يحي امحمد عضو شرف
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 211 نقاط : 403 تاريخ التسجيل : 12/11/2011 المهنة : استاذ
| موضوع: الكتابة ...وعقدة الخوف 2013-01-17, 13:08 | |
| أخرجُ من البناء الكبير الذي يعمل به أصحاب العقول المبدعة، بقلب مفعم بالحماس... "العمل الأدبي يحتاج بالإضافة إلى الموهبة... لوقت، وهدوء، وجهد،.. هذا مايقوله النقاد.. لابدَّ أَنْ أحصل على إجازة من العمل كي يتوفر لي كل هذا... سأبقى في البيت... لا.. لا.. لن أجد في البيت وقتاً، ولا هدوءاً، العمل فيه لا ينتهي، و عائلتي... هل سيدعونني أكتب، ؟؟... حين يعلموا أنني أخذت إجازة، لن يتوقف أحد عن الطلبات... سأذهب إذاً إلى مكتبة المركز الثقافي. هناك هدوء، وصمت، قدسية المكان تُعين على التركيز... كان مكان التقائنا أنا وزملاء الثانوية في الإجازة... جميل أَنْ يعود الإنسان إلى موطن ذكريات حلوة. ذاك الزمان العذب. زمان البراءة، والأمل. كنا نتوقع، ونأمل، وأتى الواقع متسلقاً جدران عمرنا ليهبنا بعضاً مما أردنا... المركز الثقافي... ربع ساعة وأكون هناك قصصي. دفاتري. وقلمي معي، وعقلي مختزن لكل كلمة قالها الناقد... سأسجل كلماته كلها. نصائحه... ملاحظاته.. قيللي: "لديك الموهبة، وتكتب بشكل جيد، وأسلوبك في القصِّ جميل، ولكن تنقصك الشجاعة، وسألني أحدهم: "مم أخاف؟ ماذا أخشى؟"... مم، وممن أخاف؟ ليتك... ليتك تدري؟ لكنني سألبي طلبك، وأقتل خوفي ثم أكتب... هاهو المركز... أوقف سيارة الأجرة، وأنقد السائق أجره، وأدخل... لم يتغير فيه إلا القليل. يالذكريات الماضي الجميل. المراهقة الحلوة، وأيام الجامعة الرائعة. أصعد إلى الطابق الثاني. أدخل عبر الباب إلى القاعة، يا إلهي هذا الكم الهائل من البشر. أهاربون من صخب الحياة.. أم من عدم تقدير البشر؟... سألتجئ معهم إلى متعة المعرفة، وروعة الإحساس بعظمة القادرين على التعبير. طاولة يتيمة في آخر القاعة.. هي لي.. تهاجمني الذكريات، وتحاصرني، لا أريد الاستجابة لها. لا أريد، فهنا يكمن الخوف أيها الناقد، هنا يكمن الخوف، في الذكرى المحزنة، ومخلفاتها....الإحساس في ذاك الزمان... أعود لكلمات الناقد وأنا أفكر… في الواقع.. وكما أراه، شيء آخر أسمى، وأحلى من كل ما سطروه أحلى بكثير... "حين تمسك القلم. انس دنياك كلها، وعش دنيا أبطالك، انعزل عمن تعرف، وهب أبطال قصصك الحياة التي يريدون جيدة كانت أم سيئة، واقرأ، اقرأ الثقافة ضرورية جداً.. اقرأ أدباً.. تاريخاً.. وعلوماً إنسانية، ولا تبتعد عن الدنيا.. انصت لمشاكل الناس، واسمع أخبار العالم كله، فالحياة هي المعلم الأول".. يا الله كم رائع هذا الكلام، هاقد سجلته كلمة.. كلمة... لن أخالفه... ولن أحيد عنه.. هاهو الهدوء، وهاهو القلم بين يديَّ، والورق ناصع البياض ينتظر الأحرف السوداء لتزيِّن أسطره.. "مم تخاف انس البشر كلهم، وأنت تكتب..افتح قلبك... وأطلق أحاسيسك من عقالها، واكتب... اكتب... وحسب".. سأكتب. نعم سأكتب، لديَّ من الأفكار الكثير. سأختار بعضها موضوعاً لقصص، وبعضها الآخر لمقالات، فالمقالات تكتب بأسلوب مباشر، فتعبِّر عن الفكرة بشكل أوضح، وقد أكتب الرواية.. الفكرة واضحة في عقلي... الأبطال معالمهم محددة، أفكارهم، أقوالهم، أفعالهم كلها.. مجسدة في ذهني لا أحتاج إلا إلى يدي الممسكة بالقلم لتخطَّ، وتسطر أحرفاً تتجمع كلمات تشكل أحداثاً لعالم أنا سأوجده. لبشر كونتهم شكلاً، وفكراً، وقلباً.. القصة بأحداثها كلها في عقلي من المقدمة، وحتى الخاتمة، فلماذا تعجز يدي.... الهدوء.. الصمت.. المكان المثالي للإبداع، مم أخاف؟.. وما الذي أخشاه؟.. القصة من خلقي.. صحيح أنَّ الحياة هي الأصل، وهي تضم المثيل لكل شخصية فيها، ولكل حدث، ولكل فكرة، لكن القصة تظل مجرد أفكار، وخيال خصب يُصبُّ في قالب كلمات منمَّقة تسطرها يد إنسان يمتلك الموهبة، فلماذا هذه الرهبة؟...ولماذا الوجل؟ الفرصة الآن أمامي لأكون أديبا، أو لا أكون... أكون أديبا أمام أصدقائي.وربما أديبا يتحدث النقاد عنه، وتتربَّع كتبه الكثيرة على الرفوف في معارض الكتب، وتترجم كتبها إلى اللغات كلها، وتتنافس دور النشر لطبع هذه الكتب مرات، ومرات... ها قد جمح خيالي، وحلَّق عقلي دون قيد، فاجتاز الأزمنة، وحقق المعجزات... مع أَنَّ القلم مازال في يدي عاجزاً، والورقة لما تزل بيضاء... بيضاء... لا... لا... سأكتب، وأكون الأديب الذي أريده ، ولن أبالي بأي شيء.. الكلمات قطرات ندى تتساقط برقة على الصفحات. عقلي. قلبي.. حواسي كلها مع الدفق الرائع للأفكار المتناغمة مع الكلمات المتسلسلة بعفوية الحياة الحقيقية، وبساطتها... بأسلوب أسطوريَّ الجمال.. خياليَّ الروعة ....أكتب... أتوقف عن الكتابة.. أتذكر كلمات كاتب لا أذكر اسمه: "إذا بهرك ما كتبت فمزقه، وابدأ الكتابة من جديد"... لكنني لن أتبع نصيحة الناقد، ولن أمزق ما كتبت... فدماغي وحده توقف عن العمل، وأعماقي بدأت تصرخ عجزاً... ماذا حدث؟... يدي مغلولة، وعقلي صاح متوثب يجلدني بصرامة، وجبروت كلما حاولت التحرر من قيده. يصرخ بي... الحذر.. الحذر... مرارة الخوف أحلى من النقد اللاذع والشك.. سيقول الناس، ويهمسون، ويسخرون، ويحللون... احذر، وابتعد عن ثلاث... السياسة، والحب، والمجتمع بما يحويه من شرور .. أرمي قلمي، وألملم أوراقي، وأنصرف وأنا أفكر... اقترب موعد وصول صديقي الذي كنت معه على ميعاد، لابد من الذهاب إلى البيت لأهيِّئ له شرابا أو شاي ،.. بيتي قريب..سأمشي... الحوار مع النفس وسيلة جيدة للتخلص من الكبت، والاكتئاب، فأنا إِنْ لم أتخلَ عن جبني سأصاب بهما معاً، فإن لم أكتب عن الحب، والمجتمع، وعن السياسة، فماذا سأكتب؟.. أسير.... أنظر إلى الساعة اقترب موعد وصول صديقي... الصداقة التي تغمر قلبي وتسعد أيامي... أسرع... عقلي يعود للموضوع.... الشّر وشمٌ محفور على وجه الحياة كما الخير ضوء نهار، وأنا أعي أَنْ لابد من التحدث عن وجهيّ الحياة، فهي كلٌّ لا يتجزأْ، والمدينة الفاضلة حلم لم، ولن يتحقق، والحب الأفلاطوني وهم جميل، كل هذا أعرفه فإلى متى التردد. والديّ وأخواتي وأصدقائي.... وحتى العمل الآن ....هم الأهم لديّ، صوت أمي حين رؤيتي يثلج صدري، أقبل يدها...فتأخذ يدي عنوة وتقبلها هي الأخرى ، وأنا أدخل البيت... الطقوس اليومية لي... ولهم، ويأتي أبي، فتبدأ مهام جديدة، وأصل إلى نهاية اليوم بجسد متعب، وعقل لا يتسع لأية أفكار... صباح يوم جديد، قضاء حاجيات البيت، إيصال أخوتي إلى المدرسة، والعمل.. لا وقت.. لا وقت، ولا هدوء... فمتى أكتب.. كابوسان. قلة وقت.. وخوف... أدباء كثر يبدأون كتابة القصة، أو الشعر ثم يتوقفون، أو يستمر إحدهم لفترة، يكتب فيها طلاسم لا يفهمها إلا هو، ثم يتوقف، ويتساءل كثيرون لماذا؟... ويتهم بأنه يفتقد الموهبة الحقيقية... زملاء العمل لا يتوقفون عن الكلام، وسماع أحاديث القيل والقال .. أحتاج للهدوء كي أستطيع التفكير، إجازة يوم آخر هي الحل الوحيد المتوفر، لكنني الآن أشعر برغبة قاهرة في إنجاز القصة التي بدأتها. أحصل على إجازة ساعية، وأهرع نحو المركز الثقافي، أختار المكان، وأجلس، ألملم أفكاري المبعثرة، أحاول الكتابة... أكتب... أمزِّق... أكتب.. أكتب... أكتب... ثم أمزق كل الأوراق، فأشعر بسكون مقيت... خائف .. مازلت خائف ، الجبن يتشبث بي كتشبث طفل خائف بيد أمه.. أأكسر قلمي، وأمزق أوراقي، وأنهي صلتي بالحلم الجميل، الأدب؟... أتساءل بحيرة... هل سيمضي زماني كله قبل أَنْ أحطم قيودي التي فرضتها قسوة الحياة، وأمحو رواسبي التي تجمعت من نظرات الانسان المستغل لأخيه ؟... وهل سأقوى على استخدام إرادتي في قتل الرعب الذي يعربد في أعماقي؟؟ وهل سأعود يوماً من تشردي في مدن الوهم؟ فقيود الحياة القاسية وهم، وكثير من أصحابها وهم، وعيون أبنائها المترصدة لأخطاء الآخرين وهم.. أقوم بهدوء، وأستعير من الموظف ديوان شعر، وأعود مرددا بصمت.. سأكتفي بالقراءة... أجلس، وأقلِّب الصفحات.. منذ البداية ثورة، وتحريض... "ثوري... أحبكِ أَنْ تثوري"... يُحرِّض المرأة على الثورة... "ثوري على شرق السبايا، والتكايا، والبخور"... أهي من سبايا الشرق؟... لا هي أنثى الحضارة الحديثة. متحضرة بكل معنى الكلمة... متعلمة... مثقفة... وعاملة... تكسب مثل أي رجل... ولكن.. هل لبد لها أن تحيا مثل الرجال؟... لو كان أختي مبدعة...؟ أكانت تحتار حيرتي، وتخاف خوفي؟... أيمكن أن تفتقد الوقت، والهدوء مثلي؟ ثُوري... يالها من كلمة، ولكن على مَنْ تثور؟ وعلى ماذا؟على دينها ؟ على عزتها وشرفها ...على وطنها ..؟ نحن نحيا ضياعاً، وحيرة.. لا الرجل يعرف ماذا يريد من المرأة، ولا تدري المرأة ماذا تريد؟ نفوسنا أولى بالثورة، وقلوبنا... بل حياتنا كلها.. أقرأ قصيدة أخرى، وأخرج.. "حين تمطر في مدينتي، أحتاج إلى بعض الحنان".. يالكلمات الشاعر رائعة... مرهفة... الإبداع عمل سامٍ.. بديع.. موهوب .. قالي ناقد: ...."أنت إنسان موهوب ".. أأتنازل عن موهبتي بهذه البساطة؟ أخطو نحو بيتي، والسؤال ملحاح في عقلي... أأتنازل؟ أسرع، والكلمات صرخات.. لا... لا لن أتنازل عنها، ولن أدع زماني كله يمضي، ولا حتى بعضه، وأنا مجرد ديمة تائهة بين السماء، والأرض. مجرد صدى لطموح عابر... صرخة تحدٍ يائس، وخيبة مريرة.. سأخرج من دوامة ترددي، وأغدو كما أردت دائماً...كاتبا... كاتبا.. صادقا كرسالات واعض.. واضحا كنور الشمس... جريئا كحد السيف... قويا كالحق المبين...
عدل سابقا من قبل يحي امحمد في 2013-01-18, 11:14 عدل 1 مرات |
|
زهر السوسن عضو شرف
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 879 نقاط : 1493 تاريخ التسجيل : 17/10/2012
| موضوع: رد: الكتابة ...وعقدة الخوف 2013-01-17, 20:56 | |
| حقا انت كما قلت صادقا كرسالات واعض.. واضحا كنور الشمس... جريئا كحد السيف... قويا كالحق المبين... ونعم الاخ والواعض والكاتب والشاعر ... وقلم مبدع دائما |
|
بنت المداد *
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 5 نقاط : 13 تاريخ التسجيل : 11/08/2013
| |
بلال موقاي نائب المدير
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 1216 نقاط : 1939 تاريخ التسجيل : 28/04/2012 الموقع : https://twitter.com/mougay13 المهنة : جامعة معسكر، الجزائر
| موضوع: رد: الكتابة ...وعقدة الخوف 2013-08-15, 09:36 | |
| |
|
تيمادنين عضو شرف
البلد : الجزائر عدد المساهمات : 101 نقاط : 139 تاريخ التسجيل : 10/05/2012
| موضوع: الكتابة اكسجين خالد 2013-08-21, 01:30 | |
| |
|