الدكتور أسعد محمد علي النجار
بين خصائص اللهجة الحلية والمحيط في أصول ألفاظها
محمود كريم الموسوي
بعثت بروايتي (أيام مظلمة في حياتي) للأستاذ الدكتور أسـعد محمـد علـي النجـار لتصحيحها لغوياً ، فأعيدت لي مصححة ومعها ثلاثة كتب : (الدرس النحوي في الحلة) ، و(خصائص اللهجــة الحلية) ، و( المحيط في أصول ألفاظ اللهجة الحلية ) ، من مؤلفاته الإبداعية ، هــدية تؤكد كرمــه ، وحسن أخلاقه، وكان ( خصائص اللهجة الحلية ) قد سبق بإصداره كتاب ( المحيط قي أصول ألفاظ اللهجة الحلية ) ، وقد صدرا عن مركز بابل للدراسات الحضارية والتاريخية في جامعة بابل 0
وأول ما يلفت النظر في الكتابين ، ذلك الإهداء الرائع ،الذي عبر فيه الدكتور النجار عن حبه لمدينته الحلة الفيحاء فيقول في إهداء الأول
عشقتها عشقاً سكن وجداني وهمت بها هياما جرى في شراييني ) ، ويقول في إهداء الثاني . ( أملي وسلوتي ورجائي وانشودة حياتي وهمسة زماني الحلـة المطهرة) 0
وفي مقدمة مختصرة لكتاب ( خصائص اللهجة العامية ) بين لنا الدكتور النجار أهمية دراسة اللهجات العامية لمعرفة كثير من الظواهر اللغوية الشائعة 0
وفي بداية التمهيد أوضح لنا دلالة مفردة (الحلة) بأربع فقر كان مقصده الفقرة الأخيرة منها : (علم لعدة أماكن) ص6 ، موضحا ما يخص مدينته (الحلة) ، ثم عرج إلى القبائل التي سـكنت هــذه المدينة قبل الإســلام بقوله: ( ومادام بحثنا يعالج موضوع اللهجة الحليـة فحري بنا أن نتعرف على القبائل التي سكنت هذه المدينة قبل الإسلام ، وبعده ،لنعرف امتدادات هذه اللهجة وعمقها التاريخي) ص8، فوصف لنا بنو أسد، وبنو تميم ، وبنو طيء ، وبنو ربيعة ، وخفاجة ، مبينا سكنها ، في محلة الجامعين ، ومحلة الطاق ، ومحلة جبران ، ومحلة المهدية ، ومحلة الجباويين ،ومحلة التعيس ذاكرا أسماء أزقة هذه المحلات ، وأشـهر الأســر التي سكنتها ، وأهـــم المعالم فيها من مساجد ، ومراقد ، فظهر في محلة الجامعين (13) زقاقاً (عـﮔد) ، ليدل على أنها أكبر المحلات وأكثرها أزقة 0
وحيث وزع مادته في خمسة فصول ، خص الفصل الأول باللغــة واللهجـة ، فعرّفنا بوظائف اللغــة ، ثم عرف اللهجــة : (هي اللسان أو طـرفه أو جرس الكلام ، أو هـي اللغــة التي جبـل عليها الإنسان فاعتادها ونشأ عليها ) ص31 0
وبعد أن تناول موضوع اللغة والثقافة والحضارة ، ثم اللغـة والبيئة ، وأخذ العربية واللهجات القديمة ، بعده العربية واللهجات المعاصرة ، عــدد لنا بالتوضيح أســباب نشأة اللهجات المعاصرة ، فحصرها في خمسة أسباب: ( جغرافية / اجتماعية / مهنية / احتكاك لغات / فردية) ، ولكثرة ما مر بالحلة من أقوام ، وحضارات ، في تاريخها الطويل ، ولكون اللغة هي وعاء للتاريخ فيقول الأســتاذ الدكتور النجار في موضوع (العربية ولهجة الحلة) : ( لهجة الحلة تنبئك عن ســير هذه الحضارات التي رسمت شكلها على تاريخ هذه المدينة) ص43،وضرب لنا الأمثال في العلاقة القوية بينها وبين اللهجات العربية القديمة ، وفي المفردات الفصيحة ، التي ظنها البعض إنها من الألفاظ العامية، وفي تعابير مركبة (ظلت محافظة على أصالتها العربية صوتا ودلالة ) ص 47، ليختم الفصل بموضوع (الاختزال من قيم اللغات ) 0
ويبــدأ الفصل الثاني الـــذي خصه في (الخصائص الصوتية) فيعرّف لنا صفات الحــروف : (هي الكيفية التي تعرض لها حال نطقها في المخرج) ص 57،ووضعها في قسمين الأول : الصفات المتضادة وهي : ( الهمس والجهــر / الشـدّة والرخاوة / الاستعلاء والاسـتفال / الإطباق والانفتاح / الاذلاق والاصمات )، موضحا معنى كل واحدة منها ودلالاتها، والثاني
الصفات التي لا ضـد لها) فجعلها في ثمان صفات
الصفير/ القلقلة / الغُنِّة /التفشي / الاستطالة /الانحراف / التكرير / اللين ) ومبينا معانيها اللغوية 0
وفي نظام أصوات اللين أفادنا بالإبدال الذي عرّفه
قيام شيء مقام الشيء الذاهب) ص62 ، ذاكــرا الإبدال في اللهجــة الحلية في الفقــر التالية : ( السين والصاد / الذال والظاء / الجيم والياء / القاف والكاف /القاف والجيم /الكاف والجيم الفارسية /القاف والغين /العين والهمزة /العين والنون / الجيم والشين) وفي الهمز أوضح لنا : ( الهمزة الساكنة / الهمزة المتحركة / التقاء همزتين )، بعدها جاء بالإدغام ،والقلب،والميل إلى الكسر ،والميل إلى الفتح ،والإتباع ،والتفخيم ،والتخفيف، والإتباع والمزاوجة ) ، وما عليه في اللهجة الحلية 0
انتقل بنا إلى الفصل الثالث (الخصائص الصرفية ) فبين أهـم الخصائص الصرفية في اللهجة الحلية ، بأمثلة كثيرة ، وجداول توضيحية في موضوعات : ( الأفعال / الأسماء / تكوين الأسماء / الضمائر / اســم التفضيل / صوت المبالغة / النسب / التصغير / الصفة المشبه / اســم المكان / اسم الآلة / النحت / الإتمام) 0
وفي (الخصائص النحوية) التي وردت في الفصل الرابع ، يقول الدكتور النجار فـي افتتاحية الفصل : ( تتسم اللهجات المعاصرة ومنها لهجة الحلة بخلوها من العلامة الإعرابية ويميل الناطقون بهذه اللهجات إلى تسكين أواخر الكلمات ) ص 122، ثم بين المواقع الإعرابية للكلمات عندما تنتظم بجمل مفيدة دون النظر إلى الحركات في المواقع التالية
الأفعال / الأسماء / الجملة الفعلية والجملة الاسمية/ اسلوب التوكيد/ اسلوب النفي/ اسلوب النهي/ اسلوب الاستفهام/ اسلوب النداء والاستغاثة / اسلوب القسم / العبارات الزمنية / اسلوب العطف / النعت / اسلوب المدح والــذم / اسلوب الشرط / الأسماء الموصولة / أسماء الإشارة / العمد / الفضلات / أدوات الجر / العدد ) 0
أما الفصل الخامس ( الخصائص الدلالية ) ، ففيه يعرف لنا معنى الدلالة فيقول
هي العلاقة بين اللفظ والمعنى، فاللفظ يكون دالاً والمعنى يكون مدلولاً، وللدلالة ماينصرف إليه اللفظ في الـذهن من مدرك أو محسوس ) ص159، ذاكرا أربعة أقسام لمظاهر التطور الدلالي ، وموردا من الأمثال ما يجعلنا نمسك جملة من ظواهر التطــور اللغــوي في لهجتنا الحليــة ، ثم وضع لنا جدولاً بالألفاظ التركية التي دخلت في اللهجة الحلية ، وآخر بالألفاظ السريانية ، وثالث بالألفاظ الانكليزية ، ورابـع بالألفاظ الاكدية ، وخامس بالألفاظ الفارسية ، ثم أوضح المشترك اللفظي ، والترادف ، والأضداد ، والاشتقاق ، بأنها ظواهر دلالية في لهجة الحلة ، تشير إلى تعدد المعنى 0
ستة ملاحق بعد إنهاء الفصل الأخير ،الأول في أسماء الاعلام ،والثاني في الأسماء والكنى ، والثالث فـي أوزان ألفاظ معايب الناس ، والرابع فـي أوزان ألفاظ مدح الناس ، والخامس فـي أمثال اللهجة الحلية ، والأخير طائفة من الشعر المحكي في اللهجة الحلية 0
ويكفي الاطلاع على ثبت المصادر الذي احتوى على (149) مصدرا ، إضافة إلـى المتابعة الميدانية ، لنعرف الجهد الكبير الذي بذله الدكتور النجار في بيان خصائص اللهجة الحلية 0
ولــم يتوقف الأستاذ الدكتور أسـعد النجار عند تتبع خصائص اللهجــة الحلية ، بل راح يلتقـط مفرداتها ، ويعيدها إلى أصولها الفصيحة ، ويبين دلالاتها ، وعوامل نشأتها في مؤلفه ( المحيط فـي أصول ألفاظ اللهجة الحلية) ، الذي وزع محتواه في ثلاثة فصول ، كان أوسعها الفصل الأول، الذي احتوى على (1719) مفــردة من مفردات اللهجــة الحلية ، مع توضيح لمعانيها ،ودلالاتها ، وردها إلى أصولها في اللغة العربية الفصيحة ، فقد اختص الفصل بالألفاظ التي لها أصول فصيحة ، رتبت على وفق الترتيب الالفبائي ، مما يسهل على القارئ الوصول إلى المفردة التي يبتغيها
وجاء الفصل الثاني بـ (629) لفظة من الألفاظ الدخيلة في اللهجة الحلية ،والمولدة ،والمعربة احتلت فيها الألفاظ الفارسية الصدارة بـ ( 219) لفظة ، ثم التركية بـ (143) لفظة ، تليها الانكليزية بـ ( 77 ) لفظة ، ويتنازل عــدد الألفاظ الدخيلة ، إلى أن نجد لفظة واحدة من الروســية ، ولفظة من الصينية ، ولفظة من الآرامية ، ولفظة من العبرية ، دخلـت اللهجة الحلية ، مرورا بأعداد مـن ألفاظ سريانية ، واكدية ، وايطالية ، ويونانية ، وفرنسية ، ولاتينية ، وهندية ، وبرتغالية 0
أما الفصل الثالث فذكر فيه الدكتور النجار (96) تعبيرا شائعا في اللهجة الحلية، لينتقل بعدها إلى قائمة المصادر والمراجع التي ضمت ( 75) مصدرا ومرجعا ، إضافة إلى العمــل الميداني في التقاط المفردات ، والألفاظ ، من أفواه الناس لسنوات طويلة 0
نبارك جهود الدكتور أسعد محمد علي النجار ، الذى ســد فراغا كبيرا فـي مكتبتنا التراثيـة الحلية ، متمنين أن يضيف إلى قائمة مصادره في طبعة قادمة إنشاء الله ،كتاب ( معجم المصطلحات والألفاظ الأجنبية في اللغة العامية العراقية ) للدكتور مجيد محمد ، الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد عام 1990م ، فقد وردت فيه مفردات مستخدمة في اللهجة الحلية ، لـم يورد ذكرها الدكــتور الفاضل ، وكتاب ( جمهرة الألفاظ العامية المتداولة في الحلـة ) للأســتاذ صلاح الســعيد ، الصادر عن دار الفرات للطباعة في الحلة عام 2009 م ،فبرغم محدودية الألفاظ التي ذكرها ، فيـه من ألفاظ الحليين ما لم يذكره الدكتور النجار في محيطه ، وفقه الله 0