بسم الله الرحمن الرحيم
م
عنى كلمة التقوى إن معنى التقوى يمثل المحور الذي تدور حوله قصة أبينا آدم وإبليس. فقد توعد إبليس ربه بأن يقعد لبني آدم صراطهم المستقيم. وذلك بعصيان أوامره والعمل بنواهيه. كما توعده بأن لا يجد أكثر بني آدم شاكرين لقول الله تعالى على لسان إبليس(قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ) (ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) 16-17 الأعراف. فالمقصود بالصراط المستقيم هو طاعة الله والعمل بكل أوامره والنهي عن كل نواهيه. أما المقصود بالشكر فهو القناعة الكاملة بأن كل نعمة من الله مما يستوجب قبولها وشكر الله عليها مهما كانت قليلة أو كثيرة قبيحة أو جميله صغيره أو كبيره. أي قبولها مهما كانت حالتها. والشكر يكون قولاً ويكون عملاً بالصبر عليها وعدم الطغيان فيها وعدم تغييرها أو طلب المذيد منها لقوله تعالى: ( سَلْ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ) 211 البقرة. لذا لخص الله لنا معنى التقوى في نصحيحته لبني آدم في قوله تعالى: (يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) 26 الأعراف الذي مفاده أن معصية الله والجري للازدياد من النعم لعدم القناعة بالنعمة الأولى التي هي منحة الله يعني نزع التقوى. وفقدانها. إذاً التقوى هي الرسوخ على طاعة الله وشكر نعمة ومعصية إبليس.
ويؤكد هذا المعنى وصف سيدنا علي ابن أبي طالب للتقوى بكلمات موجزة معبّرة بليغة " هي الخوف من الجليل و العمل بالتنزيل و الرضا بالقليل و الاستعداد ليوم الرحيل " ، فالإنسان التّقي هو الذي يخشى الله تعالى في أحواله كلها ، و يستشعر مراقبة الله له في أفعاله و أقواله فلا يأتي بما يغضب الرحمن جلّ و علا خوفا من ناره و طمعا في جنّته ، فالمسلم الصالح يخشى الله و لايخشى الناس في الله ، والإنسان التّقي متمسك بدين الله و كتابه العزيز فهو حريص على التزام أوامره و اجتناب نواهيه يأخذ بما أحل الله و يجتنب ما حرّمه ، و هو كذلك راض بما قسمه الله له من رزق فلا يطمع فيما عند أخيه ، قد أعدّ نفسه للرحيل من هذه الدنيا فتزوّد للآخرة و لم ينس نصيبه من الدنيا ، الدنيا عنده ممر و ليست بالمستقر ، و قد أعدّ الله لعباده المتقين ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لاخطر على قلب بشر ، قال تعالى : " ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون ، الذين آمنوا و كانو يتقون ، لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة ، لا تبديل لكلمات الله ، ذلك هو الفوز العظيم " صدق الله العظيم