حكاية ( الكلب الشريد )
في حينا تكثر القطط والكلاب السائبة والتي تقتات على ما يرمى في براميل القمامة من بقايا الطعام والعظام , والتي تتراكم بسبب عدم أو تأخر رفعها من قبل عمال البلدية , و تنشط في الليل كديدنها والتي كثيرا ما تفزع احدنا ليلا بهروبها المفاجئ من داخل البراميل او بالقرب منها وما يصاحبه من اصوات و قرقعات , وكان هناك كلب بين كلاب كثيرة يتخذ من الحفر التي تكثر في الساحة المتروكة المجاورة لحينا مأوى له , ومن التفيش في القمامة مهنة له , وكان لا يسمع له نباحا الا اصواتا خافته و أنات مخنوقة اذا ما طرد من ظل جدار او شجرة او برميل من قبل احد الصبية خافضا رأسه و ذيله وهو يسرع بالهروب.
وبعد الاحتلال الامريكي للعراق تغيرت أمور واحوال كثيرة , حتى حال هذا الكلب الشريد تغير ايضا , ولعلكم تعلمون ما أثار الغزاة من أذى وهلع بين الاطفال والنسوة وما تلقاه الشيوخ من إهانات , والشباب وما نالهم من اعتقال وتعذيب , وما سرقوه من مقتنيات البيوت التي دنسوا حرمتها , وما اكثر من قتلوهم لأتفه سبب في الطرقات كمن يصيد الزرازير في البراري , فقد صادف ان جاس جنود الاحتلال خلال حينا كباقي احياء مدن و قصبات العراق , وقد استدرج احد الجنود هذا الكلب ببعض طعام يحمله معه , وسرعان ما صحبه الكلب وتبعه الى معسكره الواقع على طرف الساحة المذكورة , وهناك استقر الكلب و لم يعد يزور براميل القمامة , وقدم خدمة جليلة للجنود الامريكان اذ اخذ يعلو صوته بالنباح اذا ما اقترب احد , و قام بواجب الحراسة بكل اخلاص , وفي احد الايام قام الجنود الامريكان بدورية في حينا وصحبوا الكلب المنبوذ معهم , وقد تعرف عليه صبية الحي بصعوبة اذ سمن و غلظ ذيله والكلاب تسمن بسرعة اذا ما غذيت جيدا , كما سمعتها من احد العجائز وهو يشبه سمنة صاحب له بسمنة الكلاب تندرا وسخرية منه ، ولكن الكلب جاء متحديا رافعا ذيله وهو يتقدم الجنود بل ينبح بحدة في الوجوه التي كان يعرفها , وينظر بشزر اليها , والكلب يفعل ذلك دون قناع أو لثام لا كما يفعل بعض من يصاحب المحتلين , وتكررت جولات الجنود والكلب يبدي دائما ولائه لأسياده الجدد بكل ولاء وتفاني , ولما انسحب الامريكان من المدينة , اختفى الكلب ، ولكن لا اظنهم اخذوه معهم فكلابهم كثيرة ومنها البوليسي الذي يصدروه الينا بما يعادل دية الف رجل منا قتلوه خطأ أو عمدا , وارادوا عن طيب خاطر!! استرضاء عشيرته وأهله .
والكلب ربما قتله احد الصبية الغاضبين عليه انتقاما منه , وربما دهسته سيارة تحقيقا للعقاب الرباني , او قتلته او طردته الكلاب الحاسدة له , وربما سلمه الامريكان الى احد مواليهم مع توصية بحسن الرعاية لخدماته الجليلة للقوات الامريكية الصديقة المحررة والقوات المتحالفة معها متعددة الجنسيات !! , وربما كرمه بوش الابن او خلفه أوباما لخدماته الجليلة للولايات المتحدة الامريكية , فقد علمنا ان تشرتشل قد قدم قلائد التكريم للحمام الزاجل الذي كان يتعرض لطلقات الجستابو النازي وهجمات صقوره على ساحل فرنسا المحتلة , ليمنعوه من نقل الرسال بين جيوش الحلفاء وبذلك قدم خدمة عظيمة للحلفاء في انتصارهم على المانيا النازية في الحرب العالمية الثانية .
وربما مات الكلب من ازمة قلبية بسبب الاطعمة الدسمة التي قدمت له , أو وري جثمانه الثرى في نصب خاص به في حديقة البيت الابيض أو السفارة الامريكية الفسيحة جدا جدا في بغداد , ولربما تخلص جندي امريكي طائش من الكلب بطلقة رحمة في مؤخرة رأسه بعد انتهاء المهمة في مثلث الخطر في بلاد الرافدين ودون أخذ أذن قائده ربما , ولو انهم يفعلون ذلك احيانا مع الحيوانات المتألمة أو المكتئبة اذا ما يئس البيطري في علاجها رأفة بها وتخليصا لها من المعاناة والألم .