الدلالة النحويّة
هاني علي الهندي
من المعروف أنَّ نظام الجملة العربيّة يحكمه ترتيب خاص ، لو اختلَّ هذا الترتيب لأصبح من العسير تفسير فهم المراد من الجملة، هذا الترتيب أطلق عليه علماء اللغة الدلالة النحويّة، وهو علم يبحث في بناء الجملة ويقوم برصد التغيير الذي يطرأ على أواخر الكلمات التي تتخذ كل منها موقعاً حسب قوانين اللغة. وقد أولى علماء اللغة القدامى اهتماماتهم في هذه المسألة فراحوا يدرسون ويبحثون في القرآن الكريم والأحاديث النبويّة الشريفة والشعر العربي القديم حتى توصّلوا إلى الوظائف النحويّة والدلاليّة للكلمات، وفي ذلك أشار ابن خلدون في مقدِّمته إلى أهميّة النحو الذي به نتبيِّن أصول المقاصد بالدلالة فيعرف الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر ولولاه لجهل أصل الإفادة. وفي هذا الصدد أكّد الجرجاني(37) أن الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب هو الذي يفتحها، وإن الأغراض كامنة فيها.
وبعد الدراسة والبحث خلصوا إلى أن الإعراب كما أورده ابن جنّي هو" الإبانة عن المعاني بالألفاظ، وقال: ألا ترى أنك إذا سمعت، أكرم سعيد أباه، وشكر سعيدًا أبوه علمت أحدهما ونصب الآخر الفاعل من المفعول، ولو كان الكلام سِرجاً واحدًا لاستبهم أحدهما من صاحبه" فالإعراب إنما جيء به دالاً على اختلاف المعاني، وهو يقوم بدور أساسي في تحديد الوظائف النحويّة للكلمات من خلال الحركات التي تفرِّق بين الكلمة والأُخرى. فالحركات الإعرابيّة التي تظهر على أواخر الكلمات هي التي تدلُّ على المعنى المقصود وتفرِّق بين الكلمات برفع هذه ونصب تلك.
كما اهتمَّ العرب بنظريّة العامل في النحو، فقالوا : الكلمة الواحدة قد تأتي فاعلاً أو مفعولاً أو مجروراً، فتنتقل من معنى نحوي إلى معنى نحوي آخر حسب العامل في التركيب، فكل كلمة تؤدي وظيفة معيّنة في الجملة من ناحية المعنى ومن ناحية العمل النحوي، فالكلمات ترتبط ارتباطاً خاصّاً ولها في بعضها تأثير خاص، ومن أجل ذلك لابدَّ من "أن يكون للكلمة حالة خاصَّة، لأنَّ المتلقي لن يفهم معني الكلام العربي إلا إذا استطاع تحديد حالة طل كلمة "، فالإعراب يلعب دوراً كبيراً في اختلاف الدلالة ؛ من هنا جاء اختلاف دلالة(ما) حسب اختلاف إعرابها في الجمل التالية: 1 ـ ما أجملَ السماءَ !
ما: اسم تعجّب مبني على السكون في محل رفع مبتدأ .
2 ـ ما أكلتُ اليوم ؟
ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب مفعول به للفعل أكل .
3 ـ يسبِّح لله ما في السَّموات وما في الأرض .
ما: اسم موصول مبني في محل رفع فاعل للفعل يسبِّح .
ومع أهميّة الإعراب في علم للغة، إلا أن بعض العلماء يرون عدم حاجتنا إلى النحو، وأننا نستطيع الاستغناء عنه، وإذا فقدناه لن تخسر العربيّة شيئاً، في حين يرى الغالبيّة العظمى أن النحو سرٌ من أسرار هذه اللغة العظيمة ويمدها بروح وقوة وحيويّة، وهذا هو الصواب .
فالدلالة النحويّة كما لاحظنا تدخل في كل ما يربط بين كلمتين أو أكثر، إضافة إلى الجمل والأدوات الدالّة على معان نحويّة، وبذلك صار في اللغة العربيّة الإعراب الوظيفي أو الدلالي أو الإعراب الجمالي .