محمد الوقفي عضو نشيط
البلد : الاردن عدد المساهمات : 23 نقاط : 39 تاريخ التسجيل : 30/03/2010
| موضوع: نظرية النقد اللغوي عند عبد القاهر الجرجاني 2010-07-07, 20:20 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الباحث محمد جنيد الوقفي *waq_1975@yahoo.com المقدمة: هذا بحث في نظرية النقد اللغوي عند عبد القاهر الجرجاني وعناصر مكوناتها،وهي من النظريات النقدية التي تشغل حيزا واسعا في تراثنا النقدي ، ومن المعروف أنّ النقد يتطور كبقية العلوم ، وأنّ لكل عصر نظرياته ومقايسه النقديه التي تقوم على أنقاض النظريات السابقه فتلغيها أو تطورها أو تتفق معها جزئيا ، لكن ثمة نظريات لا يمكن لها أن تزول بل تتطور وتبقى راسخة لأنها ربما اكتملت ونضجت في عصرها ، ومنها "نظرية النظم" الجرجانيّة. ونزولاًَ عند طبيعة البحث الموكل إليّ ومساحة الزمن الضيقة ، سأبدأ _بشكل موجز_ الحديث عن جذور النظرية اللغوية في تراثنا النقدي ،ومن ثمّ الحديث عن أسباب وجود النظرية اللغوية وعلاقتها بالقران الكريم، وسألج بعد ذلك في الحديث عن نظرية النقد اللغوي عند الجرجاني في أربعة محاور ، هي: 1. فكرة النظم وعلاقتها والنحو.2. دور السياق اللغويّ في رفد الدلالة.3. التركيب اللغوي للصورة الفنية.4. نموذج تطبيقي وفق نظرية النظم. وسأنهج في هذا البحث نهجاَ يتفق وطبيعة البحث ، إذ سأحاول في جميع المحاور تأصيل هذه النظرية من خلال النصوص التي جمعتها من كتابي الجرجاني ، ثمّ مقابلتها بالنظريات النقدية واللسانية الغربية مع مقابلة ذلك بعناصر النظرية الغربية ،وهذه المقابلة لا أعني بها سبق النظريات الغربية أوتقدم العقل الأوروبي من أجل تطويرنظرية عربية لغوية ،بل أسعى على قدر طاقتي وما توفر لديّ من مصادر ومراجع إلى تأصيل هذه النظرية واحترامها ، وأن أثبت أن ما حاء به عبد القاهر الجرجاني يختصر علبنا الكثير مما نادت به النظريات الغوية الغربية . وهذا البحث يمكن أن يكون دعوة للكثير من النقاد واللسانيين الذين ينخدعون بالمسميات والمصطلحات الغربية وكانها الخلق الجديد ولابداع الذي طال انتظاره ويجدون فيها ميدانا واسعا لعرض قدراتهم دون ادنى محاولة لغربلة هذه النظرية العربية العريقة وتطويرها. أمّا عن الدراسات السابقة والتي تناولت نظرية النظم فهيا كثيرة جدا وقد افدت منها جل الافادة ، وإن تباينت الأراء فيها واختلفت الأفكاروتعارضت في بعض الأحيان، فمنهم من تحدث عن الأثر اليوناني في نظرية النظم ،كما فعل الدكتور طه حسين، ومنهم من تحدث عن الأسس اللغوية لمنهج الجرجاني كما فعل محمد مندور في كتابيه النقد المنهجي عند العرب وفي الميزان الجديد. والدكتور مصطفى ناصف في مؤلفه "نظرية المعنى في النقد العربي والدكتورإبراهيم مصطفى في كتاب " إحياء النحو. ومنهم من وازن بين عبد القاهر_من خلال نظرية النظم _ ومعاصريه، وهذه الموازنة عقدها الدكتور بدوي طبانة في كتابه " البيان العربي". وهناك دراسات اتجهت نحو الحدث عن اللفظ والمعنى وربط النظم بالإعجازوالبلاغة. وهي دراسات كثير أذكر منها دراسة الدكتور محمد غنيمي هلال في كتابه " النقد الأدبي الحديث " و الدكتور شوقي ضيف في كتابه " البلاغة تطور وتاريخ"والدكتور أحمد مطلوب(عبد القاهر الجرجاني بلاغته ونقده) والدكتورإحسان عباس في كتابه "" تاريخ النقد الأدبي عند العرب"و الدكتور درويش الجندي ألف كتاباَ عن نظرية النظم عند عبد القاهر تحت عنوان" نظرية عبد القاهر في النظم". وبعض الدراسات اتخذت منحى مغاير في دراسة نظرية النظم فقد أثارت كثير من القضايا الحداثية من خلال النظم واعتمدت على الموازنة بين أعلام النقد والنظريات الحديثة، ونذكر من هذه الدراسات .دراسة الدكتور عبد العزيز حمودة المرايا المقعرة ، والدكتور محمد عبد الطلب (قضايا الحداثة عند عبد القاهر الجرجاني). ومهما يكن من أمر فأن هذه الدراسات وإن تباينت وجهات النظر واختلفت أغراض دارسيها إلّا أنها شكلت في مجملها صورة مشرقة لنظرية النظم ، وكشفت عن سر قوتها وقدرتها على الظهور كنظرية نقدية لغوية لها كيانها المستقل في النقد الحديث تنظيرا وتطبيقا. تمهيد: إن من أهم الأسباب التي دعتني إلى هذا التمهيد إلقاء الضوء على جذور النقد اللغوي في تراثنا النقدي ، ثم الحديث عن أصل فكرة النظم وعلاقتها بالقران ، لأثبت أن الفكر العربي كان يطور كل ما يصل اليه من أفكار ويغربلها ليصل إلى نظرية متكاملة كما فعل الجرجاني ، وإنّ الفكر العربي في العصر الحديث تروق له النظريات البراقة المنمقة كما تروق له الأطعمة ذات التسميات الغربيّة. · جذور نظرية النقد اللغوي:إنّ نظرة متأنية في تراثنا اللغوي تفرز لنا بشكل واضح الجذور اللغوية التي أحاطت بها وأثرت فيها ، فكثير من أفكار ومعطيات النظرية اللغوية الجر جانية قد تناولتها جهود علماء العربية الأفذاذ فقد تحدث ابن جني (392ھ)عن العلامة اللغوية وفكرةالاتصال عندما حدّ اللغة بأنها " أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم) الخصائص (1) , ومن قبله تحدث الجاحظ (255ھ)عن إشكالية اللفظ والمعني في معرض حديثه عن البيان فى (البيان والتبيين ) (2) ولعل أقدم نص عُثر عليه في كتب العربية يتحدث عن النظم يرجع إلى ابن المقفع ، يقول فيه " فإذا خرج الناس من أن يكون لهم عمل وأن يقولوا قولا بديعاً فليعلم الواصفون المخبرون أن أحدهم وإن أحسن وأبلغ ليس زائداً على أن يكون كصاحب فصوص وجد يا قوتا وزبرجدا ومرجاناً فنظمه قلائد وسموطاً وأكاليل ووضع كل فص موضعه _(3) يقول الدكتور عبد العزيز حمودة فقد تكون النظرية إنتاج مجموعة عقول أو جيل واحد من العقول ، وقد تكون أيضا إنتاج مجموعة عقول تنتمي لعدد من الأجيال )(4) لم يكن عبد القاهر الجرجانى بديع أفكاره ، ذلك أنه لم ينشئ أفكاره من عدم "لكنه استطاع أن يطور إنجازات البلاغيين السابقين على مدى قرنين إلى نظرية متكاملة للنظم تقوم على تأكيد شبكة لعلاقات بين العلامات اللغوية أفقيا ورأسيا ) (5) من هنا يحق لنا القول : إنّ عبد القاهر الجرجاني هو أول من عكف على تطوير نظرية نقدية لغوية شاملة حيث حدد مجموعة القوانين والقواعد التي بنى عليها نظرية نظريته الشهيرة. __________________________________________ 1) الخصائص، ابو الفتح عثمان ابن جني،، تحقيق محمد على النجار المكتبة العلمية ، بدون طبعة ولا تاريخ (1\44)2) البيان والتبيين، الجاحظ،عمرو بن بحر ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الاولى1988 ( 1 /60)3) عبد القاهر الجرجانى بلاغته ونقده : أحمد مطلوب الكويت وكالة المطبوعات 1973 ص 53 .4) المرايا المقعرة، عبد العزيز حمودة ، ساسلة عالم المعرفة،مطابع الوطن_ الكويت، 2001(ص 198)5) المرجع السابق(253) · فكرة النّظم وعلاقتها بالقران: مع نزول الوحي اهتم علماء اللغة بقضية استنتاج المعني من أعظم نص معجز للحصول علي البواطن المستورة ليصلوا إلي حقيقة فهم النص . ومن جملة ذلك موضوع تعين المعني ودور السياق و أهمية فهم نظام اللغة من خلال فهم النص وتعدد المعني و أنواعه ولما كان الجرجاني أشعريا والاأشاعرة يقولون:"إنّ الكلام نوعان ؛نفسي ولفظي والكلام النفسي بالنسبة إلى الله هو القديم.ومن اجل ذلك فقد استهدف عبد القاهر في نظريته في النظم بيان انّ الكلام جوهر الكلام هو ذلك الكلام النفسي ، وأما الكلام اللفظي فهو ظل لهذا الكلام النفسي,(1) بمعنى أنّ نظرية النظم تعتمد على المبدأ الاشعري الذي يفصل بين الدال والمدلول ويسلم باسبقية المعاني القائمة في النفس على الالفاظ الدالة عليها في النطق (2). ونظرية النظم في اللغة طرحت بشكل اساسي في سياق معالجة الشيخ عبد القاهر لقضية الإعجاز اللغوي في القران الكريم ،وبذلك توصل الجرجاني الى تفسير لعملية انتاج الكلام ثم بنى عليها رايه في خصوصية الكلام وتقريره(3)لقدكان هدف عبد القاهر البرهنة على ان القران معجز بالنظم ، وأنّ بلاغة الكلام لاترجع إلى الفاظه وإنما الى ما بينها من ارتباط.(4)
- نظرية النظم عند الجرجاني، درويش الجندي، مكتبة نهضة مصر بالفوجانا 1960. (ص47)
- الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي ، جابر عصفور، المركز الثقافي العربي,بيروت ,لطبعة الثالثة-1992.(ص 317)
- الأصول, تمام حسان،دار الثقافة ،الطبعة الاولى,الدار البيضاء 1981 (ص300)
- عبد القاهر الجرجاني بلاغته ونقده مطلوب , احمد مطلوب، الطبعة الاولى- بيروت 1973. (ص27)
المحور الأول : فكرة النظم وعلاقتها بالنحو: لقد عالج الجرجاني كتير من القضايا النحوية من الوجه البلاغية بمنهج يختلف تماما عن منهج النحاة ، كما يختلف فهمه لهذه الاساليب اختلافا كبيرا ، فالنحو عنده عمدة البيان الذي يحلل النصوص ويفصل بعضها عن بعض(1). لقد كان عبد القاهر الجرجاني في غاية الذكاء والفطنة عندما وضع قاعدته الشهيرة"واعلم أنّ ليس النظم إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه واصوله وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها وتحفظ الرسوم التي رسمت لك فلا تخل بشيء منها ، وذلك أنا لا نعلم شيئا يبتغيه الناظم بنظمه غير أن ينظر في وجوه كل باب وفروقه "(2). هذه النظرية تعطي صورا جلية لاسلوبه فنراه( يحدد الاجراءات الاسلوبية التي يقوم بها الناظم فتكسب الاسلوب* سمة خاصة هذه الاجراءات الفصل والوصل والتقديم والتأخير والإضمار والإظهاروالتعريف والتنكيروالقصر والاختصاص والنفي والاستفهام).(3) وسنلقي الضوء على بعض هذه الأبواب لنتمكن من توضيح هذه الفكرة،يقول في حديثه عن الاستفهام بالهمزة:" إنه متى قدم الفعل بعدها كان الاستفهام عن الفعل نفسه وكان غرضك من استفهامك أن تعلم وجوده كقولك ( أفعلت هذا؟)، وأما إذا قدمت الفاعل فقلت (أأنت فعلت ) كان الاستفهام عن الفاعل والشك والتردد فيه فتقول أبنيت الدار؟ إذا أردت أن تتبين الفعل وتقول أأنت بنيت الدار؟ إذا أردت أن تتبين الفاعل.
- عبد القاهر الجرجاني بلاغته ونقده،احمد مطلوب(ص42)
- دلائل الاعجاز عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، قراه وعلق عليه محمد محمد شاكر، الطبعةالثالثة ، مكتبة الخانجي\القاهرة 1992 (ص81)
3. التفكير الاسلوبي ، سامي محمد عبابنة ، عالم الكتب الحديث-اربد ، الطبعة الاولى 2007)ص(100) و(الاسلوب:الهيئة التي يخرج بها الكلام لفظا ومعنى،ينظر مثلا احمد الشايب :الاسلوب ص22، محمد عبد المطلب :مفهوم الاسلوب في التراث مجلة فصول؛مج7،ع3 ؛1987(50) فهذه المعاني المتولده من التراكيب دفعت محمد مندور للقول:" إنّه يستند إلى نظرة في اللغة أرى فيها ويرى معي كل من يمعن النظر انها تتماشى مع ما توصل اليه علم اللسان الحديث من آراء ،ونقطة البدء نجدها في اخر (دلائل الاعجاز) حين يقرر المؤلف ما قرره علماء اليوم من ان اللغة ليست مجموعة من الألفاظ بل مجموعة من العلاقات ، وعلى هذا الاساس بنى عبد القاهر كل تفكيره اللغوي. (1) والنحو عند عبد القاهر الجرجاني ليس مجرد أواخر الكلم ، وإنما العلاقات والروابط بين الكلم وما يتولد عنها من معان. وقد حشد الكثير من الأمثلة والشواهد ليدلل على هذه النظرية ويدافع عنها،يقول:" لا نعلم شيئا يبتغيه الناظم بنظمه غير أنّ ينظر في وجوه كل باب وفروقه فينظر في الخبر الى الوجوه التي في قولك:"زيد منطلق وزيد ينطلق وينطلق زيد ومنطلق زيد ، واعلم انك إذا قلت (زيد المنطلق كان كلامك مع من لم يعلم أن انطلاقا كان لا منزيد ولا من عمرو ، فأنت تفيد من ذلك ابتدأ ، وإذا قلت:"زيد المنطلق" كان كلامك مع من عرف أن انطلاقا كان اما من زيد أاو من عمرو، فانت تعلمه أنه كان من زيد دون غيره " .(2) وهذا ما يوكده الدكتور مندور:" فمنهج هذا المفكر العميق الدقيق هو منهج النقد اللغوي ، منهج النحو ، على أن نفهم من النحو أنه العلم الذي يبحث في العلاقات التي تقيمها اللغة بين الأشياء" (3) فعبد القاهر لا يريد الحركات الظاهرة , إنما يريد معنى أعمق هو النظام النحوي للكلام (4) ، وقد رد على من سخر من هذه النظرة ولكنهم قالوا: (( لو كان النظم الذي كان في معاني النحو، لكان البدوي الذي لم يسمع بالنحو، لا يتأتى له نظم الكلام، وإنا لنراه يأتي في كلامه بنظم الكلام لا يحسنه المتقدم في علم النحو ._______________________________ 1. في الميزان الجديد، محمد مندور؛مؤسسات ع. بن عبدالله ، تونس الطبعة الاولى -1988 (ص147)2. دلائل الاعجاز(74)3. النقد المنهجي عند العرب، محمد مندور دار نهضة مصر ،الفجالة-القاهرة تاريخ النشر 2004(ص336)
- البلاغة تطور وتاريخ ،شوقي ضيف ، دار المعارف، الطبعة الثامنة(ص117\118)، بتصرف
يقول :" ولا اعتبار عندنا بمعرفة مدلول العبارة لابمعرفة العبارة ، فإذا عرف البدوي الفرق بين أن يقول (جاءني زيد الراكب) وبين قوله (جاءني زيد راكبا ) كانت عبارة النحويين فيه ان يقواوا في (راكب)إنها حال، وإذا قال (الراكب)إنها صفة جارية على زيد. الدلائل 320. ومن هنا يتبين لنا أنّ للنحو عند الجرجاني معان عميقة واسعة ،فليس الهدف من النحو القاعدة وإنما المعنى المتأتي من القاعدة. غير أن القراءة النحوية، لا يفهم منها الخضوع إلى مسائل النحو الشكلية من رفع، ونصب، وجر، وتقديم، وتأخير، إنما يقصد من وراءها: "النحو البلاغي أو البلاغة النحوية، وبذلك يعد أول عالم أخرج النحو من نطاق الشكلية، وجفافه، وسما به فوق الخلافات والتمحلات حول الإعراب والبناء. وبعث فيه دفء اللذة الشعورية والعقلية معاً. وأخضعه لفكرة النظم، وأخضع الفكرة إليه"(2). ومن أجمل ما تحدث عنه الجرجاني لاثبات نظريته تقديم النفي، يقول:" فإذا قلت (ما فعلت) كنت نفيت عنك فعلاً لم يثبت أنه مفعول وإذا قلت (ما أنا فعلت) كنت نفيت عنك فعلا ثبت أنه مفعول ( وأما إذا كان في الجملة مفعول فإن قلت (ما ضربت زيداً) فقدمت الفعل كان المعنى أنك قد نفيت أن يكون وقع منك ضرب على زيد، وإذا قلت (ما زيداً ضربتُ) فقدمت المفعول كان المعنى أن ضرباً وقع منك على إنسان وظن أن ذلك الإنسان زيد فنفيت أن يكون إياه.(3) فالمعنى عنده "كل ما تولد من ارتباط الكلام بعضه ببعض , فهو الفكر و الإحساس و الصورة والصوت , وهو كل ما ينشأ عن النظم و الصياغة من خصائص و مزايا" (4) 1. دلائل الاعجاز(ص320)2. القـراءة و الحداثـة مقاربة الكائن والممكن في القراءة العربية ،حبيب مونسي _ منشورات اتحاد الكتاب العرب،دمشق 2000(ص59)3. دلائل الاعجاز،(126\126)4. قضايا النقد الأدبي بين القديم والحديث ،محمدالعشماوي،دار الشروق,القاهرة ,1993 بدون طبعة.(ص300) لقد نقل الجرجاني النحو إلى جو يزخر بالحيوية وجعل موضوعاته ميدانا يجول في ذهنه الوقاد وقلمه البليغ وطلع الناس على ألوان من التعبير مرت بهم ولكنهم لم يتذوقوها ، ولم يقفوا على روعتها وجمالها حتى جاء فإاذا التقديم والتاخير والذكر والحذف والفصل والوصل مادته التي أعاد تشكيلها وأضفى عليها من روحه ما لانجده عند السابقين.(1) والخلاصة : إنّ عبد القاهر الجرجاني أضفى على النحو صبغة جديدة تجاوز أواخر الكلم وعلامات الإعراب، وبيّن أن للكلم نَظْمًا وأن رعايةَ هذا النَّظْمِ واتّباع قوانينه هي السبيل إلى الإبانة والإفهام ،وأختم بقول ابراهيم مصطفى ( لقد آن لمذهب الجرجاني أن يحيا، وأن يكون سبيل البحث النحوي). (2) ___________________________________1. عبد القاهر بلاغته ونقده(ص 63),وينظر التراكيب النحوية من الوجه البلاغية عند عبد القاهر ،عبد الفتاح لاشين ،دار المريخ،الرياض ،بدون طبعة ولاتاريخ،(ص 83)2. إحياء النحو ، إبراهيم مصطفى،مطبعة لجنة التأليف و الترجمة والنشر، سنة 1938.( ص 16).المحور الثاني:أثر السياق اللغوي في رفد الدلالة: انتبه الجرجاني الى قيمة السياق في رفد الدلالة وأرحع المزية إلى علاقة الكلمة بما يجاورها يقول: ((اعلم أنَّ ههنا أصلاً أنت ترى الناس فيه في صورة من يعرف من جانب وينكر من آخر، وهو أنَّ الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة، لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها، ولكن لأن يضم بعضها إلى بعض، فيعرف فيما بينهما فوائد. وهذا علم شريف، وأصل عظيم))(1). فالجرجاني في نظره للسياق يؤكد أنّ لامعنى لتفاصيل الكلمات من غير النظر إلى السياق الذي وردت فيه. وقد مثّل ذلك بقوله:"ولو عمدت إلى بيت شعر أو فصل نثر فعددت كلماته عدا كيف جاء واتفق وابطل نضده ونظامه الذي عليه بنى وفيه افرغ المعنى واجرى ،وغير ترتيبه الذي أفاد ما أفاد فقيل:" قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل،" ومنزل قفا ذكرى من نبك حبييب" خرج عن كمال البيان إلى مجال الهذيان وسقطت نسبته من صاحبه"(2) هذا التعريف الموجز والشرح الشافي له الذي قدمه الجرجاني لايختلف عن مفهوم الناقد الامريكي (روبرت سولز) الذي يعرف النسق من منظور بنيوي:" يجب أن نؤكد ان النسق اللغوي ليس وجودا محسوسا .... إن أي نظام انساني ، لكي يصبح علما يجب أن ينتقل من الظواهر التي يسجلها الى النسق الذي يحكمها من الكلام إلى اللغة ، اذ لا يمكن لمنطوق أدبي ان يكون له معنى لذا افتقدنا الاحساس بالنسق الادبي الذي ينتمي الية".(3) فالمعنى عنده متات من السياق لا من اللفظ أو المعنى وبذلك قضى على هذه الثنائية " فكل ما تولد من ارتباط الكلام بعضه ببعض ،هوالفكر والاحساس والصورة والصوت والصياغة" (4) 1. دلائل الإعجاز( ص353).2. أسرار البلاغة ، عبد القاهر بن عبدالرحمن الجرجاني ،تحقيق محمد رشيد رضا ، الطبعة السادسة ، القاهرة 1959(ص 4)3. المرايا المقعرة (ص226)4. قضايا النقد الادبي، محمد العشماوي(ص 300) لقد أولى الجرجاني السياق عناية خاصة ، فالفضيلة ترجع إلى ارتباط الكلم بعضها ببعض يقول:" وهل يقع من وهم أن تتفاضل الكلمتان المفردتان من غير أن ينظر إلى مكان تقعان فيه من التاليف والنظم ..... وهل قالوا لفظة متمكنة ومقبولة إلا غرضهمأان يعبروا بالتمكن عن حسن الاتقان بين هذه وتلك من جهة المعنى" ... (وهل تشك إذا فكرت في قولة تعالى: "وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ "[هود:44] فانك ما وجدت المزية الظاهرة والفضيلة القاهرة إلا لامر يرجع إلى ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض وإن لم يعرض لها الحسن والشرف إلا من حيث لاقت الاولى بالثانية والثالثة بالرابعة، وهكذا إالى أن يستقر بها إلى اخرها وان الفضل ناتج ما بينها وحصل من مجموعها. (1) وهذه نظرة واضحة في مجال النقد اللغوي توصل لها الجرجاني وسبق بها النقد الحديث، وها هو ذا الناقد الانجليزي (إ.أ ريتشارد)يتحدث عما تحدث به الجرجاني دون أن يضيف شيئا يذكر، يقول:" ومعنى إي لفظة لا يمكن ان يتحدد إلا من علاقة هذه اللفظة بما يجاورها من الفاظ"(2). وإذا انتقلناإلى قول (ت. س. اليوت ) نجده كذاك لم يتعد موقف الجرجاني من السياق:" إنّ الكلمات الواردة في السياق كله بالاضافة إلى العلاقات الناشئة من معنى الكلمة في السياق الذي وردت فيه ومعانيها الاخرى التي اكتسبتها من استعمالاتها وارتباطات السياق كثيرة او قليلة".(3) والثابت أنّ الجرجاني جعل دلالة الكلمة ضمن السياق على ضربين : دلالة أولية ودلالة معنوية،وقد نظر «الجرجاني» إلى الخطاب ككل متكامل لا يمكن فصل الجانب اللغوي فيه عن المقام الذي يرد فيه، وبذلك يتعاضد السياق اللغوي وسياق الحال على إبراز الدلالة وفهم مرامي الكلام(4) ______________________________1. دلائل الإعجاز( ص36\37).2. قضايا النقد الادبي قضايا النقد الأدبي بين القديم و الحديث ، محمد زكي العشماوي ، دار النهضة المصرية بيروت 1984.(ص320).3. المرجع السابق نفسه(ص321)4. بلاغة العطف في القرآن الكريم ، عفت الشرقاوي ، دار النهضة العربية –بيروت ـ، 1981، (ص25) يقول «الجرجاني»: «الكلام على ضربين: ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحدهوذلك إذا اخبرت عن زيد مثلا بالخروج:" خرج زيد"، وضرب آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده، ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة، ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض، ومدار هذا الأمر على الكناية والاستعارة والتمثيل الا ترى انك اذا قلت:" هو كثير رماد القدر ... يعقل السامع من ذلك عاى سبيل الاستدلال معنى ثانيا هو غرضك إنه مضياف......وإذاعرفت عرفت هذه الجملة فهمنا عبارة مختصرة وهى أن تقول(المعنى ومعنى المعنى) تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تصل اليه من غير واسطة ، وبمعنى المعنى أن تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي بك المعنى إلى معنى اخر »(1)) فالمعاني الاضافية عنده هي أساس حمل الكلام واليها ترجع الفضيلة والمزية ، وهذه الفكرة لم يلتفت إليها أحد من نقاد العرب السابقين ، وقد تحدث عنها المعاصرون وسموها "معنى المعنى" أيضا. (2) فهو يفرق في كلامه المتقدم بين المعنى المعجمي للفظ وما يدل عليه الكلام بدلالة اللفظ وحده وبين المعنى النحوي الذي يتحقق من خلال فهم الكلام بضم بعضه إلى بعض بحسب العلاقات النحوية بين الألفاظ ، فيظهر المعنى بواسطة المستوى النحوي للغة . أما جاكبسون فقد تنبه إلى هذه الثنائية القائمة بين المستوى المعجمي المادي للغة وبين المستوى النحوي لها وقد وصفها جاكبسون بأنها واقعة بنيوية موضوعية. (3) فالألفاظ في وجودها اللغوي لا قيمة لها في نفسها من حيث هي، ومن ثم لا تكون مناط فضيلة، ولا تكون قابلة لاستحسان أو استهجان، فكل لفظ دال على معنى، له مقامه الذي يحسن فيه، ومقامه الذي يقبح فيه، وشأن اللفظ في عالم البيان شأن المرء في عالم الإنسان، قيمته في سياقه وعلاقاته الاجتماعية بإخوانه).(4) ________________________________1. دلائل الإعجاز، الجرجاني،( ص 262).2. عبد القاهر الجرجاني بلاغته ونقده(ص 109).3. الوظيفة الشعرية للنحو بين الجرجاني وجاكبسون، مجلة افق الثقافية العدد الثاني 2004 ، لمى عبد القادر4. نظرية النظم وقراءة الشعر عند عبد القاهر الجرجاني،: محمود توفيق محمد سعد، مصدر الكتاب موقع اتحاد الكتاب العرب. فنراه يعود مرات ومرات مجتمعة من تحقيق الدلالةالى تأكيد أهمية العلاقات التي تمكن الألفاظ مجتمعة من تحقيق الدلالة"(1). يقول الجرجاني: " وإذا قد عرفت أن مدار أمر النظم عن معاني النحو وعلى الوجوه و الفروق التي من شانها أن تكون فيه فاعلم أن الفروق و الوجوه كثيرة ليس لها غاية تقف عندها ونهاية لا تجد لها ازديادا بعدها ثم اعلم أن ليست المزية بواجبة لها في نفسها ومن حيث هي على الإطلاق ولكن تعرض بسبب المعاني أغراض التي يوضع لها الكلام ثم بحسب موقع بعضها من بعض"(2) إن دراسة الأنماط النحوية للجملة خارج السياق الكلامي غير كافية لتبيان كيف تؤدي اللغة وظيفة الاتصال، ويعني ذلك أنه يجب دراسة كيف تحمل الأنماط النحوية للجملة فائدة بالنسبة للسامع (المخاطَب) تتجلى في حصوله على شيء جديد حين يدرك غرض المتكلم من كلامه، ويتم ذلك بربط دراسة الأنماط النحوية للجملة بقضية الإبلاغ حسب المقام أو الموقف الكلامي. فنظرية النظم انبنت ـ أساسا ـ على قضية السياق والموقف الكلامي الذي يتطلب ـ كلما تغير ـ نمطا معينا من التركيب، ويدخل ضمن الموقف الكلامي كل ما يتصل بظروف عملية الإبلاغ، من مخاطِب ومخاطَب. (3) ومن هنا بنى الدكتور تمام حسان فكرة القرائن(فكرة التعليق النحوي) التي استوحها من عبد القاهر الجرجاني وقد اعترف بفضل الجرجاني صراحة عند حديثة عن نظرية النظم، حين قال"لما ظهر الاتجاه البلاغي إلى دراسة المعنى كان من طلائع كتبة "دلائل الإعجاز" و "إسرار البلاغة" للعلامة عبد القاهر الجرجاني الذي اعترف لأرائه الذكية بقدر غير يسير من الفضل(4) ، ثم يبين أهميتها في فهم التركيب:"ولقد كانت مبادرة العلامة عبد القاهر رحمه الله بدراسة النظم وما يتصل به من بناء وترتيب وتعليق من أكبر الجهود التي بذلتها الثقافة العربية قيمة في سبيل إيضاح المعنى الوظيفي في السياق أو التركيب. ومع قطع النظر عن رأيي الشخصي في قيمة البلاغة العربية بعامة من حيث كونها منهجا من مناهج النقد الأدبي وعن صلاحيتها أو عدم ___________________________1. المرايا المقعرة للدكتور عبد العزيز حمودة ص(238)2. عبد القاهر الجرجاني. دلائل الإعجاز:ص( 69)3. مجلة التراث العربي،السّياق عند البلاغيّين ملامحه وتطبيقاته، أ.مسعود بودوخة ،العدد 111 -أيلول 2008 4. اللغة العربية معناها و مبناها"لتمام حسان ( ص10)صلاحيتها في هذا المجال أجدني مدفوعا إلى المبادرة بتأكيد أن دراسة عبد القاهر للنظم وما يتصل به تقف بكبرياء كتفا إلى كتف مع أحدث النظريات اللغوية في الغرب وتفوق معظمها في مجال فهم طرق التركيب اللغوي هذا مع الفارق الزمني الواسع الذي كان ينبغي أن يكون ميزة للجهود المحدثة على جهد عبد القاهر".(1) ________________________________1) اللغة العربية معناها ومبناها، حسان، ص 18ـ19 .المحور الثالث :التركيب اللغوي للصورة الفنية: تحدثنا في المحورين السابقسن عن النظم وصلته بالنحو، فالنحو عند عبد القاهر الجرجاني ليس مجرد أواخر الكلم ، وانما العلاقات والروابط بين الكلم وما يتولد عنها من معان . ومن هنا فقد بيـّن الجرجاني دورالعلاقات النحوية في صياغة المفردات في الجملة ودورها في تشكيل الصورة ويوضح مقصده في بيت بشاربن برد: كأن مثار النقع ِ فوق رؤوسـِنَا وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبـُه يقول: (هل يتصور أن يكون بشار قد أحضر معاني هذه الكلم بباله أفرادا عارية من معاني النحو التي نراها فيها وأن يكون أوقع {كأن} في نفسه من غير أن يكون قصد إيقاع التشبيه منه على شيء ، وأن يكون فكر في (مثار النقع) من غير أن يكون قد أراد أن يضيف (فوق) إلى (الرؤوس) وفي (الأسياف) من دون أن يكون أراد عطفها بالواو على (مثار) وفي الواو من دون أن يكون أراد العطف بها ، وأن يكون كذلك فكر في (الليل) من دون أن يكون أراد أن يجعله خبرا لـ (كان) وفي (تهاوى كواكبه) من دون أن يكون أراد أن يجعل (تهاوى) فعلا (للكواكب) ثم يجعل الجملة صفة الأشياء بباله إلا مرادا فيها هذه الأحكام والمعاني التي تراها فيها ؟ ليت شعري كيف يتصور وقوع قصد منك إلى معنى كلمة من دون أن تريد تعليقها بمعنى كلمة أخرى؟ ومعنى القصد الكلم أن تعلم السامع بها شيئا لا يعلمه؟ ومعلوم أنك أيها المتكلم لست تقصد أن تعلم السامع معاني الكلم المفردة التي تكلمه بها ، فلا تقول (خرج زيد) تتعلمه معنى (خرج) في اللغة ، ومعنى (زيد) كيف ومحال أن تكلمه بألفاظ لا يعرف معانيها كما تعرف. (1)___________________________ 1 - دلائل الإعجاز :ص(267), وينظرعبد القاهر الجرجاني بلاغته ونقده\ 36 فهذا النص يؤكد فهم الجرجاني للتراكيب النحوية ودورها في توليد معاني جديدة للكلمة تكتسبها بفعل العلاقة النحوية بين الألفاظ ، وبذلك (يصبح الاسلوب* هو الهيئة التي يخرج بها الكلام لفظا ومعنى من خلال استغلال امكانيات النحو). (1) من هنا نستطيع أن نفسر السر بين ارتباط النظم بمعناني النحو (أي أن النظم ليس صياغة شكلية بل صياغة دلالية ومعنوية بالدرجة الأولى ، وهذه الصياغة مرتبطة أصلا بالحركة النفسية والوجدانية للمتكام ، ومن هنا تأتي خصوصية الكلام وارتباطه بصاحبه دون غيره، فإذا الفيت هذه الروابط فقد الكلام نسبته إلى صاحبه).(2) إذن نستطيع القول إنّ عبد القاهر الجرجاني انطلق من التركيب اللغوي ولاهتمام بمستويات الكلام الى المعاني التي تنتج الصورة الفنية ، يقول:" و كذلك إذا جعل المعنى يتصور من أجل اللفظ بصورة، و يبدو في هيئة، و يتشكل بشكل يرجع المعنى في ذلك كله إلى الدلالات المعنوية، و لا يصلح شيء منه حيث الكلام على ظاهره و حيث لا يكون كناية و تمثيلا به و لا استعارة و لا استعانة في الجملة بمعنى على معنى. و تكون الدلالة على الغرض من مجرداللفظ بصورة خاصة" (3) ولعله استطاع بفطنته وذكائه أن يحدد دور الالفاظ والمعاني في تشكيل الصور الفنية ، وبذك يكون قد قضى على ثنائية اللفظ والمعنى( , فاللفظ عنده بكل إمكاناته صوتية وغير الصوتية في خدمة المعنى , والمعنى هو كل ما ينتج عن السياق من فكر و إحساس وصورة وصوت ). (4) يقول:"ومعلوم أن سبيل الكلام سبيل التصوير و الصياغة، و أن سبيل المعنى الذي يعبر عنه سيل الشيء الذي يقع التصوير و الصوغ فيه كالفضة و الذهب يصاغ منها خاتم أو سوار"(5) وبذلك تصبح المعاني والصور المرتبة في النفس هي الهيئة التي يخرج بها الكلام من خلال مستويات اللغة المختلفة،فالنظم صناعة كالصياغة والصور الناتجة عن هذه الصياغة هي تجسيد للاسلوب (6). 1) التفكير الاسلوبي ، سامي عبابنة ص (99) 2) مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق المجلد 84 الجزء الرابع 1988، د:ابتسام حمدان3) قضايا النقد الأدبي , د.محمد العشماوي ص(298)4) دلائل الاعجاز) 254)، وينظر قضايا النقد الأدبي , د.محمد العشماوي(300)5) المصدر السابق نفسه(26)6) التفكير الاسلوبي ، سامي عبابنة ص(98\99) بتصرف المحورالرابع: نموذج تطبيقي وفق نظرية النظم:حشد الجرجاني العديد من النماذج الشعرية فى كتابيه : "الدلائل والأسرار" وتناولها بالتحليل الدقيق،فكشف من خلالها عن وظيفة الظواهر اللغوية ، ودورها في بناء الجمال في النص ، مستندا في كل ذلك على تركيب النص اللغوي، ونسقه، لا على عناصره المكونه في حد ذاتها.(1) ومن هذه النماذج قول الشاعر:ولمَّا قضَينا منْ منًى كُلَّ حَاجَـة ومسَّح بالأرْكان مَن هُو ماسـحُ وشدَّت على دُهْم المَهارَى رحالُنا ولَم ينظرالغَادي الَّذي هُو رائـحُ أخَذنا بأطْراف الأحاديـث بينَنـا وسالت بأعناق المُطيّ الأباطـحُ
وقف الجرجاني في تحليه لهذة الأبيات على مستويات اللغة كافة من تراكيب نحوية ومعان لغوية وصور بلاغية تفضي إلى انكشاف كل ما يشتمل علية البناء اللغوي من جمال يؤدي إلى وصول المعنى إلى القلب مع وصول اللفظ الى السمع . توقف عند قول الشاعر (ولمَّا قضَينا منْ منًى كُلَّ حَاجَـة ) وربط هذه الجملة(جملة الشرط) بجواب الشرط أخَذنا بأطْراف الأحاديـث بينَنـا )وجعل ما بينهما بمثابة امتداد زمني بين فعل الشرط وجوابه . هذا الامتداد الزمني وما شكله من فراغ بين الشرط وجوابه كان في انشغال الركبان بالعبادة ثم استماع التهاني والتحايا من الخلان والاخوان [color=black][font=Calib |
|
نورة .
عدد المساهمات : 85 نقاط : 109 تاريخ التسجيل : 23/01/2010
| موضوع: رد: نظرية النقد اللغوي عند عبد القاهر الجرجاني 2010-07-07, 21:48 | |
| بــــــــــارك الله فيك شكراًلك على هذه الدررالثمينة |
|