الباحث: د / أمين عبد الله محمد حسين اليزيدي
الدرجة العلمية: دكتوراه
الجامعة: النيلين
الكلية: الآداب
القسم: الأدب والنقد
بلد الدراسة: السودان
لغة الدراسة: العربية
تاريخ الإقرار: 2005
نوع الدراسة: رسالة جامعية
جاءت هذه الدراسة - بعد المقدمة - في بابين , يتكون كل باب من فصلين , خصصت الباب الأول لما يتعلق بالأمثال من حيث هي فن قولي , وقد خلصت إلى :
- المثل من مادة ( مَثَـل ) وأنه إذا كانت هذه المادة قد استعملت بمعان متعددة فإن هذا يعني أن مصطلح المثل غير محدد , وأنه أسلوب خطاب يفهم نوعه وأثره دون تحديد علمي دقيق , فالأمثال أسلوب تعبيري تصويري أكثر منه أداءً بنائياً , أو مضمونياً ممكن التحديد .
- تلتقي الحكمة مع المثل في بعض وظائفها كالتوجيه والإرشاد , أما هي من حيث كونها مصطلحاً فهي غير المثل , ولها - من حيث طبيعة كل نوع - ما يميزها عن المثل فالحكمة تقرر وتقنع فهي تميل إلى الخطابية , والمثل يغمض ويوحي ويخيل , فهو يميل إلى التخييل والشعرية , ودلالة الحكمة مباشرة , ودلالة المثل إيحائية , ووظيفة الحكمة التوجيه , ووظيفة المثل التصوير والتشخيص .
- اعتني بجمع الأمثال منذ البدايات الأولى للتدوين , ويعد كتاب " مجمع الأمثال " للميداني من أبرز الكتب التي تمثل جمع العرب للأمثال , ويتميز عن غيره باشتماله على أمثال المولدين .
ثم تناولت بعض الخصائص التي تتعلق بفن المثل , وقد تناولت التالي :
- بداية المثل , وتوصلت إلى أن فن المثل من أبرز وأقدم فنون القول لما يشتمل عليه من بذور الفنون الأخرى كالإيقاع والخرافة والحكاية على لسان الحيوان , والقص والإنشاء , كما يمكن أن نعده ممهداً لظهور الفن الشعري .
- ضرب المثل , وخلصت إلى أن ضرب المثل يعني صوغه وإنشاؤه كما يعني التمثل به . والتمثل بالأمثال يعد من قبيل العمل الإبداعي .
- سير المثل , وبينت أن أبرز المعايير التي يمكن أن يتميز بها فن الأمثال عن غيره المعايير , هو معيار السير والذيوع والشهرة , وخلصت إلى أن شهرة القول وسيره معيار نقدي أكثر منه معياراً أدائياً لغوياً , بل هو آلية اجتماعية قام بها المجتمع المتلقي , مما يعني أن طبيعة التلقي هي الفيصل فيما يخص هذا الفن , أو مما يعمل على الإضافة إليه ؛ إذ لا يكون القول مثلاً إلا إذا شاع واشتهر وتداوله المجتمع المتلقي .
كما خلصت إلى أن عملية الإبداع في الأمثال عملية خاصة , يجب فيها تضافر القول الفردي والسلوك الجماعي , المتمثل في التمثل بالمثل وتسييره من قبل جماعة التلقي ضمن الجماعة اللغوية ؛ إذ بدون الشق الثاني من عملية الإبداع يكون هذا القول إما مهملاً أو بيتاً شعرياً غير معروف , أو حكمة أو نادرة , لا يرقى أيٍ منها إلى أن يكون مثلاً , وهنا لم تكتمل عملية الإبداع المقصودة في المثل , وإن كان هذا القول عملاً إبداعياً في ذاته .
- قيمة المثل وقد عرضت بعض ما قيل عن أهمية الأمثال وقيمتها , وخلصت إلى أن الأسلم عدم تحديد قيمة الأثر الفني , ومنها الأمثال , بمعيار واحد , وإنما ينظر إليه على أنه لغة أدبية وفنية خاصة , ثم ينظر إليه وما يؤديه من ارتباطات مع البيئة والمجتمع , إضافة إلى مضمونه القيمي والفكري أو التاريخي إن وجد , ثم موقعه من البناء الاجتماعي والفكري والفني للجماعة اللغوية .
- المثل في كتب البلاغة , وقد بينت كيف كان تناول علماء البلاغة والنقد في التراث العربي القديم للمثل بصفته مفهوماً أو فناً , وانتهيت إلى وجود ما يشبه الإجماع على أن المثل تعبير تصويري , وأن وظيفته الأولى هي التشخيص للمجرد , وإبراز المعقول في هيئة المحسوس , والاستدلال على المعقول بالقول التعبيري الإيحائي , ذلك أن الأمثال فن قولي تصويري مجازي يبتعد عن التقرير والمباشرة , وأنها تشتمل على فنون القول الفني؛ لاشتمالها على ما لم يشتمل عليه غيرها من الفنون القولية .
أما الدراسة التحليلية التطبيقية للأمثال في كتاب " مجمع الأمثال " للميداني , فقد كانت في الباب الثاني وهي مجزأة في فصلين : الأول يخص التعبير التصويري للأمثال , والثاني يتعلق بلغة المثل ودلالته , دون إغفال لدور المثل في التصوير , ذلك أن أهم الوظائف التي تقوم بها الأمثال هي التعبير بالتصوير . وقد استعان مبدع الأمثال - لإتمام عملية التعبير التصويري - بوسائط حسية تمثلت في المحيط العام للمبدع بما تشمله من إنسان أو حيوان أو غير ذلك من المحسوسات , واستغلها لتصوير المجردات والمفاهيم المختلفة , وللتوصل بذلك إلى دلالات إيحائية غير مباشرة .
كما استغل المبدع عدداً من الوسائط الفنية - التي وظف من خلالها العناصر الحسية في التصوير - ظهرت جلية في أمثال مجمع الميداني , وكان أبرز هذه الوسائط :
1- الرمز . وقد خلصت إلى أنه يمكن القول إن الأمثال تعبير رمزي في حد ذاتها نظراً لأدائها الكنائي وقدرتها التصويرية , وإحالتها على البيئة والتاريخ والعادات والمعتقدات , ولما لها من قدرة تكثيفية واختزالية, ولتأثيرها في الأحاسيس لمجتمع التلقي وارتباطها بتاريخه وتراثه .
2- المحاكاة , ومن خلالها يظهر أثر المحيط على التعبير , وكيف يمكن أن يستفيد منه المبدع , وقد بينت من خلال العرض والتطبيق وجود أنماط متعددة تمظهرت من خلالها المحاكاة في الأمثال في كتاب الميداني وهي :
محاكاة صادقة , محاكاة إمكان , محاكاة استلهام , محاكاة تخيلية .
3- السرد والحكاية , وقد بينت - من خلال نماذج تطبيقية - كيف تمظهرت عناصر السرد عبر اللغة بما فيها اللغة الفنية , وخلال ذلك كنت أتطرق للقضايا الاجتماعية التي عرضتها تلك البنى السردية , وقد تجلت في لغة السرد في الأمثال في مجمع الميداني , لغة المجتمع وعاداته التعبيرية , وأساليبه القولية وعاداته الاجتماعية .
ثم بينت أثر الأمثال ضمن النص الأدبي , وخلصت إلى أنها تقوم بأداء وظيفة فنية تتمثل في الإسهام في إنتاج الدلالة و تفعيلها , فضلاً عن إثراء النص وتضمينه المعارف القيمية والتاريخية والرمزية . ونقصد بالإنتاج أن تخرج بالصورة التي هي عليها , وبالفاعلية كونها عنصراً قادراً على التأثير في المتلقي وإيصال الدلالة وتكثيفها بصورة أفضل . وتكمن جمالية التوظيف الفني للصورة المثلية في أنها استلهام لتعبير تصويري , استلهام لبنية فنية داخل بنية فنية أخرى .
ولما كانت اللغة هي الظاهرة الأولى في كل عمل فني يستخدم الكلمة أداة للتعبير , بل هي النافذة والمفتاح إلى آفاق النص ورحابه الواسع , ومن خلال اللغة يمكن أن تتجلى عبقرية الأداء الفني للغة وللمبدع , فقد قمت – في الفصل الثاني من الباب الثاني - بتحليل المثل في كتاب مجمع الميداني عبر نماذج منه في المستوى المعجمي والتركيبي والإيقاعي والدلالي.
ولأن الفن اللغوي إنما هو أداء اللغة بطريقة مغايرة , فقد تناولت المفردات والتراكيب من اتجاهين : الأول ما هي عليه في الأصل , والثاني ما هي عليه في المثل , وذلك عبر آلية العدول , وهي آلية لغوية ودلالية تتيح للمبدع التحرك بحرية في التعبير والإيحاء .
و من الظواهر المتعلقة بالمفردات في أمثال مجمع الميداني :
- انعكاس البيئة في نص المثل من خلال مفرداته , إذ يظهر عبر مفردات الأمثال في مجمع الميداني نمط البيئة والحياة الاجتماعية والفكرية , والعادات والأسماء والمسميات , وغير ذلك مما ينعكس من خلال لغة النص , كما بينت أن المفردات في الأمثال المولدة تعد انعكاساً للتطور الذي حدث في المجتمع .
-استخدمت المفردة استخداماً مجازياً يخرج بها عن المباشرة والتقرير , إلى الإيحاء والاحتمال والتعدد والتأويل , من خلال العدول عن المصدر أو الفعل إلى المشتق , وأثر ذلك في التعبير والتصوير , أو بوضع المفردة فيما لم توضع له في الأصل ؛ ذلك أن العدول عن الأصل إلى غيره إنما يكون لدلالة اقتضتها طبيعة القول وغرضه.
وبينت قيمة العدول على مستوى المفردات ويتمثل في :
1- أحد الخيارات المتاحة لزيادة معاني ودلالات غير ممكنة إلا بألفاظ عدة .
2- إضافة وظائف دلالية وتعبيرية وتركيبية للألفاظ .
3- حماية النص من الترهل والطول , وحمايته أيضاً من تعدد الإيحاءات التي قد تجلبها ألفاظ جديدة جيء بها للدلالة على معنى ما .
4- اقتصادية اللغة وعدم تشتيت المتلقي , وتكثيف الدلالة في اللفظ بزيادة على مبناه الأصلي حيث يمكن للفظ الدلالة على معنى مفهومي وتركيبي بلفظ واحد لم تكن تلك الدلالة من شأنه , وفي هذا إثراء للدلالة .
5- لفت انتباه المتلقي وكسر حاجز الألفة والرتابة , وهذا يعمل على إدهاش المتلقي وتحريك تفكيره .
-ثم تطرق البحث لظاهرة التضاد وقيمتها التعبيرية والفنية والدلالية التي تتمثل في التالي :
1- الإيضاح بأسلوب غير معهود , مما يعمل على إثارة المتلقي وإدهاشه .
2- إبراز قيمة المعاني والصور .
3- تمايز المعاني والصور عن بعضها وإنتاج صور جديدة .
4- الاستدلال على المعاني بغير ما هو لها .
ثم انتقلت إلى التراكيب وبدأت بعرض الأصل في تركيب الجملة العربية .
بعدها انتقلت لبيان أبرز الظواهر التركيبية التي تمثل العدول عن الأصل وهي :
1- ظاهرة الحذف , وفي هذه الظاهرة اقتصرت على عرض ظاهرة حذف المبتدأ ودلالة ذلك , فالأساليب اللغوية ليست مجرد حلية , فللجملة عند بنائها على الحذف أو الإضمار من البيان والتصوير ما ليس لها لو صرح بالمحذوف , وبينت ذلك من خلال أمثلة تطبيقية لأمثال حذف أو أضمر فيها المبتدأ وأخرى صرح به , ويعمل الحذف على :
تكثيف العبارة وإيجازها . تحريك المتلقي وإثارة خياله . كسر ألفة ورتابة اللغة.
2- ظاهرة التقديم والتأخير , وهذه الظاهرة من أبرز الظواهر التركيبية التي تمثل عدولاً عن الأصل لنمط بناء جملة المثل في مجمع الميداني , وتعمل هذه الظاهرة على تشويش المتلقي وإثارته , وإعادة النظر في رؤيته للمعنى وفق النمط البنائي المشتمل على التقديم والتأخير , وقد اقتصرت على بيان تقديم الخبر وتقديم المفعول به من خلال التركيز على ظاهرة أخرى هي ظاهرة المجرورات والظرف والإضافة . ومن أهم الوظائف التي يؤديها التقديم والتأخير بعد كسر المألوف من اللغة , التخصيص والعناية , فضلاً عن التكثيف والإيجاز .
3- بعدها تطرق البحث لظاهرة مغايرة للظاهرتين الأوليين حيث كانت الظاهرة الأولى تمثل النقص في البناء , وتمثل الظاهرة الثانية تغيير المواقع المألوفة لنمط البناء , أما هذه الظاهرة فتمثل الزيادة في نمط البناء لدلالة تعبيرية وتصويرية ودلالية , وهي ظاهرة المفعول المطلق . وكما كان الحذف , أو التقديم والتأخير يؤديان دلالة وظيفة فكذلك المفعول المطلق , فقد أدى مجيء المفعول المطلق ضمن جملة المثل إلى :
- تصوير الحدث والعناية بهيئة وقوع الحدث والاستفادة من تلك الهيئة في الاستدلال .
- زيادة البيان والإيضاح .
- إيقاع التشبيه بدون أداة التشبيه وأسلوبه .
- المبالغة .
- إفادة الحالية بتصوير كيفية وهيئة الحدث بغير أسلوبه .
- إثراء التعبير .
بعدها تناول البحث المستوى الإيقاعي للأمثال في مجمع الميداني , وبينت في هذا المبحث علاقة الظاهرة الصوتية بالتعبير والتصوير , وخلصت إلى وجود علاقة ظاهرة وقوية بين الظاهرة الصوتية وبين التعبير التصويري حين يؤدى باللغة , كما توصلت إلى أنه يمكن الاطمئنان إلى أن البنى الإيقاعية تمثل بنى تعبيرية وتصويرية . وقد أوضحت أبرز الظواهر الإيقاعية الموجودة في أمثال مجمع الميداني وهي : التكرار , الجناس , السجع , الإيقاع المعتمد على التقسيم الزمني للوحدات الكلامية .
و قد خلصت إلى التالي :
1- البنى الإيقاعية ليست زينة شكلية , أو إطاراً بنائياً , بل هي ذات وظائف فنية ودلالية وجمالية , فهي تفيد التأكيد والمبالغة , وتضفي معاني جديدة لم تكن موجودة من قبل , كما أنها تعمل على مفاجأة المتلقي وإدهاشه وإيناسه . وبناء النص موافقاً للإيقاع أوقع في السمع وأذهب في الدلالة على القصد , وسبيلاً إلى الالتذاذ بالنص وحفظه والعمل بمؤداه , والتأثر به والقياس إليه .
2- البنى الإيقاعية تمثل بنى حسية ونفسية ؛ فهي حروف منطوقة , وأصوات مسموعة وحروف مكتوبة مرئية تشارك الفن التشكيلي في التكرار البصري , وفي هذه العلاقة ما يؤيد أن الإيقاع تعبير وتصوير ودلالة .
3- الإيقاع بنية نحوية ودلالية وليست مجرد بنية صوتية , ومن هنا نجد التضاد والتجانس , والتأكيد وغير ذلك , فضلاً عن استناد التعبير الإيقاعي إلى الأثر النفسي والإيحائي لجرس الحروف عند تضامها , وإيقاع الوحدات الكلامية .
وكل ما مضى من تحليل وبيان أو عرض إنما يخدم مستوى الدلالة , ولذا فإن هذا المستوى قد مضى في كل مستوى سبق تناوله . وقد بينت أن دلالة المثل في مجمع الميداني تنبني من مكونين هما :
المكون المقالي , ويشمل العناصر اللغوية وما يتصل بها مفردة أو ضمن بنية تركيبية .
المكون المقامي , وهو نتاج التفاعل بين العناصر اللغوية والسياقية والاجتماعية , ويشمل أيضاً ظروف الأداء وبواعثه ومسبباته .
ثم تطرق البحث لبيان أهم العوامل المؤثرة والفاعلة في الدلالة وهي :
- السياق , وما يتعلق به من تغيير الدلالة وفقاً لموقع المفردة وصيغتها , ووظيفتها النحوية والتعبيرية .
- العنصر الاجتماعي , وبينت من خلال بعض الأمثال وجود أمثال لا يمكن التوصل إلى دلالتها إلا بمعرفة السياق الاجتماعي لها , ومعرفة العادات التعبيرية للمجتمع .
- المقام , وهو ما يحدد الدلالة بعد العنصرين السابقين , إذ يؤثر ظرف الأداء تأثيراً واضحاً في دلالة النص المُرْسَلْ .
وقد توصلت إلى أن الدلالة في الأمثال تقوم على وجود علاقة تأويلية , ولا تكتفي بالعلاقة التفسيرية , وتتأثر بتفاعل العناصر المختلفة المكونة والمؤثرة في بناء لغة المثل ودلالته . وقد بينت ذلك من خلال تحليل بعض الأمثال من مجمع الميداني , ووضحت عدم ابتناء الدلالة عند مرحلة التفسير , أما الحِكَم فإن الدلالة فيها تميل إلى التقرير والوضوح والمباشرة.
كل ذلك دون إغفال لأحد أركان الحدث اللساني : المرسل , اللغة , المتلقي .
أما الجديد في هذه الدراسة فيتمثل في الأسلوب الذي تناولت به نصوص الأمثال في كتاب الميداني .
وبعد هذا العرض الموجز , فالظاهر جلياً أن الأمثال في كتاب مجمع الميداني موضوع لم يفض خاتمه بعد , ويحتاج لعدد غير قليل من الدراسات لتتناوله بالدرس والتحليل . ومن الموضوعات المقترحة للدراسة بحيث يكون ميدانها التطبيقي مجمع الميداني :
- شخصية العربي من خلال أمثاله .
- الجملة في كتاب الميداني دراسة أسلوبية .
- القضايا اللغوية في شرح الميداني للأمثال , مع مقارنة شرح الميداني للأمثال مع شرح أبي هلال العسكري.
- مظاهر التطور في المجتمع العربي , من خلال دراسة الأمثال القديمة والأمثال المولدة.
- سرد المثل .
- الأساليب البلاغية في المثل . مدخل لتدريس البلاغة , والتحليل اللغوي .
- الأساليب التربوية والتعليمية في المثل , نحو اعتماد الأمثال مدخلاً تربوياً في مناهجنا.
- جمالية التلقي , دراسة في شواهد الميداني .
ملخص البحث:
المثل تعبير تصويري إيحائي أكثر منه تعبيراً مقنناً , يختلف عن الحكمة في شيوعه وعمومه وغرضه وأدائه التصويري , وكل مثل حكمة وليس كل حكمة مثلاً , ولعله أن يكون أقدم الفنون التعبيرية التي عرفها الإنسان , فقد يكون البذرة الأولى للقص والإنشاء , كما إنه قد يكون ممهداً لظهور الفن الشعري .
و يتميز فن الأمثال عن غيره من الفنون باعتماده على المتلقي , وبقدرته الاختزالية للتجارب والأحوال . وقد نظر إليه في كتب البلاغة على أنه فن مستقل .
وتنطلق هذه الدراسة للأمثال في كتاب " مجمع الأمثال " للميداني من عدد المحاور أهمها :
1- المثل تعبير تصويري .
2- تكامل عناصر الحدث اللساني وهي المرسل , اللغة , المتلقي .
3- تناول الوحدات والسمات الكلية للعمل الأدبي .
ويمكن إجمال مظاهر تحقق فنية التعبير والأداء في الأمثال كما وجدت في مجمع الميداني في التالي :
1- التصوير والتشخيص . وهي أبرز السمات الفنية والجمالية للأمثال وقد استعان مبدع المثل بعدد من الوسائط الحسية والفنية لإتمام عملية التعبير بالتصوير , وأبرز الوسائط الحسية كانت استعانة المبدع بالعنصر البشري والحيواني ومظاهر الطبيعة في التعبير و التصوير , واستغل المبدع هذه المكونات الحسية للتعبير عن المفاهيم المجردة كالخير والشر , والذل والعز , والبخل والكرم , وغير ذلك .
وقد وظف المبدع العناصر الحسية في التصوير عبر وسائط فنية هي :
ا-الرمز .
ب- المحاكاة .
ج- السرد والحكاية .
وهذه الوسائط الفنية لا تتحقق إلا من خلال لغة بلاغية وفنية , ولذا فإنها تحوي التشبيه والكناية والاستعارة والمجاز .
2-التنوع الإيقاعي والبديع . ومن أبرز الفنون التي يحويها المثل في مجمع الميداني :
ا- التكرار .
ب- الجناس .
ج- السجع .
د- الإيقاع المعتمد على التقسيم الزمني للوحدات الكلامية .
3- التنوع البنائي والأسلوبي . فقد تجلت في الأمثال عدد من الظواهر المعجمية والتركيبية التي تستدعي التوقف أمامها , وهي :
ا- انتماء معجم الأمثال إلى البيئة المحيطة وتمثيله لها خير تمثيل .
ب- استخدمت المفردة في الأمثال استخداماً مجازياً يخرج بها عن الأصل .
ج- استغل المبدع وسيلة التضاد بغرض البيان والإيضاح والإمتاع والتصوير .
د- بنيت الجملة في المثل وفقاً لسنن العربية , واستفاد المبدع من آلية العدول ليخرج بالتركيب عن الأصل إلى غيره وفق قواعد اللغة وسننها , واستغل المبدع التنوع الأسلوبي في اللغة ليفيد منه في بناء جملة المثل , ومن مظاهر هذا التنوع والعدول :
الحذف .
التقديم والتأخير .
المفعول المطلق .
4- التكثيف والإيحاء والاستدلال , وهذه الخاصية غير مستقلة عن غيرها , إنَّما هي مستندة إلى السمات السابق عرضها , كما إنها مبثوثة خلالها , ذلك إن التكثيف والإيحاء والاستدلال أمور لا تتحقق إلا عبر لغة النص وأسلوب بنائه , وعناصره الفنية بما يؤدي إلى تحقق الإيجاز وتكثيف الدلالة. وهذه الخاصية تجعل من المثل فناً يتسم بالإيجاز وكثافة التعبير وقوة الدلالة وغرابة الاستدلال وجماله .