أضياف عمران في خصب وفي سَـعَـةٍ وفي شراب..ولحمٍ غير ممنوعِ
وضيف عمروٍ وعمروٌ يسهران مــــعا عمروٌ لبِطنته،والضيف للجوعِ
المطلوب:اكتب مقالا بلاغيا تحلّل فيه البيتين.
الخطة المنهجية للجواب:
1- مقدمة تحتوي شرحا للبيتين،وبيان الغَرَض الشعري.
2- تحليل البيتين على مستوى المعاني
3- تحليل البيتين على مستوى البيان
4- تحليل البيتين على مستوى البديع.
5- خاتمة
المقالة
1. يصف البيت الأول منتهى الكرم،والبيت الثاني يصف منتهى البخل،الذي قد يصل بصاحبه إلى حد عجيب غير معقول،حيث يجوّع المضيّف البخيل ضيفه،ويأكل هو أمامه بمنتهى الوحشية والشراهة التي تؤدّي إلى البطنة،ليعذبه كما يغعل السجّان بالسجين في بعض الحالات.وإن كان غرض البيت الأول هو المدح،وعرض البيت الثاني هو الهجاء،فإن العرض العام للبيتين هو الهجاء،لأن المدح لا يأتي إلا في سياق المدح،لكنه مادام قد جاء في سياق الهجاء فهو حتما هجاء وليس مدحا.
2. وعلى مستوى المعاني،فإن أسلوب البيتين أسلوب خبري،ونوع الخبر هو ابتدائي،لأنه خالٍ من التأكيدقي البيت الثاني،أما في البيت الأول فإنّ نوع الخبر هو طلبي،لأنّ فيه توكيدا بالتكرارحيث تكرّر حرف الجرّ (في) ثلاث مرّات.
ويبدو في البيت الثاني وجود حذفٍ بعد كلمة شرابٍ،والتقدير(وشراب غير ممنوعِ)،أو حذف بعد كلمة ممنوع في آخر البيت الثاني وتقديره (غير ممنوعين)،والحذف أبلغ من الذكر في كلتا الحالتين للإيجاز والاكتفاء بدلالة السياق.
3. أمّا على مستوى البيان،فيبدو المجاز اللغوي المرسل واضحا،في كلمة(في) المستخدمة ثلاث مرّات في البيت الأول ،والحقيقة أنه ليس في الشراب أي داخله،وليس في خصب بمعنى داخله،كما يدل عليه المعنى الوضعي لحرف الجر في التي تفيد الاحتواء في المكان،وهو لا يقصد الاحتواء وإنما يقصد القرب والدنو والتمكن،فالمعنى المجازي هو المقصود ،والعلاقة بينهما هي المكانية.كما يوجد مجاز لغوي مرسل في البيت الثاني غي قوله (يسهران) ويقصد يأرقان وهي الحقيقة،لأن السهر يكون في المتعة والسرور،والأرق يكون في الآلام والهموم،والعلاقة بين المعنى الحقيقي المقصود،واللفظ المجازي هي الظرفية الزمانية،لأن كليهما يدل على عدم النوم،أو تأخّره بالليل .
كما أنّ كلمة (خصب) في البت الأوّل مستعملة استعمالا مجازيا،لأنّ الخصب في الحقيقة هو وصف للأرض،وليس هو القِرى(بكسر القاف وهو ما يكرم به الضيف من طعام وشراب،) وهوالمقصود،والعلاقة بينهما هي السببية،فقد ذكر السبب وقصد المسبّب،لآنّ الخصب سبب مباشر وضروري لوجود القِرى والشِّبَع والطعام والشراب والكلإ.
كما وردت في البيت الأوّل الكناية عن الصفة في قول الشاعر (ولحم غير ممنوع) فعبارة غير ممنوع كناية عن الحلال،أي أنّ الشراب ليس خمرا،وأنّ اللحم ليس لحم خنزير،أو أنه مذبوح ذبحا شرعيا،أو أن الطعام والشراب ليسا مسروقين أو مغصوبين.
5.أمّا على مستوى البديع،فقد حسّن الشاعر المعنى بمحسِّن بديعي معنوي،وهو المقابلة في عَجُز البيت الثاني،في قوله
عمروٌ لبطنته والضَّيف للجوع) لأنّ عمروًا هو المضيِّف (بكسر الياء وتضعيفها)،وهذه درجة قوية من التضاد التضادّ الخلقي .وهذه المقابلة حسّنت المعنى أيّما تحسين لأنّها أفرزت التناقض الصارخ بين الرجلين إلى درجة التضادّ الخُلُقي.كما حسّن المعنى أيضا بمحسّنين بديعيين لفظيين،في كلمتي عمرو وعمران،وفي كلمتي ضيف وأضياف وهما من الجناس الناقص،ويسمّى في كليهما بجناس الاشتقاق.
6.ونعتقد أنّ الشاعرأراد انْ يقبّح البخل ويكرّهه للناس،ليحبّب إليهم الكرم،ويزيّنه في قلوبهم.ولا يخلو البيتان من طرافة ونكتة وسخرية.ولو أن كاتب سيناريو وأربعة ممثلين ومخرجا تلفزيونيا تعاونوا على تحويل هذين البيتين إلى تمثيلية أو مسرحية أو سكاتش،لتمتّع المشاهدون بعمل فنّي تربوي في شكل هزلي راق خاصة إذا اجتمعت في هذا العمل القصاحة والبلاغة كما اجتم---------------
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* البيتان لدعبل الخزاعي،وقد استشهد بهما عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز لبيان بلاغة الإظهار وأفضليتها على الإضمار،ولو كان في الكلام إعادة للفظ أو تكرار،فقوله أضياف عمرو وعمرو أبلغ من أضياف عمرو وهو أو من عمرو وأضيافه .انظر:دلائل الإعجاز،دار الكتاب العربي،بيروت،لبنان،الطبعة الأولى 2005 ص 353
أحمد سعدي
البليدة،الجزائر 24/03/2013