الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الاحتفال بمناسبة أعياد الميلاد، عادة دخيلة على المسلمين، ففعلها تقليد لأعداء الله تعالى وتشبه بهم، ومن تشبه بقوم فهو منهم، فلا يجوز الاحتفال بها بأي نوع من أنواع الاحتفال، سواء كان خفيفاً أو كبيراً، لما في ذلك من التشبه بالمشركين الذين أمرنا الله تعالى بمخالفتهم والابتعاد عن اتباع ما سنوه من سنن.
وواجب على المسلمين تحري الحق والصواب في عاداتهم وتقاليدهم بأن تكون منضبطة بضوابط الشرع الحكيم، لا بالتقليد الأعمى للأمم الكافرة، وقد ثبت في سنن أبي داود بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومن تشبه بقوم فهو منهم.
وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. أي أن أي أمر يحدث في هذا الدين ولم يكن على هدي سيد المرسلين فهو أمر مردود على صاحبه، وأعياد الميلاد لم تكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام، ولا عرفت مثل هذه الأعياد إلا بعد القرون الثلاثة الفاضلة مما يدل على أنها محرمة وليس لها أصل في الإسلام، وبدلا من أن يحتفل الإنسان بعيد مولده كان الأولى به أن يتذكر أنه كلما مر عليه يوم من أيامه فإنما هو يقترب من النهاية أي الموت، فما بالك إذا كان الذي مر عاماً كاملاً!! فلتكن له عبرة بانقضاء الأيام والسنين والشهور والأعوام.
واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ربى الأمة على مخالفة الكفار في العبادات والعادات، فقد ربانا على خلاف عاداتهم في الأكل والذبح والمعاملة بين الزوجين، ففي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خالفوا المشركين.
وقد روى أبو داود عن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم. قال الشيخ الألباني: صحيح.
وفي حديث الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل؛ ليس السن والظفر، وسأحدثك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة. وفي صحيح مسلم عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت! فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح. فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه.
وقد ثبت أن اتباعهم من علامات الساعة. ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن.
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون شبرا بشبر وذراعا بذراع، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ قال: ومن الناس إلا أولئك.
وقال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم: ثم إن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك من أمور ظاهرة من أقوال وأفعال قد تكون عبادات وقد تكون أيضا عادات في الطعام واللباس والنكاح والمسكن والاجتماع والافتراق والسفر والإقامة والركوب وغير ذلك.
وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ولا بد ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالا، وقد بعث الله عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالحكمة والتي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له، فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، وأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور:
منها: أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبا وتشاكلا بين المتشابهين يقود إلى الموافقة في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس، فإن اللابس لثياب أهل العلم مثلاً يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة مثلا يجد في نفسه نوع تخلق بأخلاقهم ويصير طبعه مقتضياً لذلك إلا أن يمنعه من ذلك مانع.
ومنها: أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال والانعطاف إلى أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع لله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين، وكلما كان القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام الذي هو الإسلام -لست أعني مجرد الوسم به ظاهراً أو باطناً بمجرد الاعتقادات التقليدية من حيث الجملة- كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً أو ظاهراً أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد.
ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التمييز ظاهراً بين المهديين المرضيين وبين المغضوب عليهم والضالين، إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية.
هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحا محضا لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالهم ومعاصيهم، فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له. والله أعلم. انتهى.
وقد أورد رحمه الله كثيراً من الأدلة في تأكيد مخالفتهم، ويتعين الاطلاع للزيادة من الاستفادة في الموضوع، نسأل الله أن يمسكنا بدينه ويبعدنا عن اتباع العادات والأهواء.
والله أعلم.