بسم الله الرحمن الرحيم
بداية الخلق وعرش الرحمن على الماء
لقد أوضح معظم العلماء في تفسيرهم للآية: {وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} 7 هود أن أول الأمر هو وجود الله وحده ولم يكن معه شيء، وأن الله قد خلق السماوات والأرض وعرشه على الماء. كما أوردوا بعض الأحاديث التي تبين أن الله قد قدر مقادير الخلائق قبل خمسين ألف سنة من خلق السماوات والأرض.
وقد أدت هذه الأحاديث إلى كثير من الأفكار التي ليس لها سند. وقد اشتمل تفسير ابن كثير للآية 7 هود على كل ما أورده المفسيرين من تلك الأحاديث. لذا يتم تحديد أهم ما ورد في تلك الأحاديث وتحليلها للوصول لأول الأمر.
إن أول الأحاديث هو حديث عمران بن حصين الذي أوضح فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سئل عن أول الأمر فقال: ( كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض" هذا الحديث يؤكد أن الله لم يكن قبله ولا معه شيء غير عرشه على الماء وأنه خلق أول خلقه وهو اللوح والقلم ليكتب بهما ذكر كل شيء. وأخيراً وبعد أن كتب ذكر كل شيء في اللوح المحفوظ خلق السماوات والأرض)
فالأسئلة التي تخطر على الذهن هي: ما هو ذكر كل شيء الذي كتبه الله في اللوح المحفوظ وهو وحده ولم يكن شيء قبله ولا بعده؟ أحسب أن الإجابة عن هذا السؤال هي: إن كل ما كتبه الله في اللوح المحفوظ هو تخطيط محكم لخلق كل شيء وبعد أن كتب كل كبيرة وصغيرة تم التخطيط لها بدأ بتنفيذ أول شيء تم التخطيط له وهو خلق السماوات والأرض. وتوكيد أن كل ما كتبه الله هو تخطيط نجده في الحديثين التاليين: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" حاج موسى آدم عليهما السلام، فقال له :أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم، قال آدم: يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، تلومني على أمر قدر عليّ قبل أن أخلق؟، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فحج آدم موسى، فحج آدم موسى" مرتين. حيث يشير هذا الحديث إلى أن الخطيئة التي ارتكبها أبونا آدم قد قدرت له أي كان مخطط لها قبل أن يُخلق. وفي حديث آخر عن عمر بن الخطاب قال2: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لما اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد إلا غفرت لي} فقال له الله وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه بعد؟ فقال يا رب لأنك لما خلقتني بيديك ونفخت في من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوب لا إله إلا الله محمداً رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك..".
إن سؤال المولى عز وجل لأبينا آدم " وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه بعد "، يؤكد عدم وجود خلق قبل خلق أبينا آدم. كما أن كتابة "لا إله إلا الله محمداً رسول الله" على قوائم العرش تشير إلى أن هنالك تخطيط إلهي قد كتب على اللوح المحفوظ قبل تنفيذه. وهذا توكيد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: ( كان الله قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء). وقول المصطفى عليه السلام: (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء) يشير إلى أن التخطيط قد شمل المقادير التي قدرت للخلائق قبل خلقها التي كتبت أيضاً في اللوح المحفوظ.
والحديث التالي: ( إن الله كان عرشه علـى الـماء، وخـلق السموات والأرض بـالـحقّ، وخـلق القلـم فكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خـلقه، ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومـجده ألف عام قبل أن يخـلق شيئا من الـخـلق) يؤكد أيضاً أن الكتاب وهو اللوح المحفوظ قد كتب الله فيه كل الخلق المخطط لهم إلى يوم القيامة. وأن الفترة بين كتابة كل المخطط له وبين تنفيذ المخطط هي ألف عام وهي الفترة التي ظل الكتاب يسبح لله فيها قبل التنفيذ. وهذا الأمر يشير إلى أن خلق السماوات والأرض لم يتم بعد التخطيط لهما مباشرة بل تم بعد ألف عام والله أعلم.
من هنا ينبع السؤال التالي: كيف يتأتى لنا معرفة التخطيط الإلهي الذي وضعه قبل خمسين ألف سنه من خلق السماوات والأرض؟ إن الاجابة عن هذا السؤال يقتضي أولاً معرفة معنى التخطيط
تعريف التخطيط
معنى التخطيط من واقع الحياة هو : "وضع تصور لإنشاء شيء ما بهدف محدد ووضع تقدير للزمن وللموارد المالية والبشرية التي يحتاجها تنفيذ ذلك الشيء المخطط له بالاضافة إلى تحديد المكان الذي سيتم فيه التنفيذ.
تعريف التخطيط الإلهي
إن تخطيط الاله هو تخطيط محكم لا يشوبه خطا ولا نقصان. ولهذا لا رجعة ولا تغيير فيه لأن الرجوع عن التخطيط وتغييره يحدث نتيجة خطأ ونقص والخطأ والنقص من صفات الخلائق. كما أن تنفيذ تخطيطه لا يحتاج إلى زمان ولا مكان ولا مال ولا عماله، بل كل ما يحتاجه هو قول كن فيكون لقوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} "117" البقرة .
ومن هنا يبرز السؤال التالي: كيف نستطيع الوصول لتخطيط الإله الذي وضعه قبل الخلق بخمسين ألف سنه لنصل إلى تصور أول الأمر كاملاً؟ يمكن استنباط ما خططه المولى عزَّ وجلَّ من الآيات القرآنية بناءً على حقيقة " أن كل ما خططه الإله لا رجعة فيه ولا تغيير لكماله" وأن كل ما خططه قد نفذه بقول كن فكان. إذاً ما نعيشه في واقعنا اليوم هو تنفيذ لكل ما خططه الإله وقدره. وما ستعيشه الأجيال القادمة إلى يوم الدين فهو قد تم تخطيطه أيضاً وسيتم تنفيذه أيضاً بقول "كن فسيكون". والدليل على إمكانية الوصول لتخطيط الإله هو الحديث التالي:عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك " وقال: "يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار. وقال: ( أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع) حيث بشير سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟) إلى أن ما أنفقه الله منذ خلق السماوات والأرض هو ما خططه قبل خمسين ألف سنه وعرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع.
استنباط أول الأمر كاملاً لفهم الرسالة
لقد توصلنا إلى أن الفترة التي سبقت خلق السماوات والأرض وعرش الرحمن على الماء والتي مقدارها خمسين ألف سنة هي فترة تخطيط دقيق وتصور بديع لمملكة عزيز مقتدر. ومن واقع حياتنا ومن آيات القرآن نصل إلى أن المولى عزَّ وجلَّ قد خطط إلى إنشاء مملكتين مختلفتين: إحداهما عليا وهي مملكة السماوات، والأخرى دنيا وهي مملكة الأرض.
أولاً المملكة العليا
أحسب أن الله سبحانه وتعالى قد خطط للحياة العلوية أن:
- تكون في سبع سماوات وقد وضع لكل سماء أمرها مع تزينها بالمصابيح وحفظها بهم. وأن يستغرق إنجازها يومين. وذلك بناءً على الآية:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يومين وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} "12" فصلت
- يعمرها خلق محددون هم الملائكة بناءً على ما ورد في الآية التالية: {قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَليْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً} "95" الإسراء
- يكون الملائكة رسلاً ذوي أجنحة بناءً على الآية: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} "1" فاطر
- يخلق في السماء الدنيا قمر وشمس وكواكب مضيئة. بناء على آياته: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا}{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا} "15-16" نوح
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} "6" الصافات
- يخلق أصل الخلائق "أبونا آدم وأمنا حواء وإبليس" في السماء بناءً على الآيات: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}
{قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } (30-33) البقرة
- يهبط أبوانا آدم وحواء وعدو الله وعدونا إبليس من السماء ليستقروا في الأرض نتيجة إغواء إبليس
لأبوينا واتباع أبوينا لإبليس ومعصية الخالق لما ورد في الآيات: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين} "30-36" البقرة
- يخلق أصل الأنعام أيضاً في السماء وتنزل مع الخلائق إلى الأرض وذلك بناءً على الآية:
{خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} "6" الزمر
- يُوضَع منهج متكامل لتسيير الحياتين وهو عباره عن الأحكام والقوانين التي أولها عبادته الخالصة والاستعانة به وحده وما يترتب عليها من جزاء وعقاب مع وضع الجزاء وهو الجنة جزاءً لمن يتبع منهجه والنار عقاباً لمن لا يتبعه لما ورد في الآيتين التاليتين: {وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} "39" البقرة
{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} "82" البقرة
التصور لتخطيط مملكة الدنيا
• أن تخلق الأرض في يومين كما جاء:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} "9" فصلت
وأن تقدر لها أقواتها وتكون فوقها الجبال رواسي في يومين ويبارك الله فيها. فيكون مجموع الزمن الذي
يستغرقه خلق الأرض بما فيها من أقوات وجبال، أربعة أيام بناءً على الآية: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ} "10" فصلت
• أن يعمر الأرض كل مخلوقات الله من إنس وجن وحيوانات ودواب.
• أن تُرسل للخلائق كتباً بها المنهج الموضوع قبل خمسين ألف سنة من الخلق عن طريق رسل يوضحون للخلق آيات الله وهداه والجزاء الحسن لمن اتبعه والعقاب الشديد لمن خالفه.
فوضع الله في تخطيطه أن تكون المملكة العليا مقراً لإدارة المملكتين ويعمرها الملائكة خدمة المولى وعرشه. ولهذا خطط لخلق الملائكة أن يكونوا ذوي أجنحة ليكونوا رسلاً بينالسماء والأرض. وأن تكون السماء سقفاً للأرض مزينة بالكواكب التي تنير الأرض. أما الأرض فهي مقر للإنس والجن مودة بكل ما يحتاجونه ليتفرغوا لعبادة الله التي من أجلها خطط لخلقهم وخلق المملكتين لقوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
ثالثاً: التصور للمقادير التي قدرت للخلائق قبل خلقهم
إن واقع الحياة يشير إلى أن المقادير التي قدرها الله لكل مخلوق هي حزم وكل حزمة عبارة
عن مجموعة من زينة الحياة الدنيا التي يحتاجها المخلوق في حياته وهي:الاسم لقوله تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا } "7" مريم. والعمر لقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِد ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} "145" آل عمران والصورة والشكل حيث جاء فيهما: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ} "6-8" الانفطار والقبيلة لما ورد: :{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ اتقاكم إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} "13" الحجرات والزوج أو الزوجه لقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}"21" الروم والأبناء جاء فيهم: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ} {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}"40-50" الشورى والمال لقوله تعالى: :{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} "32" الزخرف والصحة والمرض اللذان ورد فيهما الحديث التالي: عن أبي هريرة مرفوعاً فذكره وفيه2 { ثم عرضهم على آدم فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع السقام ، فقال آدم: يا رب لم فعلت هذا بذريتي؟ قال: كي تشكر نعمتي}. وأخيراً المسكن الذي جاء فيه: {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} "33" الزخرف
وقد تم التخطيط لتلك المقادير بأن تحفظ في خزائن الله ثم تنزل بقدر معلوم في أزمان وأماكن متفاوتة ومعلومة بعد خلق الخلائق بناءً على ما ورد في الآية: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} "21" الحجر
فالهدف من وضع هذه المقادير المتفاوتة للخلائق وتنزيلها بقدر معلوم هو أنها امتحان لهم لمعرفة المؤمن الحق الذي سيقبل بقسمته ويصبر عليها وينشغل بعبادة ربه فقط من الخبيث (الكافر والمنافق) الذي سيتضجر من قسمته أو يطغى فيها وينشغل بالطرق التي يغيرها بها أو يزيدها لما أوضحه الحديث السابق عن سبب خلق المرض وهو أن الله يريد أن يشكر على كل حال. والآية التالية تؤكد
أيضاً هذا الهدف وهي: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ
وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ) 155 البقرة
وقد وضع الله سبحانه وتعالى منهجه الذي يجب أن يتبعه الخلائق في الأرض لتنظيم الحياة بينهم ليسود العدل وأن يميز به الخبيث الذي لا يؤمن به ويتبه شيطانه من الطيب الذي يوحده ويحمده على كل حال. وقد وضع الله فيه الجزاء الحسن للمؤمنين والعقاب الشديد للكافرين. ولهذا يمكن القول بأنه وضع القضاء لمملكتهوهو كالقضاء في كل دوله ولله المثل الأعلى. وعليه يمكن الوصول للفرق بين القضاء والقدر.
الفرق بين القضاء والقدر
إن القدر هو: ( كل ما قدره الله لخلقه خيراً أو شراً وسواء أن كان بصورة عامة كالأمطار والقحط والزلازل والبراكين و...أو بصورة خاصة وهو ما قدره الله لكل فرد من رزق وأبناء وزواج وموت وفقر أو غنى و...) فكل ما هو موجود الآن في الحياة الدنيوية وما كان موجوداً في الماضي وما سيكون موجوداً في المستقبل إلى أن تقوم الساعة، هو قدر مقدر. أما القضاء فهو المنهج الرباني الذي وضعه قبل خمسين ألف سنة ليحكم به مسيرة الحياتين ؛ الحياة الدنيا والحياة الأخرة. وهو عبارة عن قوانين تحدد الحقوق والواجبات بين البشر وربهم، وبينهم وبين رسلهم، وبينهم وبين الملائكة، وبينهم وبين جيرانهم وضيوفهم، وبينهم وبين أفراد أسرهم، وبينهم وبين الفقراء والمساكين وبينهم وبين المؤمنين أجمعين، وبينهم وبين الكفار والمشركين....الخ. ولهذا سمي الإسلام " بدين المعاملة" لما حدده لكل فرد من حقوقه على الآخرين وواجباته تجاههم.
ولكن وبما أن تخطيط قدر الله هو مقضي لا محالة لعدم الرجوع منه وتنفيذه بقول كن فيكون فإن القدر بهذا المعنى هو قضاء لقوله تعالى: (وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) ويمكن أن يكون جزء من القضاء والله أعلم