منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
تسجيلك في هذا المنتدى يأخذ منك لحظات ولكنه يعطيك امتيازات خاصة كالنسخ والتحميل والتعليق
وإضافة موضوع جديد والتخاطب مع الأعضاء ومناقشتهم
فإن لم تكن مسجلا من قبل فيرجى التسجيل، وإن كنت قد سجّلت فتفضّل
بإدخال اسم العضوية

يمكنك الدخول باستخدام حسابك في الفيس بوك



ستحتاج إلى تفعيل حسابك من بريدك الإلكتروني بعد تسجيلك هنا
التسجيل بالأسماء الحقيقية ثنائية أو ثلاثية وباللغة العربيّة فقط
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين

تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
» هات يدك فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-12-13, 15:27 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» بين «بياجيه» و «تشومسكي» مقـاربة حـول كيفيـة اكتسـاب اللغـةفن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-12-03, 20:02 من طرف سدار محمد عابد» نشيد الفجرفن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-11-30, 14:48 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» الرذ والديناصورفن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-11-02, 18:04 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةفن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-11-01, 18:42 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سلاما على غزةفن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-11-01, 18:40 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شهد الخلودفن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-11-01, 18:35 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تهجيرفن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-11-01, 18:23 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تقرير من غزة فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-11-01, 18:18 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» القدس لنافن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-11-01, 17:51 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» يوم في غزة فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-11-01, 17:45 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» شعب عجبفن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-11-01, 17:41 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» سمكة تحت التخديرفن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-10-07, 15:34 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» تجربة حبفن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-09-16, 23:25 من طرف عبدالحكيم ال سنبل» زلزال و اعصارفن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2023-09-14, 05:44 من طرف عبدالحكيم ال سنبل

شاطر
 

 فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اسحق علي محمد
.
.
اسحق علي محمد

القيمة الأصلية

البلد :
السودان

عدد المساهمات :
81

نقاط :
207

تاريخ التسجيل :
14/09/2012

المهنة :
محاضر+صحفي


فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 Empty
مُساهمةموضوع: فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6   فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 I_icon_minitime2013-06-11, 17:14

فن المسرحية
المسرحية قصة حوارية تقوم على الصراع، وتتجسد من خلال التمثيل، ولهذا فإن أكبر منظري الفن المسرحي وهو أرسطو يشير إلى أن المسرحية "المأساة" هي محاكاة لفعل، فالتشخيص والتمثيل والفعل هي المقومات الأساسية للمسرحية1.
ولا نريد أن نخوض في أنواع المسرحية وتطورها، ولكن حسبنا أن نشير إلى عناصرها الأساسية التي ترشدنا إلى كيفية كتابتها كفن أدبي، وأهم هذه العناصر هي الشخصيات والحبكة والحوار والمناظر والبناء.
الشخصيات:
لا بد من التمييز بين أنواع الشخصيات المختلفة في المسرحية وفقًا لنوع الموضوع الذي تعالجه، ولون الصراع الذي يحتدم حوله، فهناك شخصيات نموذجية بمعنى أنها تمثل فئة أو طبقة اجتماعية، وتمتاز عن الشخصية ذات الطابع الفردي في أنها تلخص جوهر الفئة التي تعبر عنها: همومها ومشاكلها وسماتها وملامحها، ولهذا فهي تختلف عن أي فرد من الأفراد العاديين بخصائصها المتميزة، وهناك ما يسمى بالشخصية النوعية التي تمثل أفراد النوع كله سواء كان المقصود بالنوع الحرفة كالتاجر والمحامي والجندي.... إلخ، أو الطبيعة الإنسانية والخلقية العامة كالمخادع والغيور والنمام وما إلى ذلك - ويسمى هذا النوع من الشخصيات بالأنماط، وهناك فارق كبير بين النمط والنموذج، فالنمط له طبيعة ثابتة مكررة؛ أما النموذج فذو طبيعة متغيرة، وهو أكثر ثراء وعمقًا من النمط، وفي كثير من الأحيان يختلط مفهوم النموذج
__________
1 راجع فردب. ميليت وجيرالدا يدس بنتلى، ترجمة صدقي خطاب، دار الثقافة، بيروت ص14.
(1/208)
________________________________________
بالنمط اختلاطًا يصعب معه التمييز بين النوعين، وتكثر الأنماط في المسرحيات الهزلية بكثرة، أما وقد اشار العديد من منظري المسرح إلى ما يسمى بالحديث الجانبي الذي تتفوه به الشخصية على هامش الحوار الرئيسي فتكشف المفارقة بين ما تقوله في العلن وما تضمره في الحقيقة، ولكن هذا النوع من الحديث غير محبذ عند الكثيرين إلا في المسرحيات الهزلية.
وتقوم المفاجأة الذاتية بدور مهم في استبطان الشخصية والكشف عن دخائلها، وهي تُعين على التنبؤ بمجريات الحديث، وتمهد له أحيانًا، وقد تستخدم في مستهل المسرحية لاستمالة الجمهور وإيقاظ مشاعره، ويتصل هذا الأسلوب بالكشف عن الجانب النفسي للشخصية.
وبناء الشخصية من خلال الفعل هو أهم عنصر في رسمها، فلا بد من تقديمها وهي تعمل، والكشف عن تكوينها عبر الحركة الفاعلة، كما ينبغي أن يكون الفعل الذي تقوم به الشخصية مفهومًا على أساس من الدوافع المعقولة التي تحدو بها إلى القيام بهذا العمل، ويتوقف نجاح الشخصية على إبراز الدافع وتعليله، وهناك تعليل نوعي أي: يكون نمطًا من أنماط السلوك المعروفة للنوع الذي تنتمي إليه الشخصية، ويعتبر من أبسط ألوان الدوافع، أما النماذج والشخصيات المركبة فتحتاج من كاتب المسرحية إلى عناية خاصة في إبراز دوافع سلوكها، وينبغي أن يختار الكاتب المآزق والأزمات التي تدفع الشخصية إل الفعل وتميط اللثام عن مكوناتها الداخلية.
ولما كانت المسرحية تقوم على أساس الصراع فلا بد من رسم الشخصية عبر علاقاتها بالآخرين، وليس عبر علاقتها بالواقع فقط، وينبغي أن يكون أساس هذه العلاقات دراميًا يقوم على التقابل والتماثل والمفارقة أي: التضاد والتشابه والتمايز.
وإذا كانت الشخصيات المتقابلة غير متكافئة فإن ذلك يفسد عملية التشخيص ويضعف الدوافع الدرامية التي هي أساس الحركة في المسرحية، والعمل على تطوير الشخصية في المواقف المختلفة أمر بالغ الضرورة، ولكن هذا التطور لا بد أن يكون تلقائيًا وطبيعيًا.
(1/209)
________________________________________
ومما تجدر الإشارة إليه أن هناك اتجاهات مسرحية لم تعد تُعنى برسم الشخصيات، فجاءت فكرة اللاشخصية في المسرح المعاصر التي حطمت النماذج التقليدية كما في المسرح الملحمي للكاتب الألماني الشهير بريخت، كما أن هناك شخصيات تجريدية لا ملامح لها كما في المسرح التعبيري، ولهذا تطلق عليها أسماء عامة بالرجل والسيدة والسيد صفر وهي تجسيد لأفكار ومُثُل معينة1.
الحوار2:
المسرحية في أساسها فن حواري أي: يقوم على الحوار، فهي في بعدها الأدبي حوار أساسًا؛ لذا فإن عناية الكاتب لا بد أن تتركز حوله، وقبل الحديث عن وظائف الحوار ومهمته يحسن بنا أن نميز بين الحوار والمحادثة وفقًا لوظيفة كل منهما، فالمحادثة لها وظيفة نفعية وأخرى غير نفعية أما النفعية فتتمثل في تصريف الأمور والمعاملات، وغير النفعية في الثرثرة والتسلية والتعبير عن الذات، وهي جميعًا أمور تختلف عن وظائف الحوار المسرحي الذي تكمن وظيفته الأساسية في تطوير الحدث والكشف عن أفكار الشخصيات وعواطفها وطبائعها الأساسية، وفيه جانب المتعة والشاعرية والفكاهة والتندر في بعض المواقف، فالحوار في المسرحية نفعيته تكمن في جمالياته وخدمته للبناء الفني.
ومن الطرق التي تطور بها الحبكة عن طريق الحوار: مصاحبة الفعل الذي يدور على المسرح ورواية الفعل الذي لا يمكن تمثيله وعرضه على خشبة المسرح لضيق المجال أو لعدم مناسبته أو لأن؛ هذا الفعل المروي حدث قبل البداية الفعلية
__________
1 راجع عبد الرحمن شلش: مدخل إلى فن المسرحية مطبعة مرامر، الرياض سنة 1983م ص 34 وما بعدها.
2 يرى توفيق الحكيم أن الحوار ملكة، وذلك راجع إلى صفته الضرورية وهي التركيز والإيجاز والإشارة التي تفصح عن الطبائع، واللمحة التي توضح المواقف، وهو كالشعر يميل إلى الاقتضاب فألد أعداء الحوار الإطالة والحشو.
راجع: توفيق الحكيم، فن الأدب، المطبعة النموذجية، القاهرة ص148-152.
(1/210)
________________________________________
للمسرحية، وهناك أفعال عنيفة لا تمثل على خشبة المسرح يلجأ كاتب المسرحية إلى روايتها عن طريق الحوار، ولكن هذه الرواية تكون مملة إذا لم يهيء لها بالتشويق وإثارة الاهتمام واختيار المواقف المتوترة.
ومن الوظائف الحيوية للحوار الكشف عن جوانب الشخصية كما أسلفنا، أضف إلى ذلك وصف المنظر، والحوار المسرحي لا تقاس جودته بمدى واقعيته لأنه؛ صناعة وحرفة، ولهذا نجد أن جودته ترتبط بعناصر منها قدرته على إبراز المقومات الجوهرية للشخصية؛ فالفن تحويل وليس نقلًا، من هنا تسقط جميع الحجج الواهية حول ازدواجية الحوار؛ لأن من المفترض أن يعتمد الكاتب على سمات أخرى غير عامية اللغة أو فصاحتها، ويستحسن أن تكون الفقرات الحوارية قصيرة مكثفة، وألا تطول بحيث تُفقِد السامع قدرته على المتابعة والتركيز، وقد يكون من الضروري تضمين الحوار المسرحي بعض خصائص الحديث الفعلي للإيهام بواقعيته مثل التفكك والاستطراد والتوقف المفاجئ....إلخ.
ومن الأهمية بمكان تنوع مستويات الحديث وفقًا لمستويات الشخصيات وتباين مواقفها وانتماءاتها.
وبعد هذا وذاك لا بد للكاتب المسرحي من العناية بالإيقاع، والإيقاع مرتبط بمعدل السرعة في الكلام، وهذه السرعة تخضع لعوامل مختلفة مردها إلى نوعية الكلمات المستخدمة وانسجامها وتآلفها وكيفية الانتقال بين الفقرات المسرحية، ولهذا يحسن بالكاتب أن يقرأ بصوت مسموع أجزاء من مسرحيته ليدرك هذه الخاصية، ويتأكد من انسجام الإيقاع في الحوار المسرحي1.
وينبغي الانتباه إلى أهمية تلوين الإيقاع في المواقف المتأزمة والمتوترة، وقد ترق لغته حتى تقترب من لغة الشعر في بعض المواقف، وقد تكون الإفاضة في
__________
1 راجع: روجرم مسفيلد "الابن" في كتابه: فن الكاتب المسرحي للمسرح والإذاعة والتليفزيون والسينما، ترجمة وتقديم دريني خشبة، دار مصر للطبع والنشر - القاهرة ص226.
نقلًا عن فن المسرحية لعبد الرحمن شلش ص40.
(1/211)
________________________________________
الحوار ذات وظيفة تكشف عن طبيعة الشخصية، في حين يبدو الاقتضاب والإيجاز ضروريًا في المواقف المتأزمة.
وقد يلجأ الكاتب إلى استغلال نجوى النفوس بدلًا من الحوار حيث تفكر الشخصية بصوت مسموع في الأزمات النفسية والمواقف الحادة فتكشف عن مشاعرها وأحاسيسها الداخلية، من هنا كان لا بد لكاتب المسرحية من الاقتصاد في استخدام نجوى النفس، والاقتصار فقط على المواقف شديدة التأزم.
وشبيه بذلك الحديث الجانبي؛ بمعنى أن تتحدث الشخصية إلى نفسها، أو إلى شخصية ثانية في حضور شخصيات أخرى يفترض أنها لا تسمع الحديث مع أنه يتم على مسمع منها، وينزع الكاتب إلى استخدام هذه التقنية حين يريد أن يطلع المشاهد على ما تنوي الشخصية أن تتخذه من تدبير في حين يظل ذلك خافيًا على الشخصيات الأخرى، لذلك تنتحي الشخصية جانبًا أو تنفرد بشخصية أخرى فتدلي بهذه المعلومات من خلال حديثها معها، والفرق بين نجوى النفس والحديث الجانبي أن حديث النفس يكشف عن المشاعر؛ بينما الحديث الجانبي يفصح عن نوايا وأفكار1، أما فيما يتعلق بالعامية والفصحى فهي قضية فنية في المقام الأول، والمسرحيات ذات الموضوعات الفكرية لا يناسبها الحوار العامي مطلقًا، ويستحسن تطويع المسرحيات الاجتماعية للفصحى، وتجنب العامية ما أمكن أو تطويرها بحيث تقترب من الفصحى في نهاية الأمر.
إن للصمت دورًا في الحوار، فالوقفة المليئة بالمعنى لها قوة درامية كبيرة.
الصراع:
الصراع هو قوام البناء الدرامي للمسرحية، ولهذا نجد مُنَظِّرا معروفًا من
__________
1 راجع: د. عبد القادر القط: من فنون الأدب "المسرحية" دار النهضة العربية بيروت سنة 1978م ص 38،37.
(1/212)
________________________________________
مُنَظِّري الفن المسرحي وهو ويليام آرجر يقول: إن جزءًا عظيمًا من سر العمارة الدرامية يكمن في كلمة واحدة هي "التوتر"، إن إيجاد حالة من التوتر وصيانتها ورفعها وتعميقها وحلها هو الهدف الرئيسي لصنعة كاتب المسرحية1، والمقصود بالتوتر كما هو واضح الصراع.
والصراع لونان رئيسيان: صراع تبدو تجلياته في الحوار وفي الحركة والفعل، وصراع داخلي نفسي يكشف عنه الكاتب في لحظات التأزم والانفعال العميق.
وهناك -أيضًا- الصراع الساكن الذي لا يحسم ويظل معلقًا لأن؛ أطرافه لا تقوى على ذلك حيث ينتهي المشهد بما بدأ، والصراع الواثب، وهو الذي يتطور بشكل مفاجئ مثال الانقلاب من موقف إلى آخر كأن تتقلب الصداقة إلى عداوة وهكذا، والتوتر حالة مصاحبة للصراع لذلك يجري الحديث عنها كثيرًا عند الحديث عن الصراع، فالعلاقات بين الأجزاء في المسرحية تقوم على التوتر، والوضع المتوتر ينجم عن الصراع، فالتوتر ينجم عن الوضع والفعل بمعنى أن تكون هناك حالة صراع معينة أي: وضعية تحتاج إلى حسم، هنا لا بد من بروز الفعل أو التصرف إزاء هذه الوضعية، وترقب حدوث الفعل هو الذي يحدث حالة التوتر.
قد يكون الصراع بين ما يمليه الواجب وتستدعيه الرغبة، فيظل التوتر قائمًا حتى تتحرك الشخصية للخروج من هذه الحالة القلقة المحيرة.
الحدث:
يقوم الحدث المسرحي على الاختيار والعزل، ونعني بذلك اختيار موقف معين فيه إمكانات الصراع التي يمكن تطويرها لتفضي إلى ذروة معينة، ثم الإيحاء برؤية ذات بال ومن ثم عزل هذا الموقف عما يمكن أن يفسد هذه الإمكانات.
__________
1 استوارت كريفش: صناعة المسرحية ترجمة د/ عبد الله معتصم الدباغ، دار المأمون بغداد سنة 1986م ص5.
(1/213)
________________________________________
الدرامية، ولا يعني ذلك قطع الموقف عن محيطه الحيوي وخلفيته الواقعية، على أن يتم ذلك من خلال اللسمات والإشارات الدالة، وليس شرطًا أن يكون الحدث من وقائع الحياة الكبرى الهامة، فأهيمته تتمثل فيما قد يفضي إليه من دلالات، ولا بد أن يهتم الكاتب بالوقائع المادية في أيسر جوانبها دون الانسياق وراء تفاصيلها، فالمهم أن تتحول الوقائع المادية إلى وقائع نفسية للكشف عن دخائل النفس، وينبغي البعد عن الإثارة العصبية المقصودة والعنيفة، والمسرحية عادة تشتمل على حدث رئيسي تتفرع منه أحداث ثانوية ترفده دون أن تطغى عليها ...
البناء:
المقصود به المعمار الفني الذي به يتحدد خط الصراع في المسرحية، وقد تتألف المسرحية من ثلاثة فصول أو خمسة، وقد تكون من فصل واحد، وفي حالة تعدد الفصول فإن الكاتب المسرحي يحرص على تقديم شخصياته في الفصل الأول، والتمهيد للصراع ثم يبلغ ذروته في الثاني إذا كانت المسرحية من ثلاثة فصول وإذا تكونت من خمسة فإن ذروته عادة ما تكون في الثالث ثم ينحدر خط الصراع نحو النهاية، وكل فصل يتكون من عدة مشاهد عادة.
مكتبة المسرحية
أولًا: عبد القادر القط: من فنون الأدب "المسرحية" دار النهضة العربية، يعتبر هذا الكتاب من أحسن الكتب التي ألفت في هذا المجال إذا عالج الكاتب القيم الفنية للمسرحية وتتبع اتجاهات الكتابة المسرحية مع نماذج مدروسة.
ثانيًا: ستوارت كريفش، ترجمة د. عبد الله معتصم الدباغ، دار المأمون، بغداد 1987 وقد عالج فيه الكاتب الفعل المسرحي والتوتر الدرامي، وعنصر التشويق ثم التعقيد وخلق الشخصيات والحوار ودور الصمت، ومهمة المشهد "السيناريو" وما إلى ذلك من قضايا فنية.
(1/214)
________________________________________
ثالثًا: المرشد إلى فن المسرح "الدراما" تأليف لويس فارجاس وترجمة أحمد سلام محمد الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986 ويعالج في الفصل الأول الكتابة المسرحية، ثم يتتبع تاريخ المسرح.
رابعًا: مدخل إلى فن المسرحية، مطبعة مرامر، الرياض، 1983.
ومراجع أخرى سبق الإشارة إليها في الهوامش.
(1/215)
________________________________________
فن كتابة التراجم والسير
ما المقصود بالترجمة؟
الترجمة في اللغة التفسير والبيان، والمعنى الاصطلاحي وثيق الصلة بالمعنى اللغوي لأن؛ كاتب الترجمة يوضح ما يتصل بشخصية المترجم له، وينقلها من وضع إلى آخر، حيث يجلو ما علق بها من افتراء أو زيف ويزيل ما ران على بعض جوانبها من غموض، ولكن كلمة التفسير كلمة واسعة الدلالة لا تتصل بأحداث الحياة فحسب بل تتعداها إلى جوانب متعددة ذاتية وموضوعية، بعضها يتصل بشخص المترجم له وبعضها الآخر يتعلق بعصره وواقعه الإنساني والاجتماعي.
ما الفرق بين الترجمة والسيرة:
يعرف الباحثون الترجمة بأنها ذلك النوع من الأنواع الأدبية الذي يتناول التعريف بحياة رجل أو أكثر، تعريفًا يطول أو يقصر، وتختلف طبيعة الترجمة باختلاف العصر والرجل الذي تدور حوله الترجمة.
أما السيرة فهي ضرب من ضرور الترجمة، تنفسح آمادها وتزخر بالحديث الموسع، فالترجمة إذا طالت تسمى سيرة، وكانت كلمة سيرة وثيقة الصلة بما كتب عن الرسول "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، لكنها خرجت عن هذا الحيز المخصوص إلى آفاق واسعة حينما ألف أحمد بن يوسف في أواخر القرن الثالث الهجري كتابًا أسماه
(1/215)
________________________________________
"سيرة أحمد بن طولون"1، وقد كان الحس التاريخي هو الأصل في كتابة السيرة، حيث كانت السير جزءًا من التاريخ، وكانت حياة الفرد تمثل جانبًا هامًا من تصور الناس للتاريخ وإيمانهم بأن الفرد هو الذي يصنع التاريخ، ففي أحضان التاريخ كما يقول الدكتور إحسان عباس - نشأت السير وترعرعت-2.
ويتسع المصطلح عند العديد من الكتاب فيصبح دالًا على الترجمة بأنواعها، فلا فرق عندهم بين السرة والترجمة، وكلمة ترجمة دخلت إلى العربية من الآرامية، واستخدمها ياقوت الحموي في القرن السابع بمعنى حياة الشخص.
"الفرق بين الترجمة وقصة الحياة".
إن الذي يهم كاتب الترجمة هو تأمل الأحداث والمواقف واستنطاقها، والكشف عن دلالاتها الخاصة والعامة، ووضعها في سياق فكري فلسفي يُمِيط اللثام عن حقائق الشخصية وعالمها، ويسلط الضوء على المرحلة التاريخية التي عاشت فيها، والمحيط الاجتماعي الذي نشأت فيه بمختلف الوسائل والأساليب، وليس الهدف من الترجمة مجرد الرصد والتسجيل وجمع المعلومات وتأليفها؛ وإنما ذلك من شأن قصة الحياة التي تعنى بالتسلسل الخطي لحياة الشخصية منذ ولادتها حتى وفاتها.
كيف تكتب الترجمة؟
الترجمة نوعان: غيرية أدخل في باب السيرة، وذاتية يكتبها المؤلف عن نفسه، لذا فهي أكثر خصوصية من الغيرية التي تبدو باحثة عن الحقائق الموضوعية، أما الغيرية فهي أكثر موضوعية، وإن لم تغفل الجانب الذاتي الذي يتمثل من خلال وجهة النظر الخاصة بالكاتب.
__________
1 محمد عبد الغني حسن: التراجم والسيرة: دار المعارف، سنة 1955م ص 27.
2 د. إحسان فن السيرة، دار الثقافة، بيروت سنة 1956م ص 9.
(1/216)
________________________________________
أولًا- الترجمة الغيرية:
أ- لا بد من البحث عن هيكل بنائي مناسب يتحقق فيه الترابط العضوي ويفضي إلى هدف محدد من كتابة الترجمة؛ لذا من الضروري التركيز على الشخصية وعدم الانسياق وراء أحداث وأشخاص آخرين وعرض أجزاء من حياتهم إلا بما يخدم هذا الغرض الأساسي من بناء الترجمة.
وتحقيق الهيكل المعماري العضوي الذي هو جوهر الأعمال الفنية بوجه عام لا يتم إلا بعد جمع الحقائق والوثائق والقرائن وتحقيقها وعدم الاستجابة لمغريات الخيال.
ب- إن قوام الفن هو الاختيار والنفي، وإذا كان هذا المبدأ هو القاعدة الأساسية في مختلف الفنون فهو في السيرة ألزم؛ لأنه ينبني على أسس مختلفة، فالنفي أو الإثبات يخضع لمحك الصدق والحقيقة التاريخة، بينما في الفنون الأخرى يخضع لمبدأ آخر يتعلق برؤيا الكاتب، وأصول الفن، وعمل المخيلة، ويعمل الوجدان والنزوع الذاتي كمحركين أساسييين في هذه العملية، وليس من شك في أن الترجمة تقع في منطقة وسط بين جاذبية التحقيق العلمي الذي هو قوام عمل المؤرخ، والاصطفاء الفني وهو أصل العمل الأدبي، ولهذا تتحقق القيمة الفنية للترجمة الذاتية التي هي قوام عمل الفنان، فإذا استطاع أن يحقق ذاته من خلال حساسيته اليقظة لمعنى الأحداث ودلالتها وقدرته على استنطاقها واستخلاص رؤى جديدة في تفسيرها، وفي بناء نسق فكري من خلالها يفضي إلى رؤية جديدة يكون قد اقترب من أصول الفن، فقد يبني الكاتب من الحوادث الصغيرة والشواهد الهامشية رؤية جديدة ذات بعد نفسي أو فكري يتخطى التفاصيل الخارجية وظواهرها الخادعة، ويسلط الضوء على البنية النفسية للشخصية، لذا لا بد لكاتب الترجمة من تتبع التفاصل ذات الدلالالة الموحية.
(1/217)
________________________________________
ج- أن أهم ما ينبغي أن يتنبه إليه كاتب الترجمة ثم يعمل على إبرازه وتعميق الإحساس به هو ما ينتاب الشخصية من تطور ونمو، وما يلم بها من عوامل التبديل والتغيير، ولهذا كان لا بد من رصد أثر الحدث، وخصوصًا ذلك التي يحدث تغييرًا جذريًا في حياة الشخصية، كتجربة العقاد بعد أن دخل السجن مثلًا، أو تجربة ابن تومرت بعد أن لقي الغزالي وما إلى ذلك.
د- أن عدة كاتب الترجمة هي المعلومات الغزيرة، وإن لم تكن كلها صالحة للاستغلال، فقد يصدف كاتب الترجمة عن كتابة بعض الحقائق على الرغم من طرافتها لسبب أو لآخر، وقد يعمد إلى استغلال جزئية من الجزئيات المتعلقة بالعادة في المأكل أو الملبس أو المشرب، لذلك فإن للذوق دوره المتميز في بناء السيرة وللذهن الحساس اليقظ فعله في عملية الاختيار والبناء والتطوير، إن التماس المعلومات مهما بدت تافهة من مظانها المختلفة أمر بالغ الضرورة لا بد له من عقلية قادرة على الفرز والترجيح.
هـ- وأسلوب العرض الذي ينبغي أن يحشد له كاتب الترجمة مختلف الطرق الشائعة التي تغري بالمتابعة مناط النجاح في التشكيل والبناء؛ لأنها تغني عن الخيال وتعوض الحرية التي تتوفر عند كاتب الرواية.
وهناك نقطة مهمة لفت إليها الانتباه بعض الباحثين وهي ضرورة الحذر في الاستعانة بالآثار الأدبية أو الفنية في تشكيل الترجمة، ذلك أن الترجمة تتكئ -عادة- على الحقائق، بينما يعتمد العمل الفني على الخيال ويمزج بينه وبين الواقع على نحو خاص.
وقد أشار "توماس هاردي" إلى كاتب سيرته هاتشكوك ووصفه بمجانبة الحقيقة؛ بل بالخطأ وفساد الذوق؛ لأنه اعتمد في ترجمة حياته على قصصه1.
__________
1 راجع: د/ إحسان عباس المرجع السابق ص90/89.
(1/218)
________________________________________
و لكاتب الترجمة الحرية في أن يختار الأسلوب المناسب لعرضها، فقد يختار الطريقة المسرحية الدرامية، وقد مرت بنا الأصول المتبعة في كتابة المسرحية، وقد يختار طريقة القصة التي تعتمد على السرد والحكاية أو طريقة التفسير والشرح والتحليل على نحو ما فعل نعيمة في سيرة جبران خليل جبران، وقد يستعين بهذه الطرق مجتمعة، وقد يعمد كاتب الترجمة إلى التناول التاريخي وفقًا للتسلسل الزماني، وقد يلجأ إلى التقديم والتأخير وفقًا للهدف أو الغاية التي ينشدها.
ثانيًا-الترجمة الذاتية:
يمكن أن نتبين مفهوم الترجمة من زاويتين:
الأولى: النفي:
فالترجمة الذاتية ليست هي اليوميات أو المذكرات، فاليوميات تبدو منفصلة لا يجمعها إلا السياق الزمني، والمذكرات تهتم بالشئون الخارجية العامة؛ لأن كاتبها يدونها تحت إلحاح الرغبة في الكشف عن الحقائق والمواقف التاريخية، وتحت ضغط ظروف معينة، وليست هي تلك التداعيات التي يعنى فيها الكاتب بتصوير البيئة الاجتماعية أو الوقائع الكبرى كشاهد عليها أو فاعل فيها، وليست هي الاعترافات التي يظهر فيها الكاتب بمظهر البطل والضحية في آن واحد، وليست هي الرواية التي تستلهم الحياة الخاصة للشخصية؛ لأنها بتحولها إلى رواية تفقد هويتها كترجمة ذاتية، فالترجمة الذاتية لون آخر يعتمد على البناء العضوي المرسوم والشخصية النامية بفعل العوامل الموضوعية التي تصطدم بتحديات تدفعها إلى الأمام وتعمل على تصويرها.
__________
1 راجع د/ يحيى عبد الدايم: الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت سنة 1974م ص4 إلى ص25.
(1/219)
________________________________________
الثانية: الإثبات:
حيث يعرف البعض الترجمة الذاتية بأنها ما يكتبه المرء بنفسه عن تاريخ حياته، مسجلًا لأخباره وعارضًا لأعماله وآثاره ذاكرًا أيام طفولته وشبابه وكهولته وما يجري فيها، وقد تقود صاحبها إلى المبالغة وتزييف البطولة وادعائها والزهو بالنفس وإعلاء قيمتها، ولكنها إذا توخت الاعتدال والصدق كانت ذات فائدة عظمى في جلاء الحقائق وتبديد الشكوك1.
كيف تكتب الترجمة الذاتية؟
أ- قبل كتابة الترجمة الذاتية لا بد من إدراك الغاية المنشودة والوعي بالهدف المقصود من الترجمة الذاتية، ومن ثم إعداد العدة لتحقيق ذلك.
هناك دوافع متعددة لكتابة تاريخ الحياة أبرزها:
الدفاع أو الاعتذار كما فعل حنين بن إسحاق، والرغبة في الكشف عن رؤية الكاتب للحياة والوجود بعد طول تأمل ومعاناة كما فعل الرازي في "السيرة السلفية"، والتنفيس عما ألم بالنفس من توتر وكدر كما هو الحال في "الأيام" لطه حسين، والوعظ والإرشاد كما في "الطائف المنن" للشعراني، وتصوير الجانب الفكري وما انتابه من تحول وتطور كما فعل العقاد في "حياة قلم"، وما إلى ذلك من أهداف.
ب- استرجاع المنعطفات الهامة في حياة الشخصية وماتستدعيه من تفاصيل، ثم العودة إلى ما دونه الكاتب من مذكرات، وما احتفظ به من وثائق ومقتنيات، وترتيب ذلك في نقاط رئيسية تشكل الهيكل البنائي للسيرة الذاتية.
ج- اختيار القالب المناسب لكتابة السيرة الذاتية، فقد أحصى بعض الباحثين ثلاثة قوالب لكتابة الترجمة الذاتية:
__________
1راجع محمد عبد الغني حسن: التراجم والسير، دار المعارف سنة 1955ص 23.
(1/220)
________________________________________
1- القالب الروائي حيث يصور الكاتب حياته في شكل روائي مباشر دون إلغاز أو إخفاء مبينًا السبب الذي حدا به إلى اختيار هذا القالب، وذلك دون انسياق وراء مقتضيات الفن الروائي، وما يستلزمه من تحوير وتعديل.
2- منهج المقالة: يعنى بتقرير الحقائق الخاصة بحياته وشرحها وتفسيرها وتحليلها، وقد يلجأ الكاتب إلى هذا المنهج تحت ضغط الضرورة التي لا تفسح له المجال لاختيار سبيل آخر كرغبته للدفاع عن نفسه وتبرئتها مما نسب إليها.
3- المنهج المزدوج الذي يجمع بين التصوير والتقرير، حيث يلجأ الكاتب إلى أحدهما حين يرى أنه من الأنسب اختيار هذا الأسلوب دون غيره، ومعظم كتاب الترجمة الذاتية يلجؤون إلى هذه الطريقة1.
ويستحسن أن يبتعد كاتب الترجمة الذاتية عن امتداح نفسه وتنزيهها والسمو بها على غيرها، كما أن عليه العمل على اجتذاب اهتمام القارئ للتعاطف معه باستخدام أسلوب المصارحة والبوح وتصوير المشاعر الداخلية والتزام الصدق.
ولا بد لكاتب الترجمة الذاتية من تخير الوقت المناسب لكتابة الترجمة الذاتية، وذلك حين يحس أن تجربته الحياتية قد نضجت، وأن في التعبير عنها ما يفيد القارئ أو يحق الحق في قضايا معلقة، فبعد أن يكتمل تصور الإنسان لتجربته ويعيد تقييمها يمكنه أن يلجأ إلى التعبير عنها كتابة، وحبذا لو توخى الجانب الروحي النفسي وانصرف إلى بلورته لأن؛ ذلك أوقع في النفس، وأدعى إلى التجاوب والتعاطف والتأثير، وتعتبر ترجمة الغزالي لنفسه في "المنقذ من الضلال" تصويرًا مؤثرًا لتجربته الروحية الثرية.
__________
1 فيما يتعلق بالدوافع والمناهج يمكن مراجعة الدكتور/ يحيى إبراهيم عبد الدايم، المرجع السابق ص 82 وما بعدها.
(1/221)
________________________________________
والسؤال الذي يبرز الآن هو هل ثمة فرق بين الترجمة الذاتية والغيرية؟
اختلف الباحثون حول الإجابة على هذا السؤال، فبعضهم قال: بتشابه الفنين من حيث الغاية والمنهج، والبعض الآخر قال: بأن ثمة تشابهًا في بعض الجوانب وتغايرًا في الجوانب الأخرى، فالترجمة الذاتية تعبير مباشر فيه قدر كبير من الذاتية، والترجمة الغيرية توثيق وتحقيق وضبط واستنتاج فيه قدر كبير من الموضوعية دون غياب للجانب الذاتي، والحقيقة تظل نسبية في كليهما، ولكنها تختلف من عمل لآخر وفقًا لما يتوفر من معلومات وما يتميز به الكاتب من بناء نفسي وعقلي ووجداني، فبعض كتاب الترجمة الذاتية لا يتورعون عن ذكر بعض المعايب والنقائض بل والفضائح أيضًا، والبعض الآخر يلجم قلمه الحياء فلا يقترب من هذه التخوم.
(1/222)
________________________________________
مكتبة التراجم والسير
أولًا- الدكتور إحسان عباس، فن السيرة، دار الثقافة، بيروت، سنة1956م.
يقع هذا الكتاب في حوالي مائة وست وسبعين صفحة، وقد ذكر المؤلف في المقدمة أنه يبني دراسته على الاختيار، إذ اقتصر على أمثلة يسهل الحصول عليها، ولم يثقل على القارئ بتصنيف المعاجم الخاصة بالسير وكتب الطبقات، ويشير إلى أنه مزج بين العرض التاريخي والتحليل غير المستقصي لبعض النماذج، مقسمًا نظريته في السير بين الأدب العربي والغربي، ويشير إلى أن خط التطور في الأدب العربي أوضح منه في الأدب الغربي، ويرى أن الاتجاه في الحياة المعاصرة أخذ يتشكل نحو الجماعة بخطى سريعة، وهذا يقلل من تقديس الأبطال، ويقر بدور الفرد في الحياة، ويغير مفهومات الناس عن قيمة ذلك الدور، وقد استعرض الكاتب في هذا الكتاب تاريخ السير عند المسلمين وتطوره نحو السيرة الفنية، ويعرض لمقومات السيرة الفنية، ثم يتحدث عن السير الذاتية عند الغرب وعند العرب.
ثانيًا- د. يحيى إبراهيم عبد الدايم: الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث، دار النهضة العربية، بيروت سنة 1974م، ويتحدث المؤلف في مقدمته عن الدراسات السابقة على دراسته، ويتناول في الباب مدلول الترجمة الذاتية وتطورها في الأدب العربي والغربي في فصول ثلاثة، ويتحدث في الباب الثاني عن معالم الترجمة الذاتية في الأدب العربي الحديث في فصلين، أما الباب الثالث فيتناول الترجمة الذاتية في إطارها السياسي في فصول ثلاثة، وفي الباب الرابع يعرض للترجمة الذاتية في إطارها الفكري، ويتحدث عن العقاد وأحمد أمين وميخائيل نعيمة وطه حسين.
(1/223)
________________________________________
ثالثًا- د. شوقي ضيف: الترجمة الشخصية، دار المعارف سنة 1956م، يعرض فيه الكاتب لصور الترجمة الذاتية عند العرب في عصورهم المختلفة، من العصر العباسي إلى العصر الحديث، ويرى أن التراجم القديمة عند الفلاسفة والعلماء كانت مقيدة من حيث المادة النفسية والاجتماعية، ويعرض للترجمة الشخصية عند المتصوفة، فيرى أنهم عنوا بالحديث عن تجاربهم الروحية وكأنهم يريدون بها جذب الناس إلى طريقهم، وتحدث بعد ذلك عن تراجم الساسة ورجال الحرب، ثم عرض للترجمة الشخصية في العصر الحديث وتطورها بتأثير الترجمات عن الآداب الغربية، حيث مال الكتاب إلى التحدث بصراحة، وأشار إلى كتاب الأيام للدكتور طه حسين، ثم عرض لسيرة أحمد أمين كما كتبها صاحبها.
(1/224)
________________________________________
الخطابة
الخطبة لُغويًا - عند العرب - الكلام المنثور المسجع ونحوه، وله أول وآخر كما جاء في لسان العرب، والخطبة اسم وضع موضع المصدر فهو الخطابة1، والخطابة اصطلاحًا فن من فنون الكلام غايته إقناع السامعين واستمالتهم والتأثير فيهم، بصواب قضية أو بخطأ أخرى، وبلوغ موضع الاهتمام من عقولهم2 وموضع التأثير في وجدانهم.
ما الفرق بين الخطبة والمحاضرة:
الخطبة تتوخى الجانب الوجداني في الدرجة الأولى، فهي تقوم على التأثير، وإن كان عنصر الإقناع أساسيًا فيها، ولكن الخطيب يعمد إلى مختلف المؤثرات العاطفية فيستخدمها ليثير مكامن الاستجابة في السامعين، أما المحاضرة فالمعول فيها على الجانب المعرفي في الدرجة الأولى، والمحاضر يخاطب العقل ويلتمس أيسر السبل لإيصال المعلومات دون أن يلجأ إلى الإثارة، وقد تأثرت الخطبة الحديثة بالمحاضرة فبدأت تنزع إلى العقلانية وتحتشد بأسباب الإقناع، وانحسر-إلى حد ما-ذلك الجانب الأدائي الذي يعول على الإثارة، ولم يكن أمر الإقناع يغيب عن بال القدماء لذلك، نجد المناطقة يعرِّفون الخطبة "بأنها مؤلف من مقدمات مقبولة لصدورها ممن يعتقد فيه لاختصاصه بمزيد من عقل أو تديُّن"3، ولكن قيمة الخطبة الحقيقة تظل كامنة في قدرة الخطيب على "تحويل الأفكار إلى عواطف، فهي في جوهرها تعمد إلى بث حالة نفسية أو يقين وجداني حاسم راغم لا يتمكن المرء من التحرر منه"4، ولهذا تزدهر
__________
1 لسان العرب لابن منظور، دار المعارف، المجلد الثاني ص1195.
2 د. أشرف محمد موسى: الخطابة وفن الإلقاء، مكتبة أخانجي، القاهرة "د. ت" ص7.
3 علي محفوظ: فن الخطابة وإعداد الخطيب، دار الاعتصام سنة 1984م ص 13.
4 راجع: إيليا حاوي، فن الخطابة وتطوره عند العرب، دار الثقافة بيروت، د. ت ص9.
(1/225)
________________________________________
الخطابة في فترات الانعطاف، وفي إبَّان الأزمات الكبرى، ويكون تأثيرها على العامة أكبر من تأثيرها على ذوي الرأي والمفكرين، من هنا بلغت ذروتها في عصور البداوة كما يرى العديد من الباحثين، والخطابة هي أقرب الفنون النثرية لطبيعة الشعر الغنائي.
الطريق إلى إتقان فن الخطابة:
الخطابة - شأنها في ذلك شأن أغلب فنون القول - ملكة فطرية تُنمَّى بالتحصيل وتطور بالتجربة وتتبلور بالمعاودة والمراجعة والفهم، وقد ينضج الخطيب على نحو مفاجئ تصنعه الأحداث، وتبرزه الحاجة، ويصهره الموقف دون طول إعداد، فالملكات الفطرية في الفن تشرق في النفس دون مقدمات، ومع هذا فإن أصول هذا الفن فيما يرى الباحثون والمنظرون أربعة:
1- الاستعداد الفطري.
2- الإلمام بالأصول والقواعد التي تقوم عليها الخطابة.
3- الاطلاع على النماذج المتميزة من الخطب ودراستها والتعرف على مكامن الإجادة منها.
4- التجربة والمران، فلا بد من التدرب والتمرس، يقول خالد بن صفوان: إنما اللسان عضو؛ إن مرنته مَرن، فهو كاليد تخشنها بالممارسة، وكالبدن تقويه برفع الحجر، والرِّجل إذا عودت المشي مشت، والنسج على منوال الأقدمين له مزالقه، فقد يتمكن الإعجاب بأسلوب المحتذى حتى يصبح الفكاك منه عسيرًا، لذا لا بد من الحذر قدر الإمكان، وإن كان بعض الباحثين يرون الاحتذاء مرحلة لا بد منها قبل أن يصلب عود الخطيب ويشحذ لسانه.
(1/226)
________________________________________
مقومات الخطابة:
أولًا- اللغة:
امتلاك الأسلوب وإتقان اللغة والقدرة على التصرف في أوجه القول، كل ذلك يعتبر الركيزة الأولى في الخطابة، فلا يمكن أن يكون الخطيب خطيبًا إلا إذا سيطر على زمام القول وأحسن توجيهه وفقًا للموقف.
ثانيًا: التسلسل والتنظيم وحسن المعالجة للأفكار:
فلا بد أن تكون الأفكار منظمة في ذهن الخطيب، واضحة يسلم بعضها إلى بعض، ومن الضروري أن يحسن الخطيب التعريف بالفكرة من جوانبها المختلفة بما هو حري بالاهتمام، وما هو مناسب للموقف دون إيغال في الاستقصاء، وانسياق وراء التفاصيل.
ثالثًا- اختيار الأدلة:
العقلية والنقلية المناسبة للأفكار دون غلو في التأويل والتخريج والتطويع، فالأساس في الأدلة أن تكون ظاهرة الدلالة على الفكرة دون اجتراء على الحقيقة أو انحراف بها، وأن تكون أقرب إلى أذهان السامعين وأفهامهم وأن تبدو تلقائية غير متكلفة ولا متعسفة، وأن تقدم في إطار مشوق محبب.
رابعًا- المقابلة والتمثيل والتنويع:
في التقرير والإنشاء من الأساليب التي تعين على طرد الملل، وتأكيد الأفكار في أذهان السامعين، فمقابلة الأشياء بعضها ببعض في مقارنات وامضة أمر مستحب؛ لأنه ينقل الذهن نقلات مفاجئة منشطة من النقيض إلى النقيض، كذلك فإن التمثيل يربط بين الخطبة والواقع المعاش فيستأنس النفوس ويدجنها، أما التنويع فهو موقظ للحواس وطارد للسأم.
(1/227)
________________________________________
الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الخطيب:
أولًا: شروط خلقية كبراءة اللسان من العيوب، وقد تناول الجاحظ في كتابه البيان والتبيين هذه العيوب بتفصيل وإطناب كاللثغة والتمتمة والفأفأة، وبعض هذه العيوب يمكن التغلب عليها بتجنب الحروف التي يتعتع فيها الخطيب ما أمكن كما فعل واصل ابن عطاء حينما تجنب حرف الراء.
ثانيًا: شروط ذهنية كسداد الرأي وصحة القول وحضور البديهة وشدة الملاحظة ومراعاة أحوال السامعين وغزارة الفكر.
ثالثًا: شروط فنية كالمهارة في إثارة العواطف وتحريك النفوس وحسن الأداء وجهارة الصوت وانطلاقه وتدفقه والتجمل في الشارة والإشارة والملابس والهيئة كما يقال.
رابعًا: شروط خلقية، ومنها حسن السيرة حتى يثق الناس به فيستمعون إليه، وخلوص النية؛ لأن خلوص النية تظهر آثاره في الوجه وفي نبرات القول يصاحبه عن التكلف، والتودد إلى الناس والتحلي بالوقار وعزة النفس وعدم التبذل والنفاق وحب الخير ورباطة الجأش وقوة الشخصية لأن؛ الخطيب إذا افتقد الجرأة وهنت عزيمته فلا يقوى على الوقف أمام جمهوره.
بناء الخطبة:
لا يختلف بناء الخطبة كثيرًا عن بناء المحاضرة والمقالة وما إلى ذلك من فنون التعبير؛ فالمقدمة والعرض والخاتمة هي المكونات الرئيسية للخطبة، ولكن هذه المكونات تحتاج إلى شيء من الدراية ومعرفة الهدف منها وكيفية الانتقال من جزء إلى آخر.
أولًا: المقدمة:
لا بد للخطيب من استئناس السامعين وشد انتباههم لما يقول من أفكار وإثارة شوقهم لها، لذلك كانت المقدمة أمرًا ضروريًا لأنها؛ تضطلع بهذا العبء،
(1/228)
________________________________________
ولسنا مع ذلك الرأي الذي يقول: إنه لا بد للخطيب من بث الغفلة والذهول في القوى المدركة لجمهور السامعين حتى يتقبلوا ما يريد أن يقول1، فهذا أمر نفعي فيه انتهاز غير مشروع، لا ينسجم مع الغاية النبيلة من الخطابة؛ فليس من شأن المقدمة أن تقوم بهذه المهمة، ولكن وظيفتها الأساسية أن تهيء أذهان الحضور، وتوقظ قواهم المدركة لاستيعاب الأفكار والمعاني.
والمقدمة يحددها الموضوع فهي تخضع لطروحاته، ويكون ذلك إما بافتتاح الخطبة بنص بليغ أو بإثارة مجموعة من الأسئلة، وينبغي أن تكون ذات صلة بالموضوع، وإذا كانت الخطبة ذات موضوع عام فمن المستحسن أن تستهل بذكر آية كريمة ذات علاقة بالقضية التي تثيرها أو بحديث شريف، وينصح بعدم إطالة المقدمة والاكتفاء بالتلميح.
وقد يستغني الخطيب عن المقدمة تمامًا وخصوصًا إذا كان الموضوع مثيرًا أو إذا كان الخطيب مضطرًا إلى الدخول في صلب الموضوع دون مقدمات.
ثانيًا: العرض:
يتناول صلب الخطبة فيعالج موضوعها الرئيسي، ويشترط أن يكون العرض حيًا بعيدًا عن الجمود مثيرًا للدهشة والإعجاب وقادرًا على استقطاب أذهان السامعين، وينبغي أن يتوسل الخطيب بما يتناسب مع الموقف من صور وأخيلة وأسلوب فصيح لا يصعب فهمه، ولا يكون ركيكًا مبتذلًا مع الحرص على التلوين والتنويع في الأداء كما أسلفنا، وكلما كانت الأفكار مترابطة ومسلسة كلما كان ذلك أدعى إلى النجاح في عرض الموضوع عرضًا متكاملًا، ولا بأس من الاتكاء على أسلوب القصة أو التمثيل، ولا بأس من الإتيان بالآراء المضادة وتفنيدها، ولا بد أن يتدرج الخطيب في العرض من الأهم فالمهم، ومن العام إلى الخاص.
__________
1 إيليا حاوي في كتابه "فن الخطابة" الذي سبقت الإشارة إليه وذلك ص 19.
(1/229)
________________________________________
ثالثًا: الخاتمة:
تشكل خلاصة الخطبة فهي التي تستقر في أذهان السامعين بعد انتهاء الخطبة؛ لذا وجب أن تتضمن الأفكار الرئيسية موجزة مركزة في فكرة شاملة كافية. من هنا كان من الضروري أن تكون عباراتها قوية مثيرة للعاطفة مؤثرة في الوجدان.
(1/230)
________________________________________
فن الشعر
محاولة للتعريف - نظريات في فهم الشعر - كيف تكتب قصيدة الشعر - عناصر الإبداع الشعري

ليس من السهل تعريف الشعر، فقد كثرت المحاولات ولكنها لم تفض إلى نتيجة ملموسة، ذلك أن الشعر لغة العواطف والمشاعر والرؤى الممتزجة بالمواقف والأفكار، وهذه اللغة تركيبية تتمازج فيها الألوان والظلال، فهي ليست مجرد أوزان وقواف ولا صور وإيقاعات وألفاظ موحية ذات ظلال، بل هي كل ذلك في تشكيل ذي طابع خاص مؤشر يعيد صياغة التجربة ولا ينقلها.
وقد حاول كثير من الباحثين أن يلتمسوا السبل إلى منابع العبقرية الشعرية ولكنهم لم يبلغوا اليقين فوجدنا بعضهم يعزوها إلى الذكاء الفطري، والآخر يرجعها إلى حالة عصابية مرضية، وفريقًا ثالثًا يمزج بينها وبين أحلام اليقظة.
ولكنهم جميعًا يعزونها إلى طاقة فطرية كامنة يبلورها الاطلاع، ويفصح عنها المران والدربة ويفتقها الوعي والإدراك.
وقد أرجع أرسطو -صاحب أول فكر تنظيري منظم- الدافع الأساسي للشعر إلى علتين أساسيتين هما: غريزة المحاكاة أو التقليد، والثانية غريزة الموسيقى أو الإحساس بالنغم، وينفذ القاضي الجرجاني في كتابه "الوساطة بين المتنبي وخصومه" إلى جوهر الملكة الشعرية وطبيعتها حين يقول: "إن الشعر علم من علوم العرب يشترك فيه الطبع والرواية والذكاء، ثم تكون الدربة مادة له، وقوة لكل واحد من أسبابه"1.
__________
1القاضي الجرجاني: الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق أبي الفضل إبراهيم والبجاوي، القاهرة سنة 1945م ص15،14.
راجع محمد خلف الله أحمد: من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده، دار العلوم الرياض سنة 1984م ص44.
(1/231)
________________________________________
وتظل هذه الإشارات في تحليل الموهبة الشعرية والاستعدادت الفطرية والمكتسبة قاصرة عن الغوص إلى مكامن الإبداع الشعري، ولكنها تخلص إلى حقيقة هامة وهي أن الشعر يستلزم وجود الموهبة أساسًا، ثم تنميتها بالقراءة والدربة.
وإذا كان النقاد والباحثون قد اختلفوا في تحديد المنابع الأساسية للشعر فقد شجر بينهم الخلاف أيضًا حول مهمة الشعر وغايته وفقًا لاختلاف المدارس والاتجاهات، ولعل أول من أدلى بدلوه في هذا الميدان على نحو واضح من الشعراء العرب المحدثين أحد رموز مدرسة الديوان وهو المازني في كتاب له صدرت الطبعة الأولى منه عام 1915م حيث يقول عن الشعر: "
إنه مرآة الحقائق العصرية لأن؛ الشاعر لا قبل له بالخلاص من عصره والفكاك من زمنه، ولا قدرة له على النظر إلى أبعد مما وراء ذلك بكثير فحكمته حكمة عصره، وروحه روح عصره"1.
ولا بد من أجل فهم أعمق لتطور النظر إلى فن الشعر من حيث طبيعته وغاياته من تتبع المدارس المختلفة وتعاقبها منذ أرسطو حتى الآن، وهذا أمر يصعب استيعابه ولكننا سنعمد إلى إيجاز القول فيه.
أولًا: نظرية المحاكاة:
وأول من لفت الأنظار إليها فلاسفة اليونان القدامى خصوصًا أفلاطون الذي يرى أن العالم الحقيقي موجود في ما أسماه عالم المثل، أما العالم المحسوس فهو انعكاس له، والشعر محاكاة للعالم المحسوس فهو يبعد عن الحقيقة مرتين، ولكن أرسطو أشار إلى أن المحاكاة تصوير الشيء كما ينبغي أن يكون، وظلت نظرية المحاكاة هذه أساسية حتى القرن التاسع عشر مع اختلاف في فهم المحاكاة
__________
1 راجع د/ مدحت الجيار/ الشعر غاياته ووسائطه، نص كتاب المازني مع دراسة وتحليل، دار الصحوة للنشر، القاهرة، سنة 1986م ص35.
(1/232)
________________________________________
فهي تارة تُعنى بالأفكار والنماذج، وهي نقل عن الطبيعة تارة أخرى، وهي علاقة بين الفنان وجمهوره تارة ثالثة، وقد تطورت هذه النظرية عند الناقد الألماني "لسنج" الذي يصرح بأن الشعر رسم ناطق.
ثانيًا: نظرية التعبير:
كانت المحاكاة في طورها الأساسي تعني الصياغة الكلية للقيم الثابتة، فكانت القاعدة النظرية للمذهب الكلاسيكي الذي يعلي من شأن هذه القيم والآثار التي عكفت على تمثلها، حيث أصبحت الكلاسيكية تعني تقليد الأدب الإغريقي والروماني القديم، وقد انتهت نظرية المحاكاة إلى شيء من العقم والجفاف، فحدثت الثورة الرومانتيكية في محاولة للتغلب على الموات الذي انتهت إليه، وظهر المفكر الألماني "هردر" الذي ألح على معاني الولادة والنمو والفناء والبحث عن الأغنية البدائية مبينًا أن الشعر الأصيل هو الذي يعبر عن الشعور، فكانت نظرية التعبير هي الأساس الفلسفي للمدرسة الرومانتيكية.
من هنا كان التركيز على العاطفية، واختفى الغرض الوعظي والتعليمي الذي دعت إليه الكلاسيكية، وكان "لفيكو" العالم الاجتماعي دور في التمهيد للرومانتيكية حين اعتبر الشعور والعاطفة اللغة الأولى للعالم، ومن هنا عرَّف "وردزوورث" الشعر بأنه "فيض تلقائي لعاطفة قوية".
ثالثًا: نظرية الواقعية:
التي وجدت تمثيلًا قويًا لها في الفنون النثرية كالقصة والمسرحية، أما في الشعر فكانت نسبية تتمثل في بعض المظاهر غير الواضحة، وهي ترى أن الشعر، انعكاس للواقع.
رابعًا: نظرية الفن للفن:
ووجدت هذه النظرية التعبير عنها لدى البرناسيين الذين يعتمدون على
(1/233)
________________________________________
الترابط اللفظي ووقع الكلمات، وكانوا يرون أن الشعر دقة في التصوير، وقوة في الإيقاع، وهم يقتربون به من فن النحت.
خامسًا: النظرية الرمزية:
وقد مهد لها الشاعر والروائي الأمريكي "إدجار إلان بو" الذي أوضح أن الإنسان منقسم إلى ثلاث قوى: العقل والضمير والنفس، مبينًا أن العقل معني بالحقيقة والضمير بالأخلاق والنفس بالجمال، وهي مسئولة عن الشعر؛ فغاية الشعر الكشف عن الجمال، ولا علاقة به بالحقيقة والأخلاق، واعتبر "بو" آخر منظري الرومانتيكية حيث وصل بها إلى مرحلتها الأخيرة ممهدًا للرمزية، أما الرمزيون فقد ركزوا على الجانب الموسيقي، فقال أحد شعرائهم ومفكريهم: إن مهمة الشعر أن يسترد من الموسيقى ما سلبته منه.
كيث تكتب قصيدة الشعر؟ 1
هل يصح أن يوجه هذا السؤال بالفعل؟ وهل يمكن أن نقدم وصفة جاهزة لكتابة القصيدة؟ لا أظن ذلك ممكنًا، لأن؛ الشعر ضرب من ضروب الإبداع، والإبداع ينبثق عن ملكة قارة في النفس، وعن موهبة هي من عطاء الله وفضله، قد تكون هذه الموهبة مخبوءة أو مذخورة كالكنز؛ فهي بحاجة إلى من ينقب عنها ليزيل الركام، ويصقلها، ويبرزها للعيان، وكيفية البحث عن هذا الكنز تكون بجلاء القريحة، وشحذ الملكة هو الذي يمكن أن نلتمس الطريق إليه، ولكن قبل ذلك دعنا نبحث وننقب عن كيفية الإبداع.. كيف تنبثق القصيدة وتولد؟.
هل نسلم بالإلهام كتفسير لعملية الإبداع لدى الشعراء؟ إن القول بالإلهام هو أقدم النظريات التي تعلل الإبداع منذ أفلاطون، وإن كان الحدس "وهو
__________
1 هناك فرع خاص من فروع علم النفس هو علم النفس الأدبي يبحث في تفسير ظاهرة الإبداع، وتتركز الأبحاث في هذا الفرع حول عاملين رئيسيين هما الفطرة "هبة الله سبحانه وتعالى" والذكاء العام جزء منها، والدافع ويقوم الإبداع بالإضافة إلى ذلك على قوة الإدراك والتخيل والتصور.
(1/234)
________________________________________
تعبير حديث وأهم من الإلهام" قد حل محله ... فهناك من يرى أن الإلهام صدمة كالانفعال، إذ يصبح الملهم كمن يجذب انتباهه فجأة فيختل توازنه حيث ينقطع سير العمليات الذهنية وينهمر فيض فجائي من الأفكار والصور، من هنا كان الإلهام مصطلحًا يطلق على لحظات الإبداع الفجائية، وهي لحظات تكون مصحوبة بأزمات انفعالية بعيدة عن العقل والشعور.
والحدس بشكل عام يشير إلى معنى المعرفة الفجائية، ومهما يكن من أمر فإن التفسير الإلهامي لا يضيء أمامنا الطريق إلى الإبداع خصوصًا، وأنه يعزو هذه العملية برمتها إلى عوامل لا مرئية لا يمكن التحكم فيها أو الوصول إلى منابعها.
وحتى في أحسن الأحوال حينما يفسر الحدس بأنه نوع من الاستدلال اللاشعوري الذي يخفي وراءه معارف وخبرات غير مرئية، فإن سبل التحكم فيه أمر خارج عن السيطرة؛ غير أن الأمر يصبح أقرب إلى الضبط والسيطرة حين نسلم مع أولئك الذين يرون أن الإبداع الشعوري ليس إلهامًا أو حدسًا على إطلاقه، ولكن الحدس فيه لحظة معينة من الإبداع من ضمن لحظات متشابكة ومعقدة، إذ تظل الأهمية معلقة على الجانب الواعي الذي يشير إليه بعض المبد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 

فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج1
» فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج2
» فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج3
» فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج4
» فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج5

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين  ::  اللغة والنحو والبلاغة والأدب :: البلاغة والنقد-
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين على موقع حفض الصفحات
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم


فن التحرير العربي ضوابطه وأنماطه ج6 561574572

فانضموا إليها

Computer Hope
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
سحابة الكلمات الدلالية
ننجز العربي على مجلة اللغة الحذف قواعد الخيام العربية المعاصر موقاي الخطاب ظاهرة النحو النص البخاري محمد مبادئ النقد التداولية اللسانيات الأشياء مدخل بلال كتاب اسماعيل


حقوق النشر محفوظة لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها

Powered by phpBB© 2010

©phpBB | Ahlamontada.com | منتدى مجاني للدعم و المساعدة | التبليغ عن محتوى مخالف | ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية | آخر المواضيع