هويتنا ولغتنا(نحو تحقق الذات العربية من خلال لغتها)
(رحل فارح وبقيت اللغة العربية )
بدأت مقالي هذا برجل عاش حياته من اجل لسان العرب ضحى من اجله وجعله هدفا وغاية وقضية يدافع عنها انه الشيخ الأستاذ محمد فارح أفرحه الله في الدنيا والآخرة ,هذا الرجل الذي أعطى للغة العربية قيمتها ودافع عنها بكل مااوتي من قوة ولاازال اذكر برنامجه الإذاعي (لغتنا الجميلة) فنحن نتمثل فيه صفة الشيخ عبد الحميد ابن باديس وثلة من العلماء الجزائريين الذين جعلوا حب اللغة العربية شعارا وعقيدة وقسم من قسمات الشخصية كما عبر عنها الأستاذ حميدا توا في أحد أعماله حول الشيخ عبد الحميد ابن باديس فرغم أصوله البربرية بالإضافة إلى إتقانه الجيد للفرنسية لكنه بقي وفيا للغته فربى هاته الأجيال على جعلها قضية ومرتكز من مرتكزات الثقافة .
فاللغة العربية ليست أداة تخاطب وتواصل وتفاهم فحسب كما يعتقد الكثيرين. وإنما تتعدى ذلك لتمس التفكير فهي تؤثر بشكل اوباخر في التغيير والبناء في ارتباطها هذا. مما يجعل لها أهمية كبيرة فالناظر للخطابات السياسية للرؤساء والزعماء يجدها تعتمد على ألفاظ وعبارات للتحريك وتنشيط الحياة داخل المجتمع فابن منظور في لسان العرب مثلا يتحدث عن الخطابة ويقول هي الخطاب والمشاورة أتت من الذين يخطبون في الناس ويحثونهم على الخروج وهذه الدلالة تدل على البعد السياسي التغيري فيها .
كما أن الخطيب المتميز بمفاهيم ومصطلحات محددة يكون أكثر جاذبية وتحريك وهنا اللغة أما أن تجعلك محط سخرية أو إعجاب ,كل هذا يدفعنا إلى البحث عن تحقيق الذات العربية من خلال لغتها . وبذلك نطرح السؤال التالي وهو: هل بإمكان اللغة العربية إن تحقق الذات العربية كذات فاعلة مغيرة ومحركة في العالم؟ وكيف لنا تأهيلها لتكون لغة علمية ؟وهل الكتابة باللغة العربية وسيلة مناسبة للتواصل مع العالم الأخر؟.
لااريد إن أكون هنا دوغمائيا وضد اللغات الأخرى في العالم وإنما هدفي هوارجاع الثقة في اللغة العربية كوسيلة يتحدث بها جمع كبير من الناس وفي كل بلدان العالم دون الخوض في إحصائيات تواجدها على شبكة المعلومات اختيار لغة من اللغات وحتى في المناهج الدراسية للدول فكما نعلم إن كل جامعة تمنح لطلبتها حق الاختيار ومنطقيا تدخل القيمة العلمية للغة المختارة لديهم لانهاتضمن لهم تقدما أكثر في حياتهم .
كل ذلك يجعلنا نقف عند الأهمية التي تفرضها اللغة على الإنسان لتدفعه نحو التطور والتقدم ليس بمعنى الممارسة العادية لها وإنما بالتمييز لها والرفع من قيمتها الغائبة عنا وجعلها لغة تواصل بحق ,فنعلم جميعا أن مجمع اللغة العربية يجتمع كل عام لإضافة مصطلحات ومفاهيم جديد ة حسب التطور العلمي الذي يشهده العالم لجعل العربية مواكبة للتطور الحاصل في جميع المجالات وهنا يتحدث الدكتور محمد علي يونس في كتابه أزمة اللغة ومشكلة التخلف في بنية العقل العربي حيث يقول عن الدراسة : (... وتذهب إلى وجود علاقة طردية بين التقدم الاقتصادي والاجتماعي والعلمي من جهة والتحسن في مستوى تدريس اللغة العربية الفصحى وإتقانها وتقدم البحث فيها من جهة أخرى)1فالارتباط قائم حول اللغة وتقدم المجتمعات في جميع المجالات فإذا أرادت امة من الأمم أن تنهض بنفسها ويستقيم أمرها اقتصاديا واجتماعيا فما عليها إلا أن تهتم بلغتها وتجعلها لغة غنية وعلمية تدفع بالذات المفكرة إلى إيجاد مجال لغوي تفرض به ذاتها وتحقق نهضة حضارية متميزة عن باقي الأمم , ولعلي استطرد في قولي لأشيرالى قضية من القضايا التي فرضت نفسها في وقت من الأوقات ولازال صداها متواصل حتى ألان واعني بذلك لغة المستعمر فجميع الدول التي تعرضت للاستعمار نجدها تعاني من ازدواجية اللغة وفرض لغة المستعمر على أفرادها سواء بإرادتهم أو بغيرها مما يجعل نظرة المتفرنسين مثلا -عندنا في الجزائر- عندما يتحدثون بهاته اللغة يعتقدون إنهم متعالين على الآخرين بغض النظر عن مايقولونه إذا أخضعناه للتحليل واستخراج مافيه من فائدة ,وحديثي هذا أريد أن ابلغ به مبلغ وهو الشعور الداخلي لهذا المتحدث والذي نتفق جميعا على انه يحمل دلالات التقدم والتحضر والرقي ,مما يجعلني اطرح السؤال التالي :من نحن ؟ والى أين نحن ذاهبون بهذا التفكير؟.
السؤال يدور في فلك الهوية العربية وتحديدا الثقافية التي هي في خطر تام وتحتاج إلى إنقاذ مستعجل فإذا كان صموئيل هنتغتون قد تحدث عن صدام الحضارات ليحمي الهوية الثقافية الغربية من الضياع لأنه يوجد من يكن لها العداء في اعتقاده هو وليس نحن فحدد مجموعة من التوصيات في كتابه التي تضمن تفوق الحضارة الغربية وعدم أفولها, فلماذا نحن لانقابله بنظرية جديدة أصيلة تعبر عن قوتنا ومدى قدرتنا على أن نكون أكثر عالمية وكونية؟ نحب للأخر مانحبه لأنفسنا محافظين على هويتنا الثقافية المرتبطة بالإسلام كمقوم من المقومات التي نعتمد عليها ومبرزين مدى قدرتنا على التعايش وقبول الآخر كيف كان وبأي صفة كانت محترمين خصوصيتنا وثقافتنا ,وفي اعتقادي أن هذا ممكن لو انناشعرنا بذاتنا وأعطيناها حقها ليس( بالحنين للماضي)2 وفقط كما يعتقد المفكر المغربي عبدا لله العروي في كتابه مفهوم الايدولوجيا وإنما شعورا نابعا من ذات عربية تقدر نفسها وتسعى نحوا تحقيق تقدم يضمن لها الاستمرار وعدم الأفول , فنحن قد مللنا من الخطابات التشاؤمية والتي هي نابعة من عقلية يائسة بائسة بل ومتمردة غير آبهة بعقل عربي يمكن ان ينتج اذااحترم ذاته .
فطريقة الوصول تحتاج منا إلى الخروج من نكران الذات إلى الثقة بها وهي حالة نفسية وليست أزمة كما يعبر عن ذلك الجابري لان ممكنات الخروج موجودة من هاته الحالة فمشكلتنا اننا نبحث عن حلول بعيدة عن تعبيرنا مما يجعلنا نقع في مشكل أخر وهو التواصل بالذات واعني هنا اللغة العربية فكيف بإمكاننا أن نوصل معلومات وأفكار جديدة لغير النخبة بلغة مختلفة عن اللغة المعروفة فتبقى فكرة التقدم والرقي بالمجتمع حاضرة في الذهن النخبوي فحسب وغائبة عند الذهن الأخر هذا مايدفعنا إلى استنهاض الذات العربية وإيقاظها لمعرفة إلى أين هي ذاهبة ؟ .
فالبعد عن اللغة وعدم الاهتمام بها سواء في مدارسنا أو تدريسنا وحتى في مجتمعاتنا وجعلها حاضرة فقط عند قراءة القرءان والصلاة ,هذا التهميش يدفع بها إلى النسيان والى سيطرة العامية عليها ولعل اصدق تعبير عن هذا الوضع ماقاله الدكتور محمد محمد يونس علي (إن ازدهار اللغة نتاج طبيعي لازدهار الثقافة والحضارة والعلوم كما إن تزعزع مكانة اللغة مرتبط بالانحطاط الثقافي والحضاري والعلمي ,وسواءانظرنا للغة من زاوية الاستخدام,أم التدريس ,أم البحث ,أم التخطيط فانه من المعقول القول:أنها في أزمة,وان التخلف العام الذي نعاني منه مسؤول عن هذه الأزمة)3اذن بهذا علينا أن نعد العدة ونخرج من السلبية التي نعيش فيها بل انها تسيطر على عقولنا, فمراعاة التنمية باللغة إن صح التعبير أمر أساسي يجب علينا الاهتمام به وإيصاله للمشتغلين بالجانب اللغوي السياسي والاقتصادي ولننظر بعين ناقدة لذاتنا لتحقيق الأفضل والرقي بمجتمعاتنا ولتكن الإجابات المطروحة حول كيف ننهض بأمتنا ؟ أكثر واقعية وشمولية وملائمة للشخصية العربية المتواصلة مع الأخر لكي لانكون دعاة للأحادية والفر دانية العربية.
وننهي كلامنا بماقاله الدكتور بشير خليفي(لايمكن الحديث عن فكر بدون لغة تعطيه مسوغات الوجودودلائل الحضور) 4 فحضور اللغة امر ضروري لابد منه للتعبير عن فكر الأمة التي بها تتحقق كينونتها وتفرض نفسها كذات ناطقة لها قيمتها ومكانتها بين الأمم .
(1)الدكتور محمد محمد يونس علي أزمة اللغة ومشكلة التخلف في بنية العقل العربي المعاصر دراسة في علم اللغة الاجتماعي مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة وآدابها ص 660
(2)الدكتور عبدا لله العروي مفهوم الايدولوجيا المركز الثقافي العربي ط الخامسة سنة 1993.
(3) الدكتور محمد محمد يونس علي أزمة اللغة ومشكلة التخلف في بنية العقل العربي المعاصر دراسة في علم اللغة الاجتماعي مجلة جامعة ام القرى لعلوم الشريعة واللغة وآدابها ص 661.
(4)الدكتور بشير خليفي الفلسفة وقضايا اللغة قراءة في التصور التحليلي منشورات الاختلاف ط الأولى 2010م .
أخوكم عبدا لله بعثمان