ويشير إدوارد لين إلى أن المسحراتي كان أحياناً ينشد من قصص المعجزات الدينية كقصة الإسراء والمعراج، ويلتزم الصمت عندما يمر ببيت في حالة حزن لوفاة عزيز ..
ومن طريف مارواه إدوارد لين .. أن نساء الطبقة المتوسطة كن يضعن قطعة نقود معدنية داخل ورقة ملفوفة ويشعلن طرفها ثم يلقين بها من المشربية إلى المسحراتي ـ حتى يرى موضعها ـ فينشد لهن بعضاً من المدائح النبوية أو حكايات المعارك بين (الضرائر) !.
وأشار كذلك إلى دعاء (الابرار) من فوق المآذن عقب صلاة العشاء والذي يشمل الآية القرآنية : إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً. عيناً يشرب بها عباد الله ... والدعاء الثاني كان نحو منتصف الليل ويسمى (السلام) عبارة عن مجموعة أدعية وثنــاء وصـلوات على رسـولنا الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم .
وتحدث ادوارد لين عن العشر الأواخر من رمضان، وقال: إن غالبية المؤمنين يفضلون قضاءها في جامع المشهد الحسيني وجامع السيدة زينب .. وأضاف :
(إحدى هذه الليالي وهي الليلة السابعة والعشرون تعرف بليلة القدر .. وهي الليلة التي نزل فيها القرآن على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم (وهي خير من ألف شهر) .. ويعتقد المسلمون أن أبواب السماء تكون مفتوحة في هذه الليلة، فيستجاب فيها الدعاء ...) .
ريتشارد بيرتون
ويقول العالم والرحالة المستشرق الايرلندي (ريتشارد بيرتون) خريج اكسفورد والضابط بالجيش البريطاني في الهند، وقد قام برحلات استكشافية في شرق وغرب إفريقيا، وجزيرة العرب ووصل الى مصر سنة
(1853م) : (تراعي مختلف الطبقات شعائر هذا الشهر بإخلاص شديد فلم أجد مريضاً واحداً اضطر ليأكل حتى لمجرد الحفاظ على حياته .. والأثر الواضح لهذا الشهر على المؤمنين هو الوقار الذي يغلف طباعهم ... وعند اقتراب المغرب، تبدو القاهرة وكأنها أفاقت من غشيتها، فيطل الناس من النوافذ والمشربيات يرقبون لحظة الأذان !... بينما البعض منهمك في صلواته وتسبيحه، وآخرون يتحلقون في جماعات أو يتبادلون الزيارات .
أخيراً... انطلق مدفع الإفطار من القلعة، ياللسعادة !... ويجلجل صوت المؤذن جميلاً داعياً الناس إلى الصلاة، ثم ينطلق المدفع الثاني من قصر العباسية (سراى عباس باشا الأول) وتعم الفرحة أرجاء القاهرة ... التي كانت صامتة .. وينتقل إحساس الترقب المبهج إلى اللسان الجاف والمعدة الخاوية والشفاه الواهنة، فتشرب (قلة) من الماء ... ثم تصفق طالباً (في عجلة) الشيشة وقدحاً من القهوة ... ثم تنتظر مباهج المساء) !.
ألبرت فارمان
وقد رصد (البرت فارمان) في يومياته الحياة السياسية والاجتماعية في مصر في نهاية عصر إسماعيل وبداية عهد محمد توفيق، وكان فارمان قنصلاً عاماً للولايات المتحدة الأمريكية منذ عام (1876م) وقضى بمصر خمس سنوات ... وعن انطباعاته التي سجلها عن شهر رمضان ومظاهر الاحتفال به، يقول :
(شهر رمضان يبدأ فيه سفر الحجاج، حيث يعدون أنفسهم للقيام بهذا الواجب المقدس، وهو الشهر الذي نزل فيه الوحي على إبراهيم، وبعث فيه بالتوراة إلى موسى وبالإنجيل إلى عيسى، وأنزل فيه القرآن على محمد ... وفيه تفتح أبواب السماء للتائبين ...