التواصل التربوي ولسانيات الخطاب
أحمد المتوكل نموذجا
عبدالوهاب صديقي
يشكل موضوع التواصل التربوي ،موضوعا مهما في حقل البيداغوجيا ،وديداكتيك التعلم فإذا كان الميثاق
الوطني ،راهن في دعاماته على مدرسة وطنية منفتحة على محيطها ،مدرسة مواطنة يتشبع فيها المواطن المغربي بقيم الوطن ،ويعرف حقوقه ،ويؤدي واجباته .فإن هذا الرهان الأكبر يستدعي علاقات تواصلية بين مكونات العملية التربوية ،حتى نصبو إلى الجودة ،ومدرسة النجاح.
ولا تستوي العملية التعليمة التعلمية،إلا إذا استوى أركانها الثلاث :الأسرة والمتعلم والمدرس ، فكلما كانت العلاقة بين هذه العناصر جيدة ،كلما كان مستوى المتعلم جيدا .
وغني عن البيان ،أن الميثاق الوطني للتربية ولتكوين ، والمخطط الإستعجالي بعده راهنا على التواصل التربوي ،والشراكة التدبيرين لملف التربية والتكوين ، وما الانفتاح على المحيط الثقافي ،والاجتماعي للمدرسة ، والشراكة والمشروع التربوي إلا ترجمة لمضامين هذه الغاية التي ستساهم لا محالة في إنجاح مدرسة النجاح .
ولا بد لكل باحث في المجال التربوي وأي مجال فكري أن يحدد إطاره المفاهيمي ، الذي يمتح منه أفكاره
حتى لا يستنكح الدارس المتخصص القارئ شك أو تأويل أو سوء فهم .
فما مفهوم التواصل التربوي ؟ وكيف يتحقق ؟وما هي شروط نجاحه ؟وما هي عوائقه ؟وما مفهوم التواصل في اللسانيات الوظيفية ؟وكيف يمكن استثمار أفكار أحمد المتوكل في لسانيات الخطاب لعقد تواصلات تربوية ناجحة بين المتعلم والأسرة والمدرس؟
1- الإطار المفاهيمي:
تمتح هذه الدراسة مفاهيمها من نتائج الدراسات البيداغوجيا ،وديدكتيك التعلم ،مع الانفتاح على نتائج التي توفرها الوسائط التواصلية من قبيل التعلم المبرمج ،أوالتعلم عن بعد ،مع استثمار أفكار اللسانيات التواصلية لاسيما الوظيفة ،خصوصا ما أشار إليه جاكبسون ،ولسانيات الخطاب مع أحمد المتوكل .
1-1 – تعاريف:
ا-التواصل التربوي :كل أشكال وسيرورات ومظاهر العلاقات التواصلية بين مدرس والمتعلمين وبين المتعلمين أنفسهم.كما يتضمن المكان والزمان والوسائل التواصلية وهو يهدف إلى تبادل ونقل الخبرات والمعارف والتجارب والمواقف مثلما يهدف إلى التأثير في سلوك المتعلم .
فمن خلا ل هذا التعريف نستشف جليا ،أن التواصل وظيفة fonction ،بين ذاتين على الأقل ( متعلم ومدرس )تتأثر بالزمان والمكان ، أي بالسياق contexte المحيط بالعملية التواصلية ،وبالوسائل المعتمدة لإنجاح التواصل .
غير أن الأمر الذي لا خلاف عليه هو أن التواصل التربوي ، إنساني بطبعه،فهو علاقة حميمية مع المتعلم بالتالي فهي تستدعي فهم المتعلم وميولاته ، وظروفه النفسية والاجتماعية.
ب- الأسرة : يعرف علماء الاجتماع والأنتربولوجيون كا دركا يم وكلود ليفي شتراوس،الأسرة باعتبارها
"أصل المجتمع ،فالمجتمع مجموعة من الأفراد بينها علاقات فأصبحت مؤسسات" .
فالمدرس ابن المجتمع ، كان متعلما ،فلا بد أنه يتفهم الكثير من تصرفات المتعلم ،وقد يحسن استغلال تجربته في استقراء ظروف المتعلم ،ومحيطه .
وإن كان عنوان الدراسة مركزا على التواصل التربوي فلا ضير من الحديث وإن بعجالة عن الدراسات اللسانية التواصلية التي ركزت في دراساتها على التواصل ،والخطاب ووظائف الرسالة message،كجاكبسون ،وسيمون ديك ،وأحمد المتوكل .
2- اللسانيات المعاصرة التواصلية :
اللسانيات حقل معرفي لدراسة اللغات الطبيعية ،فمنذ ظهور مؤلف دوسوسير" محاضرات في اللسانيات العامة "،تكون اللسانيات قد دشنت خطوة جديدة لدراسة اللغة أوالخطاب /النص،وقد فرق سوسير بين الكلام كتحقق فردي للغة ،وبين اللسان كتحقق جماعي معياري للغة ،كما فرق بين الدال والمدلول والعلامة والرمز ...
وقد استثمر تلامذته بعده،أفكاره في إطار حلقة براغ ،وكوبنهاكن،خصوصا جاكبسون ،الذي تحدث عن اللغة كإرسالية تستهدف متلق ،وتحقق الوظائف الست منها التأثيرية ،والإنفعالية،والشعرية ،والتوجيهية،والتوكيدية والوظيفة فوق لغوية.
وقد استثمرت اللسانيات الوظيفية مع سيمون ديك ،وأحمد المتوكل،الكثير من أفكار سوسير وجاكبسون وغيرهم في التركيز على الوظيفة التواصلية للغة بامتياز .ويحتل النحو الوظيفي مكانة هامة في مقاربة قضايا التواصل والخطاب ،لاسيما ومقاربة قضايا اللغة العربية ،وإذا تتبعنا مشروع أحمد المتوكل الوظيفي نجده مرتبط باللغة العربية ارتباطا مهما معجما وتركيبا ودلالة .ويتبنى أحمد المتوكل الرؤية الائتلافية لدراسة آليات التواصل الجملية والنصية (المتوكل 2001)على اعتبار أن هناك تماثلا بين بنية الجملة والنص الخطاب .
والخطاب عند احمد المتوكل كل تجاوز للجملة كمجرد سلسلة لفظية تحكمها آليات الاتساق الشكلية إلى كل تعبير لغوي أيا كان حجمه أنتج في مقام معين.
ومعنى هذا أن الخطاب تعبير قد يكون شفويا أومكتوبا،
- الخطاب لابد له من مقام وسياق محيط به ،عملا بالقاعدة البلاغية لكل مقام مقال .
- غاية الخطاب هوتحقيق التواصل بين ذاتين ،على الأقل ونحن نتحدث عن التواصل التربوي بين مدرس ومتعلم ومادة دراسية .
ويتضمن مخزون المتكلم والمخاطب بحسب المتوكل (2001)المعارف الآتية:
- معارف مقامية :مشتقة من عناصر المقام الذي تتم فيه عملية التواصل ،ومنه فمقام التدريس ،ليس هو مقام الفلاحة بالتالي فإنجاح التواصل التربوي تقتضي مراعاة مقام المتعلم .
- معارف عامة : تتعلق بمدركات المتخاطبين على اعتبار أن لكل فرد مدركاته الخاصة ،فمعارف الأمي عن التكنولوجيا قليلة عكس الإعلامي أو المعلوماتي.. بالتالي فالتواصل تقتضي مراعاة الفوارق الصفية للمتعلمين .
-معارف سياقية : يوفرها للمتخاطبين ماتم إيراده في قطعة خطابية سابقة،وهذه المعارف يشترطها سياق التخاطب بين المتخاطبين.
وعلى اعتبار أن لكل خطاب تواصلي ،معارف مقامية ،ومعارف عامة ،ومعارف سياقية يمكن تصنيف الخطاب تبعا للمعايير التي يقترحها المتوكل إلى :
- غرض المخاطب إلى :خطاب سردي ،حجاجي ،ووصفي وتعليمي ،ترفيهي.
- نوع المشاركة إلى :خطاب ثنائي ،وخطاب جماعي ،وفردي (مونولوج )
- طريقة المشاركة في الخطاب إلى: مباشرة أي التباشر بين المتخاطبين في الخطاب مباشرة أو غير مباشرة كأن يكون الخطاب مكتوبا كالجريدة والكتاب
أو شبه مباشرة خطاب هاتفي ،أو خطاب تلفزي أو إذاعي ...
- نوع القناة إلى قناة مباشرة أو قناة مكتوبة غير مباشرة
- وجهه إلى خطاب موضوعي خاليا من تدخل ذات المتكلم وخطاب ذاتي تتدخل
الذات المنتجة للخطاب .
هكذا صنف أحمد المتوكل (2001)الخطاب إلى أنواع متعددة تبعا لمعايير متعددة ،مما يدل على شساعة الأنماط الخطابية،وتشعبها وتحاقلها لتحقيق غرض التواصل
وإذا تتبعنا مؤلفات في معالجة قضايا اللغة العربية ،نجده يحصر الوظيفة الأساس للغة في ما يسميه"القدرة التواصلية "، فإذا كان تشومسكي يتحدث عن "القدرة "و"الانجاز" لدى متعلم اللغة الطبيعية ،فإن المتوكل(1995) ،يركز بالأساس على القدرة التواصلية ،فالذي يميز اللغة الطبيعية هي "اتاحتها التواصل بين مستعمليها" فإن كانت النصوص من حيث الوظيفة الأكثر بروزا (الوظيفة الشعرية مثلا) ،لكنها لا تخلو من الوظيفة التواصلية .
يمكن القول من خلال أفكار المتوكل أن الذي يميز اللغة هو تأديتها لوظيفة التواصل ،ولارتباط اللغة بالمجتمع ،
والذي يهم هنا ليس الاستعراض،والشرح بل التأكيد على إمكانية استثمار أفكار أحمد لعقد تواصلات تربوية صفية ناجحة تراعي شروط التواصل الناجح.
3-كيف يمكن استثمار أفكار لسانيات الخطاب لعقد تواصلات تربوية ناجحة داخل الفصل؟
3-1 – التواصل التربوي الناجح :
يحيلنا الحديث عن التواصل التربوي إلى الوسائل الديداكتيكية التي تجعل علاقة المدرس بالمتعلم علاقة ودية انسانية ،قوامها الحوار والمشاركة ،لا العنف والإقصاء ؛من رمــــــــوز وعلامات وحركة للجسد وهيئة الوجه ...التي تساعد المتعلم في الانخراط الإيجابي في بنــــاء تعلماته الذاتية ،وتقويمها ،بالتعبير عن آرائه دونما خجل أوحرج أونقص .بحيث يصــــــــبح المدرس إذ داك موجها ومنشطا،مستدرجا ، وموزعا للأدوار داخل الفصل ،ضامنا لتكافؤ الفرص بـــــــــين جميع المتعلمين ،ومراعيا لظروفهم النفسية والاجتماعية،ومساعدا إياهم على تجاوز صعوبات التعلم ؛هذا هو التواصل الناجح الذي ينفتح على ظروف المتعلم الوجدانية وتطلعاتهم ،ويضع تمثلاتهم في الحسبان، كنقطة انطلاق لبناء المعرفة .
ويساهم هذا النوع من التواصل التربوي الناجح :
- تشخيص المكتسبات القبلية للمتعلم
- تدليل الصعوبات أمام المتعلم لبناء معرفته بنفسه
- انخراط المتعلم ايجابيا في بناء المعرفة ،بعد استنفار موارده المدمجة (معارف –مواقف- مهارات )
- معرفة تمثلات المتعلم ،واستثمارها لبناء المعرفة .
ومعلوم أن هذا يقتضي مدرسا منشطا ،موجها ،كفء ، ملما بمهنة التدريس ،مكتسبا لكفايات التواصل .
وأعتقد أن استثمار اللسانيات الوظيفية ،لا سيما أفكار المتوكل(2001) لإنجاح الخطاب التربوي ،ممكنة شريطة مدرس ملم باللسانيات المعاصرة .
فلإنجاح التواصل التربوي باستثمار لسانيات أحمد المتوكل تستدعي:
- مراعاة المقام ؛فالمتعلم كذات وجدانية مقامها محدود بحدود مقام الطفولة وعالمها البسيط ؛وإن كل تجاوز لها بالتجريد يفشل التواصل داخل الفصل لأننا لم نراع المعارف المقامية .
- مراعاة مدركات المخاطًب ؛فمدركات متعلم السنوات الابتدائية،ليست هي مدركات متعلم السنوات الإعدادية أو التأهيلية ،وكثيرا ما يجنح السادة المدرسون إلى التجريد ، وهم يخاطبون متعلمي السنوات الابتدائية
والاعددية وحينما لا يجدون تجاوبا منهم يعزون ذلك إلى المتعلم ولكن الأصل هو أن مدركات المتعلم لم تراع فكيف نتظر منه تجاوبا ؟!
بالتالي فمراعاة المعارف العامة للمتعلمين شرط أساس لتحقق التواصل التربوي .
- مراعاة سياق المقام :شرط أساس لإنجاح التواصل ،فلا بد من مراعاة السياق الثقافي والاجتماعي،للمتعلمين، وهذا الشرط يستدعي من المدرس أن ينفتح على ثقافات المتعلمين وقيمها وعاداتهم ،وهذا ما يراهن الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،والبرنامج الاستعجالي من بعده " المدرسة المنفتحة الوطنية " إنها مدرسة النجاح الجديدة التي ترمي في ما ترمي إليه الانفتاح على السياق السوسيوثقافي للمتعلم ،فكلما اقترب المدرس من ثقافة و مجتمع ولغة المتعلم ، كلما كان كسب المتعلم أسهل وكان التواصل التربوي أحسن،وساهم هذا الجو التشاركي المبني على الحوار في إكساب المتعلم للكفايات التي سيستثمرها المتعلم في واقعه من مواقف ومهارات ،لحل الوضعيات –المشاكل التي تصادفه.
ومما سلف ذكره يمكن الخلوص إلى عوائق التواصل الصفي ؛فعدم معرفة ظروف المتعلم الوجدانية وتطلعاته تعيق التواصل داخل الفصل علاوة على
عدم الاهتمام بتمثلات المتعلم تحسه بنقص قيمته ،مما يجعل انخراطه في العملية التعليمية التعلمية صعبا ،هذا بالإضافة إلى تأثر التواصل التربوي بحركة الوجه والجسد ؛فالتجهم يعيق التواصل ؛"فتبسمك في وجه أخيك صدقة ".كل هذه العوائق ممكن تجاوزها ؛بالانفتاح على محيط المتعلم ،
كما يساهم الاشراف التربوي والتكوين المستمر في تجاوز الكثير من هذه العراقيل.
وإن الانفتاح على مستجدات الحقل التربوي ،وأفكار اللسانيات المعاصرة لاسيما مؤلفات أحمد المتوكل ،ستقوي رصيد المدرس الثقافي وتجعله ينجح
في اكتساب الكفايات التواصلية ،وستجعل دوره التنشيطي ،التوجيهي يعرف طريقه لمدرسة النجاح الجديدة .
خاتمة :
وغير خاف على الدارس الملم بأغوار اللسانيات الوظيفية ،لا سيما مؤلفات أحمد المتوكل وغناها في معالجة قضايا اللغة العربية معجما ودلالة وتركيبا ،وكان الباحث مصطفى غلفان محق حينما وصف جهود المتوكل بأنها"تعكس روحا علمية تقوم على المناقشة والنقد البناء والأخذ بأورد الافتراضات والاقتراحات " .وإن استثمار أفكاره في الخطاب ممكنة لانجاح التواصل التربوي الصفي ،شريطة مراعاة المعارف التي أشار إليها أحمد المتوكل سلفا .
الهوامش:
1- أحمد المتوكل ،قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية ،بنية الخطاب من الجملة إلى النص ،ص10
2- نفسه ،ص 17
3- أحمد المتوكل ،قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية ،البنية التحتية أوالتمثيل الدلالي التداولي ،ص14
4- مصطفى غلفان ،اللسانيات العربية الحديثة ،ص 276.
المراجع المعتمدة :
أحمد المتوكل ،قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية ،بنية الخطاب من الجملة إلى النص،الطبعة الأولى 2001 ،دار الأمان الرباط .
أحمد المتوكل ،قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية البنية التحتية أو التمثيل الدلالي التداولي ،الطبعة الأولى 1995،دار الأمان الرباط .
مصطفى غلفان ،اللسانيات العربية الحديثة ،دراسة نقدية في المصادر والأسس النظرية والمنهجية ،جامعة الحسن الثاني –عين الشق ،كلية الآداب والعلوم الإنسانية سلسلة رسائل وأطروحات رقم 4 .
منير الحجوجي ،نظرية التعامل مع التلميذ من الإرسال الأحادي للمعرفة إلى العلاقة التربوية ،مجلة علوم التربية عدد 43،أبريل 2010.
جميل الحمداوي ، مقومات مدرسة النجاح في التعليم المغربي ، مجلة علوم التربية ،عدد 43 ،أبريل ،2010.
عبد الوهاب صديقي ،فصل المقال بين اللسانيات والنحو ، بحث لنيل الإجازة إشراف الدكتور حافظ اسماعيلي علوي ،موسم 2005/2006 ،جامعة ابن زهر أكادير