أيها المحزون
إن كنت تعلم أنك أخذت على الدهر عهدا أن يكون لك كما تريد في جميع شؤونك وأطوارك، وألا يعطيك ولا يمنعك إلا كما تحب وتشتهي، فجدير بك أن تطلق لنفسك في سبيل الحزن عنانها كلما فاتك مأرب أو استعصى عليك مطلب، وإن كنت تعلم أخلاق الأيام في أخذها وردها وعطائها ومنعها، وأنها لا تنام عن منحة تمنحها، حتى تكر عليها راجعة فتستردها، وأن هذه سنتها وتلك خلتها في جميع أبناء آدم، سواء في ذلك ساكن القصر وساكن الكوخ، ومن يطأ بنعله هام الجوزاء، ومن ينام على بساط الغبراء، فخفض من حزنك وكفكف من دمعك، فما أنت بأول غرض أصابه سهم الزمان، وما مصابك بأول بدعة في جريدة المصائب والأحزان.
أنت حزين لأن نجما زاهرا من الأمل كان يتراءى لك في سماء حياتك فيملأ عينيك نورا وقلبك سرورا، وما هي إلا كره الطرف إن افتقدته فما وجدته، ولو أنك أجملت في أملك لما غلوت في حزنك، ولو أنت أمعنت نظرك فيما تراءى لك لرأيت برقا خاطفا، ما تظنه نجما زاهرا، وهنالك لا يبهر طلوعه، فلا يفجعك أفوله.
اسعد الناس في هذه الحياة من إذا وافته النعمة تنكر لها، ونظر إليها نظرة المستريب بها، وترقب في كل ساعة زوالها وفنائها، فإن بقيت في يده فذاك، وإلا فقد أعد لفراقها عدته من قبل.
لولا السرور في ساعة الميلاد ما كان البكاء في ساعة الموت، ولولا الوثوق بدوام الغنى ما كان الجزع من الفقر، ولولا فرحة التلاقي ما كانت ترحة الفراق.
المصدر: المنفلوطي مصطفى لطفي، النظرات، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، عين مليلة، الجزائر، دط، 2011، ص ص 37 38.