مما لاشك فيه أن الفلسفة تجمع مواضيع مختلفة ومتعددة تجعل منها حقلا معرفيا يناقش جميع المعارف ودون حدود ،فهي حسب التعريف الكلاسيكي أم العلوم la Mère de la sciènes،وهذا ما يجعلنا نبحث عن المجالات التي تتضمنها الفلسفة والمجال حسب لالاند هو"وسط مثالي تتمركز فيه مداركنا وتاليًا يتضمن كل الفضاءت المتناهية " ،إذن الفلسفة تكون بهذا فضاء يحوي العديد من العلوم باختلافها وتنوعها ويجعل منها حسب كلام العلم بيئة مناسبة وأرض خصبة تمكن أي علم أن ينمو بداخلها، وهذا ما يدلل على عظمة الفلسفة وتمكنها من احتضان العديد من الأفكار ، فعظمة الكون استغرقت العقل البشري منذ نشأته وجعلته يستخدم آليات ومناهج من أجل تفسير ماهو ظاهر أمامه، وإذا رجعنا إلى التاريخ البشري ،نجد أصناف من التفكير الأسطوري والعلمي والفلسفي ، وهذا كله من اجل الوصول إلى معرفة حقيقية أو السيطرة على الطبيعة وتطويعها.
ومما لاشك فيه أن عظمة الكون تدفعنا بالضرورة إلى القول بعظمة الفلسفة ولذلك كتب كارل ياسبرس مؤلفا سماه "عظمة الفلسفة" Grandeur de la philosophie كما نجد أيضا بيير ماشيري( Pierre Macherey) الذي تحدث عن معنى الفلسفة الواسع
« philosophie au sens large »،فهي لا تحدها حدود من خلال سؤالها الذي يقع على كل الإشكاليات المطروحة ، يقول كارل ياسبرس" فالعقل الفلسفي يعزوا على بداهته أوسع شمولا إنه يقف موقف من يفحص كل شئ ، ويحكم على كل شئ ،حتى على الأشياء التي لا يستطيع أن يصنعها هو نفسه وإنما يتمناها كالحقيقة، التي ليست هي دائما فكرا" ،وهنا نجد البرهنة على مدى تفتح العقل الفلسفي، على كل مجالات الفلسفة والسؤال الذي يمكن طرحه ماهي المجالات التي يمكن للفلسفة أن تطرقها ؟ .
قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن نتطرق أولا إلى المباحث الرئيسية للفلسفة التي لاغني لكل باحث في حقل الفلسفة أن يمر عليها وهي:
مباحث الفلسفة الرئيسية :
1 – الوجود existence : ويعتبر من بين المباحث الرئيسية في الفلسفة نظرا لارتباطه بأسئلة ملحاحة* على الإنسان وعنه "يتساءل الإنسان ".
مالوجود؟و ماهي طبيعته ؟
هل يتحقق في الذهن أم في الواقع؟
وهل يتحقق لدى جميع الموجودات بنفس الدرجة ؟
هل أنا موجود حقا ، ماعلامات هذا الوجود المتحقق؟" .
فالسؤال الفلسفي الوجودي متعدد فيسأل عن ذاته وعن مايحيط به ، فتدخل فلسفيا الميتافيزيقا باعتبارها موضوعا رئيسيا من مواضيعها والفيزيقا ثانية وفكرة الوجود، هي من المباحث الأولى، فقد بدأت مع الفلاسفة الطبيعيين طاليس وهيراقليطس (576- 480)، وانتقلت إلى أرسطو افلاطون وفلاسفة الاسلام الفارابي والكندي وابن سينا فبحثوا في أصل الوجود والموجود.
2 المعرفة conaissance: ويتعلق هذا المبحث بسؤال محوري وهو :
كيف نعرف ؟
أو كيف تتم معرفتنا بالأشياء وماهي مصادرها ؟
فاختلفت الإجابات حول هاته الأسئلة، وتجسدت عدة نظريات منهم من يقول بالحس
الحدس أو العقل كوسائل لبلوغ اليقين كما تحضر مسألة الذاتي والموضوعي وخصوصا عندما تحدث بروتاغورس وقال "الإنسان مقياس كل شئ" .
القيم Axiologie: ويشكل هذا المبحث ثلاثية الخير، الجمال،الحق ونعني بقيمة الخير الجانب الأخلاقي، الذي لا تستطيع البشرية الاستغناء عنه فهي متعلقة بأفعال العباد التي تقاس بمثل أعلى متى ما اقتربت منه عدت خيرية ومتى ابتعدت عنه اعتبرناها شرية ، أما الجمال فهو يبحث كقيمة متى ما توفرت في اثر أدبي أو فني اعتبر جميلا بالقياس كذلك إلى مثل جمالي أعلى ونجد أن افلاطون قد تحدث في محاوراته المختلفة عن الجمال والجميل سواء في محاورة فيدروس ،المأدبة ، والجمهورية .
تلك هي المباحث الأساسية في الفلسفة، التي كانت هي المرتكز الحقيقي الذي من خلالها تتبلور أفكار الفلسفة عبر اتجاهات مختلفة ، لكن الفلسفة لم تبقى رهينة هاته المباحث بل تجاوزتها وراهنت عصرها فتغير السؤال الفلسفي وتجدد ليلتصق بالعلم والأدب والفن والدين فتداخل معها، وأشترك في إثارة نفس الأسئلة من نقطة البداية إلى الوصول.
ومع هذا تبقي خصوصية الفلسفة باقية ومتميزة عن هاته المواضيع وسنحاول هنا أن نلج في هذه المشاركة للكشف عن طبيعتها و الخصوصية الفلسفية في اشتراكها مع هذه المواضيع .