آداب المخالطة بين الناس
للمخالطة آداب عديدة يجب معرفتها وتعلمها، والأدب فى المخالطة على قدر حق الذى تخالطه، وحقه على قدر الرابطة التى تجمع بينك وبينه، والرابطة أنواع: إما القرابة وهي أخص الروابط، أو إخوة الإسلام وهي الأعم، أو الإنسانية وهي فوق ذلك كله، ولكل رابطة درجة؛ فالقرابة عموما لها حق، ولكن حق الرحم أكبر، وللرحم حق ولكن حق الوالدين أكبر من كل الأرحام، كذلك يختلف حق الجار بحسب قربه من الدار، ويتأكد حق المسلم بالمعرفة، والمعارف درجات فأولها من عرف بالمشاهدة، وأكبر منها من عرف بالمشاهدة والاستماع؛ ومن ثم يقع الاختلاط بين الناس.
والصحبة لها درجات أيضا؛ فصحبة المدرسة والعمل أكبر من صحبة السفر، كذلك تتفاوت الصداقة؛ فإذا قويت صارت أخوة، فإن ازدادت صارت محبة، فإن ازدادت صارت خلة، فالخليل أقرب للقلب من الحبيب؛ لأن المحبة تتمكن من القلب أما الخلة فهى تتخلل سر القلب، فكل خليل حبيب وليس كل حبيب خليلا، فالخلة حالة أتم من الأخوة، ويُستدل على ذلك من قول المصطفى (صلى الله عليه وسلم): [لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن صاحبكم خليل الله].
بعض الآداب
وأسوق هنا بعض الآداب نموذجا على المخالطة الحسنة بين الناس؛ فمنها آداب الاستئذان وهي ثلاثة: فبالأول يستنصتون وبالثاني يستصلحون وبالثالث يأذنون أو يردون.
ومن آداب زيارة المريض أن نخفف الجلوس عنده، وألا نكلفهم المشقة في الجلوس، يقول طاووس: "أفضل العيادة أخفها"، ويقول ابن عباس (رضى الله عنهما): "زيارة المريض مرة واحدة هي من السنة، فما زاد فهو نافلة" وقال بعض أهل العلم: "عيادة المريض بعد ثلاث ليال للتأكد من المرض"، وأن نقلل من سؤال المريض أو حتى أهل المريض عن حاله، كما ينبغي إظهار الرقة والشفقة للمريض وأهله، والدعاء له بالصحة والعافية، وغض البصر عن عوراته .. أما أدب المريض نفسه فحسن الصبر على ما أصابه، وقلة الشكوى والضجر أمام الزائرين وأهله، والتوجه الدائم للدعاء، والتوكل على الله بعد استخدام الدواء لأنه خالق الداء والدواء.
ومن آداب العزاء في الميت خفض الجناح والتواضع في الجنازة، وإظهار الحزن، وقلة التحدث بشكل عام أو بكلام الشغل والدنيا بشكل خاص، وترك التبسم والضحك والتحدث، والتزام الخشوع فى الجوارح والنظر إلى الميت، والتفكر في الموت لأنه أحد سنن الجنازة، والمشي أمام الجنازة أو قربها ما استطاع، والإسراع بالجنازة لأنه من السنة، قال (صلى الله عليه وسلم): [أسرعوا بالجنازة].
وأما آداب الخادم الممدوحة فكثيرة؛ منها أن خير الخدام من كان كاتما للسر، عادم الشر، قليل المؤونة، كثير المعرفة، صموت اللسان وشكور الإحسان، حلو العبارة ودراك الإشارة، عفيف الأطراف وعديم الإسراف .. فإن كنت مخدوما فأشركه في طعامك وكسوتك، ولا تكلفه فوق الطاقة، ولا تنظر إليه بعين الكبر والازدراء، واعفُ عن زلاته، وتفكر ساعة غضبك عليه لهفوته أو جنايته هفوتَك أو جنايتَك في حق الله (تعالى) وتقصيرك في الطاعة مع عظيم قدرة الله عليك.
تقول السيدة عائشة (رضى الله عنها): "خلال المكارم عشر تكون فى الرجل ولا تكون فى أبيه وتكون فى العبد ولا تكون فى سيده، يقسمها الله (تعالى) لمن أحب: صدق الحديث، وصدق الناس، وإعطاء السائل، والمكافأة بالصنائع، وصلة الرحم، وحفظ الأمانة، والتذمم للجار، والتذمم للصاحب، وقرى الضيف، ورأسهن الحياء".