ليس دائما ً: تقول أمي الحقيقة !!..
ثماني مرات : كذبت أمي عليّ !!!...
تبدأ القصة عند ولادتي ، فكنت الابن الوحيد في أسرة شديدة الفقر
فلم يكن لدينا من الطعام ما يكفينا ....
وإذا وجدنا في يوم من الأيام بعضا ًمن الأرز لنأكله ويسد جوعنا :
كانت أمي تعطيني نصيبها .. وبينما كانت تحوِّل الأرز من طبقها إلى
طبقي كانت تقول : يا ولدي تناول هذا الأرز ، فأنا لست جائعة ..
وكانت هذه كذبتها الأولى
------------------------------------------------------------------------
وعندما كبرت أنا شيئا قليلا كانت أمي تنتهي من شئون المنزل وتذهب
للصيد في نهر صغير بجوار منزلنا ، وكان عندها أمل أن أتناول سمكة قد
تساعدني على أن أتغذى وأنمو ، وفي مرة من المرات استطاعت بفضل
الله أن تصطاد سمكتين ، أسرعت إلى البيت وأعدت الغذاء ووضعت
السمكتين أمامي فبدأت أنا أتناول السمكة الأولى شيئا فشيئا ، وكانت
أمي تتناول ما يتبقى من اللحم حول العظام والشوك ، فاهتز قلبي لذلك ،
وضعت السمكة الأخرى أمامها لتأكلها ، فأعادتها أمامي فورا وقالت :
يا ولدي تناول هذه السمكة أيضا ، ألا تعرف أني لا أحب السمك ..
وكانت هذه كذبتها الثانية
----------------------------------------------------------------------------
وعندما كبرت أنا كان لابد أن ألتحق بالمدرسة ، ولم يكن معنا من المال
ما يكفي مصروفات الدراسة ، ذهبت أمي إلى السوق واتفقت مع موظف
بأحد محال الملابس أن تقوم هي بتسويق البضاعة بأن تدور على المنازل
وتعرض الملابس على السيدات ، وفي ليلة شتاء ممطرة ، تأخرت أمي
في العمل وكنت أنتظرها بالمنزل ، فخرجت أبحث عنها في الشوارع
المجاورة ، ووجدتها تحمل البضائع وتطرق أبواب البيوت ، فناديتها : أمي ،
هيا نعود إلى المنزل فالوقت متأخر والبرد شديد وبإمكانك أن تواصلي
العمل في الصباح ،
فابتسمت أمي وقالت لي : يا ولدي.. أنا لست مرهقة ..
وكانت هذه كذبتها الثالثة
--------------------------------------------------------------------------
وفي يوم كان اختبار آخر العام بالمدرسة ، أصرت أمي على الذهاب معي
ودخلت أنا ووقفت هي تنتظر خروجي في حرارة الشمس المحرقة ،
وعندما دق الجرس وانتهى الامتحان خرجت لها فاحتضنتني بقوة ودفء
وبشرتني بالتوفيق من الله تعالى ، ووجدت معها كوبا فيه مشروب كانت
قد اشترته لي كي أتناوله عند خروجي ، فشربته من شدة العطش حتى
ارتويت ، بالرغم من أن احتضان أمي لي : كان أكثر بردا وسلاما ، وفجأة
نظرت إلى وجهها فوجدت العرق يتصبب منه ، فأعطيتها الكوب على الفور
وقلت لها : اشربي يا أمي ، فردت : يا ولدي اشرب أنت ، أنا لست
عطشانة .. وكانت هذه كذبتها الرابعة
--------------------------------------------------------------------------
وبعد وفاة أبي كان على أمي أن تعيش حياة الأم الأرملة الوحيدة ،
وأصبحت مسؤولية البيت تقع عليها وحدها ، ويجب عليها أن توفر جميع
الاحتياجات ، فأصبحت الحياة أكثر تعقيدا وصرنا نعاني الجوع ، كان عمي
رجلا طيبا وكان يسكن بجانبنا ويرسل لنا ما نسد به جوعنا ، وعندما رأى
الجيران حالتنا تتدهور من سيء إلى أسوأ ، نصحوا أمي بأن تتزوج رجلا
ينفق علينا فهي لازالت صغيرة ، ولكن أمي رفضت الزواج قائلة :
أنا لست بحاجة إلى الحب .. وكانت هذه كذبتها الخامسة
--------------------------------------------------------------------------
وبعدما انتهيت من دراستي وتخرجت من الجامعة ، حصلت على وظيفة
إلى حد ما جيدة ، واعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لكي تستريح
أمي وتترك لي مسؤولية الإنفاق على المنزل ، وكانت في ذلك الوقت لم
يعد لديها من الصحة ما يعينها على أن تطوف بالمنازل ، فكانت تفرش
فرشا في السوق وتبيع الخضروات كل صباح ، فلما رفضت أن تترك العمل
خصصت لها جزءا من راتبي ، فرفضت أن تأخذه قائلة :
يا ولدي احتفظ بمالك ، إن معي من المال ما يكفيني ..
وكانت هذه كذبتها السادسة
-----------------------------------------------------------------------------
وبجانب عملي واصلت دراستي كي أحصل على درجة الماجيستير ،
وبالفعل نجحت وارتفع راتبي ، ومنحتني الشركة الألمانية التي أعمل بها
الفرصة للعمل بالفرع الرئيسي لها بألمانيا ، فشعرت بسعادة بالغة ،
وبدأت أحلم ببداية جديدة وحياة سعيدة ، وبعدما سافرت وهيأت الظروف ،
اتصلت بأمي أدعوها لكي تأتي للإقامة معي ، ولكنها لم تحب أن تضايقني
وقالت : يا ولدي .. أنا لست معتادة على المعيشة المترفة ...
وكانت هذه كذبتها السابعة
--------------------------------------------------------------------------
كبرت أمي وأصبحت في سن الشيخوخة ، وأصابها مرض السرطان اللعين
وكان يجب أن يكون بجانبها من يمرضها ، ولكن ماذا أفعل فبيني وبين
أمي الحبيبة بلاد ، تركت كل شيء وذهبت لزيارتها في منزلنا ، فوجدتها
طريحة الفراش بعد إجراء العملية ، عندما رأتني حاولت أمي أن تبتسم
لي ولكن قلبي كان يحترق لأنها كانت هزيلة جدا وضعيفة ، ليست أمي
التي أعرفها ، انهمرت الدموع من عيني ولكن أمي حاولت أن تواسيني
فقالت : لا تبكي يا ولدي فأنا لا أشعر بالألم ...
وكانت هذه كذبتها الثامنة
وبعدما قالت لي ذلك ، أغلقت عينيها ، فلم تفتحهما بعدها أبدا ...
------------------------------------------------------------------------
إلى كل من ينعم بوجود أمه في حياته
حافظ على هذه النعمة قبل أن تحزن على فقدانها ...
وإلى كل من فقد أمه الحبيبة :
تذكر دائما كم تعبت من أجلك
فلا تنساها من دعائك رحمك الله
زيارتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكم
احمد ابو خشيم
°˚◦ღ•.Ahmed.•ღ◦˚°