طفولة و قرية وقطار
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
كم وددت لو عادت طفولتي من جديد
لأزيد من حلاوتها وأزيد في اللعب البرئ
لأغفو لحيظات في حضن أم
فأنه حضن لا يدوم
أو أداعب قطا أليفا يحاول أن ينتزع مني بعض رغيف
أو أرنبا بريا استؤنس من قريب
طبعه القفز وحفر الجحور
أغويه بشئ من قوت يومي والحليب
وأراقب طيور السنونو تبني أعشاشها في سقف كوخنا الرحيب
واللقالق تطعم صغارا على عالي البناء
لقلقة و خفق أجنحة وصغار ترفرف وتكبوا مرات و مرات
ثم تحلق عاليا في السماء
تعلم أهل قريتنا أسرار الوجود
ولا زال خرير الجدول القريب
يطرق سمعي , يداعب حصا القاع بشقشقة و حنو عجيب
وأسراب القطا المهاجر إلى روابي الخصب البعيد
تعبر سماء قريتنا رفوفا تتلوها رفوف
ونقيق الضفادع الساكن في سواقي وأدغال الحقول
يخرق صمت ليل قريتنا الرتيب
وسكون ظهيرة الصيف الودود
يشوشه صوت فأس فلاح عنيد
و النجوم تتراقص وتتلألأ تمحو وحشة الليل البهيم
أو قمرا أراه بازغا يبدد وجوم الوجود
والخالة تقص كل ليلة حكايا الجن والسعالي
والعفاريت وكل مخلوق خرافي عجيب
والصبية يتقافزون على شاطئ النهر الحنون
و رذاذ الماء يتطاير بين أرجل الصغار المرحين
والصبايا يتضاحكن وهن يقلدن عروسا وعرسا و عريس
وأطفال لا يكلون عن محاكاة شؤون الكبار المتعبين
ونسمات الصباح تهب منعشات أن اغدوا أيها النيم للحقول
وقطرات الندى على الأوراق الطرية لا زالت نائمات
وزهور الربيع بألوان مبهرة تتمايل بغنج و دلال طربات
والفراشات يزرنها كل حين ملثمات
والسنابل الذهبية قد انحنت للمناجل
قد حان وقت الحصاد قد حان وقت الوداع
ورائحة التراب تعج اثر الماشية في الدروب
وجلجلة جرس فحل القطيع , و نباح الكلاب
والرعاة لا يكفون عن الغناء أو الزعيق
ورائحة الخبز تعبق في الجو
تدعوا البطون الجائعات
وهديل فاختة على الأفنان
تثير فينا شجونا ونحيب
و ضجة عصافير الحدائق عند الغروب
فجأة يتلاشى يعقبه صمت رهيب
فالكائنات أخلدت للنوم قد نام الوجود
وتبقى الذكريات عصية على الأسر
قابلة للسرد تخدع الكلمات
كلها لحظات عابرات
متفلتات من بين أصابع الزمن الشريد
والزمن قطار يمر ولن يعود
على سكة عمرنا المهترأة من جديد
وحشي بأنياب و مخالب
ينهش و يمزق فريسة العمر الطريد
لا مهرب ما فررت منه قد فررت إليه
أأنت مَريد أم مُريد
اهمس معي أو صح عاليا
أنه قصد البيوت وبيت القصيد
أنه قصد البيوت و بيت القصيد

***


صيف 2007[