دقٌّ قوي ٌ ومتكرر على الباب ، أطل من النافذة وهو يسأل بصوت شبيه بالصياح والاحتجاج ،من ؟من ؟
افتح بسرعة. من أنتم ؟ نحن نشطاء ؟ ماذا ؟ قلنا نحن نشطاء وعليك فتح الباب فورا . حسبهم قد ضلوا وجهتهم إلى مرفق من مرافق الخدمات العامة أو بناية حكومية لمزاولة نشاط معين كالحفاظ على البيئة ، أو تفعيل حقوق الإنسان أو الحيوان عن طريق نشاط جمعوي، أو تقديم خدمات ذات منفعة عامة مجانا أو إقامة أمسية لصالح فئة من الفئات المجتمعية الهشة كالمعاقين أوالمشردين أو.... لم يدر .
نزل مسرعا ، وما كاد يفتح الباب حتى دلف الثلاثة يصعدون الدرج بقوة وعزيمة إلى أن صعدوا السطح وصاحب البيت يصعد وراءهم لاهثا ، أخبروني ما الأمر وأي نشاط ستزاولونه في بيتي ؟ أشار إليه أحدهم بأصبعه بما يفيد الصمت وهو يركب رقما على هاتفه النقال ؛ نعم نحن على سطح البيت رقم تسعة ، زنقة رقم خمسين . إنه موقع ممتاز ، هيا بسرعة نحن في انتظاركم ، وما هي إلى دقائق ، إذا بنفير سيارة صاخب يتكرر ثلاث مرات متتالية ، اطل أحد الثلاثة وأومأ للذين هم في الأسفل بالصعود وأمر الاثنين اللذين معه بالنزول لمساعدة رفاقهم ، صعد الشباب وهو يتصببون عرقا جراء العتاد العسكري الذي يحملونه (صناديق من حديد بها رصاص وقنابل يدوية ،وعلى أكتافهم رشاشات ومدافع الهاون وقذائف الآربي جي وأحزمة الرصاص.. وغيرها من وسائل القتل والتدمير. بهت صاحب الدار جراء ما يرى ، وكاد أن يغمى عليه . يسأل في شبه استعطاف ، هل صيرتم بيتي ثكنة عسكرية ؟ يا ناس ، هل أصبح منزلي موقعا عسكريا؟! ما هذا يا ناس !؟ هذا بيت للسكن وليس ساحة للمعركة ، إنه بيتي ، ألوذ به وعيالي ، هذا بيت للسكن والستر وليس موقعا عسكريا، بالله عليكم ما ذا جرى لعقولكم ؟ لا تدمروا بيتي ، بالله عليكم اتركوني في حالي فأنا رجل مسالم ولا شأن لي بالسياسة ولا بالصراع السياسي فأنا أبو العيال ، لا تشردوني وأبنائي . التفت إليه قائد المجموعة وقال في صوت ينبئ بالثقة والتحدي :" نحن لا نشرد أحدا ، نحن الذين سنيعد لك ولأولادك الكرامة والإنسانية ، إن الذي نفعله ما هو إلا واجب أنساني ووطني ، وعليك أن تبارك عملنا وتدعوا لنا بالنصر على العدو ، وأن تقدم لنا كل ما نحتاجه من خدمات هيا انزل معي وأطلعني على مرافق بيتك فنحن في حاجة إلى كل مرفق مرفق كيف ما كان ، هيا ."
خرج الرجل من البيت صحبة زوجته وابنتيه الشابتين وولده ذو العشر سنوات يحملون معهم الضروري مما قدروا على حمله وهم لا يدرون أيّ جهة سيقصدونها ؟ ولا أَيّ مأوى يأوون إليه ؟
اتجهوا يمينا والأب ( المعلم علي ) يبكي المرارة على بيته الذي غصبه منه هؤلاء ، وزوجته شاردة الذهن لا تدري أين تطأ قدماها الفاشلتان ، أما ابنتاهما فلقد استولى عليهما الهلع والرعب من المصير المجهول الذي سيصيرون إليه ، إنها مصيبة كبيرة ، كبيرة بجميع المقاييس .
عند تقاطع زنقتهم بالزنقة الأخرى المقابلة ، إذا هم بالحاج سعيد وأمه المسنة وزوجته وبنته المطلقة بولدها الصغير ، يجرّون من ورائهم أذيال الخيبة وقد حملوا على كواهلهم الضروري مما قدروا على حمله من الأغراض.
ما الذي حدث ؟ إنهم النشطاء ، اتخذوا بيتي موقعا لهم . وأنت ما الذي حدث أنا الآخر اغتصب النشطاء بيتي مني وحولوه ثكنة لهم وموقعا للرماية ! إلى أين ستذهب الآن مع أهلك ؟ لا أدري .وأنت ؟ أنا الآخر لا أدري .وبينما هم يفكرون في المكان الذي سيقصدونه إذا بالطلق الناري العنيف والكثيف ينطلق من بيت الحاج سعيد في اتجاه بيت المعلم على ، ويتم الرد عليه من بيت المعلم علي في اتجاه بيت الحاج سعيد ، سقط جزء من جدار هذا البيت وسقط عدد من اللبنات من البيت الآخر , ثم سمع طلق قوي من منزل بحومة وتم عليه الرد من منزل آخر بالحومة الأخرى .. طلق من هنا وطلق من هناك ، دوي من هنا ودوي من هناك ، تفجير هاهنا وتفجير هناك ؛ الدخان والنار في كل مكان ، سيارات الإسعاف ذاهبة راجعة ، تكدسُّ السيارات في الشوارع والمدارات هلع وخوف .....
لقد بدأ المتقاتلون قتالهم ! عفوا ،عفوا ، لقد بدأ النشطاء نشاطهم .
حسن ستيتو