بسم الله الرحمن الرحيم

تعتبر الحياة بجميع مكوناتها ونظمها وطرق عيشها بملذاتها ومتاعبها وأعبائها مدرسة لكل بني البشر الكل يأخذ منها حسب قدرته وإرادته واستطاعها ، منهم من يستفيد من كل تجربة يعيشها خلال أيامه المعدودة وينقلها لأتباعه والأجيال الآتية بعده ، ومنهم من لا يملك القدرة على استعابة دروسها ونظمها وينظمها في كلمات مفيدة مسبوكة لتبقى ميراثا تتناقله الأجيال للاستفادة والإفادة ويتعب نفسه ثم يتعب معه الأجيال الآتية بعده ، لأنه لم يستفد من دروسها ولم يفد غيره من بني جلدته
ولذلك نجد القرآن الكريم يرشدنا في كثير من الآيات الكريمات إلى التمعن في الحياة والتدبر فيها للاستفادة والإفادة ، لأنها مشترك إنساني وطبيعي تعاش بالتعاون والتماسك والتكامل بين جميع الأحياء الكل يؤدي دوره والكل يأخذ منها حقه المكتوب له كما في قوله تعالى { إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نابت الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناه حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون } ــ يونس الآية /24ــ فهذه الآية الكريمة صورت لنا الحياة بكل معانيها قال السعدي : وهذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابق لحالة الدنيا، فإن لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتًا قصيرًا، فإذا استكمل وتم اضمحل، وزال عن صاحبه، أو زال صاحبه عنه، فأصبح صفر اليدين منها، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها‏.‏ وقوله تعالى في سورة آل عمران الآية /14{ زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والخيل السومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب } بمعنى هذه لذة الحياة وتلك شهواتها فهي حق للكل مسلم ومؤمن وكافر، إلا أن المسلم المؤمن يعيشها وفق منطق الوحي والشرع وإرادة الله تعالى وحدوده وإن أخطأ أو أفرط أو فرط أو تكاسل تاب إلى الله تعالى { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول العابدين } ، أما الخارج عن إرادة الله فيهيم فيها كالدابة دون قيد أو حد يخبط خبط عشواء فيهلك نفسه أو يهلك قال تعالى { أرأيت من اتخذ ألهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون } والغافل من لم يتدبر شؤون الحياة ولم يستوعب دروسها ولم يعتبر بعبرها وأخبار من عبرها وخبرها ، طبعا وهذه الدروس والعبر قد تكون :
1. ــ آنية متاح تداركها والاستفادة منها في الحال والمستقبل عبر المراحل التي يقطعها الإنسان إبان رحلته في هذه الحياة الفانية مثل كل ما يتعلق بشؤونها في التعامل والتفاعل الاجتماعي والحضاري والثقافي والعمراني من خلال الاستفادة من تجارب السابقين وإتمام ما بدؤوه من التشييد والبناء، أو إصلاح ما عاثوه من فساد وإفساد الذي أهلكهم وأهلك الحرث والنسل . والسعي إلى عدم الوقوع في ما وقعوا فيه من الأخطاء والزيغ والضلال الذي عراهم وأهلكهم وأنهى دورتهم الحضارية والعمرانية { وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم } { ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا }. لأن هذه الحياة مزرعة ومعبر للأخرى والحكيم من تمعن دروبها وخبر مسالكها وعرف مهالكها ومشى فيها على بصيرة وألقى السمع وهو شهيد وتمعن وتدبر ، لأنه إذا طبق كل هذا سيكون من الناجين وإذا أغفله وتاه عنه سيكون من الهالكين { وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير }
2. ــ وقد تكون أخروية كجزاء على ما قدم في الدنيا من أعمال خير أشر { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يراه ومن يعل مثقال ذرة شرا يراه } { وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يقوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا فهم مهتدون وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ءآتخذ من دونه آلهة إن يردني الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون إني إذا لفي ضلال مبين إني آمنت بربكم فاسمعون قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون } { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين يا عبادي لا خوف عليكم ليوم ولا أنتم تحزنون الذي آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون وتلك لجنة التي أورثتموها وأنتم فيها خالدون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون إن المجرين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم فيها وهم فيها مبلسون وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون أم ابرموا أمرا فإنا مبرمون أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون } إذن ولما كان الأمر كذلك وما علينا إلا أن نتمعن الحياة ونتدبرها ونأخذ الحيطة والحذر ونتزود منها ونجعلها سلكا إلى النجاة لا طريقا إلى الهلاك والبوار