة، والتقريب بين الطبقات، وتوفير العدالة الاجتماعية، والتأمين الكامل للمواطنين جميعًا، وإقرار الأوضاع التي جاء بها الإسلام في ذلك كله) ( مؤتمر رؤساء المناطق والشعب عام 1945 ). ويقول (فيا أيها المنصفون، لا تظلموا الحقائق بجهلها أو بتجاهلها، واذكروا دائمًا أنه إذا كانت الثورة الفرنسية قد أقرت حقوق الإنسان، وأعلنت الحرية والمساواة والإخاء، وإذا كانت الثورة الروسية قاربت بين الطبقات، وأعلنت العدالة الاجتماعية في الناس؛ فإن الثورة الإسلامية الكبرى قد أقرت ذلك كله من قبل ألف وسبعمائة سنة، ولكنها سبقت سبقًا لن تلحق فيه في أنها جملت ذلك وزينته بالصدق والعمل؛ فلم تقف عند حدود النظريات الفلسفية، ولكن أشاعت هذه المبادئ في الحياة اليومية العملية، وأضافت إليه بعد ذلك السمو بالإنسان واستكمال فضائله ونزعاته الروحية والنفسانية؛ لينعم في الحياتين، ويظفر بالسعادتين، وأقامت على ذلك كله حراسًا أشداء أقوياء من يقظة الضمير، ومعرفة الله وصرامة الجزاء وعدالة القانون). الخلاف : كما أن بعض مكونات هذه الدلالة محل خلاف ورفض ومنها: أولا: المكونات الدينية: ا/ مفهوم الجماعة: وردت بعض أقول الإمام حسن البنا بدلاله عامه يمكن أن يفهم منها ،ان جماعه الإخوان المسلمين ،هي جماعه المسلمين وليست جماعه من المسلمين، كما فى قوله (على كل مسلم أن يعتقد أن هذا المنهج كله من الإسلام، وأن كل نقص منه نقص من الفكرة الإسلامية الصحيحة). ب/ مفهوم البيعة :كما ان بعض أقوال الإمام حسن البنا تتحدث عن البيعة، بصوره أجماليه ، دون تمييز التمييز بين أنواع البيعة المختلفة ، كقوله(يجب على الأخ أن يعد نفسه إعداداً تاماً ليلبي أمر القائد في أية ناحية، إن الدعوة تتطلب منا أن نكون جنوداً طائعين بقيادة موحدة، لنا عليها الاستماع للنصيحة، ولها علينا الطاعة، كل الطاعة في المنشط والمكره” . هذا الإجمال قد يوحى بأن بيعة الإمام ملزمة للجميع، وبالتالي فان من تركها فقد كفر- مع ملاحظه ان الحديث هنا عن إمام جماعه من المسلمين وليس إمام جماعه المسلمين، وبالرجوع إلى السنة النبوية نجد التمييز الواضح بين بيعه الرسول ( صلى الله عليه وسلم) باعتبار نبوته، وبيعة الرسول باعتبار امامتة: اولا: بيعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) باعتبار نبوتة : وهي نوعين(1): البيعة علي الدخول في الإسلام ( الشهادة):قال البيهقي” جاء الناس الكبار والصغار والرجال والنساء فبايعهم علي الإسلام والشهادة” ( اخرجة الطبري في كبير والصغير) ،فهذه البيعة ملزمة للجميع من تركها فقد كفر.(2) البيعة علي أعمال الإسلام :اخرج الطبراني عن جرير قال ” بايعنا الني (صلى الله عليه وسلم) علي مثل ما علية النساء من مات منا ولم يأت شي فيهن ضمن له الجنة ومن مات منا وقد أتي شي فيهن فستر الله فعلي الله حسابه”، فهذه البيعة ملزمة للجميع، ومن تركها فقد كفر أو عصي.وهذه البيعة خاصة بالرسول (صلى الله عليه وسلم) بدليل ما اخرجة البخاري عن عبد لله بن زيد رضي الله عنة قال” لما كان زمن الحرة اتاة آت فقال أن ابن حنظل يبايع الناس علي الموت” فقال “لا أبايع علي هذا بعد الرسول الله (صلى الله عليه وسلم)(اخرجة أيضا مسلم والبيهقى) ثانيا: بيعه الرسول(صلى الله عليه وسلم) باعتبار امامتة : وهي أنواع: (1) البيعة علي الهجرة:اخرج احمد البخاري في التاريخ أبو نعيم والطبراني عن الحارث بن زيد ألساعدي قال ” لقيت الني (صلى الله عليه سلم) يوم الخندق، وهو يبايع الناس علي الهجرة ،قال من هذا، قلت ابن عمي حوط فقال لا أبالكم إن الناس يهاجرون إليكم ولا تهاجرون إليهم” .فهذه البيعة لم تكن ملزمة للجميع ،وان من تركها لم يكفر ،بل يحرم من ألفي ووعد النصر علي المعاهد لقوله تعالي ﴿ والذين امنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شي حتى يهاجروا وان استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا علي قوم بينكم وبينهم ميثاق ﴾(الأنفال ).(2) البيعة علي النصرة:اخرج الإمام عن جابر قال مكث رسول الله (صلى الله عليه وسبلم) في مكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم وفي عكاظ وجنة في المواسم يقول : من يؤويني من ينصرني حتى ابلغ رسالة ربي وله الجنة …فهذه البيعة تخلف عنها مسلمون في مكة والمدنية رغم مناداة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لها عشر سنين. ثانيا:المكونات السياسية :كما أن بعض المكونات السياسية لهذه الدلالة الاجتهادية – على المستويين النظري والعملي - كانت محل خلاف ورفض ، حتى داخل جماعه الاخوان المسلمين ، افرز سلسله من الانشقاقات المتوالية فى الجماعة خلال عهد الإمام المؤسس حسن البنا،واستمرت بعد فاته. وقد ساهم فى ذلك أن التجريد الذي يميز المفاهيم السياسية لجماعه الاخوان المسلمين أدى- على المستوى العملي - الى عدم التقاء المستوى النظري لهذه المفاهيم - والنظرية السياسية التى يشكل أسسها النظرية – مع مستواها التطبيقي ، ذلك أن هذه المفاهيم "العامة المجردة " رغم انها صلحت لالتقاء متعددين في مدرسه فكريه واحده، إلا أنها عجزت عن أن تكون محلا للالتزام في الممارسة، والاحتكام إليها عند الاختلاف في حل مشكلات الواقع المعين ، وقد كانت اول هذه الانشقاقات نتيجة لرفض بعض أعضاء الجماعة قبول الإمام حسن البنا 500 جنيه كتبرع لإنشاء مسجد من البارون "دى بنوا" مدير شركة قناة السويس، باعتباره تبرع من المستعمر، ورد عليهم بقوله ( إن هذا مالنا لا مال الخواجات, والقناة قناتنا, والبحر بحرنا, والأرض أرضنا, وهؤلاء غاصبون في غفلة من الزمن.. ) ، وفى عام 1937 خرج بعض اعضاء الجماعة عنها "وهم الأستاذ محمد عزت حسنى وأحمد رفعت وصديق أمين وحسن السيد عثمان .." اعتراضا على سياسة االجماعه إزاء بعض القضايا، حيث رأوا أن تتعامل الجماعة بالشدة مع الحكومة ،والنساء اللائي يخرجن سافرات, وأن يتوجه عدد من الإخوان للمشاركة فى الجهاد فى فلسطين ، وفى عام 1940 انشق عدد من أعضاء الجماعة وأسسوا جماعة جديدة باسم "شباب محمد "،وقد حددو خلافهم مع ألجماعه الام في عدة نقاط أبرزها عدم أخذ قيادة الإخوان بمبدأ الشورى في اتخاذ القرار ، وعمل جماعة الإخوان المسلمين تحت لواء الحاكمين بغير ما أنزل الله ...( د.عبد المنعم منيب / خريطة الحركات الإسلامية فى مصر ) ( محمود عبد العليم /الإخوان المسلمون..أحداث صنعت تاريخ). عدم التناقض "الاجمالى" مع التفسير الديني للسياسة"السياسة الشرعية" ومذهب أهل السنة : غير ان تقرير أن الدلالة التى يقصدها الإمام المؤسس، من المفاهيم السياسية لجماعه الاخوان المسلمين ،هي دلاله اجتهادية، تحتمل الصواب والخطأ ، وان بعض مكوناتها كان محل اتفاق وقبول ، وبعضها الاخر كان محل خلاف ورفض ،لا يجب ان يترتب عليه الرفض المطلق لأفكار الإمام المؤسس-فالموقف الصحيح من هذه الافكار هو الموقف النقدى الذى يقبل الصواب ويرفض الخطا - كما لا ينفى عدم التناقض"الاجمالى" مع التفسير السياسي للدين – الذى عبر عنه العلماء بمصطلح السياسة الشرعية - ومذهب أهل ألسنه في الامامه. التفسير الديني للسياسة: السياسة الاسلاميه” الشرعية”: فالتفسير الديني ” الاسلامى – الشرعي- للسياسة يجعل الدين هو الاصل – والسياسة هي الفرع، اى أن يكون الدين ” ممثلا في مقاصده وضوابطه ” للسياسة بمثابة الكل للجزء، يحده فيكمله ولكن لا يلغيه . وطبقا لهذا التفسير فان النشاط السياسى يجب ان يلتزم بجمله من الضوابط التي تهدف إلى تحقيق اكبر قدر ممكن من الاتساق بينه وبين مقاصد الشرع وضوابطه ،ومن هذه الضوابط :أولا:الامامه من فروع الدين: حيث يقوم هذا التفسير على اعتبار أن الامامه فرع من فروع الدين وليس أصل من أصوله كما سنوضح عند الحديث عن مذهب أهل السنة في الامامه ، وبالتالي فان النشاط السياسي هو شكل من أشكال الاجتهاد .ثانيا:السياسة الشرعية ما يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فيه نص : كما يتسق هذا التفسير مع تقرير علماء أهل السنة أن السياسة الشرعية هي ما كل يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فيه نص ، يقول ابْنُ عَقِيلٍ(السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلاً يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ.) مذهب أهل السنة في الامامه : الامامه" السلطة" من فروع الدين: اما مذهب أهل السنة في الامامه ، فان اهم قواعده أن الامامه "بمعنى السلطة " فرع من فروع الدين وليست أصل من أصوله يقول الآمدي ( واعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أُصول الديانات ، ولا من الأُمور اللابدِّيَّات ، بحيث لا يسع المكلَّف الإعراض عنها والجهل بها... ) (غاية المرام في علم الكلام : ص 363) . ويقول الإيجي ( وهي عندنا من الفروع ، وإنّما ذكرناها في علم الكلام تأسيّاً بمن قبلنا ) (المواقف : ص 395) . ويقول الإمام الغزالي ( اعلم أنّ النظر في الإمامة أيضاً ليس من المهمات ، وليس أيضاً من فنّ المعقولات ، بل من الفقهيات ... ) (الاقتصاد في الاعتقاد : ص 234) . ويقول التفتازاني ( لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة ، بعلم الفروع أَليق ، ... ) (شرح المقاصد : ج 2، ص 271). التمييز بين الدولة والسلطة : أما الأقوال الواردة عن علماء أهل السنة عن وجوب نصب إمام فتتعلق بالدولة وليست بالسلطة ، فمفهوم الدولة اشمل من مفهوم السلطة ، ذلك أن أركان الدولة هي الشعب والأرض والسلطة، فهذه الأقوال تتعلق بالدولة كضرورة اجتماعيه، وهذا المبدأ اتفقت عليه جميع الفرق الاسلاميه ماعدا الخوارج النجدات ، بل اتفقت عليه جميع المذاهب السياسية في الفكر السياسي الحديث والمعاصر ماعدا المذهب الفوضوي ( مذهب اللا دوله)، ويمكن التحقق من صحة ذلك ، من خلال استقراء هذه الأقوال ، ودراسة السياق الذي ورد فيه القول بوجوب نصب الإمام ، فعلى سبيل المثال يقول الإيجي ( نَصْبُ الإمام عندنا واجبٌ علينا سمعاً…وقال : انه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي ? على امتناع خلو الوقت عن إمام، حتى قال أبو بكر ” رضي الله عنه ” في خطبته” ألا إن محمداً قد مات، ولا بدَّ لهذا الدين ممن يقوم به ” ، فبادر الكل إلى قبوله، وتركوا له أهم الأشياء، وهو دفن رسول الله ، ولم يزل الناس على ذلك في كل عصر إلى زماننا هذا مِنْ نَصْب إمام متَّبَع في كل عصر…)(المواقف ، ص 395 ). فهذا النص يتحدث عن نصب الأمام في كل زمان ، وليس نصب الإمام في زمان معين، كما تفيد العبارات( تواتر إجماع المسلمين … على امتناع خلو الوقت عن إمام) ، و (لم يزل الناس على ذلك … مِنْ نَصْب إمام متَّبَع في كل عصر…). نصب الإمام المعين فرض كفاية لا فرض عين: اتساقا مع ما سبق ، من تقرير علماء أهل السنة أن الامامه – بمعنى السلطة – هي فرع من فروع الدين وليست أصل من أصوله ، وأن قولهم بوجوب نصب إمام يتصل بالدولة وضرورتها الاجتماعية، ولا يتعلق بالسلطة، فقد قرر علماء أهل السنة أن الوجوب هنا هو وجوب كفائي لا عيني، اى أن نصب الإمام فرض كفاية لا فرض عين خلافا لمذهب الشيعي القائل أنها فرض عين ، يقول الماوردي ( فإذا ثبت وجوبها ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم، فإذا قام بها من هو من أهلها سقط ففرضها على الكفاية...) ( الأحكام السلطانية: ص 5) ، ويقول القاضي أبو يعلى: (وهي فرض على الكفاية ، مخاطبا بها طائفتان من الناس، إحداهما: أهل الاجتهاد حتى يختاروا، والثانية: من يوجد فيه شرائط الإمامة حتى ينتصب أحدهم للإمامة) (الأحكام السلطانية: ص)19)، ويقول الإمام النووي: (تولي الإمامة فرض كفاية ...) (روضة الطالبين :10/43). الامامه عند الشيعة من أصول الدين: أما القول بان الامامه " بمعنى السلطة" أصل من أصول الدين ، فهو أهم قواعد المذهب الشيعي في الامامه ، حيث ينقل الشيعة عن أبي جعفر انه قال( بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية)، قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال:" الولاية أفضل " … " أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية الله في وليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله جل وعز حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان )( الكافي ، 2/16، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام). الدلالة الثانية: وهى دلاله لم يقصدها الإمام حسن البنا عند وضعه لهذه المفاهيم ،بل نقدها وتبرا منها حين ظهور بداياتها فى حياته ، ورغم ذلك فان هذه الدلالة شكلت بعد وفاه الامام المؤسس حسن البنا تيار فكرى داخل جماعه الاخوان المسلمين ، وشكلت الأساس النظري للكثير من الجماعات والحركات والأحزاب السياسية المستقلة – تنظيميا- عن الجماعة ،وكان ابرز منظري هذه الدلالة – أو بالأحرى احد صيغها - سيد قطب فى مرحلته الفكرية المتاخره "التكفيرية " . مذهب التفسير السياسي للدين : وهذه الدلالة تعبر في مجملها عن مذهب التفسير السياسي للدين - الذي يعبر عنه البعض- خطا- بمصطلح " الإسلام السياسي" - و الذي يتطرف في إثبات العلاقة بين الدين والسياسة، إلى درجه جعل العلاقة بينهما علاقة تطابق و خلط ، وليست علاقة ارتباط ووحده ، وهذا المذهب هو بدعه في ذاته، اى يستند إلى مفاهيم بدعية ومن اهم هذه المفاهيم هو القول بان الامامه" بمعنى السلطه" أصل من أصول الدين وليست فرع من فروعه، وهو ما يخالف مذهب أهل السنة في الامامه ، والقائم على أن الامامه هي فرع من فروع الدين وليست أصل من أصوله كما اشرنا اعلاه ، كما أن هذا المذهب بدعه فيما يلزم منه اى يلزم منه مفاهيم بدعية ومنها على سبيل المثال لا الحصر: أولا: تكفير المخالف، وهو يخالف مذهب أهل السنة، القائم على اباحه الخلاف في فروع الدين دون أصوله، وبالتالي عدم جواز تكفير المخالف في المذهب، يقول ابن مفلح ( لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع)(الآداب الشرعية 1/186)، ثانيا:اباحه الاختلاف " التعدد "على مستوى أصول الدين:وهو ما يتناقض مع ما قررته النصوص ، من النهى عن الاختلاف ،على مستوى أصول الدين ،التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة : يقول تعالى( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ~ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ( آل عمران: الآية (104).. ثالثا: التعصب المذهبي الذي ذمه علماء أهل السنة، يقول ابن القيِّم( وأما المتعصِّب الذي جعل قولَ متبوعة عيارًا على الكتاب والسُّنة وأقوالِ الصحابة، يزِنُها به، فما وافق قول متبوعه منها قبِلَه، وما خالفه ردَّه، فهذا إلى الذمِّ والعقاب أقرب منه إلى الأجر والصَّواب؛ وإن قال - وهو الواقع -: اتَّبعته وقلَّدته، ولا أدري أعلى صوابٍ هو أم لا؟ فالعُهْدة على القائل، وأنا حاكٍ لأقواله، قيل له: فهل تتخلَّص بهذا من الله عند السُّؤال لك عمَّا حكمت به بين عباد الله، وأفتيتهم به؟ فوالله إن للحُكَّام والمفتين لموقفًا للسؤال لا يتخلص فيه إلاَّ مَن عرف الحق، وحكم به، وأفتى به، وأما من عداهما فسيَعلم عند انكشاف الحال أنه لم يكن على شيء )(إعلام الموقِّعين" 2/ 232). و يلزم من مذهب التفسير السياسي للدين - باعتبار بدعيته - العديد من الفتن ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر : أولا: فتنه التفرق: يقول ابن تيمية (وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان، فقد يذنب الرجل أو الطائفة ويسكت آخرون عن الأمر والنهي، فيكون ذلك من ذنوبهم، وينكر عليهم آخرون إنكارا منهيا عنه فيكون ذلك من ذنوبهم، فيحصل التفرق والاختلاف والشر، وهذا من أعظم الفتن والشرور قديما وحديثا)، ثانيا: فتنه الرجل في دينه وبيعه الدين بعرض الدنيا:قال الرسول (صلى الله عليه وسلم ( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا ). ثالثا: فتنه الائمه المضلين: و هم كل متبوع بلا دليل شرعي ، وهذا الإتباع بلا دليل يلزم منه الضلال والإطلاق البدعى، ومفارقه الهدايه والضبط الشرع، وقد أشارت النصوص إلى أنهم أخوف على الامه من الدجال ، فقد ورد من حديث عمر بن الخطاب و أبي الدرداء و أبي ذر الغفاري و ثوبان مولى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) و شداد بن أوس و علي ابن أبي طالب . كنت مخاصر النبي (صلى الله عليه وسلم) يوما إلى منزله فسمعته يقول : غير الدجال أخوف على أمتى من الدجال . فلما خشيت أن يدخل قلت : يا رسول الله أي شيء أخوف على أمتك من الدجال ؟ قال : الأئمة المضلين)(الراوي : أبو ذر الغفاري/ المحدث : الألباني / المصدر : السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم ( 4/110 ) . رابعا: فتنه الهرج :ومضمونها الإطلاق البدعى لمفهوم القتال ، بعدم الالتزام بضوابطه الشرعية ، والتي بها يصبح جهادا، وقد وردت الاشاره إليها في كثير من النصوص ،منها قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ( يتقارب الزمان ويقبض العلم وتظهر الفتن ويلقى الشح ويكثر الهرج قالوا: وما الهرج يا رسول الله ؟ قال : القتل )( متفق عليه .).خامسا: فتنه الشبهات:وقد أشار إليها ابن القيم في قوله ( الفتنـة نوعـان فتنة الشبهات وهي أعظم الفتنتين وفتنة الشهوات وقد يجتمعان للعبد وقد ينفرد بإحداهما...وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال).
|
|