يتردد في الأدبيات المكتوبة والشفهية مقولة الشمال المتقدم والجنوب المتخلف ) أو مقولة : ( الشمال الغني والجنوب الفقير ) فيتم تقسيم الشعوب من حيث الغنى والفقر أو من حيث التقدم والتخلف ، على أساس الموقع الجغرافي ، وكأن المكان هو الأصل في اختلاف  شعوب الأرض وعلته ، حتى أصبحنا نخال كل من سكن شمال الكرة الأرضية غني بالضرورة ومتقدم وديمقراطي ، وكل من سكن جنوب الكرة الأرضية فهو متخلف سلفا وفقير  واستبدادي وفاسد .
       لو سلمنا جدلا بهذه المقولات واعتبرنا الموقع الجغرافي هو السر في هذا الاختلاف ، وافترضنا تبعا لذلك أن سكان الجنوب قد أصبحوا يوما ما هم سكان الشمال وأن سكان الشمال قد انتقلوا للسكنى بالجنوب ، لتصورنا دولا مثل الصومال وجيبوتي ومالي وبوتسوانا وغينيا وما جرى مجراها دولا متقدمة وقوية وديمقراطية تعيش السؤدد والعز والرفاه ، وتدير دفة الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي حسب ما تقتضيه مصالحها ، وتمسك بزمام مجلس الأمن  وتصدر الأحكام القيمية في حق الدول الأخرى فتعتبر بعضا منها دولا صديقة وبعضا منها  دولا مارقة يجب تأديبها بالحصار والتجويع وتجميد أرصدتها وإن اقتضى الحال شن الحرب عليها . كما ستكون الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا وكندا وألمانيا دولا متخلفة تعيش الفقر والفاقة والأمراض المستعصية الوبائية مثل الايدز والإيبولا ، وتعيش حروبا أهلية لا يخبو أوارها وانقلابات عسكرية متواصلة واقتصاد يعتمد على القروض وهو في خدمة البلدان المتقدمة بشركاتها العابرة للقارات ، أما شبابها فيركبون زوارق الموت للالتحاق بالدول الغنية في الشمال ليعانقوا أحلامهم الوردية .