حوار سفسطائي :
تعارفنا لبعض الوقت ؛ جمع بيننا مقعد واحد من مقاعد القطار والمسافة لا زالت طويلة ، فتشاركنا الرغبة في تمضية الوقت ببعض الحديث، كان علي أن أتعرف عليه كما تعرفّ عليّ... فسألته :
ـ وأنت ياصاحبي ما عملك؟
ـ أنا موظف.
ـ ماذا تعني ، موظف؟
ـ ضحك ضحكة لا تخلو من تعال ، ثم أردف قائلا، ألا تعرف ما معنى موظف!؟
ـ أجبته ، بلى، إنه اسم مفعول من فعل وظف يوظف ، واسم المفعول هو ما وقع عليه فعل الفاعل.
ـ قال: أنا نوظف، تعني أعمل مع الدولة ، وأقوم بمهام معينة مقابل أجر شهري أتقاضاه.
ـ وما هي الدولة؟
ـ هي مجوعة من الكيانات أو لنقل أجهزة وفعاليات سميها ما شئت ، ذات هرم سلمي يتوزع عبر وزارات ومديريات وأقسام ومصالح ومكاتب .. تجسد عدة سلط  وتقوم بعدة مهام.
ـ وما هو أعلى منصب فيها ؟ سألته مستفسرا.
ـ رئيس الحكومة على مستوى الحكومات . والملك أو الرئيس أو الأمير على مستوى الدولة .
ـ ما هي مهامهم ؟
ـ ألا تدري ماهي مهامهم ؟ إنها خدمة الشعب ، الذي يتولون أموره.
ـ إذا ، فهم خدام الشعب وموظفوه .
ـ طبعا ، طبعا . ما في ذلك شك .
ـ وما هو الشعب؟
ـ إنه ـ  أنا ، وأنت ، وهو ، وهي وهم ، وهن.. وكل من دب من البشر يحمل جنسية البلد ـ.
ـ إذا ، فأنت موظف لخدمتي وخدمة هذا وذاك وكل من بالوطن ،وكذلك الوزير ومن فوق الوزير.
ـ طبعا، قالها ـ مع توظيف المؤكدات الحركية من رفع للحاجبين ولكلتا يديه واتساع للحدقتين ـ
ـ بحسب ما تقول وتؤكد ، إن الأحق بالسيادة عموم الشعب ، يعني أنا وأنت وهو وهي وهم....
ـ نعم المنطق يقول ذلك .
فلماذا نقوم إجلالا وإكبارا لهذا الموظف أو ذاك؟ ولا يقوم الموظف لهذا المواطن أو ذاك إجلالا وإكراما وإكبارا ويوليه ما يستحق من العناية ويقضي حاجته التي جاء من أجلها في يسر؟
ـ ربما في كلامك شيء غيرمفهوم !
ـ وما هو؟
ـ الوقوف يكون للموظفين السامين.
ـ بل هذا هو الغموض بعينه. كيف يكون موظفا ساميا وهو موظف ، ولقد سبق في تعريفنا للموظف أنه اسم مفعول من فعل وظف يوظف ، واسم المفعول هو من وقع عليه فعل الفاعل. أموظف سام ويقع عليه فعل الفاعل !!  يعني هو سام ويخضع لفعل فاعل، لأنه بمثابة المفعول به. فأين هو السمو هنا !
ـ عدل من جلسته وضم إليه جناحا جاكيتته ، وأرسى نظارتيه ، ثم قال: لم أستطع استيعاب هذا ، ربما في الكلمة لبس معين يتطلب استجلاءه ، أولعل الكلمة  تحمل معنى غير ما هو متعارف عليه في قواعد اللغة العربية !

حسن ستيتو