إن الحضارة هي ثمرة الفكر الإنساني في تجدده وإبداعه، وان الإنسان غير معصوم من الخطأ، فقد تسير به الرؤية الواضحة في طريق الحق، وقد يغلط في معارفه وبحثه عن الحقيقة، ومن هنا حق القول بأن الإنسان في حاجة ماسة إلى الاستنارة بقواعد تنظم فكره .
فقد استطاع على مر السنين أن يرسي دعائم العلم بفضل ملكة التفكير التي خصه بها المولى عز وجل وميزه بها عن سائر المخلوقات. مصداقا لقـوله تعـالى : وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ . وبالتالي فإن لهذا التفكير قواعد وضوابط يهتدي بها تسمى علم المنطق، هذا الأخير الذي ينتظر إلى التفكير من ناحية الصواب والخطأ .
والمنطق قد ولد مع أرسطو، فهو الذي نظر له وإن كانت هناك محاولات قبله لكنها لم تكن تمس المنطق مباشرة. فقد اعتبره "أرغانون" أي آلة العلم، وقد تحددت أقسامه كما يلي: الجدل والمقولات والعبارة والتحليلات الأولى والتحليلات الثانية والأغاليط والشعر والخطابة .
ثم جاء فورفوريوس الصوري في القرن الثالث بعد الميلاد الذي وضع المقولات وسماها "المدخل إلى كتاب المنطق" وهي الكليات الخمس والمعرفة بإساغوجي .
وبالانتقال إلى الفلسفة الإسلامية العربية فقد كانت بداياتهم بعلم الكلام الذي كان يستند على النصوص الشرعية والقرآن والسنة النبوية وأساليب منطقية لتقوية البيان الأسلوبي الحجاجي للدفاع عن الدين.
ففي عصر الدولة العباسية والمسمى بالعصر الذهبي ازدهرت فيه الترجمة وانفتح المسلمون على الثقافات الأخرى، فنقلت الكتب والعلوم اليونانية الإغريقية والهلينية إلى الفلسفة العربية الإسلامية. ويعتبر ابن المقفع أول من ترجم كتاب أرسطو في المنطق وكذا الكندي والفارابي، فهذه المادة الجديدة التي دخلت للثقافة الإسلامية أو دخيلة جعلتها تنقسم بين مؤيد لها ومعارض. فأحد هذين القسمين اعتبرها ضربا من الإلحاد بل هي الكفر ذاته وخروجا عن الملة فكفروا من تبناه، نجد من بين هؤلاء الرافضين "ابن الصلاح " الذي أفتى بتحريم المنطق والإمام ابن تيمية الذي اعتبر المنطق الأرسطي باطلا ورفضه رفضا قاطعا في كتابه " الرد على المنطقين ". والقسم الأخر تبنوه وأقاموا عليه الحجج واستعملوه في علومهم على غرار علم الكلام وأصول الفقه والفتيا ....
لكن مع إضفاء صبغة إسلامية عربية عليه نجد من بين هؤلاء الذين تبنوه على غرار : الغزالي – حجة الإسلام – الذي حاول إقامة توفيق بين الفقه والمنطق، نجد الإمام الظاهري الأندلسي – ابن حزم – الذي تبنى المنطق الأرسطي ودافع عنه ضد فقهاء المالكية في عصره، بل والأكثر من ذلك اعتبره أساسا لفهم كل علم، سواء كان عقليا أو شرعيا.
نتسائل: كيف لفقيه أن يتبنى علوم الإغريق في ضوء بيئة تكفر من يقول بها ويتبناها خصوصا كتب أرسطو المنطقية؟ وفي ظل سيادة مقولة " من تمنطق تزندق " ؟ كيف يعتبر فقيها ومفتيا بل وأديبا وفي نفس الوقت فيلسوفا متبنيا علوم الأوائل؟ بل والأكثر من ذلك كيف اعتبره أساسا لفهم العلوم ومدخلها، حتى العلوم الشرعية ؟ فكيف وظف هذا المنطق في فقهه؟ وما هي حججه في ذلك ؟
المذهب الظاهري:
حينما نسمع لأول مرة كلمة " الظاهر " فإنه مباشرة يتصور في مخيلتنا أنها تمثل الشي الجلي والخارج والبين للعيان، لكن حينما ندرك أنه يحمل في طياته مذهبا فقهيا رتب في مرحلة من المراحل التاريخية مذهبا رابعا بعد المالكية والشافعية والحنفية قبل أن يضطهد ويزول . الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن ماهية هذا المذهب؟ وما هي الأسس التي قام عليها ؟ وما هي أصوله و رآه؟
*ـ المذهب الظاهـــري:
*لغـــــــة: الظاهر أي الواضح،والظاهر خلاف الباطن.
والظاهر في اصطلاح أصول الفقه" كل كلام يكون المراد منه ظاهر اللسامع بنفس الصفة كقوله تعالى : وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَافكل عربي إذا سمع هذه الآية الكريمة يفهم حلة البيع وحرمة الربا من غير تأمل.
*اصطـــلاحا:
ه ومذهب فقهي ظهر وأنتشر في المشرق الإسلامي،وهو رابع مذهب بعد المالكي والشافعي والحنفي،وقد نشأ في القرن الثالث الهجري ،يقوم على المنهج الظاهري،والقائم على مصدر فقهي هو:النصوص وحدها،ويقف عند حدود الألفاظ التي وردت في النص القرآني والنص النبوي دون عناية بالبحث عن عللها ومقاصدها مثلا :
الآية التي تحرم الرضاعة فالرضاعة في الظاهرية مرتبطة بالثدي.أما إذا سكب في كأس وشرب منه للرضع فليس حرام.
*مؤسســـه وتطوره داود أبو سلمان الأصبهاني .
تنسب هذه المدرسة ـ الظاهرية ـ إلى الإمام داوود بن علي بن خلف الأصبهاني (201/816 -270/884)المعروف بالظاهري أبو سليمان،وهو أحد الأئمة المجتهدين في الإسلام، من أهل الكوفة،فهو فقيه، محدث وحافظ،نشا ببغداد وارتحل إلى نيسابور.وقد عرف باسم الظاهري لأنه أول من أظهر القول بظاهرية الشريعة والاعتماد على ظواهر النصوص من الكتاب والسنة،دون تأويل وإعراض عن القياس،فكان أكثر الناس تعصبا للإمام الشافعي .
الأمام ابن حـزم
هو الإمام الحافظ والعالم الجليل،أبو محمـد بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيـد الفارسي مولي يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس الأموي القرشي.
فجده:يزيد أول من أسلم من أجداده،ذو أصول فارسية.
وجده:خلف بن معدان جـاء إلى الأندلس مع جـيش الفاتح موسى بن نصير سنة (93ه) ..
ولد الإمام ابن حزم –رحمة الله عليه- بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمـس في أخر يوم شهر رمضان سنة أربع وثمانين وثلاث مئة المـوافق ل 07 تشـرين الثـاني 994م. (384ه-996م) فـي مدينة قرطبة الأندلسية في عهد المنصور بن أبي عامر.
توفي ابن حزم ليلة 28 شعبان 456ه في قرية (منت ليسم ) بعد انقطاعه عشرين عاما للمطالعة والكتابة، وتعليم التلاميذ،وقد توفي مغمورا،منسيا من معاصريه.
من أهم مؤلفاته:
- كتاب الأحكام في أصول الأحكـام .
- المحــــــــــــــلى.
- المفـاضـلة بين الصحــــابة.
- مـراتب الإجمــــــــاع .
- ملخص إبطال القياس والـرأي والاستحسان والتقليد والتعليل .
- النبد الكافي في أحكام أصول الدين .
- كتاب التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية.
- مراتب العلوم وكيفية حملها وتعلق بعضها ببعض.
......نهـــاية الشطر الأول " الإتجاه الفقهي ......ترقبوا الشطر الثاثي وهو حــول الإتجاه المنطقي ....
تحية فلسفية من بوبكــري مصطفى.سلام.