مرّ ساعات أيامنا يطلبها المساء حثيثا ،وتتدفق سنوات أعمارنا في عجل ،ونحن نعبر بحاضرنا زحمة الحياة، حياة جوفاء تسابق أهلها إلى الصفراء والبيضاء يجمعونها في جراب الطمع ،يتلونهم متخلفون عن الركب يجرّون أسمال الضياع ، قد داستهم الأقدام و ألقتهم في وعثاء الطريق ... كأن الناس مصابون بالذعر أو الجنون، مندفعون إلى نهش الحياة كأنهم يستمتعون إلى الحد الأقصى ...لأنهم يرحلون غدا! يبدل الأغنياء ملابسهم وبيوتهم وزوجاتهم وأصدقاءهم وأصدقاءهم وأصدقاءهم، ويندفع الفقراء في أحلام يرون أنفسهم فيها كالأغنياء! .
.ونحن نسير...الطريق مأهول ،لكن..! الكل وحيد، نسير ونسير ....حقا...! أضنانا المسير ...
أخي قد سمعت صوت...تلك الأم ارتجّ صداها كئيبا...
صديقي!!!... في البرهة التي غفونا فيها لنحلم فيها بصديق غائب ،ومستقبل هانئ في تلك الهنيهة التي انتظرناها أمام باب العلم والأدب بعد أن استأذناه بطرق خفيف ...كانت قد تفتحت أحلام أخرى في المدينة التي لا نزال نطل عليها بذهول ... قد اجتاحتها حركة بناء، حركة سير، حركة إقلاع وهبوط ،توافد الغرباء ورحل الأصدقاء في صور رجال أعمال، طرد القمر من البلاد، وطرد النسيم والحب والصداقة والإخلاص والوفاء، واكتشف الناس أمورا مهمة خير من تلك الفضائل و المروءات،والعلم والآداب أمور تلمس وتأكل وتلبس وتمتطى.
أخي كم استمرت غفوتنا بالله عليك؟؟؟. من كان ليتصور أن مثل تلك التغيرات تحدث في مثل ذلك الوقت القصير. أظن أنه لا مناص فقد نضطرُّ إلى خلع بعض نظرياتنا في الحياة واعتماد أخرى واقعية. سنضطرّ إلى القول :بأن القرار يخلق طبقة ذات ذوق ورغبات وقوة وأحلام، طبقة تسير في سرعة كسرعة الضوء تحفر لنفسها مساراتها وتتدفق فيها. فأصبح كل ما في تلك المدينة يوحي
بالعظمة... وأضحت الصداقة مرفوضة، والخُلّة بلاهة، والحفاظ معدوم ، والوفاء اسم لا حقيقة له، والرعاية موقوفة على البِدال ، والكرم قد مات و بات العلم سفاهة وصار القرد ليثا وأفلتت الغنم .
رفعت بوابات عالية تفنن الناس في ابتكار ارتفاعاتها وزخارفها ،في حين أغلقت أبواب الصُحبة وأُوصدت بمغاليق غِلاض من الجفاء والقسوة والنفاق ... اقتلعت واجهات البيوت ورصّفت بالمرمر،مرمر لا يستر تلك الوجوه الخائنة الغادرة،وجوه ذهبت مُزُعات لحمها مع الزمن قطعة قطعة.... اقتلعت الأشجار واجتثت معها فسائل المروءة والحياء ...وغرست مكانها أبنية عالية تتدلىّ منها أشواك الريبة و الخداع، حدث ذلك في سرعة ،وانشغل كل منهم بخطف الأرض القريبة منه، والحديقة التي تجاوره، والرصيف الذي يطل عليه. فأكل كل واحد من الناس بمقدار قوة أسنانه وذراعيه. وبنيت قصور وغرف وشرفات وأكواخ. واختفت جبال وأنهار وغابات وحدائق وشواطئ،وتلاشت معها كل معاني الصدق والمروءة والكرم و الاخاء ....صغرت حتى رقعة السماء. بربك ...!!ماذا كان يفعل الرجل الذي يعجز عن رد جاره الذي يأكل شمسه وهواءه؟؟؟، هل كان يبحث عن صديق يشكوا له ذلك ؟؟؟ أم كان في جهة هو أيضا يأكل شمس وهواء الآخرين.
. ولكن...أتدري يا صاح..!! "أن الحياة إذا ضاقت بالأحلام الكبيرة، اتسعت لصغارها"
ربما هو ما ستوافقني عليه ! .
وإن أُغلقت أمامك تلك البوابات المرتفعة ...وحال دونك رجل ، فلا زلت أخي تعود في المساء إلى باب _وإن كان صغيرا_ تجد عيونا بريئة من ورائه ترقب قدومك ،ولطالما انطلقت بضحكات تثلج قلبك ، إنهم عائلتك الذي ما عدت تنتشي في الدنيا غيرهم ، تلك القلوب البيضاء الثلجية الناعمة ،التي تحيط شمعة أملك لتكفّ رياح القسوة والجفاء...!!!
صحيح أنه زمن صعب و الخياة الخقة هي لرحلة البحث عن الثمين ... أما أنت فتستطيع أن تعبر نسمات الشتاء وحر الصيف، حتما سيبيضّ أمامك الأفق البعيد ببعض ثلوج الأغالبة وبا ضوء الصباح الذي تعكسه جدران الدار البيضاء _ واعذرني على هذه الثلوج التي تتهاطل في كلماتي_ اعبر وستجد ما تبحث عنه وإن كان من يحدوك_حقيقة_ قلّة و إن كان طلبك لهم يحتاج وقتاً وجهداً , وربما يفنى العمر قبل العثور عليهم... تلك الأيادي المبسوطة بالخير دائما, والقلوب العامرة بالحب, والألسن الرطبة بالثناء, أخوة صلاح وأدب ذوو حسب ونسب ،تقاة ذوو صلاح أخلاقهم مهذبة يطربون للتلاقي , بابهم مفتوح , ومالهم مبذول
. عملة نادرة قلَّ التعامل بها هذه الأيام رغم الحاجة إليها , وهي ليست ذهبا يرتفع سعره وينخفض , بل إنسانية حقَّة مؤمنة محاطة بإطار ملائكيٍّ طاهر... جرعةٌ صافيةٌ من الماء البارد صادفت عطشاً أوجدته حرارة الأيام الفائرة...
جِدهم أخي ...واطلبهم ....فما أسعد الإنسان الذي يرزقه الله ويمنحه مثل أولائك الأخوة الذين لم تلدهم لنا أمهاتنا...
أخي عندما تنظر إلى الحياة بمنظار الإيمان تدرك أن الاستغراق في الحزن والهم والقلق عملية طرحٍ(-) ظالمة في عمر الإنسان...فأرجوك...!! اعتمد عملية الجمع (+) واجعلني صديقا مضاف.