صبرى محمد خليل خيرى .
البلد : السودان عدد المساهمات : 96 نقاط : 284 تاريخ التسجيل : 31/07/2014
| موضوع: الحكمة والمفهوم الاسلامى للفلسفة 2015-02-19, 06:49 | |
| الحكمة والمفهوم الاسلامى للفلسفة د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم دلالة لفظ الفلسفة : ترجع الدلالة الأصلية لمصطلح فلسفة إلى لفظ يوناني مشتق من كلمتي (فيلو) و (سوفيا) أي محبة الحكمة، وهناك من يرى أن هذا اللفظ قال به فيثاغورس الذي رأى أن الإله وحده الحكيم أما الإنسان فيجب أن يكتفي بمحبة الحكمة. غير أن هذا الرأي رفضه البعض لأن فيثاغورس كان معروف عنه الغرور وعدم التواضع ، وهناك من يرى أن سقراط هو أول من استخدمها. وعلى أي حال استخدمها أفلاطون ليميز بين حب الحكمة عند سقراط وادعاء الحكمة عند السفسطائيين.أما تعريفات الفلسفة فقد تعددت طبقاً لتعدد الفلسفات ومناهج المعرفة المستخدمة في تعريفها. مصطلح الحكمه: إذا كان القدماء اليونانيين قد اكتفوا بوصف الإنسان بأنه محب للحكمة ، فان القران الكريم قد جمع بين وصف الله تعالى بالحكمة، كما في قوله تعالى(والله عزيز حكيم) (المائدة: 38)، ووصف الإنسان بالحكمة، كما في قوله تعالى( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ..)، مع وجوب أن نضع فى الاعتبار أن الحكمه إلهيه مطلقه ،والحكمة الانسانيه محدودة ، بناء على هذا فإننا نرى إن مصطلح (حكمة ) هو المصطلح القرآني المقابل لمصطلح (فلسفة) في الفكر الغربي ، وهذا ما يمكن استنباطه من ورود مصطلح الحكمة في القرآن بمعاني كالعقل والعلم والفهم والإصابة في القول ( ابن كثير، تفسير القرآن العظيم. زبده التفسير من فتح القدير، ص540.) المفهوم الاسلامى للفلسفة :وينطلق المفهوم الاسلامى للفلسفة - ممثلا في مفهوم حكمة - ابتداء من أن الحكمة صفه إلوهية(والله عزيز حكيم) (المائدة: 38) ، و بالتالي فان أولى نتائج تطبيق مفهوم التوحيد (توحيد الإلوهية)هنا هو إفراد الحكمة المطلقة لله تعالى ، وبالتالي فإن إسناد الحكمة المطلقة لسواه تعالى هو شرك في الإلوهية (سواء كان شرك علمي أو اعتقادي)،وبالتالي فانه إذا كان من الممكن في المفهوم الاسلامى إطلاق صفه حكيم – فيلسوف على شخص معين، فانه لا يجوز فيه إطلاق صفه الحكيم – الفيلسوف – (ب "ال" التعريف) على اى شخص- مع إيضاح أن الحكمة الإلهية مطلقة والحكمة الإنسانية محدودة- وللحكمة الإلهية (المطلقة) شكلين من أشكال الظهور: ذاتي في الحياة الآخرة،و صفاتي في الحياة الدنيا، وللأخير شكلين: الاول: تكويني: يتمثل في إيتاء الله تعالى الإنسان العقل بما هو نشاط او فاعليه معرفيه عقليه محدودة تكوينيا وتكليفيا. الثاني:تكليفي: يتمثل في الوحي، والمفاهيم والقيم والقواعد الموضوعية المطلقة التي يتضمنها ، والتي تحدد العقل بما هو نشاط او فاعليه معرفيه عقليه فتكمله وتغنيه ولكن لا تلغيه. وطبقا لمفهوم التسخير فان الأشياء والظواهر التي لها درجه التسخير تظهر الحكمة الالهيه المطلقة على وجه الإجبار ، فهي دائماً آيات دالة على حكمته المطلقة تعالى. و مضمون مفهوم الاستخلاف هنا هو إظهار الإنسان لصفة الحكمة الالهيه المطلقة في الأرض (أي في عالم الشهادة المحدود بالزمان والمكان) على وجه الاختيار (يؤت الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً ..) وهو ما يكون بالآتي: توحيد الإلوهية: بإفراد الحكمة المطلقة لله تعالى كما سبق بيانه. العبادة : ومضمونها هنا اتخاذ صفة الحكمة الإلهية مثل أعلى مطلق يسعى الإنسان إلى تحقيقه في الأرض،دون ان تتوافر له امكانيه التحقيق النهائي له ، فضلا عن تجاوزه.ولا يعني هذا إلغاء الحكمة الإنسانية بل تحديدها ،وذلك باتخاذ مقتضى صفة الحكمة الإلهية التكويني (السنن الإلهية الكلية والنوعية التي تضبط حركه العقل كفاعليه معرفيه عقليه ) والتكليفى (القواعد التي جاء بها الوحي والتي تحدد العقل كفاعليه معرفيه عقليه ) ضوابط موضوعية مطلقة للحكمة الإنسانية. والحياة الاخره قائمه على ظهور ذاته تعالى، والذي عبر عنه القران بمصطلح التجلي، بخلاف الحياة الدنيا القائمة على ظهور صفاته تعالى ، وفيها تظهر الحكمة الالهيه المطلقة ظهورا ذاتيا لا صفاتيا، يدل على هذا جمله من الآيات التي تصف الاخره، وتقرن هذا الوصف بإسناد صفه الحكمة إلى الله تعالى( خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم )(لقمان: 2)( وان ربك هو يحشرهم انه حكيم عليم)(الحجر:25). الحكمة التكوينية والحكمة التكليفيه : وطبقا للمفهوم الاسلامى للفلسفة المستند إلى مفهوم الحكمة، فان للحكمة شكلين : الأول: الحكمة التكوينية: ومضمونها نشاط او فاعليه معرفيه ، تهدف إلى محاوله حل المشاكل التي يطرحها واقع معين، لكن على مستوى معين يتصف بالكلية والتجريد، ومن خلال منهج معين يتصف بالعقلانية والمنطقية والنقدية والشك المنهحى،وهى ما يقابل الفلسفة في الفكر الغربي، ويمكن استنباط مفهوم الحكمة التكوينية من القران الكريم وكتب التفاسير يقول تعالى (يؤت الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا )( البقرة:269)( قال ابن أبى نجيح عن مجاهد يعنى بالحكمة الاصابه في القول ، وقال ليث عن مجاهد ليست النبوة لكن العلم والفقه والقران ، وقال ايراهيم النخعى الفهم ، وقال ابن وهب عن مالك قال زيد بن اسلم العقل ( ابن كثير، تفسير القران العظيم)، وقال تعالى (ولقد آتينا لقمان الحكمة ان اشكر الله )فى التفسير(الحكمة التي آتاه الله العقل هي الفقه والعقل والاصابه في القول) ( زبده التفاسير من فتح القدير ص 540) ثانيا: الحكمة التكليفية: وهى المفاهيم والقيم والقواعد الموضوعية المطلقة التي جاء بها الوحي، و التي تحدد الحكمة التكوينية، وهى ما يقابل الدين. وهناك العديد من الآيات التي تشير إلى الحكمة التكليفيه كقوله تعالى( ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة)( الإسراء:39). والعلاقة بين الحكمة التكليفيه والحكمة التكوينية هي علاقة الكل بالجزء. ويترتب على هذا ان العلاقة بين الدين(الحكمة التكليفيه) والفلسفة(الحكمة التكوينية) في المفهوم الاسلامى للفلسفة، والمستند إلى مفهوم الحكمة القرانى، ليست علاقة فصل ( كما في بعض الفلسفات الغربية كالوضعية المنطقية والماركسية...) ، ولا علاقة خلط (كما في الفلسفات الغربية في العصر الوسيط كفلسفات أوغسطين وتوما الاكوينى وفلسفات الأديان الشرقية القديمة)، بل هي علاقة تحديد وتكامل، اى ان الدين(الحكمة التكليفيه) يحدد الفلسفة(الحكمة التكوينية) كما يحدد الكل الجزء فتكملها وتغنيها ولكن لا يلغيها. الحكمة بين الامكانيه والتحقق: كما انه يجب التمييز -وليس الفصل- بين معنيين لمصطلح الحكمة : المعنى الاول: الحكمة كنشاط او فاعليه معرفيه مستمرة في كل زمان ومكان، لأنها محاوله لحل المشاكل المتجددة زمانا ومكانا (الاجتهاد). المعنى الثاني: انماط او أشكال هذه الفاعلية المعرفية ،والتي مضمونها محاوله حل مشاكل يطرحها واقع معين زمانا ومكانا . فالحكمة بالمعنى الاول تمثل العقل بتعبير ابن تيميه، أما الحكمة بالمعنى الثانى فتمثل محصول العقل بتعبير ابن تيميه. أما العلاقة بينهما فهي ان الحكمة بالمعنى الاول تتخذ من الحكمة بالمعنى الثانى نقطه بداية ، اى تعتبرها حلول تتجسد فيها تجارب وخبره الامه وماضيها، وليست نقطه نهاية تعوقها او تلغيها . الحكمة ومصطلح الفلسفة: إن ما سبق من حديث عن الحكمة ينصب على علاقتها بالفلسفة من حيث المضمون(المعنى او الدلالة)، أما الفلسفة من حيث الشكل (اللفظ او المصطلح) ،فلا حرج من استخدامه ، ما دام هذا الاستخدام للفظ ذو دلاله لا تتناقض مع قواعد الوحي المطلقة على الوجه السابق بيانه، لان العلماء قالوا انه لا مشاجه في الاصطلاح، والعبرة بالمضمون لا الشكل، كما ان القران الكريم احتوى على عشرات الكلمات ذات الأصول الاعجميه كسندس وكرسي وإستبرق ..(عدنان سعد الدين ، الحركة الاسلاميه رؤية مستقبليه ،مكتبه مدبولى، ص271 )،كما الكثير من علماء الإسلام قد استخدموا مصطلح الفلسفة بدون حرج، يقول أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ( الشافعي فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والمعاني، والفقه (البيهقي ، معرفة السنن والآثار (1/118 ). وابن عساكر ، تاريخ دمشق 51/350).
|
|