وجاء ايضا : وقد أطنب السلف في مدح الكتابة والحث عليها فلم يتركوا شأوا لمادح حتى قال سعيد بن العاص من لم يكتب فيمينه يسرى
وقال معن بن زائدة : إذا لم تكتب اليد فهي رجل ،
وبالغ مكحول فقال : لا دية ليد لا تكتب .
وجاء كذلك : قال ذو الرمة لعيسى بن عمر اكتب شعري فالكتاب أعجب إلي من الحفظ إن الأعرابي لينسى الكلمة قد سهرت في طلبها ليلة فيضع موضعها كلمة في وزنها لا تساويها والكتاب لا ينسى ولا يبدل كلاما بكلام.
وجاء كذلك :
ومن ثم قال المؤيد : الكتابة أشرف مناصب الدنيا بعد الخلافة إليها ينتهي الفضل وعندها تقف الرغبة .
وجاء كذلك : ومن كلام أبي جعفر الفضل بن أحمد في جملة رسالته:
الكتابة أس الملك ، وعماد المملكة ، وأغصان متفرقة من شجرة واحدة ، والكتابة قطب الأدب ، وملاك الحكمة ، ولسان ناطق بالفصل ، وميزان يدل على رجاحة العقل ، والكتابة نور العلم وفدامة العقول وميدان الفضل والعدل ، والكتابة حلية وزينة ولبوس وجمال وهيبة وروح جارية في أقسام متفرقة ، والكتابة أفضل درجة وأرفع منزلة ، ومن جهل حق الكتابة فقد وسم بوسم الغواة الجهلة ، وبالكتابة والكتاب قامت السياسة والرياسة ، ولو أن فضلا ونبلا تصورا جميعا تصورت الكتابة ، ولو أن في الصناعات صناعة مربوبة لكانت الكتابة ربا لكل صنعة .
-وجاء عن فضلاء الكتاب والقلم :
أما فضلاء الكتاب ، فلم يزل الشعراء يلهجون بمدح أشراف الكتاب وتقريظهم ، ويتغالون في وصف بلاغاتهم وحسن خطوطهم ، فمن أحسن ما مدح به كاتب قول ابن المعتز :
إذا أخذ القرطاس خلت يمينه = تفتح نورا أو تنظم جوهرا
وقول الآخر :
يؤلف اللؤلؤ المنثور منطقه = وينظم الدر بالأقلام في الكتب
وقول الآخر :
إن هز أقلامه يوما ليعملها = أنساك كل كمي هز عامله
وإن أقر على رق أنامله = أقر بالرق كتاب الأنام له
وقول الآخر:
لا يخطر الفكر في كتابته = كأن أقلامه لها خاطر
القول والفعل يجريان معا = لا أول فيهما ولا آخر
وقول الآخر:
ولضربة من كاتب ببنانه = أمضى وأقطع من رقيق حسام
قوم إذا عزموا عداوة حاسد = سفكوا الدما بأسنة الأقلام
وقال ابن الرومي في القلم :
إن يخدم القلم السيف الذي خضعت = له الرقاب ودانت خوفه الأمم
فالموت والموت لا شيء يغالبه = ما زال يتبع ما يجري به القلم
كذا قضى الله للأقلام مذ بريت = أن السيوف لها مذ أرهفت خدم
والمعنى في ذلك أنها تؤثر في إرهاب العدو على بعد والسيوف لا تؤثر إلا عن قرب مع ما فضل به القلم من زيادة الجدوى والكرم. (119)
وجاء في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ايضا :
وروي عن ابي بكر بن معدان قال: اهدى الي صديق لي من الكتاب اقلاما وكتب الي :
لكل اناس آلة يعملونها = وآلاتنا اللاتي بها نتبجح
وشائج بر انشأتها مغايض = من الماء في اجوافها تترشح
اذا شج من احدى الوشائج رأسه = غدا دمعه من وجنة العلم يسفح
ضوامر يوم الجري لا تعرف الونا = اذا زجرتها هتفة الفكر تمرح
(120)
- ومماجاء في الخط :
قال في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع:
ان بعض كتاب المقتدر سئل متى يجوز ان يوصف الخط بالجودة قال:
اذا اعتدلت اقسامه ، وطالت الفه ولامه ، وتفتحت عيونه ، ولم تشتبه راؤه ونونه ، واشرق قرطاسه ، واظلمت انقاشه ، ولم تختلف اجناسه ، اسرع الى العيون بصوره ، والى العقول بثمره ، وقدرت فصوله ، واينعت وصوله ، وبعد عن حيل الوراقين ، وعن تصنع المتصنعين ، كان حينئذ كما قلت في حسن الخط .(121)
وجاء في صبح الأعشى للقلقشندي :
لا خفاء أن حسن الخط من أحسن الأوصاف التي يتصف بها الكاتب ، وأنه يرفع قدره عند الناس ، ويكون وسيلة إلى نجح مقاصده وبلوغ مآربه ، مع ما ينضم إلى ذلك من الفوائد التي لا تكاد تحصى كثرة .
وقد قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه : الخط الحسن يزيد الحق وضوحا .
وقال بعض العلماء : الخط كالروح في الجسد ، فإذا كان الإنسان جسيما وسيما حسن الهيئة ، كان في العيون أعظم وفي النفوس أفخم ، وإذا كان على ضد ذلك سئمته النفوس ومجته القلوب ، فكذلك الخط إذا كان حسن الوصف ، مليح الرصف ، مفتح العيون ، أملس المتون ، كثير الائتلاف ، قليل الاختلاف ، هشت إليه النفوس ، واشتهته الأرواح ....
ويقال : إن الخط مواز للقراءة ، فأجود الخط أبينه ، كما أن أجود القراءة أبينها، ولا يخفى أن الخط الحسن هو البين الرائق البهج . (122)
وجاء في ديوان المعاني لابي هلال العسكري:
ومن أحسن الإستعارة في ذكر الخط قول عبيد الله بن العباس بن الحسن العلوي: الخط لسان اليد .
وقال جعفر بن يحيى : الخط سمط الحكمة به يفصل شذورها ، وينظم منثورها.
وجاء ايضا :
ومن أحسن ما قيل في حُسن الخط والشكل قول أحمد بن إسماعيل:
مستودعٌ قرطاسهُ حكما = كالروضِ ميز بينهُ زهرة
وكأنَ أحرفَ خطهِ شجرٌ = والشكلُ في أضعافهِ ثمرة
ومن غريب ما قيل في الشكل ما أنشدناه أبو أحمد قال :
أنشدنا الصولي قال : أنشدني عبد الله بن المعتز لنفسه:
فدونكهُ موشى نمنمتهُ = وحاكتهُ الأناملُ أي حوك
بشكلٍ يؤمنُ الإشكالُ فيه = كأنَ سطورهُ أغصانُ شوكِ
ورفع رَجلٌ إلى محمد بن عبد الله بن طاهر قصةً يعتذر فيها ، فرأى خطه رديئاً ، فوقع : قد أردنا قَبُولَ عذرك ، فاقتطعنا دونه ما قابلنا من قبح خطك ، ولو كنتَ صادقاً في إعتذراك ، لساعدتك حركة يدك ، أو ما علمتَ أن حسن الخط يُناضلُ عن صاحبه بوضوح الحجة ، ويمكن له درك البغية ... !!!
وقيل : حسن الخط أحدى البلاغتين . (123)
وجاء في محاضرات الأدباء:
قال بعض الشعراء :
وما مِنْ كاتِبٍ إلا استبْقَى = كتابتَه وإنْ فنيَتْ يدَاهُ
فلا تكتُبْ بخطّكِ غيْرُ شيء = يسرّك في القيامَة أنْ تراهُ
وقيل في قوله تعالى { يزيد في الخلق ما يشاء } إنه الخط الحسن .
قال الشاعر :
أضحكت قرطاسَك عن جنّةٍ = أشجارها من حِكَم مُثْمِرَه
مسودّة سطحاً ومبيضّةٌ = أرْضاً كمِثْل الليلةِ المُقْمِره
ونظر الحسن بن رجاء إلى خط حسن فقال :
خطك منتزه الألحاظ ، ومجتنى الألفاظ ...
وتحاكم إلى الحسن بن سهل صبيان في خطيهما فقال لأحدهما :
خطك تبر مسبوك ،
وقال للآخر : خطك وشي محوك ، وقد تسابقتما إلى غاية ، فوافيتما في نهاية.
-ومن الحكم العربية والاسلامية في الخط :
- الخط الجميل حلية الكاتب .
- الخط للامير كمال ، وللغني جمال ، وللفقير مال . (124)
-وفي ذم الخط القبيح :
قيل رداءة الخط إحدى الزمانتين ،
قال الحسن المغربي :
جزعتُ من قبْحِ خطّي = وفيهِ وضْعي وحطي
رجعتُ من بعْد حِذْقي = إلى كتابة (حُطي )!!
وقال علي بن محمد العلوي:
أشكو إلى اللهِ خطّاً لا يبلّغُني = خطَ البليغِ ولا حظّ المرجينَا!!
وقال يحيى بن علي :
معَ خط كأنّهُ أرجُلُ البَطّ = أو الشرطُ في طلَى الفتيانِ !!
وقال ابن المستنير وقد سئل عن خط وزير ليس بالجيد :
رأيت حظه أحسن من خطه . !!! (125)
- بعض اقوال غير المسلمين عن الخط العربي :
وقال دونسون روس :
إن حروف العربية مرنة سهلة لها في النفوس ما للصور من الجمال الفني ، ولاسيما حين تنقش على المباني ، سواء كان ثلثا كوفيا ، اونسخا . (126)
ويقول بيكاسو : ان اقصى نقطة اردت الوصول اليها في فن الرسم وجدت الخط الاسلامي قد سبقني اليها منذ امد بعيد.(127)