بسم الله الرحمن الرحيم
الفرق بين الفقير والمسكين اختلف علماء اللغة وأهل الفقه في الفرق بين الفقير والمسكين على تسعة أقوال، فذهب يعقوب بن السكيت والقتبي ويونس بن حبيب إلى أن الفقير أحسن حالاً من المسكين. قالوا: الفقير هو الذي له بعض ما يكفيه ويقيمه، والمسكين الذي لا شيء له، وقال آخرون بالعكس، فجعلوا المسكين أحسن حالاً من الفقير. واحتجوا بقوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ . فأخبر أن لهم سفينة من سفن البحر. وربما ساوت جملةً من المال. وعضدوه بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تعوذ من الفقر. وروي عنه أنه قال: اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً. فلو كان المسكين أسوأ حالاً من الفقير لتناقض الخبران، إذ يستحيل أن يتعوذ من الفقر ثم يسأل ما هو أسوأ حالاً منه، وقد استجاب الله دعاءه وقبضه وله مال مما أفاء الله عليه، ولكن لم يكن معه تمام الكفاية، ولذلك رهن درعه. ذهب إلى هذا الأصمعي وغيره، وحكاه الطحاوي عن الكوفيين. وهو أحد قولي الشافعي وأكثر أصحابه. وللشافعي قول آخر: أن الفقير والمسكين سواء، لا فرق بينهما في المعنى وإن افترقا في الاسم، وهو القول الثالث. وإلى هذا ذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك، وبه قال أبو يوسف..
الرغم من التشابه الكبير في المعنيين بين الفقير والمسكين ، إلاّ أنّه هنالك فارق يبقى بينهما، وقد ذكر بعض الدارسين إلى أنّ المسكين هو أيضاً فقير ولكن الفقير ليس مسكيناً ، بحيث عرف المسكين بأنّه لا يجد كفايته أو كمال الكفاية ، بينما الفقير كان أشد إلى الحاجة والعوز من المسكين . وقد ذكر في القرآن الكريم قول الله تعالى ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا )) ، وهذا يدلّنا على أنّ كلاهما الفقير والمسكين هما يستحقّا الصدقات ، إذ أنّ من يمتلك مسكنٍ أو وظيفةٍ ، بمعنى أنّه يستطيع تدبّر أمره من حيث السكن فهو لا يشكي الحاجة لدفع أجرة بيته ، ولا يشكي الحاجة لسد رمقه ورمق عائلته ، فهو بذلك لا يعد فقيراً ولا مسكيناً ، وبهذا لا تجوز عليه الصدقات أو أموال الزكاة . وبهذا فإنّ شرح كلمة فقير تعني بأنّه كل شخص لا يملك القدرة الشرائية لسدّ حاجته أي المال تحديداً ، وأيضاً ليست لديه القوى حتى يكسب ليسد حاجته ، وغالباً ما يكون هذا الشخص لا يملك العمل إمّا لمرضٍ أو لقلّة تحصيله العلمي أو لأنه لا يملك مصلحة يشتغل بها ، وتأتي أيضاً ظروف خارجية قد تعيقه عن العمل كالحروب مثلاً التي تأكل الأخضر واليابس ولا تترك للإنسان أيّ فسحة أمل ، ليعيش على مدّ يده ليستمر على قيد الحياة . وتبعاً للشرح السابق عن كلمة الفقير ، تأتي كلمة المسكين التي تدل على القرابة في الظروف ، إلاّ أنّ المسكين قد يكون لديه مورد رزق ولكنّه ضئيل جداً ، أو لا يكون ، وقد يكون لديه شهادة أو مصلحة يعمل بها ، ولكن ظروفه تمنعه ، وكما أسلفنا سابقاً إمّا لمرضٍ أو لسبب الحرب ذاتها . ذهب أحد العلماء في الفقه إلى أنّ المسكين أشد حاجة من الفقير ، حيث اعتمد على أنّ كلمة مسكين قد اشتقت من السكون ، ويعتبر أنّ يده سكنت ولم تستطع التصرّف ، وبذلك فهو أشد فقراً من الفقير كونه لا يستطيع الكسب أبداً ، بينما بيّن على أن كلمة فقير هي مشتقة من كلمة فقرات الظهر ، وبذلك فهو يستطيع العمل على فقراته ، ولكنّ هذا الفقير لا يجد العمل الذي يغنيه . وهذا التفسير كان حسب مذهب مالك . أمّا مذهب الحنابلة والشافعيّة ، فإنهم يرون بأنّ الفقير هو الأكثر حوجاً من المسكين .
إنني أرجح الرأي الذي يقول أن الفقير أشد حاجة من المسكين للأسباب الآتية المستنبطة من القرآن ومن حوار حدث بين أحد المسلمين وبين سيدنا عمر ابن الخطاب والأسباب هي:
أولاً: لقد جاء في محكم تنزيله على لسان سيدنا موسى عليه السلام: (فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) 24 القصص موضحاَ أن سيدنا موسى عندما التقى ببنات سيدنا شعيب في مدين وسقى لهما وجلس يستظل سأل ربه تبارك وتعالى بأنه بالرغم من نعمه عليه إلا أنه ما زال فقيراً. فهل سأل سيدنا موسى ربه مالاً؟ إن الآية التي جاءت مباشرة بعد سؤاله هذا هي: (
فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ) 25 القصص. فهذه الآية توضح أن مجيء إحدى البنتين لسيدنا موسى لتدعوه لوالدها ليجزيه عن ما قام به من عمل كان استجابة لسؤاله لله بأنه فقير. حيث لم يكن الجزاء مالاً بل كان زوجة! فالفاء التي ابتدئت بها الآية هي فاء السببية (فجاءته إحداهما) والسبب هو سؤال سيدنا موسى لربه. إذاً قصد سيدنا موسى بقوله أنه (فقير) بأنه لم يرزق بالزوجة والله أعلم. فمن الملاحظ أن سيدنا موسى لم يقل أنه مسكين بل قال إنه فقير.
ثانياً: إذا تمعنا في الآية ( وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ
إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) 32 النور نجدها تحث على نكاح الفقراء ولم يأتي الحث على تزويج المساكين مما يستنبط منها أن الفقراء هم الذين لا يملكون ما يتزوجون به وسيغنيهم الله من فضله ورحمته.
ثالثاً:لقد جاء رجل لسيدنا عمر ابن الخطاب يشكو له فقره أي قال له أنه فقير ويريده أن يدعوو له ربه ليسد له حاجته. فسأله سيدنا عمر: هل لك زوجه قال نعم. ثم سأله مرة أخرى: ألك دار قال نعم فقال له سيدنا عمر إذاً أنت لم تكن فقيراً. فقال له الرجل ولي خادمة فقال له سيدنا عمر إذاً أنت ملك.. فيستفاد من هذا الحوار أن الفقير هو الذي لم تكن له زوجة يسكن إليها ولا دار يسكن فيها.
عليه يستنبط أن الفقير هو الذي لا يملك ما يتزوج به والمسكين هو الأحسن حالاً منه لأنه متزوج وله دار ولكنه لا يملك ما يكفيه ليكفل لأسرته العيش الكريم والله أعلم