صبرى محمد خليل خيرى .
البلد : السودان عدد المساهمات : 96 نقاط : 284 تاريخ التسجيل : 31/07/2014
| موضوع: عن الجدل الفقهي حول حكم مشاركه المسيحيين الاحتفال بأعيادهم 2015-12-29, 06:47 | |
| عن الجدل الفقهي حول حكم مشاركه المسيحيين الاحتفال بأعيادهم د.صبري محمد خليل- أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم تمهيد : اختلف العلماء في حكم مشاركه المسيحيين الاحتفال بأعيادهم – ومظهرها الاساسى تهنئتهم بأعيادهم - إلى مذهبين: الأول : مذهب المنع: وهو المذهب الذي يقول بالمنع بدرجاته من كراهة أو تحريم ، ويستند إلى العديد من الادله أهمها: أولا: أن مشاركه المسيحيين الاحتفال بأعيادهم هو تشبه بهم ، وقد نهت العديد من النصوص عن التشبه بغير المسلمين كقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).ثانيا: انه حادث في تاريخ الامه فهو بدعه.ثالثا:انه يشتمل على أمور محرّمة في الغالب.رابعا:انه إبدال لأعياد المسلمين بأعياد المشركين وهو ما نهت عنه النصوص ، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ: (مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟) قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ) (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني)خامسا: إفتاء العديد من علماء أهل السنة بتحريم المشاركة في أعياد المشركين ، ومنهم ابن تيمية" - في كتابه(اقتضاء الصراط المستقيم)،وابن القيم في كتابه(أحكام أهل الذمة)... الثاني:مذهب الجواز:وهو المذهب الذي يقول بجواز مشاركه المسيحيين الاحتفال بأعيادهم ، استنادا إلى العديد من الادله أقوال علماء مذهب الجواز: يقول الشيخ مصطفى الزرقا ( إن تهنئة الشخص المسلم لمعارفه النصارى بعيد ميلاد السيد المسيح عليه الصلاة والسلام هي في نظري من قبيل المجاملة لهم والمحاسنة في معاشرتهم وأن الإسلام لم ينهانا عن مثل هذه المجاملة أو المحاسنة لهم ...) (فتاوى مصطفى الزرقا: ص355- 357) . ويقول الشيخ نصر فريد محمد واصل – مفتي الديار المصرية سابقاً(... وعلى ذلك فإن دار الإفتاء المصرية ترى أنه لا مانع شرعاً في مجاملة غير المسلمين وتهنئتهم أو مواساتهم في أي مناسبة تحل بهم. وأن هذا هو التطبيق الأمثل للإسلام وليس في ذلك خروجاً عن الدين أو فيه نوع من الحرمة كما يرى بعض المتشددين فالدين يسر لا عسر ولما ورد "لو شاد الدين أحدكم لغلبه) (الفتاوى الإسلامية: ص482- 489 ).وقررت أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية ديسمبر 2011، جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، شريطة أن لا تكون بألفاظ تتعارض مع العقيدة الإسلامية، وقالت الفتوى إن هذا الفعل يندرج تحت باب الإحسان الذى أمرنا الله عز وجل به مع الناس جميعا دون تفريق، مذكرة بقوله تعالى: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا»...وقالت الفتوى إن أهم مستند اتكأت عليه هو النص القرآنى الصريح الذى يؤكد أن الله تبارك وتعالى لم ينهنا عن بر غير المسلمين، ووصلهم، وإهدائهم، وقبول الهدية منهم، وما إلى ذلك من أشكال البر، وهو قوله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين.وأجاز الشيخ محمد رشيد رضا زيارة غير المسلم وتهنئته بالعيد واستشهد بأن النبى -صلى الله عليه وسلم- عاد غلاما يهوديا، ودعاه للإسلام فأسلم.ويقول الدكتور يوسف القرضاوى ( ومراعاة تغير الأوضاع العالمية، هو الذى جعلنى أخالف شيخ الإسلام ابن تيمية فى تحريمه تهنئة النصارى وغيرهم بأعيادهم، وأجيز ذلك إذا كانوا مسالمين للمسلمين، خصوصا من كان بينه وبين المسلم صلة خاصة، كالأقارب والجيران فى المسكن، والزملاء فى الدراسة، والرفقاء فى العمل ونحوها، وهو من البر الذى لم ينهنا الله عنه. بل يحبه كما يحب الإقساط إليهم «إن الله يحب المقسطين»، لا سيما إذا كانوا هم يهنئون المسلمين بأعيادهم، والله تعالى يقول «وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها».(موجبات تغير الفتوى فى عصرنا)ويقول شرف محمود القضاة (يكثر السؤال فى هذه الأيام عن حكم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وللجواب عن ذلك أقول إن الأصل فى هذا الإباحة، ولم يرد ما ينهى عن ذلك، وكل ما سمعته أو قرأته لمن يحرمون هذه التهنئة أن فى التهنئة إقرارا لهم على دينهم الذى نعتقد أنه محرف، ولكن الصحيح أنه لا يوجد فى التهنئة أى إقرار، لما يلى: أولا، لأننا لا نعد تهنئتهم لنا بأعيادنا إقرارا منهم بأن الإسلام هو الصحيح، فالمسلم لا يقصد بالتهنئة إقرارا على الدين، ولا هم يفهمون منا ذلك. ثانيا، أن الله تعالى أمرنا بمعاملتهم بالحسنى فقال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين). والبر هو الخير عموما، فقد أمرنا الله تعالى بمعاملتهم بالخير كله، فتكون معاملتهم بالخير ليست جائزة فقط بل هى مستحبة، فكيف يحرم بعد ذلك تهنئتهم بنحو قولك: كل عام وأنتم بخير، فإننا لا شك نحب لهم الخير، وقد أمرنا الله بذلك. ثالثا، لأن الله تعالى شرع لنا التحالف معهم كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة المنورة. رابعا، أن الله تعالى شرع لنا زيارتهم فى بيوتهم واستقبالهم فى بيوتنا، والأكل من طعامهم، بل والزواج منهم، مع ما فى الزواج من مودة ورحمة، ولا يقال: إن فى ذلك كله نوعا من الإقرار لهم بأن دينهم هو الحق، فكيف يجوز ذلك كله ولا تجوز تهنئتهم).وكذلك أجاز التهنئة المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء، خصوصا إن كانوا غير محاربين، ولخصوصية وضع المسلمين كأقلية فى الغرب، وبعد استعراض الأدلة خلص المجلس إلى ما يلى: لا مانع إذن أن يهنئهم الفرد المسلم، أو المركز الإسلامي بهذه المناسبة، مشافهة أو بالبطاقات التي لا تشتمل على شعار أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام.وكذلك ذهب الشيخ أحمد الشرباصى إلى مشاركة النصارى في أعياد الميلاد بشرط أن لا يكون على حساب دينه. أدله مذهب الجواز: وينقسم هذا المذهب الى قسمين : قسم نافى : يتضمن الرد على أدله المذهب الثاني، ويتضمن:أولا: أنه لا يشترط أن تكون مشاركه المسيحيين الاحتفال بأعيادهم من باب التشبه بهم او الإقرار بعقائدهم، بل قد يكون من باب إظهار محاسن الإسلام أو الإحسان ....ثانيا: أن هذه المشاركة ليست أصل من أصول الدين حتى تعتبر بدعه، إذ البدعة هي أضافه إلى الدين، على مستوى أصوله النصية الثابتة ،وليست فروعه الاجتهادية المتغيرة.ثالثا:انه لا يشترط أن تشتمل المشاركة على أمور محرّمة.رابعا:أنه لا يشترط ان تكون هذه المشاركة من باب إبدال لأعياد المسلمين بأعياد المشركين .خامسا: إن إفتاء بعض علماء أهل السنة بتحريم المشاركة في أعياد غير المسلمين ،باعتبار أن هذه المشاركة من باب التشبه بغير المسلمين في عقائدهم والشعائر ،وبالتالي فان هذا التحريم لا يشمل المشاركة من أبواب أخرى كإظهار محاسن الإسلام والإحسان.. كما سبق ذكره . قسم مثبت : يتضمن أدلته على جواز مشاركه المسيحيين الاحتفال بأعيادهم.ا/ قال الله تعالى ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) [لممتحنة :8 ] .ب/ عن أنس (رضي الله عنه )قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده¡ فقعد عند رأسه فقال له: "أسلم" فنظر إلى أبيه وهو عنده¡ فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم¡ فأسلم. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه من النار". قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث جواز استخدام المشرك¡ وعيادته إذا مرض وفيه حسن العهد... ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري: ج3 ص586 ) .و قال الإمام العيني ( وفيه: جواز عيادة أهل الذمة¡ ولا سيما إذا كان الذمي جاراً له¡ لأن فيه إظهار محاسن الإسلام وزيادة التآلف بهم ليرغبوا في الإسلام ... . (عمدة القاري شرح صحيح البخاري: ج6 ص242) .ج/ أن الله -تعالى- أحل الزواج مِن الكتابية كما فى قوله تعالى (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (المائدة:5). د/ نُقل عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كثير من المعاملات مع أهل الكتاب : كالبيع والشراء، والمؤاجرة، وقبول الهدية منهم والإهداء لهم، وعيادة مريضهم، والأكل من طعامهم، .. مذهب التفصيل :أما المذهب الذي نرجحه فهو مذهب التفصيل الذي لا يضع حكما كليا بالمنع بدرجاته أو الإيجاب بدرجاته ،بل يميز بين كيفيتين أساسيتين لمشاركه المسيحيين الاحتفال بأعيادهم : الكيفية الأولى: تقوم - على المستوى الاعتقادى - على مشاركه المسيحيين أعيادهم بنيه التشبه بهم ،كما تقوم على المستوى السلوكي على كثير من الأفعال التي وردت النصوص بمنعها كراهة أو تحريما. وهذه الكيفية - طبقا لمستوها الاعتقادى - حكمها المنع ، لكن المنع هنا لا يقتصر على درجه التحريم،فقد يكون على درجه الكراهه، فالمشاركة بنية التشبه بهم ، باعتبار أن هذه الأعياد أمر دنيوي (عرف) حكمها الكراهة ، و المشاركة بنية التشبه بهم ، باعتبار أن هذه الأعياد أمر ديني (اعتقاد او شعيره) حكمها التحريم ، ونستدل على هذا التفصيل لدرجتي المنع بالاتي :أولا: اختلاف العلماء في درجه منع المشاركة: أن العلماء الذين قالوا بالمنع اختلفوا في درجه منع المشاركة" الكراهة، التحريم "، يقول الشيخ عبد الله بن بيه نقلا عن "الإنصاف" ( أن الإمام أحمد له ثلاث روايات في ذلك: التحريم والكراهة والجواز). ثانيا: عله المنع بدرجه التحريم المشابهة في العقائد والشعائر المخالفة للإسلام: أن عله المنع بدرجه التحريم عند هؤلاء العلماء هي المشابهة في العقائد والشعائر، التي تتناقض مع أصول الدين ، والتي عبر عنها الإمام ابن القيم بتعبير "شعائر الكفر المختصة به" كما فى قوله (وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر، فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثمًا عند الله وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع فى ذلك ولا يدرى قبح ما فعل، فمن هنأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء، تجنبًا لمقت الله وسقوطهم من عينه، وإن بلى الرجل بذلك فتعاطاه دفعا لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيرًا ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك) (أحكام أهل الذمة).. ثالثا: تقرير بعض العلماء عدم تكفير من تشبه بكافر ولم يعتقد ان يكون مثله : قرر العديد من العلماء أن من تشبه بكافر ، ولم يعتقد أن يكون مثله لا يكفر يقول الصنعاني(فإذا تشبه بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله كفر، فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال يكفر، وهو ظاهر الحديث، ومنهم من قال: لا يكفر؛ ولكن يؤدب) (سبل السلام :8/842 ) .كما ان هذه الكيفية - طبقا لمستواها السلوكي - تتضمن ما هو محرم او مكروه. عدم تكفير من شارك المسيحيين الاحتفال باعيادهم بنيه التشبه بهم: غير ان تقرير منع مشاركه غير المسلمين الاحتفال بأعيادهم بنيه التشبه بهم، لا يترتب عليه تكفير من شاركهم بنيه التشبه بهم ، سواء باعتبار هذه الأعياد أمر دنيوي(عرف) أو أمر ديني (اعتقاد أو شعيره)، وهنا نستأنس بكون بعض العلماء الذين قالوا بتحريم المشاركة، لم يقطعوا بكفر المشارك ، يقول ابن القيم(وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر، فهو من المحرمات ...) (أحكام أهل الذمة) . الكيفية الثانية: لا تقوم - على المستوى الاعتقادى - على نية التشبه بهم، كما تقوم هذه الكيفية -على المستوى السلوكي - على تجنب الأفعال التي وردت النصوص بمنعها كراهة أو تحريما. وهذه الكيفية طبقا لمستوها الاعتقادى حكمها الجواز ، وهنا نستأنس بالتالي: أولا: عله التحريم التشبه بغير المسلم :ان عله التحريم عند العلماء الذين قالوا به هو التشبه بغير المسلمين الذي وردت النصوص فى النهى عنه، يقول ابن كثير (...فليس للمسلم أن يتشبه بهم لا في أعيادهم ولا مواسمهم ولا في عباداتهم لأن الله - تعالى -شرف هذه الأمة بخاتم الأنبياء الذي شرع له الدين العظيم القويم الشامل الكامل ..)(البداية والنهاية:2/142).ويقول السيوطي(أعياد اليهود أو غيرهم من الكافرين أو الأعاجم والأعراب الضالين لا ينبغي للمسلم أن يتشبه بهم في شيء من ذلك ولا يوافقهم عليه)( الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع:ص145) ثانيا: تمييز بين ابن تيميه بين التشبه والمشابهه: ميز الامام ابن تيميه بين التشبه القائم على القصد ، والمشابهة وهى بدون قصد (.. فإنّ موافقتهم فيما يفعلون على قسمين: 1- تشبه بهم وهو ما كان للمتشبه فيه قصد التشبه لأي غرض كان وهو المحرم. 2- مشابهة لهم وهي ما تكون بلا قصد لكن يبين لصاحبها وينكر عليه فإن انتهى وإلاّ وقع في التشبه المحرم... (الاقتضاء) . ثالثا: تقرير بعض العلماء جواز قبول هديتهم: فقد قرر العديد من العلماء جواز قبول هديتهم يوم عيدهم ، ما لم تتضمن الهديه ما هو محرم"كالخمر مثلا " ولا يكون قبولها من باب إعانتهم على العقائد والشعائر المخالفة للإسلام، وقد استدل هؤلاء العلماء بالعديد من الدله منها: اولا:ان امرأة سألت عائشة – رضي الله عنها - قالت إن لنا أظآرا من المجوس وإنه يكون لهم العيد فيهدون لنا؟ فقالت عائش: أما ما ذبح لذلك اليوم فلا تأكلوا ولكن كلوا من أشجارهم( مصنف ابن أبي شيبة : 8/88). ثانيا:أنَّه كان لأبي برزة سكان مجوس فكانوا يهدون له في النيروز والمهرجان؛ فكان يقول لأهله: ما كان من فاكهة فكلوه وما كان من غير ذلك فردوه(المرجع السابق).يقول ابن تيميه (وأما قبول الهدية منهم يوم عيدهم فقد قدمنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتي بهدية النيروز فقبلها ... فهذا كله يدل على أنه لا تأثير للعيد في المنع من قبول هديتهم بل حكمها في العيد وغيره سواء، لأنه ليس في ذلك إعانة لهم على شعائر كفرهم)( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم : 2 / 50). من أدله مذهب التفصيل الاجماليه : ويمكن الاستدلال على مذهب التفصيل ، في حكم مشاركه المسيحيين الاحتفال بأعيادهم -على وجه الاجمال - بمذهب الإمام الشافعي في حكم مساهمه المسلم فى بناء للكنائس ، حيث اختلف الفقهاء إلى عده مذاهب أجماليه منها: مذهـب التحـريم :وهو مذهب المالكية والحنابلة وجمهور الشافعية وهو قول الصاحبين ـ أبي يوسف ومحمد ـمن الحنفية. ومذهـب الجـواز :وهو مذهب الإمام أبو حنيفة الذى ذهب إلى جواز تعاقد المسلم على بناء الكنيسة أو إجارة الدار لتتخذ كنيسة: جاء في البحر الرائق : ” ولو استأجر ـ أي الذمي ـ المسلم ليبني له بيعة أو كنيسة جاز ويطيب له الأجر”،وفي الفتاوى الهندية: “ولو استأجر الذمي مسلما ليبني له بيعة أو كنيسة جاز ويطيب له الأجر كذا في المحيط.”( البحر الرائق ج8 ص 123 ،الفتاوى الهندية ج4 ص ). أما مذهب الإمام الشافعي، فهو مذهب التفصيل ، حيث فرّق بين الكنيسة التي تتخذ لمصلى النصارى الذين اجتماعهم فيها على الشرك ، وبين تلك التي تُتخذ للضيافة ومأوى المارة . حيث يقول “.. ليس في بنيان الكنيسة معصية إلا أن تتخذ لمصلى النصارى الذين اجتماعهم فيها على الشرك ” (كتاب الأم ، ج4 ص 213 .)ويقول في الأم أيضا : “.. ولو أوصى( اى النصراني) أن تبنى كنيسة ينزلها مارُّ الطريق ، أو وَقَفها على قوم يسكتونها ، أو جعل كراءها للنصارى أو للمساكين ؛ جازت الوصية”. ضوابط مشاركه : وطبقا لهذه الكيفية فان مشاركه المسيحيين الاحتفال بأعيادهم يجب أن تخضع لجمله من الضوابط منها :ا/ أن لا تكون المشاركة بنيه التشبه بغير المسلمين أو الإقرار بعقائدهم .ب/أن لا تخالف المشاركة أصل من أصول الدين، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة . ج/ ألا تكون لغير المسلمين المحاربين .د/ أن لا يكون من باب إبدال لأعياد المسلمين بأعياد المشركين. المشاركه من باب اقرارالاسلام مفهوم المواطنة: فطبقا لهذه الكيفيه فان مشاركه المسيحيين الاحتفال باعيادهم- ومظهرها الاساسى تهنئتهم بها - لا تكون من باب التشبه بهم فى عقائدهم وشعائرهم او اقرارهم عليها - كما سبق ذكره- بل من ابواب اخرى منها اقرار الإسلام مفهوم المواطنة، الذى يشمل المسلمين وغير المسلمين، وهو ما يتضح- على المستوى العملى التطبيفى - من خلال وثيقة الصحيفة التي كانت بمثابة دستور لدوله المدينة..ففي ظل الصحيفة تكون “شعب” ، تتعدد فيه علاقات الانتماء إلى الدين(لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم)، ولكن يتوحد الناس فيه "مع اختلاف الدين" في علاقة انتماء إلى ارض مشتركه ( وطن)( وأنَّ هود بني عوف أمَّة مع المؤمنين …) (د. عصمت سبف الدوله / عن العروبه والاسلام) . واتساقا مع ما سبق فان من قال بمنع مشاركه المسيحيين الاحتفال باعيادهم ، لا يجب ان يرتب على هذا القول انكار مفهوم المواطنه، الذى قرره وطبقه الاسلام قبل الفلسفات السياسيه الحديثه ،والتى فصلته عن الدين- خلافا للاسلام - كالليبيراليه وغيرها . لايجب اتخاذ مذهب المنع كدليل -او ذريعه- للتمييز الدينى او انكار حقوق الاقليات الدينيه : كما انه لا يجب اتخاذ مذهب المنع الذى قال به بعض العلماء ، كدليل على ان الاسلام كدين يكرس للتمييز الدينى ضد غير المسلمين من مواطنى الدوله الاسلاميه ،او ينكر حقوق الاقليات الدينيه- كما يقول بعض المستشرقين -او اتخاذه كذريعه لممارسه التمييز الدينى ضد غير المسلمين من مواطنى الدول الاسلاميه – كما تفعل بعض الجماعات المغاليه- ونستدل بالتالى : اولا: التمييزحكم تاريخى مشروط غير مجمع عليه ، وليس قاعده عامه مطلقه مجمع عليها :ان تمييز غير المسلمين من مواطنى الدوله الاسلاميه" الذميين "عن المسلمين - بصوره عامه - لم يقل به احد من العلماء المتقدمين ، وقال به بعض العلماء في مرحله تاريخية لاحقه، لوقوف بعض الذميين مع التتار ضد المسلمين، فهو ليس قاعدة عامه /مطلقه /مجمع عليها، بل حكم تاريخي/ مشروط بظروف معينه /وليس محل اجماع (عبد العزيز كامل، معامله غير المسلمين ج1، ص199) اقرار الاسلام حقوق الأقليات الدينية : كما أقرت الشريعة الاسلاميه الحقوق الاساسيه للأقليات الدينية وتتضمن : حماية الأقليات الدينية: فقد اوجب الإسلام على المسلمين حماية الأقليات الدينية من الاعتداء الخارجي، ينقل الإمام القرافي في كتابه “الفروق” قول الإمام ابن حزم في كتابه “مراتب الإجماع”: “إن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك، صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله – صلى الله عليه وسلم -، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة“. (الفروق ج ـ 3 ص 14 – 15 – الفرق التاسع عشر والمائة). كما اوجب الإسلام على المسلمين حماية الأقليات الدينية من الاعتداء الداخلي ، يروى عن الرسول (من آذى ذِمِّياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة)(رواه الخطيب بإسناد حسن).ويروى عنه أيضًا(من آذى ذميًا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله)(رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن). إسناد الأعمال” الوظائف العامة”: أما فيما يتعلق بإسناد الأعمال” الوظائف العامة” لغير المسلمين ، فإننا إذا كنا نجد في الفقه الاسلامى من يرى المنع المطلق كأغلب المالكية والإمام احمد، فإننا نجد أيضا من يرى الجواز المطلق كابي حنيفة وبعض المالكية، أو الجواز أحيانا والمنع أحيانا وهو رأى اغلب العلماء ، حيث يرى ابن العربي( أن كانت في ذلك فائدة محققه فلا باس به) (ابن العربي: 16،268) ،كما جوز الماوردي وأبو يعلى للرئيس أن يولىه وزاره التنفيذ دون ولاية التفويض وتاريخيا استعان بهم الخلفاء. والذي نراه وجوب التمييز بين غير المسلمين من مواطني الدولة الاسلاميه” الذميين ” ، وغير المسلمين الأجانب” كالمستأمنين مثلا”، حيث يحق لغير المسلمين من مواطني الدولة الاسلاميه إسناد الأعمال” الوظائف العامه” لهم ، مادام شرط الكفائه متوفر فيهم، لأنه جزء من حق المواطنة الذي اقره الإسلام فى وثيقة المدينه، أما غير المسلمين الأجانب فيتوقف إسناد الأعمال لهم على مصلحه الدولة. الشورى: اما فيما يتعلق بالشورى فانه يجوز الأخذ براى غير المسلمين من مواطني الدولة الاسلاميه في الشورى، لان مجال الشورى هو الفروع لا الأصول، يقول ابن كثير في تفسير الايه اسألوا أهل الذكر( اسألوا أهل العلم من الأمم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف)(3/215) الحريات الدينية :اما فيما يتعلق بالحريات الدينية ، فقد قرر الإسلام الحريات الدينية لغير المسلمين من مواطني ألدوله الاسلاميه ، ومن مظاهرها : إقرار حرية الاعتقاد وحرية العباده وممارسه الشعائر لغير المسلمين وإيجاب حماية معابدهم إقرار حرية الاعتقاد: فقد اقر الإسلام حرية الاعتقاد في الكثير من النصوص كقوله تعالى (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي)، (البقرة: 256) يقول ابن كثير في تفسير الآية (أي لا تُكرِهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بَيِّن واضح، جلي دلائله وبراهينه، لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه) . إقرار حرية العبادة وحرية ممارسه الشعائر و وإيجاب حماية معابد الأقليات الدينيه : كما اقر الإسلام لغير المسلمين من مواطني الدولة الاسلاميه حرية العبادة وحرية ممارسه الشعائر واوجب حماية معابدهم ،فجعل القرآن من أسباب الإذن في القتال حماية حرية العبادة، وذلك في قوله تعالى: (أُذِن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا، وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا). (الحج: 39 – 40).وفي عهد عمر بن الخطاب إلى أهل إيلياء (القدس) نص على حرمة معابدهم وشعائرهم(هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسائر ملَّتها، لا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم ولا ينتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبها، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم. ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود . . ) (تاريخ الطبري ط . دار المعارف بمصر ج ـ 3 ص 609).وفي عهد خالد بن الوليد لأهل عانات(ولهم أن يضربوا نواقيسهم في أي ساعة شاءوا من ليل أو نهار، إلا في أوقات الصلاة، وأن يخرجوا الصلبان في أيام عيدهم)(الخراج لأبي يوسف ص 146). نحو فهم صحيح لمفهوم الذمة: اما عن مفهوم أهل الذمة ، فان الذمة لغة العهد والكفالة والضمان والأمان(الفيروز ابادى، القاموس المحيط، 4/115)، أما اصطلاحا فعرفها العلماء بأنها ( التزام تقرير الكفار في ديارنا وحمايتهم ،والذب عنهم ببذل الجزية والاستسلام من جهتهم)( أبو زهره المجتمع الانسانى، ص 194)، فمضمون هذا المفهوم إذا هو تقرير حقوق المواطنة، لغير المسلمين في الدولة الاسلاميه (اليهود أمه مع المؤمنين)، مع احتفاظهم بحريتهم الدينية على المستوى الدستوري ( في ذمه الله ورسوله)، ضمانا لعدم إهدارها بواسطة الاغلبيه المسلمة ،ما داموا قائمين بواجباتها. نحو فهم صحيح لمفهوم الجزية : أما الجزية فهي حكم من أحكام الحرب ، كبدل لإعفاء غير المسلمين من مواطني الدولة الاسلاميه من الجندية ،ورد في الصلح مع نصارى نجران( ليس على أهل الذمة مباشره قتال وإنما أعطوا الذمة على أن لا يكلفوا ذلك)، لذا لا تؤخذ في حاله أداء غير المسلمين من مواطني الدولة الاسلاميه الخدمة العسكرية كما في الدولة الحديثة، إلي هذا ذهب رشيد رضا ووهبه الزحيلى (أثار الحرب،ص698) وعبد الكريم زيدان ( الفرد والدولة،ص98) ، وهناك سوابق تاريخية تؤيد ذلك ، ففي صلح حبيب بن مسلم للجراحجه ( أنهم طلبوا الأمان والصلح فصالحوه على أن يكونوا أعوانا للمسلمين وان لا يؤخذوا بالجزية)( البلاذردى، فتوح البلدان،ج1، ص217) ، ومع أهل ارمينه ( أن ينفروا لكل غاره… على أن توضع الجزاء عمن أجاب إلي ذلك)( الطبري، تاريخ الأمم، ج 5، ص257.). لايجب اتخاذ مذهب المنع كدليل على الاصل فى العلاقه مع غير المسلين هى الحرب: كما لا يجب اتخاذ مذهب منع مشاركه غيرالمسلمين الاحتفال باعيادهم ، الذى قال به بعض العلماء على النحو السابق بيانه، كدليل على ان الاسلام جعل الاصل فى العلاقه مع غير المسلمين هو الحرب وصراع ،
لان الإسلام لم يوجب قتال غير المسلمين إلا في حالتين : الحالة الأولى هي إكراه المسلمين على الردة عن دينهم وفتنتهم عنه قال تعالى( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)، والحالة الثانية هي إخراج المسلمين من ديارهم قال تعالى (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله). مذهب إيجاب قتال غير المسلمين إطلاقاً والرد عليه : اتساقا مع ما سبق نقرر خطا مذهب إيجاب قتال غير المسلمين إطلاقاً ، والذي قال به بعض الكتاب الإسلاميين المعاصرين ( كسيد قطب ) ، استنادا إلى أقوال بعض الفقهاء، والذي مضمونه هذا المذهب هو أن الإسلام أوجب قتال غير المسلمين (إطلاقاً) ، وغزو العالم كله لنشر الدعوة .وقد قرر كثير من العلماء يرون أن هؤلاء الفقهاء بنوا موقفهم هذا على أساس أن واقع العالم في زمانهم (واقع الدولة غير ثابتة الحدود ) لم يكن يسمح – إلا قليلا- بان تكون علاقة المسلمين مع غيرهم هي علاقة سلم ، ما لم تتوافر شروط الجهاد، أو علاقة حرب في حاله توافر شروط الجهاد ، يقول الشيخ محمد أبو زهرة في معرض حديثه عن آراء الفقهاء في عدم جواز الصلح الدائم(...ولقد أثاروا تحت تأثير حكم الواقع الكلام في جواز إيجاد معاهدات لصلح دائم، وإن المعاهدات لا تكون إلا بصلح مؤقت لوجود مقتضيات هذا الصلح، إذ أنهم لم يجدوا إلا حروباً مستمرة مشبوبة موصولة غير مقطوعة إلا بصلح مؤقت) (العلاقات الدولية في الإسلام ،الدار القومية،القاهرة ، 1384م، ص78-79) ، ويدل على هذا أن هناك علماء خالفوا ما قرره هؤلاء الفقهاء، حيث نجد ابن تيمية يخالف الرأي القائل بقتال الجميع لمجرد الكفر(وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ، ومقصودة أن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين ، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة " كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمن وغيرهم" فلا يقتل عند جمهور العلماء ، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر إلا النساء والصبيان لكونهم مالاً للمسلمين، والأول هو الصواب ، لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله كما قال تعالى "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، وفي السنة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه مر على امرأة مقتولة في بعض مغازية، قد وقف الناس عليها، فقال "ما كانت هذه لتقاتل"، وقال لأحدهم: الحق خالداً فقل له لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً "، وفيها أيضاً عنه (صلى الله عليه وسلم) يقول: لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا امرأة". وذلك أن الله أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق كما قال تعالى "والفتنة أشد من القتل"، أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أشد، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله ، لم يكن كفره إلا على نفسه) ايه السيف: و قد اسند أصحاب هذا المذهب إلى القول بأن آية السيف ناسخة لكل الآيات التي تدعو للسلم ، والمقصود بها الآيات: ( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 5). و( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة: 29). غير أن هذه الآيات لا تفيد قتال غير المسلمين إطلاقاً، وبالتالي تنسخ الآيات الداعية للسلم، بل هي مقيدة بالحالات التي أباح الإسلام فيها قتال غير المسلمين (إخراج المسلمين من ديارهم ،أو إكراههم على الردة على دينهم) ، يقول الشيخ محمد الغزالي (يشيع بين المفسرين أن آية السيف نسخت ما جاء قبلها، وعند التحقيق لا يوجد ما يسمى آية السيف، وإنما هناك جملة من الآيات في معاملة خصوم الإسلام أو في مقاتلتهم ،أحياناً لأسباب لا يختلف المشرعون قديماً وحديثاً على وجاهتها ، وعلى أنها لا تنافي الحرية الدينية في أرقى المجتمعات)، ويرى الشيخ رشيد رضا : أن آية السيف تتراوح الآية الخامسة من سورة التوبة الداعية إلى قتال المشركين كافة كيفما يقاتلون المسلمين كافة، وإنها غير ناسخة لغيرها من الآيات ، ويستشهد بما قاله السيوطي من أن أياً من الآيتين ليس ناسخاً لغيرها من الآيات التي تتناول علاقة المسلمين بالمشركين ، ولكن لكل منها حكماً يسري في ظرف معين، ويرى أن الدعوة إلى مقاتلة المشركين هو رد على مبادأة المشركين القتال، وأن المقصود بالآيتين مشاركي جزيرة العرب وليس مشركين الأرض، أما الآية 29 الخاصة بأهل الكتاب فإن نزولها جاء تمهيداً للكلام في غزوة تبوك مع الروم من أهل الكتاب بالشام ، والخروج إليها في زمن العسرة والقيظ ..) |
|