المبحث السادس
الحروف (طه)،(يس)و(طس)
الأسماء التي مفتاحها الحرفان (طه) ومدلولها
إن حرف الطاء هو مفتاح الاسم (لطيف) وإن كان اسم لطيف مبتدئاً باللام . وذلك لأن حرف الطاء مميز لم يرد به اسم آخر وحرف اللام موجود في كل الأسماء. وحرف الهاء هو مفتاح الاسم الهادي. وبالتالي يظهر مدلول هذين الحرفين باللطف والهدى أي الرحمة.
تحليل السورة التي ابتدأت بالحرفين ( طه) ومدلولها
لقد أنزلت سورة واحدة مبتدئة بالحرفين "طه" وسميت بهما. وقد جاءت موضحة للرسول صلى الله عليه وسلم أن الله هو اللطيف الذي لا يوجد ألطف منه وبالتالي لم يكافئه أحد في لطفه. فأقسم له باسمه "الله اللطيف الهادي" أنه لم ينزل عليه القرآن من أجل أن يشقيه به،وإنما أنزله لطفاً للعباد وهدىً لهم. ففي ذلك مواساة من رب العالمين لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الآية:{مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} {إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى} (2-3) طـه كما أوضح له أن هذا هو حال كل رسله السابقين. ولهذا قص عليه قصة سيدنا موسى وأبينا آدم ليعلم أن الرسالات هي لطف وهدىً من رب العالمين كما جاء في الآية: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا}(99) طـه فتسمية السورة بنفس الحروف طه هي دلالة على موضوعها وهو اللطف والهدى أي الرحمة. ولهذا يمكن أن يكون الله قد أقسم باسمه( الله اللطيف الهادي) لينفي عن القرآن صفتي الغلظة والمشقة وهما صفتان متضادتان لصفاته. ويمكن أن يكون الحرفان " طه" مكونان لاسم من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في رأي بعض العلماء والله أعلم.
الأسماء التي مفتاحها الحرفين ( ي س) ومدلولها
لقد سبق تحليل الحرف (ي) أما الحرف سين فهو مفتاح للاسمين: " السميع " و"السلام". ومدلول هذين الاسمين هو " السمع الذي يعني العلم بالشيء والسلم والأمان "
أسماء السور التي ابتدأت بالحرفين (الياء والسين) ومدلولها
لقد افتتحت سورة يس وحدها بالحرفين (ي س). وقد جاءت الآيات التي تلي الحرفين كالآتي: {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ}{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} {عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} {تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ}{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (2-7) يــس وما يستفاد من هذه الآيات ومعناها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ابتأس نتيجة استنكار الكفار لرسالته ونبذهم لها. فأقسم الله له بالقرآن أنه من المرسلين. وأن الرسالة قد أنزلها عليه "العزيز الرحيم" لينذر قومه ويهديهم ولكن الكثيرين منهم كافرون بها. وفي ذلك تخيف لرسوله صلى الله عليه وسلم وتثبيت للذين آمنوا معه. حيث أوضح الله لنبيه أن الكفار لا رجاء منهم وإنما الهدى للذين آمنوا كما جاء في الآية: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} (11) يــس
لقد جاءت سورة يس مركزة على حقيقة أن من يستمع لنداء الدعوة إلى الله وأحكامها ويعلم بها ويتيقن منها يسلم من عذاب الله وينال رحمته وهذا ما أوضحته قصة الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يدعو القوم ليستمعوا للهدى ويتبعوا رسلهم. حيث أوضحت أن الرجل الذي أعلن إيمانه للكفار قد سلم من العذاب وكرّمه الله وهلك من لم يستمع ويستجب للنداء. والآيات هي:{وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْأَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ} {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} {أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ} {إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} {إِنِّي آمَنتُ برَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} (20-27) يــس فأكدت السورة بذلك حقيقة تلازم السلم والسمع. حيث أن الذين استمعوا للهدى وصدقوه يقيناً أدخلوا الجنة وقيل لهم "سلام قولاً من رب رحيم". وذلك توضحه الآيات: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ} {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ} {سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} (55-58) يــس فربما أقسم الله بأحد الاسمين: " الله السلام السميع " أو "الله السميع السلام" وأقسم بالقرآن العظيم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم مرسل من عنده. فاسمي السميع والسلام مرتبطان ببعضهما البعض. أي أن السمع يؤدي للسلم .
هذا وربما كان اسم يس هو أحد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في رأي بعض السلف الصالح. وربما كانت الياء مفتاح الاسم اليقين فيستنبط منه ومن الأسمين الذين مفتاحهما الحرف "س" اسم المفاضلة على وزن البسملة "الله اليقين السلام" أو "الله اليقين السميع" أو باسم واحد هو "الله اليقين السميع السلام" فهو إذاً اسم صفة المتيقن من سلمه لمن يستمع لرسالة رسوله الكريم ويعلم بها علم اليقين والله أعلم
الأسماء التي مفتاحها الحرفين (طس) ومدلولها
إن الطاء هي مفتاح اسم لطيف. والسين مفتاح الاسمين: السلام والسميع كما سبق توضيحه. ومدلولهم هو اللطف والرحمة والأمن والسلم
أسماء السور التي افتتحت بالحرفين (طس)
هذان الحرفان قد ابتدأت بهما سورة واحدة وهي سورة النمل، والتي جاء اسمها دال على الموضوع الذي ركزت عليه السورة والذي أقسم به المولى عز وجل. وموضوع السورة توضحه قصة سيدنا سليمان مع النملة التي سردها الله عز وجل في الآيات: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}(18-19) النمل ولهذا يمكن أن يكون الله قد أقسم باسمه (الله"اللطيف السميع") أو (الله اللطيف السلام)، أو (الله اللطيف السميع السلام) فكل هذه الأسماء تدل على أن الله لا يكافئه احد في لطفه بخلقه عندما يستمعون إلىنداء ربهم ويطيعونه ويخافون من عذابه كما استمع سيدنا سليمان إلى خوف النملة منه ومن جنوده
فلطف بالنمل فسلمت ومن معها . فإذا أمد الله سيدنا سليمان بجزء يسير من سمعه وقد سمع به خوف النملة فلطف بالنمل نتيجة ذلك السمع اليسير، فما بال سمع الله ولطفه وسلمه اللا محدودين إذا سمع عبده خائفاً منه؟ إن هذا يؤكد ما سبق ذكره من أن السمع والسلم واللطف مرتبطات ببعضهم البعض والله أعلم.
المبحث السابع
الحروف (طسم) ،(المر) و(المص)
الأسماء التي مفتاحها الحروف (طسم) ومدلولها
لقد سبق الحديث عن الحرفين ( طس) في تحليل سورة النمل. أما الحرف (م) فهو مفتاح الأسماء التي مفتاحها " الم" وقد حذفت منها الألف. إذاً مدلول الأسماء التي مفتاحها طسم هو الرحمة مع الملك والمقدرة المطلقة. وهو نفس مدلول الأسماء التي مفتاحها "حم"
تحليل السور التي افتتحت بها الحروف (طسم) ومدلولها
لقد ابتدئت سورتان بهذه الحروف وهما سورة الشعراء وسورة القصص. وتحليلهما سيؤدي لمعرفة مدلولهما.
سورة الشعراء
لقد جاءت الآيات الأول من سورة الشعراء كالآتي:{طسَمَ}{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}{لَعَلّكَ بَاخِعٌ نّفْسَكَ أَلاّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } 1-3 الشعراء إن معنى هذه الآيات هو نفس معاني كل الآيات التي جاءت بعد الحروف المقطعة في السور التي افتتحت بها. مما يؤكد أن الحروف المقطعة قسم بشيء عظيم وجليل من أجل توكيد وحدانية الله وصدق الرسالة تثبيتاً لرسوله الكلام وتثبيتاً للذين آمنوا معه. ثم قال تعالى: {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} (4) الشعراء والآيات التالية تتحدث عن عناد الكفار وعدم تصديقهم لأي هدىً وذكر من الله وتوضح كيف كان صبر الله وحلمه عليهم لحين عذابهم في الوقت المحدد، والآيات هي: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} {فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون} 5-6 الشعراء وبنفس نهج السور التي افتتحت بالحروف المقطعة سرد الله قصة سيدنا موسى وفرعون وقصة سيدنا إبراهيم مع قومه وأبيه، بعد توضيح موقف الكفار من الرسالات وعدم تصديقهم للقرآن. عليه سوف يتم تحليل القصتين لمعرفة الموضوع الذي ركزت عليه السورة.
تحليل قصة سيدنا موسى
لقد كانت بداية تلك القصة حوار دار بين رب العزة وسيدنا موسى أوضحته الآيات: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ} {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ} {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}{قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ} 10-15 الشعراء لقد أكد الله لسيدنا موسى عليه السلام سلامته هو وأخوه هارون من قوم فرعون. فبماذا كفل لهما السلامة ؟ ألم يكن بالسمع حيث قال لهما: "كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ" أي أن المولى عز وجل سيسمع كل شيء لأن سمعه مطلق، وبالتالي يعلم بكل شيء. فعندما يسمع ويعلم أنهم في ضيق سيكفل لهما السلامة من فرعون وملائه. وقد أكدت ذلك آيتا السورة (61 - 65) اللتان أوضحتا أن سيدنا موسى كان واثقاً من أن الله سينجيه ومن معه حين تبعه فرعون وقومه فخاف من آمن معه فطمأنهم موسى لقوله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (61-62) الشعراء.
وبالفعل خاطب الله سيدنا موسى ووجهه بأن يضرب البحر بعصاه. فانفلق البحر وسلم رسول الله وقومه من فرعون وأتباعه الكافرين لما ورد في الآيتين: { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}{وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ}{وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ}{ثمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ} 63-66 الشعراء
إن التركيز في هذه القصة كان على أهمية السمع للسلامة والنجاة. حيث كان الله مستمعاً لما يدور بين سيدنا موسى وأخيه هارون وبين وفرعون وقومه كما نجا النمل من سيدنا سليمان عندما سمع قول النملة. فنجيسيدنا موسى وأخوه في الوقت المناسب. وفي ذلك إشارة لمقدرة الله المطلقة وهيمنته على كل شيء.
بذا تستنبط الأسماء الآتية المكونة من الحروف طسم على وزن البسملة، والتي يمكن أن يكون الله قد أقسم بها لرسوله. وهي
الله اللطيف السميع)، (الله اللطيف السلام) و(الله السميع السلام) و(الله السميع المقتدر) و(الله السلام المنتقم) أو أن يكون الله قد أقسم باسم واحد مكون من تلك الأسماء مثل (الله اللطيف السميع السلام المقتدر المنتقم) وهو اسم صفة المفاضلة: الله خير من يكفل النجاة والسلامة وأقدر القادرين على الانتقام والله أعلم.
ثانياً: قصة سيدنا إبراهيم مع أبيه وقومه
إن قصة سيدنا إبراهيم مع أبيه وقومه، توضحها الآيات:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ} {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ}{قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ}{أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ}69-73 الشعراء
فالحوار الذي دار بين سيدنا إبراهيم وأبيه وقومه يؤكد أن السمع هو الأداة التي عن طريقها إما ينتفع المرء أو يتضرر. فمن يستمع للهدى ويعبد الله وحده ويتضرع إليه بالدعاء والخوف من عذابه يستمع الله إليه وينجيه من عذابه. أما من يعبد غير الله لن ينجو من عذاب الله لأن الذي يملك السمع المطلق هو الله وحده وهو وحده المقتدر على نجاة المؤمنين الذين يدعوه، وأنه وحده المقتدر على الانتقام من الكفار الذين يدعون غيره. ومن هذا الحوار تستنبط نفس الأسماء التي استنبطت من قصة سيدنا موسى وأخيه هارون مع فرعون وقومه. والأسماء هي
الله اللطيف السميع السلام) و(الله المقتدر المنتقم) أو أن يكون الله قد أقسم باسم واحد مكون من تلك الأسماء مثل (الله اللطيف السميع السلام المقتدر المنتقم)
واسم السورة "الشعراء" له صلة واضحة بالمعنى الذي ركزت عليه السورة. حيث أن الشعراء يستمع إليهم الغاوون فيتبعونهم. فالسمع إما أن يذهب بأهله للهلاك حسب المستمع إليه، وإما أن يذهب بهم للنجاة والسلامة من الهلاك. فمن يستمع لكتاب الله ورسوله سلم ونجا من العذاب ومن استمع لغيره هلك ووقع في العذاب.
تحليل سورة القصص
لقد تلت الآيتان:{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ}{نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 2-3 الحروف طسم. وهما تشيران إلى أن الله قد خفف الله بهما على رسوله لما كان يشعر به من ألم وضيق لعدم تصديق بعض قومه لرسالته. فبعد أن أقسم الله له أن الآيات هي آيات الكتاب الواضح الذي هو منزل من عنده هدىً للناس، بدأ يسرد له قصة سيدنا موسى وفرعون. وأول ما جاء في قصة موسى عليه السلام هو استماع أم موسى لأمر ربها وطاعته فسلم ابنها من فرعون كما في الآيتين: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ} {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} (7-8) القصص
ولكن الله أرجع موسى لأمه كما في الآية: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 13 القصص ثم بينت القصة بعد ذلك كيف أسمع سيدنا موسى خوفه من ربه لأنه ظلم نفسه، وكيف أن الله قد غفر له. لقوله تعالى على لسان سيدنا موسى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}16 القصص فهذه الآية توكيد إلى أن الله قد سمع دعاء سيدنا موسى فاستجاب له. أما الآية: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (21) القصص
فتوضح أن سيدنا موسى قد استمع للرجل الذي جاء من أقصى المدينة ونصحه بأن يخرج من المدينة لأن القوم يأتمرون به أن يقتلوه. فخرج سيدنا موسى من المدينة وهو خائف يترقب. ولكنه عندما أسمع ربه خوفه من القوم وأنه لجأ لخير المنجين "قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" سمع الله دعاءه ونجاه منهم. ثم واصلت سورة القصص سرد قصص الأمم السابقة في الآيات الآتية: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}53-55 القصص والآية التالية أكثر توضيحاً لأهمية السمع: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ} (71) القصص
عليه تكون خلاصة آيات سورتي الشعراء والقصص كالآتي: أن من أسمع الله خوفه من عذابه وغضبه وأسمعه حبه والإيمان والخضوع له، ضمن النجاة من النار وسلم منها وضمن الراحة الأبدية في الجنة. ومن أسمعه معصيته وعدم الخوف منه، لم ولن ينج من انتقام الله بالخلود في النار.
لذا احسب أن الأسماء التي يمكن أن يكون الله قد أقسم بها في بداية سورة القصص هي نفس الأسماء التي استنبطت من آيات سورة الشعراء وهي
الله اللطيف السميع السلام) و(الله المقتدر المنتقم) أو أن يكون الله قد أقسم باسم واحد مكون من تلك الأسماء مثل (الله اللطيف السميع السلام المقتدر المنتقم) الذي هو اسم صفة المفاضلة الله ألطف اللطيفين وخير السامعين وأحسن المنجين من العذاب.
فالميم إذاً هي مفتاح الاسم " الله المقتدر المنتقم" في هاتين السورتين. حيث تبلورت فيهما مقدرة الله على الانتقام من الأمم التي أرهقت كاهل رسلها ولم تستمع لرسالاتهم. فركزت آيات السورتين على حاسة السمع وأثرها في السلم والنجاة من الهلاك.
وبالرغم من تركيز السور على توكيد لطف الله وسمعه وسلمه إلا أنها احتوت كسابقاتها على كل ما ورد في تفصيل سور القرآن أي ما ورد في سورة هود.
الأسماء التي مفتاحها الحروف (المر) ومدلولها
إذا بحثنا في أسماء الله الحسنى التي أعلمنا بها الله في كتابه لا نجد اسماً مفتاحه الحروف "المر". ولكن إذا تم فصل هذه الحروف نجدها تجمع بين الحروف "الم" و"الر" المذكورات سابقاً. فأحسب أنها جاءت بهذه الصورة لأن الألف واللام مشتركة. أي أنها حروف لتكوين أسماء الله الحسنى التي تدل على ملكه المطلق لهذا الكون ومقدرته على كل شيء وفي نفس الوقت أنه أرحم الراحمين. فهي إذاً الصفات التي لا يكافئ فيها الله مخلوق.
السور التي ابتدأت بالحروف (المر) ومدلولها
يتضح من الآيتين: {المر، تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} (1-2) الرعد أن الكفار قد شكوا في أن الرحمة "أي آيات الكتاب" قد أنزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم من رب العالمين. فأقسم الله تصديقاً وتثبيتاً وتخفيفاً لرسوله الكريم وتثبيتاً أيضاً للذين آمنوا معه أن الكتاب قد أنزل من عنده بالحق. ثم ركزت الآيات بعد ذلك على كل ما يدل على مقدرة الله المطلقة على الخلق وعلى كل ما في هذا الكون من نعم للعباد. فأوضحت الآيات خلقه للسموات والأرض وأنه الملك على عرشه وكيف أنه سخر الشمس والقمر لأجل مسمى. فهو الملك الذي له ميقات يوم معلوم لنهاية مخلوقاته كالشمس والقمر والليل والنهار. ثم أوضح الله بعد ذلك أنه هو الذي جعل في الأرض جنات من أعناب وزرع ونخيل ..وكل الخيرات والنعم التي في الأرض كما في الآيات:{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَات ٌوَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُل إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 3-4) الرعد وبالرغم من كل هذه النعم التي أوضحها تفسير الآيات "3-4" الآتي، أنكر الكفار آيات الكتاب لشكهم في مقدرة الله على البعث ولقائه.
أما الآية: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (5) الرعد فهي التي توضح أن سبب شك الكفار في كتاب الله وكفرهم هو شكم في مقدرة الله على البعث . ونتيجة لاستنكارهم هذا استعجلوا الرسول صلى الله عليه وسلم يوم حسابهم لعدم تصديقهم به وعدم توحيد الله. والآية التالية تنص على ذلك: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ}{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ}
(5-6) الرعد
كما أنها تنص على أن الله ذو مغفرة وفي نفس الوقت ذو انتقام. فسورة الرعد جاءت مزيجاً من طابع السور التي ابتدأت بها (الم) وهو المقدرة المطلقة ومن تلك السور التي ابتدأت بها (الر) التي طابعها الرحمة. فالسورة قد أوضحت أن الله هو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنزل الماء وأنبت فيها الثمرات وجعل فيها الأزواج والليل يغشي النهار هو نفسه الذي يرحم عباده ويرزقهم. وكل ذلك هو توكيد لملك الله ومقدرته وفي نفس الوقت توكيد لرحمته ورزقه ومنفعته للعباد. والآيات التالية هي توكيد للمعنى الذي ركزت عليه السورة وهو أن بالرعد قوة تخيف الناس ومنه رزق ورحمة يطمع فيهما الناس! والآيات هي: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (12-13) الرعد من هذه الآيات يستنبط أن الله قد أقسم بأسماء صفاته التي لا يكافئه فيها أحد أي أنه لا يوجد أقدر منه على الانتقام ولا أرحم منه. وأسماء صفته المستنبطة من الآيات والتي على وزن البسملة ومكونة من الحروف المر هي: (الله المقتدر المنتقم) و( الله الرشيد الرحيم). عليه أحسب أن الله قد أقسم بهذين الاسمين أو أقسم باسم واحد هو (الله المقتدر المنتقم الرشيد الرحيم)
الأسماء التي مفتاحها الحروف (المص) ومدلولها
لقد سبق ذكر أسماء الله الحسنى التي مفتاحها الحروف "الم" والاسمين اللذين مفتاحهما الحرف "ص". بذا يكون مدلول الأسماء المركبة من هذه الأسماء المختلفة هي أسماء ملك ومقدرة مطلقة مع الوحدانية الحق والصبر المطلق الذي لا حدود له. وفي نفس الوقت يمكن أن تكون الحروف "المص" هي مفتاح الاسم المصور. وتحليل السورة التي افتتحت بها سيقود إلى معرفة المقصود بالحروف .
تحليل السورة التي ابتدأت بها ومدلولها
إن سورة الأعراف هي السورة الوحيدة التي افتتحت بالحروف " المص". والآيات الأوائل منها هي: {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} (2-3) الأعراف هذه الآيات فيها مواساة للرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يضيق صدره من الكفار والمنافقين لعدم تصديقهم لدعوته. وأن الكتاب قد أنزل أساساً هدىً ورحمة للمؤمنين. فيستنبط أن الله قد أقسم بأسماء صفاته التي لا يكافئه فيها أحد والمكونة من الحروف "المص" أن الكتاب قد أنزل بالحق على رسوله. لقد احتوت السورة كسابقاتها على قصتين: قصة أبينا آدم وإبليس وقصة أصحاب السبت. ومن أجل معرفة الموضوع الذي ركزت عليه السورة لاستنباط الأسماء التي يمكن أن يكون الله قد أقسم بها يتم تحليل هاتين القصتين.
قصة أبينا آدم وإبليس
يقص علينا المولى عزّ وجل القصة التالية: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} {قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } {قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ} {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}{قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} 10-18 الأعراف لقد بدأت هذه القصة بالحديث عن تكريم أبينا آدم وتصويره وسجود الملائكة له إلا إبليس الذي عصى ربه ورفض السجود لأبينا آدم فطرد من الجنة. ثم أوضحت بعد ذلك الحوار الذي دار بين المولى عز وجل وبين إبليس اللعين الذي كان نهايته طرده من الجنة وتوعده لربه بأن يغوي بني آدم لأنهم السبب في إغوائه. ثم جاءت الآية التالية موضحة تكريم أبوينا آدم وحواء بالجنة ونعيمها وهي: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} (19) الأعراف
وبعد دخول أبوينا الجنة بدأت قصتهما مع إبليس حيث فتنهما بارتكاب معصية ربهما كما أوضحته الآيات التالية:{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}{قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (20-24) الأعراف لقد أخبرنا الله أن أبوينا قد اتبعا إبليس عدوهما وعدو الله فأكلا من الشجرة فكانت عاقبة أمرهما خسرا كما أوضحته الآية التالية: {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (22) الأعراف فما يستفاد من هذه القصة هو: أن الله الواحد الأحد الذي هو أقدر المقتدرين على خلق البشر وتصويرهم كيف يشاء هو أصبر الصابرين على جحودهم لنعمه وعصيانه وطاعة غيره. ومن مغزى هذه القصة يستنبط اسم صفة المفاضلة "الله الملك الصمد المصور الصبور" المكون من الحروف "المص" على وزن البسملة. أي أنه الملك الذي لم يلد ولم يولد وهو أصبر الصابرين على خلقه الذين صورهم
فعصوه والله أعلم.
قصة أصحاب السبت
إن أصحاب السبت هم الذين ابتلاهم الله بأن لا يصطادون الحيتان يوم السبت. فكانت تأتيهم حيتانهم يوم يسبتون ويوم لا يسبتون لا تأتيهم. والقصة تسردها الآية التالية: {واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} 163 الأعراف هذه القصة تحكي عن فريق من القرية قد اعتدى على حدود الله وتحايل على صيد الحيتان يوم السبت بأن حفروا حفرة تأتي فيها الحيتان وهو فريق الكفار"الظالم لنفسه". ونصحهم فريق من أهل القرية أيضاً بأن لا يصطادوا السمك يوم السبت لأن فيه اعتداء على حدود الله، وهو الفريق " الذي أمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر" أي فريق المؤمنين "السابق للخيرات". أما الفريق الذي "لم يعتد ولم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر" فهو فريق الأعراف الذي لم يكتسب حسنة عن طريق النصح ولم يرتكب ذنباً بالصيد. فلم يزد حسنة ولم يكسب سيئة. لقد جاء الحوار التالي بين "الذين نصحوا المعتدين" وبين "الذين لم يصطادوا ولم ينصحوا" وهو: {وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (164) الأعراف
وما يستفاد من هذه القصة هو: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤديان للتقوى ويكسبان المؤمن درجة. والآيات التالية توضح موقف كل فريق: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } {فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (165-167) الأعراف ومما يستفاد من هذه القصة هو أن الله الذي صور البشر وأنعم عليهم بنعمه سيصبر على الذين اتبعوا ابليس وتعدوا حدوده وعصوا أمره وهو أصبر الصابرين عليهم وأقدر المقتدرين على الانتقام منهم. وإذا تفكرنا في نهاية الآية 167 هي صفات الله التي لا يكافئه فيها أحد. فمنها يمكن الوصول لأسماء نفس الصفات المكونة من الحروف "المص" وهي "الله الملك الصمد " و"الله المصور الصبور" أو (الله المنتقم الصبور) والله أعلم.
إن اسم السورة الأعراف والآيات التي وردت في السورة يدلون على أن القسم كان بمقدرة الله المطلقة على تصوير البشر وتكريمهم ثم بعد ذلك كله يصبر على معصيتهم وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أي أنه ذو مقدرة على عقابهم وذو مقدرة على الصبر عليهم وعلى رحمة المتقين . والله أعلم.