منصف بن العربي *
عدد المساهمات : 1 نقاط : 3 تاريخ التسجيل : 31/05/2010
| موضوع: باربي في الزقاق 2014-05-25, 15:48 | |
| باربي في الزقاق الزقاق اسم عربي يدل على الشوارع الضيقة يسير فيه الجميع بأدب وحياء، لم يعد ذِكره منتشرا بيننا لأنّ شوارعنا اتسعتْ لنا ولغيرنا .. أمّا باربي فإسمٌ ليس بعربيٍّ ولكن عَرَّبته شُهْرَتَهُ، اسمٌ أُطلق على دمية هوليودية يهودية، سرعان ما أصبحتْ كما يقول المثلُ العربي: "نار على علم" أيْ مشهورة، كما كانت شهرة صخر وأخته الخنساء التي قالت في رثائه: وَإِنَّ صَخراً لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِـهِ ... كَأَنَّهُ عَلَــمٌ فـي رَأســِهِ نــارُ وقلتً على منواله: وإنّ باربي لتقتدي البناتُ بها ... في هيأتها قمر ليلة البدر خرجتْ باربي الدمية إلى الأسواق كلعبة العرائس، في صورة ممشوقة رشيقة وحلّة أنيقة رقيقة ببدنها لصيقة، حذاؤها ذو كعب عالٍ، لا يُلبس إلاّ في الخيال، الأحمر زينتها على الشفاه والخدود، وابتسامتها عريضة بلا حدود، أعمارها مختلفة بين البُنَيَّةُ والصبِيَّة وحاملة الحقيبة الذهبيَّة، تتلقفها البنيّات ذات اليمين وذات الشمال، يمشّطْنَ لها الشعر وهن يُغنّين: "دميتي خير اللعب ولها أمّ وأب"، لا ينَمْنّ حتّى تنام الدُمى ويقبلنها. بقيتْ باربي الدمية على حالها إلاّ في أنواع لباسها وفساتينها، بينما كَبُرتْ صورتها في أذهان البنيّات، ولم يجدنَ بدًّا من تقليدها وهنّ فتيات.. فخرجت باربي من سكونها بين الأيادي، وكأنّ الروح قد نُفخت فيها، تمشي في الشوارع والساحات وتدخل الدكاكين والمحلاّت، وصاح البنين والبُنيّات: باربي في الزقاق تمشي مع الرفاق!!. كبرتْ البُنيّات وأصبحن صبيّات وفتيات يقلّدْنَ باربي، بل تفوَّقنَ عليها في اللباس؛ سراويل (فيزوات) أقل من المقاس، وتنانير قصيرة بألوان زهية؛ حمراء وزرقاء وصفراء وخضراء...ووردية، وأثواب مثقوبة ومقطعة كأنها بالية، لا تُخفي سوى لون البِشرة، يكاد مَن أطلق عيناه للنظر ولا يسبح ويستغفر، من خلالها مَعرفة المقاس والطول بالمليمترِ، وكلّ النتوءات والتجاعيد والبُؤَرِ .. يضعن العطور والأصباغ والطلاء، ويمشين بتمايلٍ مشيةَ حيّةٍ رقطاء.. ومَن لم تستطع ذلك، ضيّقتْ وزركشت ما يشبه الحجاب وخرجت عن الآداب في ذهاب وإيّاب. واللافتُ أنّ الأولياء، أمّهاتٌ وآباء، الذين يفتخرون بأنّهم تربّوا على الحشمة والحياء، لا يجدون حَرَجًا أنْ تكون بناتهم باربي، ويرافقونهن بدون انزعاج وهنّ على تلك الهيئة إلى المدرسة والأسواق بين شارع وزقاق .. أيْن الحشمة والحياء؟!! أمْ أنّ المفاهيم تغيّرت، والمسمّيات لا تعبّر عنها الأسماء؟ قد يكون مفهوم الحشمة قد تغيّر من الظاهر إلى الباطن، كما يقول بعض الجهلاء: "الايمان في القلب" وتناسوْا أنّ: "الايمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل". متَّفِقون أنّه لا لوم على البنيّات اللاعبات فإنّهنّ بريئات .. فمَنْ نعيبُ؟ الفتيات الحالمات المقلّدات، أم المستوردين الذين لا يهمهم سوى ربح الدولارات، أم التجّار الذي يشترون ما تتكرّم به الحاويات، أمْ الخيّاطين والخيّاطات الذين عجزوا عن الحفاظ عن الموروثات، أم الآباء والأمهات، أمْ مَنْ سمح بوصول الوضع إلى هذا الحدّ وفشل في بلورة سياسات ناجحات، أم ... ، أم مخطط لعين يخفي حقد دفين على دين ربّ العالمين، الكلّ غير بريء. فالمحافظة على الأبناء والأجيال، والميراث والتراث، مُهِمّة الجميع دون استثناء في كلّ زمان ومكان، ولا يُلتفتُ فيها لمكاسب مادية ومنافع شخصية قد تزول في أيّة لحظة .. ونجاح الغرب أو الشرق في تغيير ملامحنا ونشر ثقافته، لهو شرّ مستطير، وأمر خطير، يسلبنا الهوية، ويدفننا في الجهالة والأميّة، ويرمينا بعيدا عن الصعود الحضاري والأمم القويّة.
|
|