منتديات تخاطب: ملتقى الفلاسفة واللسانيين واللغويين والأدباء والمثقفين تهتم بـ الفلسفة والثقافة والإبداع والفكر والنقد واللغة |
تعلن إدارة المنتديات عن تعيين الأستاذ بلال موقاي نائباً للمدير .... نبارك له هذه الترقية ونرجو من الله أن يوفقه ويعينه على أعبائه الجديدة وهو أهل لها إن شاء الله تعالى |
للاطلاع على فهرس الموقع اضغط على منتديات تخاطب ثم انزل أسفله
| |
|
|
| جماليات المكان في النقد الأدبي العربي المعاصر | |
| كاتب الموضوع | رسالة |
---|
محمد بكاي التلمساني عضو شرف
وسام النشاط : البلد : الجزائر عدد المساهمات : 210 نقاط : 602 تاريخ التسجيل : 15/08/2010 المهنة : باحث وكاتب
| موضوع: جماليات المكان في النقد الأدبي العربي المعاصر 2010-09-14, 07:50 | |
| مجلة جامعة تشرين للدراسات و البحوث العلمية _ سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية المجلد (27) العدد (1)2005 Tishreen University Journal for Studies and Scientific Research- Arts and Humanities Science Series Vol (27) No (1) 2005
جماليات المكان في النقد الأدبي العربي المعاصر
الدكتور عبد الله أبو هيف*
( قبل للنشر في 11/10/2005)
الملخّص
تناول البحث في القسم الأول مآل وحدة المكان في نظرية الأدب وتطوراتها الجمالية والدلالية من التعالق الزمكاني إلى شموليتها للفضاء الأدبي، وتقصى تجليات مفهوم جماليات المكان من خلال التعريب الذي غلب على جهود التأليف في المرحلة الأولى مع بدء انتشار الحداثة في سبعينيات القرن العشرين، تعرفاً على طوابع المناهج النقدية الحديثة، ولا سيما النقد الظاهراتي نداءً لنقد الوعي مع ظواهرية الصور، وانعطافاته إلى الإدراك المعرفي للفضاء أو الحيز الزمكاني. ويمحصّ البحث في القسم الثاني المفهوم وتجلياته في الممارسة النقدية من الفلسفة إلى الأدب بعامة، ثم الأجناس الأدبية، وفي مقدمتها الرواية والقصة ثم الشعر والمسرحية ملامسة للأبعاد الفكرية والرؤيوية في تحليل النصوص وإضاءة مدلولاته من خلال الاتجاهات النقدية الحداثية كالعلامية والتفكيكية والبنيوية التكوينية والتأويلية والجمالية المعرفية. وعالج البحث في القسم الثالث تطورات النقد التطبيقي التي صارت إلى تعدد مفاهيم في الممارسة النقدية من المكان أو بناء المكان وخصوصياته إلى الزمكانية أو الفضاء (الحيز)، وقد تداخلت هذه المفاهيم في الرؤية النقدية لقضايا المكان، وحلل أعمال وخالد حسين حسين (سورية) وإبراهيم جنداري (العراق). وأوجزت الخاتمة مدى التطور النظري والتطبيقي نحو تأصيل مصطلح جماليات المكان في تقاليد النقد الأدبي العربي الحديث من خلال إيراد استخلاصات البحث.
مجلة جامعة تشرين للدراسات و البحوث العلمية _ سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية المجلد (27) العدد (1)2005 Tishreen University Journal for Studies and Scientific Research- Arts and Humanities Science Series Vol (27) No (1) 2005
The Aesthetics of Place in the Modern Arabic Literary Criticism
Dr. Abdullah Abu Haif*
(Accepted 11/10/2005)
ABSTRACT
In the first part, the paper deals with the consequence of the unity of place in the theory of literature and its aesthetic and connotative development of harmony in time and place. It also examines the manifestation of the aesthetic of place through Arabization which dominated composition in the first phase of modernity in the seventies of the twentieth century. It, moreover, recognizes the features of the modern critical methodology, especially the phenomenological criticism, calling for the awareness of the picture and its swerving towards recognition of knowledge of space. In the second part, the research examines the concept and its consequences in the critical practice from philology to literature in general, including the novel, poetry, and drama. It shows the close connection of the intellectual dimensions and the vision of analyzing the text and enlightening their connotation through the modern critical tendencies like simiology, interpretation, deconstruction, structural constitution and knowledgeable aesthetics. In the third part, the research deals with the development of the practical criticism which turns into a variety of concepts in the critical practice of space and place. These concepts overlap in the critical vision of place, and the research analyses the works of Khaled Hussien Hussien (Syria), Ibrahim Gindary (Iraq). The conclusion gives the extent of the practical and theoretical development towards establishing the idiom of the place aesthetics in the traditions of the modern Arabic literary criticism through the returns of research conclusions. تجليات المفهوم من خلال التعريب: عُرف المكان وحدة أساسية من وحدات العمل الأدبي والفني في نظرية الأدب، وعدّت إحدى الوحدات التقليدية الثلاث، ولطالما كانت مثار جدل في تحقق العمل الأدبي والفني في المسرح بالدرجة الأولى، ولم يتجاوزها منظرو الأدب في العصر الحديث، بل صارت إلى ركيزة من ركائز الرؤية وجمالياتها في النظرية الأدبية الحديثة. وكان مفهوم الزمكانية (الزمان /المكان Chronotope) انعطافة في تطوير مفهوم المكان، وقد أطلقه باختين عام 1938 في كتابه «أشكال الزمان والمكان في الرواية»، ويفيد هذا التطور في المفهوم إلى صعوبة الفصل بين الزمان والمكان في شكل العمل الفني، مثلما أوضح باختين في ملاحظاته الختامية على كتابه (المكتوبة عام 1973): «يحدد الزمكان الوحدة الفنية للمؤلف الأدبي في علاقته بالواقع الفعلي. ولهذا السبب ينطوي الزمكان في المؤلّف دائماً على لحظة تقييمية لا يمكن فصلها عن الزمكان الفني الكلي إلا في التحليل المجرد. ذلك أن كل التحديدات الزمانية المكانية في الفن والأدب لا ينفصل أحدها عن الآخر، وهي دائماً ذات صبغة انفعالية تقييمية. يستطيع التفكير المجرد طبعاً أن يتصور الزمان والمكان كلاً على حدة ويغفل لحظتهما الانفعالية التقييمية. لكن التأمل الفني الحي (وهو أيضاً نابض بالفكر، إنما الفكر غير المجرد) لا يفصل شيئاً، ولا يغفل شيئاً. إنه يلّم بالزمكان في كل تماميته وامتلائه. إن الفن والأدب مخترقان بقيم زمكانية من مختلف الدرجات والأحجام. وكل موضوع جزئي وكل لحظة مجتزئة من المؤلّف الفني هي قيمة من هذه القيم»( ). غير أن جهود باختين النقدية ظلت مغمورة حتى ستينيات القرن العشرين لأسباب كثيرة لا مجال الآن لمناقشتها، ثم انتقلت إلى الغرب في السبعينيات اللاحقة، ويشير «دليل الناقد الأدبي» (لمؤلفيه د. ميجان الرويلي ود. سعد البازعي ـ السعودية) إلى بعض التباس في معرفة هذا المفهوم لدى باختين بالنظر إلى تعريب المفاهيم عن اللغة الإنجليزية سواء في تسمية الكتاب بمقال، أو ذكر اسم المقالة، وهما مختلفان عنهما باللغة الروسية، أو في دقة علاقة المفهوم بالعلاقة الرياضية، وتعرف باختين إلى استخدامه.. الخ( ). ثم تعزز مفهوم المكان المجرد مفارقاً للمرجع أو الواقع ومستغرقاً في تخييله مع شيوع النظرة العلمية في الأدب وممارستها بجسارة وعمق واتساع مع نماذج التخييل الأدبي القائم على تشابك علائق المنظور الفني بعامة والسردي بخاصة باستخدام النظرية النسبية وتعدد المنظورات إلى حد «التشويه» الذي يجد تسمية لاحقة له هي «التشظي»، وظهر مثل هذا المفهوم المجرد عند تعريب روايتي وليم فولكنر «الصخب والعنف» (1960) و«رباعية الإسكندرية» (1960-1963) ظهرت ترجمة الجزأين الثالث والرابع في أواخر الثمانينيات. ولا شك في أن مقالة جبرا إبراهيم جبرا (فلسطين) عن رواية فولكنر (1960)( )، وكتاب رمسيس عوض (مصر) «دراسات تمهيدية في الرواية الإنجليزية المعاصرة» (1970) قد أثارتا ما هو كامن في ضرورة استعمال النظرة العلمية في الأدب مما يتيح تطويراً في فهم المكان في الأدب والفنّ. وشهد المفهوم تطورات جذرية في المناهج النقدية الحديثة، ولاسيما النقد الظاهراتي (Phenomenological Criticism) الذي يقوم على تحليل الوعي وقد استبطن الأشياء فتحولت إلى ظواهر، وكان أبرز مطوري هذا النقد غاستون باشلار وجان بيير ريشار وجيلبير ديوران في النقد الفرنسي الذي سرعان ما انتشر في خريطة النقد الأدبي الحديث. وقد أطلق باشلار نظريته عام 1938 في كتابه «التحليل النفسي للنار»، واتبعه بكتبه الأخرى، ومنها «شعرية المكان» (1957) (وقد ترجمه غالب هلسا (الأردن) عن الإنجليزية عام 1980 بعنوان «جماليات المكان»، وافتتحت به سلسلة كتاب «الأقلام» الصادرة عن دار الشؤون الثقافية ببغداد). كان الانتشار الأوسع لهذا الفهم المتطور للمكان وجمالياته في النقد الأدبي العربي الحديث إثر تعريب كتاب باشلار، وقدم له هلسا بمقدمة عن أهمية هذا الكتاب الاستثنائية في علم الجمال والنقد، لأن المكانية «تتصل بجوهر العمل الفني، وأعني به الصورة الفنية. وإذا عدنا لمصطلحي العالمية والكوزموبوليتانية. فسوف نرى أن الأدب العالمي هو الذي يتمّ التعبير عنه بالصورة، بينما يعبّر عن الأدب الكوزموبوليتاني بالزخرفة: الاستعارة والكناية والمجاز وغيرها. وأن الأول ينقل تجربة، في حين أن الثاني يعبّر عن فكرة»( ). وأوضح هلسا أن النقطة الأساسية التي ينطلق منها المؤلف هنا هي أن البيت القديم، بيت الطفولة، هو مكان الألفة، ومركز تكيف الخيال. وعندما نبتعد عنه نظل دائماً نستعيد ذكراه، ونسقط على الكثير من مظاهر الحياة المادية ذلك الإحساس بالجمالية والأمن اللذين كان يوفرهما لنا البيت. أو هو البيت القديم، كما يصفه باشلار، عندما «يركز الوجود داخل حدود تمنح الحماية». إننا نعيش لحظات البيت من خلال الأدراج والصناديق والخزائن التي يسميها باشلار «بيت الأشياء». العش يبعث إحساسنا بالبيت، لأنه يجعلنا «نضع أنفسنا في أصل منبع الثقة بالعالم... هل كان العصفور يبني عشه لو لم يكن يملك غريزة الثقة بالعالم»؟. القوقعة تجسد انطواء الإنسان داخل المكان في الزوايا والأركان، لأنّ فعل الانطواء ينتمي إلى ظاهراتية فعل «يسكن»( ). وهذا ما دعا هلسا إلى تعريف الظاهراتية واستعمال باشلار لها، والفكرة المركزية فيها هي قصدية الوعي، أي أنه متجه دوماً إلى موضوع من الذاتية، فلا يوجد موضوع دون ذات، ويؤيد ذلك الاختزال المفارق في موضوع المعرفة، فهو ليس موضوعاً واقعياً، بل هو وعي مفارق. أما ظاهراتية باشلار فمنهج يصلح لدراسة موضوع الخيال بابتعاث الجمال والمعرفة من تركيبية النص، نحو إلغاء «موضوعية الظاهرة المكانية ـ أي كونها ظاهرة هندسية، ويحل محلها ديناميته الخاصة ـ المفارقة ـ وعندما يتحول الخيال إلى شعر فهو يلغي السببية ليحل محلها التسامي المحض»( ). وقد ترسّخ هذا المنهج في النقد الأدبي الحديث كما تؤكد غالبية دراسات النقد الأدبي في القرن العشرين، فخصص جان إيف تادييه في كتابه الشامل والمرجعي «النقد الأدبي في القرن العشرين» فصلاً لنقد الخيال الذي نمّاه باشلار ولا يفترق هذا الاتجاه عن النقد الجمالي المعرفي، وغدا منهجاً له تلويناته المختلفة انطلاقاً من تطوير نقد الوعي بإدخال خيال المادة من خلال ظواهرية الصور التي «لا تحلل الموضوع، بل الدوي، أو تحلل التكرار، إنما الظاهرة الفردية من نوعها والتي لا يهيؤها أحد. إن النقد الباشلاري يعيد اكتشاف عالم هو عالم روح الفنان الذي يريد أن يعيش، وذلك انطلاقاً من صورة»( ). ووجد صاحبا «دليل الناقد الأدبي» المشار إليه آنفاً، تأثيراً كبيراً للنقد الظاهراتي (Phenomenological Criticism) واستعمال باشلار في تطويره، ففي مقالة عنوانها «بويطيقيا الفضاء» يكرّس باشلار تحليله للصورة الشعرية وحدها مشيراً إلى أن تحليله يندرج تحت ما يسميه «ظاهراتية المخيلة» بوصف الظاهراتية المنهج الأنسب للتحليل «العبر ـ ذاتي» ـ أي بين ذاتين، ذات الكاتب وذات القارئ، ثم يضيف أن هذه الظاهراتية تنطوي على نوع من التناص الظاهري هو أن بإمكان «الصورة في بعض الحالات غير العادية أن تكون مركز احتشاد لذات بأكملها»( ). على أن مصطلح المكان والمكانية والزمكانية قد تطور أيضاً بتأثير علم السرد ولا سيما إنجازات غريماس إلى مصطلح الفضاء في الانفتاح أو الحيز في التحديد والتضييق والاتساع والشمولية وتداعياتها النصية، والفضاء الروائي هو «الحيز الزمكاني الذي تتمظهر فيه الشخصيات والأشياء متلبسة بالأحداث تبعاً لعوامل عدة تتصل بالرؤية الفلسفية وبنوعية الجنس الأدبي وبحساسية الكاتب أو الروائي»، كما يوضح منيب محمد البوريمي (المغرب) في كتابه «الفضاء الروائي في الغربة: الإطار والدلالة» (بغداد 1987). ويفيد المنهج العلامي (السيميائي) في تحليل السرد مثل هذا التطور في فهم الزمكانية نحو مصطلح الفضاء المستند إلى إنجازات ورثة بروب، ويتقدمهم العالم السوفييتي يوري لوتمان الذي عالج المكان ودلالاته في كتابه «بناء العمل الفني» (المترجم إلى الفرنسية عام 1976). وقد قامت سيزا قاسم دراز (مصر) بتعريب الفصل المتعلق من الكتاب بـ«مشكلة المكان الفني»، وقد انطلق لوتمان «في تحليله للمكان الفني من مقولة أساسية مؤداها أن اللغة هي النظام الأولي لتحويل العالم إلى أنساق، وكما أسلفنا، فإن اللغة ليست قائمة من التسميات، ولكنها مجموعة من العلاقات الخاضعة لقواعد وقوانين. وبالإضافة إلى اللغة فقد أبدعت الثقافة البشرية أنظمة وأنساقاً أكثر تعقيداً، قد تستخدم بعضها اللغة الطبيعية مادة لها (الأدب، الأديان، الفلسفة.. الخ)، وقد تستخدم بعضها مواد أخرى (الصورة في المقام الأول)، ولكنها تستعين بنظام اللغة وطرائق تشكيلها. وقد اهتم لوتمان اهتماماً بالغاً بالفنون بوصفها أنظمة منمذجة، أنظمة تخلق أنساقاً دلالية.. ونظر لوتمان في إطار التحدث عن المكان الفني إلى العمل الفني نظرة خاصة: فالعمل الفني مكان محدد المساحة (اللوحة الفنية أو التمثال أو القصيدة أو الرواية)، فمن جانب يشغل العمل الفني حيزاً معيناً في الكون الفسيح، ولكنه من جانب آخر، وهذه هي خاصيته الجوهرية، يمثل في هذا الحيز المحدود حقيقة أوسع منه وأشمل هي العالم اللامتناهي. ويتم هذا التمثيل من خلال مجموعة من القواعد المتفق عليها ضمناً، هي التقاليد الفنية، وهذه القواعد هي أساس النظام المنمذج. فنجد مثلاً ـ أن قوانين المنظور في الرسم تمكن الفنان من تمثيل العالم المحسوس ذي الأبعاد الثلاثة على قماش اللوحة ذات البعدين فقط.. فاللامتناهي يصبح عند معظم الناس مكاناً متسعاً جداً، ومن ثم ترتبط كثير من القيم المجردة بأحداثيات مكانية محسوسة»( ). لقد صار مفهوم «جمالية المكان» واضحاً في النقد الأدبي العربي الحيدث بتأثير المناهج النقدية الحديثة وتعريبها واشتغال المترجمين على هذا المفهوم، بوصفهم مشتغلين على تنظيره وتطبيقاته في الوقت نفسه، وفي مقدمتهم غالب هلسا.
تجليات المفهوم في الممارسة النقدية: ربما كانت دراسة حسين مجيد العبيدي «نظرية المكان في فلسفة ابن سينا» (1987)، هي الأولى من نوعها في بحث المنظور الفلسفي للمكان، بينما ظهرت العناية النقدية والأدبية الأولى في المكان في دراسة عبد الوهاب زغدان «المكان في رسالة الغفران: أشكاله ووظائفه» (1985)، وهي توصيف للمكان يتصل بالخصوصيات الثقافية. كان بحث غالب هلسا (الأردن) «المكان في الرواية العربية» الأول في بابه إثارة لأسئلة جماليات المكان بعامة، وضمن الفهم الباشلاري بخاصة، على الرغم من تواضعه بالقول إن دراسته «مجموعة من الانطباعات»( )، وربّما لأنّه مكتوب دون مراجع، إذ عمد إلى إعادة النظر فيه في كتابه «المكان في الرواية العربية» (دمشق 1989)، فرأى هلسا المكان، معزولاً عن الزمان والحركة، ووجد «أن المكان هو العمود الفقري الذي يربط أجزاء الرواية ببعضها البعض. ولكنني بعد قليل من التأمل يتبين لي عقم هذه الاستعارة»( ). وعاين مسألة تحديد قومية خاصة للمكان الروائي كالمكان العربي بوصفه مكاناً أمومياً، ثم وضع ثلاثة عناوين لاستيعاب النمط الكافي في غالبية الروايات العربية، وهي المكان المجازي كما في رواية الفعل المحض، والمكان الهندسي، وعنى به المكان الذي تعرضه الرواية من خلال وصف أبعاده الخارجية بدقة بصرية وحياد، ويحرم فيه القارئ من استعمال خياله، «والواقع، برأي هلسا، أن مثل هذا المكان نادر الوجود في الرواية العربية، فالرواية العربية قد نشأت كامتداد للرواية الأوربية، وقد كان أثر الرواية الأوربية قوياً إلى حدّ أن تقاليدها المكانية فرضت نفسها على الرواية العربية، وبهذا قطعت الرواية العربية روابطها مع التراث المكاني في الأدب العربي»( )، ولا مجال هنا لمناقشة مثل هذا التعميم في الرأي. أما النمط الثالث فهو المكان المعادي مثل مكان الغربة أو المنفى، و«يتخذ هذا المكان صفة المجتمع الأبوي بهرمية السلطة في داخله وعنفه الموجه لكل من يخالف التعليمات وتعسفه الذي يبدو وكأنه ذو طابع قدري». وقد أراد هلسا من دراسته أن يضيف إلى «المكان المعادي، المكان الهندسي المعبر عن الهزيمة واليأس. ولكن هذا المكان ينقصه رد الفعل الإنساني الذي يقيم مكاناً ـ ضداً (وهو ذكرى مجتمع الأمومة) في مواجهة هذا المكان المعادي»( ). وظهرت في نقد هلسا الأبعاد الفكرية والرؤيوية في تحليل النصوص دون التزام منهج نقدي حداثي باشلاري أو سواه. ثم انتشر بعد ذلك الولع بدرس المكان وجمالياته وشعريته حسب الممارسة النقدية لهذا الناقد أو ذاك، فوضع عبد الوهاب زغدان (تونس)، كما أشرنا، كتابه «المكان في رسالة الغفران: أشكاله ووظائفه» (صفاقس 1985)، وعالج ياسين النصير (العراق) «إشكالية المكان في النص الأدبي» (بغداد 1986)، ولا يلتزم فيه أيضاً، شأن هلسا، بمنهج معين، ويتضح ذلك بجلاء في كتابه اللاحق «جماليات المكان في شعر السياب» (دمشق 1995)، فقد غلبت على لغته النقدية خصائص من التحليل والتأويل على صيغة القراءة التاريخية الشارحة كما في هذه الخلاصة: «هذا الإطار الجغرافي هو إطار شعري ـ قصصي موروث لا وعي جمعي تكوّن عبر ممارسات أقوام عاملة. وتجمع فيه الماضي بأسراره وخفاياه وأساطيره وحروبه وغزواته وانتصاراته وفتوته والحاضر بما يمتلكه من قوة مدّ ودفع وإدامة وتغيير»( ). ويفصح نقده عن أسلوبية التحليل القائم على التأويل اللغوي الشارح. وأثار عبدالملك مرتاض فكرة الحيز أو الفضاء في نقده التطبيقي لأول مرة بمثل هذا العمق والشمولية، ولاسيما كتابه «ألف ليلة وليلة: تحليل سيميائي تفكيكي لحكاية حمّال بغداد» (الجزائر 1993)، وقد استفاد في تحليله من إنجازات علم السرد عند جينيت على وجه الخصوص. وبدأ تحليله بأن حكايات ألف ليلة وليلة أزخر الآثار الإنسانية بالتنوع في الحيز والتنوع في الفضاء والغرابة في المكان، ويلاحظ التقارب بين ألفاظ «الحيز» و«الفضاء» و«المكان» في تطبيقه النقدي. ولعل مفهوم «الحيز» عنده مماثل لمفهوم «الفضاء»، وإن وجد في «الحيز» قابليات تحديده لفضاءات النص المكانية، فقد درس الحيز من عدة مستويات هي الحيز الجغرافي والحيز الشبيه بالجغرافي والحيز المائي والحيز المتحرك والحيز التائه والحيز الخرافي والحيز العجيب الغريب، على أنه لم يقصر الحيز على أطره المتعددة والمتنوعة، بل نظر إليه ضمن المنظور السردي برمته، بوصفه حركة بالنسبة لأهم الشخصيات المركزية في هذه الحكاية، فوجد «أن حيز ألف ليلة وليلة طليق واسع لا يكاد يشكو من ضيق ولا من انحصار، فالعفاريت تحيّز فضاءها وحيزها في حرية مطلقة، (لنلاحظ التقارب بين اللفظين!) كما نجدها قادرة كلّ القدرة على الغوص في أعماق الأرض واتخاذها مثوى جميلاً للعشيقات المختطفات شأن العفريت جرجريس»( ). ورأى مرتاض أن الحكايات «تميل إلى اصطناع الحيز المستحيل والحيز البعيد الذي لم يره أحد قط كجبل قاف العجيب الذي نجده يتردد في هذه الحكاية عدة مرات، وهو يذكر في موطن القدرة على الوصول إلى هذا الحيز العجيب الذي تتحدث عنه الحكاية الخرافية والكرامات الصوفية، فهو حيز مستعصم إلا على عتاة العفاريت، وأكابر الأولياء من الأقطاب والإبدال. فأكبر خاصية إذن يختص بها هذا الحيز في ألف ليلة وليلة هي التحييز الأسطوري، لا التحييز الجغرافي أو المكاني، أي الحيز المستحيل الذي يكون فوق طاقة البشر»( ). لقد كان مرتاض أميناً لمنهجه المعلن الذي يأخذ ببعض معطيات النقد: السيميائي والتفكيكي، وقد مارسه فيما بعد في كتب عديدة مثل «النص الأدبي: من أين؟ إلى أين؟» (الجزائر 1983)، و«تحليل الخطاب السردي: معالجة تفكيكية سيميائية مركبة لرواية زقاق المدق» (الجزائر 1985)، و«مقامات السيوطي» (دمشق 1996)، و«في نظرية الرواية: بحث في تقنيات السرد» (الكويت 1998)، و«الكتابة من موقع العدم: مساءلات حول نظرية الكتابة» (الرياض 1999)...الخ. وعني غسان إسماعيل عبد الخالق (الأردن) بمشكل المكان في الرواية متلازماً مع تقنية السرد وتيار الوعي في روايات جمال ناجي أنموذجاً في كتابه «الزمان، المكان، النص: اتجاهات الرواية العربية المعاصرة في الأردن 1980-1990» (بيروت 1993)، غير أن تحليله للروايات المدروسة لا يولي مشكل المكان أهمية خاصة كمثل قوله: «إن المكان أفق يمتد، والزمان والإنسان فعلان يتصاعدان ثم يتقاطعان عند لحظة تفجر عارمة، هي ما يحتفظ لنا به التاريخ، وهكذا يتقادم بنا الزمان رويداً رويداً في «مخلفات الزوابع الأخيرة» على إيقاع حياة ثلاثة أجيال»( ). وغلب على تحليل عبد الخالق عنايته بالسرد وبمنظوره، أما المكان وجمالياته فلا يتعدى الإشارات العامة، شأن العناصر السردية الأخرى، كالإشارة إلى أن الكاتب أراد «أن يعبر عن لحظة التحول التاريخي للطبقة المتوسطة من شرائح معدمة من أية امتيازات تدفعها للدفاع عن وجودها، إلى طبقة برجوازية ذات امتيازات تدفعها للصراع من أجلها، ليجعل من هذا التحول لحظة التفجر المأساوي الناجم عن تقاطع خطي الزمان والمكان»( ). ودرس شاكر النابلسي (الأردن)، وهو معروف بمحاولاته المتعددة لتطبيق المناهج الحديثة في نقده التطبيقي من المنهج الإتباعي في دراسته لقصص تشيخوف «النهايات المفتوحة» إلى تلوينات المناهج المختلفة في دراساته التالية الكثيرة، في كتابه «مدار الصحراء: دراسة في أدب عبد الرحمن منيف» (بيروت 1993) جماليات المكان وتشكيلات الزمان من خلال معالجته لعلاقة المكان بالزمان وبطولة المكان، وجمالياته ووظيفته، على أنه جاوز في تطبيقه النقدي إشكاليات المصطلح مؤثراً الاعتماد على التمازج بين حدود فهمه التقليدية والمستحدثة كقوله الافتتاحي: «يمثل المكان والزمان في الرواية وحدة عضوية واحدة لا تنفصم، ثم تأتي الحركة بعد ذلك، لتكمل هذه الوحدة، وتضفي عليها الحياة. فالمكان بدون حركة لا يصبح مكاناً وإنما قطعة أرض فضاء. فالذي يعطي المكان حياته هي الحركة. والمكان هو ذلك البقعة من الأرض أو المبنى الذي يُمكّن للإنسان على الأرض، أي أن يجعله مكيناً قادراً على الحياة على الأرض»( ). ولعل مثل هذا الكلام إنشائي قد يتواشح مع مفهوم المصطلح، ولكنه شتيت الصوغ والدلالة. واستخدم حميد لحمداني (المغرب) مصطلح «الفضاء»، ونظّر له مستنداً إلى إنجازات علم السرد إياه في كتابه «بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي» (بيروت ـ الدار البيضاء 1993)، وقد سبق له أن عالجه في بحثه «فضاء الحكي بين النظرية والتطبيق» (المنشور في مجلة «دراسات أدبية ولسانية» ـ عدد 3 ـ 1986)، وذكر الآراء المختلفة المتصلة بالمصطلح: - الفضاء كمعادل للمكان (الحيز المكاني). - الفضاء النصي وهو الحيز الذي تشغله الكتابة باعتبارها أحرفاً طباعية على مساحة الورق، ويشمل ذلك طريقة تصميم الغلاف ووضع المطالع وتنظيم الفصول وتغيرات الكتابة المطبعية وتشكيل العناوين وغيرها. - الفضاء الدلالي، مما له بالصور المجازية ومالها من أبعاد دلالية حسب جينيت. - الفضاء كمنظور أو كرؤية، مما يشبه زاوية النظر التي يقدم بها الكاتب أو الروائي عالمه الروائي حسب كريستيفا. ويأخذ مفهوم الفضاء أربعة أشكال هي الفضاء الجغرافي وفضاء النص والفضاء الدلالي والفضاء كمنظور. وميّز بعد ذلك تمييزاً نسبياً بين الفضاء والمكان، فالفضاء شمولي يشير إلى المسرح الروائي بكامله، «والمكان يمكن أن يكون فقط متعلقاً بمجال جزئي من مجالات الفضاء الروائي»( )، غير أن المكان شديد الأهمية كمكون للفضاء الروائي، لأن «الأمكنة، بالإضافة إلى اختلافها من حيث طابعها ونوعية الأشياء التي توجد فيها تخضع في تشكلاتها أيضاً إلى مقياس آخر مرتبط بالاتساع والضيق أو الانفتاح والانغلاق، فالمنزل ليس هو الميدان، والزنزانة ليست هي الغرفة، لأن الزنزانة ليست مفتوحة دائماً على العالم الخارجي بخلاف الغرفة، فهي دائماً مفتوحة على المنزل، والمنزل على الشارع، وكلّ هذه الأشياء تقدم مادة أساسية للروائي لصياغة عالمه الحكائي، حتى أن هندسة المكان تساهم أحياناً في تقريب العلاقات بين الأبطال أو خلق التباعد بينهم»( ). وختم لحمداني حديثه بأن النظرية البنائية (البنيوية) لم توضح جميع القضايا المتصلة بهذا الموضوع، ولعله على حقّ لأنّ ورثة بروب هم الذين طوروا علم السرد منطلقين من البنيوية وما يجاورها. وخصص صلاح الدين بوجاه (تونس) الباب الأول من كتابه «للواقعية الروائية: الشيء بين الوظيفة والرمز» (بيروت 1993) للمكان والزمان والبعد الثالث، ومهد لبحثه بالتأمل المتأني لخصائص المكان والزمان والصلة بينهما ولصلتهما بالإنسان محور الأشياء ومحوّرها والفاعل فيها من خلال التالية: أ- فلسفة التأثيث وما تحمله من إيحاءات زمنية جلية. ب- الداخل والخارج مما هو كامن لدى الإنسان أوحاف به. حـ- الشرق والغرب إشارة إلى نوعية الرؤيا الحضارية. د - الجنوح إلى الهرب عبر نوع من الأشياء القادرة على إحداث التحول الزماني والمكاني أو الحاملة لإيحاءات لا مكانية ولا زمانية. ثم عالج ذلك في روايات «جولة بين حانات البحر المتوسط» لعلي الدوعاجي (تونس) و«زقاق المدق» لنجيب محفوظ (مصر) و«الشراع والعاصفة» لحنا مينة (سورية) و«موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح (السودان) و«فساد الأمكنة» لصبري موسى (مصر)، فقد انطلق بوجاه من «أن تحتمل الأشياء الدالة مكانياً وزمانياً مكانة هامة في إطار الأغراض المدرسة والأحداث المسرودة والشخصيات المتفاعلة. وغالباً ما تلمس سمات المكان من خلال الوصف وسمات الزمان»( ). ويلفت النظر أن بوجاه ممعن في النقد التطبيقي المشبع بحداثية منهجية علامية (سيميائية) مؤطرة بعلم السرد بالدرجة الأولى، فثمة نفور من التنظير والاستغراق في النقد النظري، كما تكشف عنه خاتمة الباب على سبيل المثال: «وهكذا يغدو التوازي جلياً بين العالمين الداخلي والمرجعي عبر المكانين والزمانين الداخليين والمرجعين مما يشي بأن عملية القص ليست مجرد تحليق في الخيال عبر أحداث متصورة، إنها في جوهرها إشراف على الخيال قصد معانقة الواقع عبر فهمه والوقوف على خصائصه منعكسة في مرآة الفنّ. وهكذا يكون في الإمكان أن نفترض أنّ وظيفة الأيام؟ في صلب الإبداع الروائي تتألف مع وظيفتها في صلب الواقع المرجعي!»( ). ووضع شاكر النابلسي (فلسطين) كتابه التطبيقي الشامل «جماليات المكان في الرواية العربية» (بيروت 1994)، وطبّق فيه ظاهراتية باشلار على روايات غالب هلسا السبع على نحو تعليمي وتبسيطي، وجعل كتابه تحية لذكرى هلسا، ومهد له بتسويغ نقدي يستند إلى غنى روايات هلسا بجماليات المكان، واهتمامه الكبير بالمكان الروائي وجمالياته، وتوافر الأمكنة الروائية في رواياته بشكل كافٍ، فقد اتجهت معظم الدراسات النقدية العربية حتى حينه على جماليات المكان عند نجيب محفوظ إلى حدّ مفرط، وثمة تعميم آخر في هذا الحكم النقدي، لأن القليل من النقد الخاص بروايات نجيب محفوظ قد عالج المكان وجمالياته واستنطق النابلسي أمكنة كثيرة في روايات هلسا، ومدّ منهجه التبسيطي الشارح إلى شطط في التأويل كما هو الحال مع هذا التحليل النهائي لمقطع في ختام الفصل الأخير: «وهذا المقطع، لا يقدم لنا جماليات زمن أو مكان، بقدر ما يقدم لنا جماليات حالة. حالة العالم العربي، كما رآها هلسا في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وكما نراها نحن الآن في التسعينيات بفعل هذا الجليد الذي له لون الطحين المتعفن، الذي تنوء تحته ليست أوراق الحشائش المرهقة فقط، ولكن أيضاً الأشجار العالية، التي لم تعد تموت وهي واقفة في عصر الجليد العربي الذي امتد طويلاً، وما زال مستمراً في عروضه وألعابه المختلفة»( ). ولربما كان مثل هذا التحليل أقرب إلى الإنشاء اللغوي والخواطر الذاتية حول الأوضاع العامة العربية، لأنه تعسف ظاهر في تأويل النص. وعالج صلاح صالح (سورية) باتساع «قضايا المكان الروائي في العربي المعاصر» (القاهرة 1997)، ونشر قبل عام من تاريخه القسم الثاني التطبيقي من أطروحته السابقة بعنوان «الرواية العربية والصحراء» (دمشق 1996) ضمن متواتر القول في المناهج النقدية الحديثة حول المكان في الرواية، وفعل ذلك منصور نعمان نجم الدليمي (العراق) في مجال المسرح، في كتابه «المكان في النص المسرحي» (إربد 1999). وأشارت دراسة صلاح صالح إلى انتشار جماليات المكان في النقد الأدبي العربي الحديث ضمن عمليات ترسيخ منهجية النقد الجمالي المعرفي، على الرغم من عدم إطلاعه الكافي على وفرة الدراسات المتعلقة بالمكان الروائي، حين حكم على ندرتها في كتابه (ص12)، وكانت دراسته في كتابيه المشار إليهما الأشمل عن جماليات المكان في الرواية العربية حتى حينه، فعاين الانتقال من المكان إلى المكان الروائي، ودرس أبعاد المكان الفيزيائي، والرياضي ـ الهندسي، والجغرافي، والزمني التاريخي، والذاتي ـ النفسي، والواقعي ـ الموضوعي، والفلسفي ـ الذهني، والتقني ـ الجمالي. وأردفها بتحليل تقابلات ثنائية وتقاطعات المكان مثنوياً للتعمق في فهم جماليات المكان مثل التوسيع والتكثيف (المساحة والصغر)، والثراء والفقر (التزايد والتناقص)، والخارج والداخل (الظهور والتواري)، لتبيان تقاطع الواقعي بالخيالي، والتقاطع الجهوي، وتقاطع سطح وعمق، وتقاطع حياة وجهاد، وتقاطع حركة وسكون، مما أضاء علاقة المكان الروائي بالزمن والشخصيات من خلال تعالقات: المكان ثابت والزمن متحرك، المكان متحرك والزمن ثابت، المكان متحرك والزمن متحرك، إخضاع المكان لعوامل الزمان وإخضاع الزمان لعوامل المكان، إسهام المكان في تشكيل الشخصيات، الشخصيات تحرّك المكان وتشكلّه. وثمة أمر في غاية الأهمية في الدراسة هو التوكيد على «اجتزاء الأمكنة وعزلها عن سياقية وجودها في كليّة العمل الروائي لا يمكن إجراؤهما ما لم يتم التطرق إلى باقي العمل بالطبع، ولكن طبيعة الدرس المتوجه إلى التخصص، أو بالأحرى، إلى شيء من الإسراف فيه، يقتضي شيئاً من ممارسة العسف في إهمال الجوانب غير المعنية بالتناول، ويبدو أنه عسف لابدّ منه، مهما بلغ بنا الوعي بضرورة التعامل مع العمل الفني في كليته» . وقد حاول صلاح صالح أن يبرهن عن هذا المنزع التحليلي الشامل لكلية العمل في إرفاق التنظير بالتطبيق على روايات عربية كثيرة هي مادة تحليل مكانية الصحراء في كتابه الثاني «الرواية العربية والصحراء»، فما غاب عن فصول كتابيه المسعى إلى تحليل كلية العمل الروائي للإفصاح عن جمالية المكان فيه. وقرن صالح تقصي جماليات المكان الروائي بالوعي أو المعرفة تركيزاً على الدلالات العامة للمكان، وما تحمله من رؤى ورؤيا عربية مشتركة، وكشف عميقاً عن الصحراء مكاناً متحركاً بالسراب، أو تلوين الصحراء، أو الارتحال فيها، أو الرمال المتحركة، أو زحف الصحراء، أو زراعته، ومدى مطلقية الصحراء كما هو الحال أيضاً مع روايات غير عربية تتعرض للصحراء. ورأى صالح، وهذا أمر في غاية الأهمية أيضاً أن درس جماليات المكان يندغم في تأصيل الهوية لدى الإمعان في المكونات البيئية والخصائص المحلية، وقد «كانت الروايات العربية اليت اعتمدت الصحراء مكاناً، كلياً أو جزئياً، في طليعة الروايات العربية المتقدمة فنياً، والأكثر تمثيلاً لما يصبو إليه الروائيون والقراء العرب من إيجاد رواية عربية خالصة شكلاً ومحتوى، واستطاع بعضها أن يحتضن النوى الضرورية لإنجاز خصوصيتها القومية، وينضم إلى اللبنات الأولى في تحقيق نظريتها المرجوة»( ). ويلاحظ أن المفهوم قد تأصل في النقد الأدبي العربي الحديث مجاوزة لمجرد التعريب وخوضاً في عمليات التنظير والتطبيق بما يسهم في تحقق الهوية ولا سيما إثراء الخصوصيات الثقافية والمحلية والبيئية التي تستند إلى المكان في تشكلاتها الجمالية والمعرفية.
تطورات النقد التطبيقي: صار مصطلح «المكان» تعدد مفاهيم في الممارسة النقدية إضاءة لمنظورات استخدامه من المكان أو بناء المكان إلى الزمكانية ثم الفضاء (الحيز)، وغالباً ما تتداخل هذه المفاهيم في الرؤية النقدية لقضايا المكان، واختار في هذه المقالة بعض النماذج الدالة على تطور ممارسة المصطلح وتداخلاته، ولعل كتاب سمر روحي الفيصل (سورية)، وعنوانه «بناء الرواية العربية السورية 1980-1990» (دمشق 1995) هو الأكثر تمثيلاً لهذه الممارسة التي ستغدو شائعة على أقلام النقاد والباحثين. خصص الفيصل لبناء المكان الروائي فصلاً طويلاً من كتابه (ص247-285)، انطلق فيه من تعريف المكان لغوياً إلى مفهوم البنيويين لهذا المكون الروائي قبل الانتقال إلى تحليله في الرواية العربية السورية. وبدأ الفيصل بالإقرار أن هناك آراء واجتهادات وأسساً اعتمدها النقاد الشكليون، وجعلوها عماد نظرتهم إلى البنية المكانية في الرواية، فليس هناك، في حدود علمه، نظرية بنيوية محددة متكاملة للمكان الروائي، ثم ميّز بين المكان الطبيعي والروائي، وعاين المكان ووصفه، والمكان الروائي وعلائقه بالفضاء الروائي، وفصلّ القول في بناء المكان الروائي، لأن «الاجتهادات النظرية الخاصة بشعرية المكان (أو جماليته لدى باحثين ونقاد ومترجمين آخرين) لم ترسّخ إجراءات واضحة محددة يستطيع الناقد الاستناد إليها في أثناء تحليله بناء المكان الروائي، ومن ثم كانت هناك اجتهادات تطبيقية عدة، منها تحديد أنواع المكان وأبعاده. وقد اقترنت الأنواع والأبعاد لدى النقاد بصفات معينة، فكان هناك مكان موضوعي ومفترض ومجازي وهندسي ومعاد وتجربة معيشة وجاذب وطارد وأليف، وهناك أيضاً مكان ذو بعد و احد، وآخر متعدد الأبعاد، وثالث تاريخي أو نفسي أو واقعي أو تعبيري أو ذاتي، ولا تخرج هذه الأنواع والأبعاد عن أن تكون صفات للأمكنة الروائية، يمكن اجتماعها كلها في رواية واحدة من غير أن يعين هذا الاجتماع على تحليل بناء المكان في هذه الرواية، ذلك أن جمالية المكان لا تتجسد بتسمية الأمكنة الروائية وتحديد أبعادها وإطلاق صفات مفردة عليها، بل تتجسّد بوساطة الطريقة الفنية التي تقدم أمكنة مرتبطة بالحوادث والشخصيات والمنظورات، قادرة على تشييد فضاء روائي نابض بالحركة والحياة والدلالة»( ). ولاحظ الفيصل أن «تحليل المكان في الرواية يقود إلى تحديد طبيعة الفضاء الروائي فيها، لأنّ الفضاء أكثر شمولاً واتساعاً من المكان، فهو أمكنة الرواية كلّها، إضافة إلى علاقاتها بالحوادث ومنظورات الشخصيات، حتى إن الروائي الذي يقصر حدثه على مكان واحد وإن بدا ظاهره مغلقاً عليه وحده، وهناك روايات يدلّ ظاهرها على أنها تطرح فضاءات عدة، ولكن التدقيق فيها يدلّ على أنه يمكن التمييز بين فضاء مركزي وفضاءات فرعية تشكّل شبكة علاقات متداخلة معقدة»( ). ثم عالج الفيصل بناء المكان وتسميته وصورته وبناء الفضاء الروائي، وخلص إلى القول: «إن صور المكان كثيرة في الرواية السورية، ولكنها غير مفضية إلى الفضاء الروائي. أما الروايات السورية التي نجحت في بناء الفضاء الروائي فقليلة»( ). لقد صار درس المكان من منظورات المناهج النقدية الحديثة كلياً أو جزئياً غالباً على النقد التطبيقي العربي خلال العقد الأخير، ولا سيما نقد السرديات، فعدّ سعيد الحنصالي في كتابه «بداية ونهاية: قراءة وتحليل» (الدار البيضاء 1995) المكان مكوناً من مكونات التحليل السردي مثل الزمن والمنظور مستعيداً الإشارات عن المكان في كتاب سيزا قاسم (مصر) «بناء الرواية» (1985)، وركز على ارتباط المكان في الرواية بالوصف باعتباره محاولة لتجسيد مشهد من العالم الخارجي في لوحة مصنوعة من الكلمات، والوصف أنواع: نوع تفصيلي ونوع انتقائي»( ). وقد اعترف الحنصالي في تركيبه الختامي لتحليل فكرة المكان أنه قدم مفاهيم وأمثلة ممهدة «لتوسيعات وتمثيلات ممكنة لن تعجز عنها قدرات المتلقي النبيه»( ). وعمد محمد الحسن ولد محمد المصطفى (موريتانيا) إلى الاستفادة من معطيات المنهج البنيوي والعلامي (السيميائي) في تحليل مكون المكان في الرواية في كتابه «الرواية العربية الموريتانية: مقاربة للبنية والدلالة» (القاهرة 1996)، على أن استمداده لهذه المعطيات تبسيطي يتجنب فيه التأطير النظري استغراقاً في محاولة التطبيق الممتزج بانطباعية لا تخفى كقوله: «إن وسيلة إدراك المكان هي الإحساس، ويحضر في الرواية عن طريق استعراض التجليات المكانية المختلفة ووصفها.. غير خاف ما للمكان من أهمية تضاهي الزمن بل إن المكان عنصر يشرط الرواية إذ يصعب تصور رواية خالية منه»( ). ويتكرر مثل هذا التطبيق في غالبية الدراسات اللاحقة، ونذكر منها: - جريدي سليم المنصوري الشبيتي (السعودية): شاعرية المكان، شركة دار العلم للطباعة والنشر، السعودية، الرياض، 1992. - محمد عزام (سورية): «فضاء النص الروائي: مقاربة بنيوية تكوينية في أدب نبيل سليمان» ـ دار الحوار ـ اللاذقية 1996. (الفصل الرابع بعنوان «بنية المكان في النص الروائي» من ص111 إلى ص120). - بدر عبد الملك (البحرين): المكان في القصة القصيرة في الإمارات، منشورات المجمع الثقافي، أبو ظبي، 1997. - سليمان حسين (سورية): مضمرات النص والخطاب: دراسة في عالم جبرا إبراهيم جبرا الروائي» منشورات اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 1999 (وفيه الفصل الثاني من الباب الثاني بعنوان «المكان الروائي» من ص303 إلى ص320). - عبد المجيد زراقط (لبنان): «في بناء الرواية اللبنانية 1972-1992 جزءان» دائرة منشورات الجامعة اللبنانية ـ بيروت 1999. (الجزء الأول: البناء الروائي بوصفه قصة، الجزء الثاني: البناء الروائي بوصفه خطاباً، وفيه الفصل الخامس بعنوان «بناء المكان الروائي وآلية الوصف» من ص997 إلى ص1193). - يوسف حطيني (فلسطين): «مكونات السرد في الرواية الفلسطينية» ـ منشورات اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 1999. (وفيه الفصل الثاني بعنوان «الفضاء في الرواية الفلسطينية» من ص73 إلى ص134). - منصور نعمان نجم الدليمي (العراق): المكان في النص المسرحي، دار الكندي، أربد، 1999. - قيس كاظم الجنابي (العراق): «ثلاثية الراووق ـ الرؤية والبناء: دراسة في الأدب الروائي عند عبد الخالق الركابي» ـ دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد 2000. (فيه الفصل السابع بعنوان «بناء المكان في ثلاثية الراووق» من ص135 إلى ص148). - محمد جبريل: مصر المكان، دراسة في القصة والرواية، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط2، 2000. - معجب العدواني: تشكيل المكان وظلال العتبات، النادي الأدبي الثقافي، جدة، 2002. - عبد الحميد المحادين: «جدلية المكان والزمان في الرواية الخليجية»، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2001. - قادة عقاق (الجزائر): جماليات المكان في الشعر العربي المعاصر، دار الغرب للنشر، وهران، 2002. - فهد حسين: المكان في الرواية البحرينية، فراديس للنشر والتوزيع، البحرين، 2003. - عبد الصمد زايد: المكان في الرواية العربية، الصورة والدلالة، دار محمد علي للنشر، صفاقس، 2003. - عبد الرحمن مراشدة: الفضاء الروائي: الرواية في الأردن نموذجاً، وزارة الثقافة، عمان 2004. - محمد عزام (سورية): شعرية الخطاب السردي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005، (الفصل الثاني بعنوان «فضاء المكان الروائي» من ص65 إلى ص82). وأشير إلى دراسات تمثل التطور في درس جماليات المكان في الأعوام القليلة الماضية، أولها الجزء الثاني من كتاب «البناء الفني في الرواية العربية في العراق ـ 2 ـ الوصف وبناء المكان» لمؤلفه شجاع مسلم العاني (العراق)، ويكاد يلتزم فيه بالمفهوم الباشلاري الظاهراتي، إذ يدرس المكان المسرحي والتاريخي والأليف والمعادي. ويمثل هذا الكتاب الانتقائية النقدية، لدى تطبيق مؤلفه جوانب من هذا الفهم، كما في خاتمة الكتاب: «وعلى أن هذه الأنواع من المكان تتداخل وتتحول، وقد يصبح ما هو أليف منها معادياً، أو ما هو معاد أليفاً، إلا أن تقسيم المكان إلى هذه الأنواع يخضع لهيمنة العنصر السائد فيه. وهو تقسيم اضطررنا إليه بغية تسهيل دراسة المكان»( ). ونؤكد أن دراسات جماليات المكان أصبحت راسخة في النقد الأدبي العربي منذ عام 2000 حتى اليوم، وأوجز الرأي النقدي بنموذجين منها: 1- خالد حسين حسين: ولعل دراسة خالد حسين حسين (سورية) وعنوانها «شعرية المكان في الرواية الجديدة: الخطاب الروائي لأدوار الخراط نموذجاً» (الرياض 2000) هي الأعمق والأشمل في بابها تنظيراً وتطبيقاً لجماليات المكان أو شعريته، لا فرق. وقد رأى في استراتيجية المكان «وأهميته في فضاء الكتابة الأدبية عموماً والكتابة الروائية خصوصاً، ضمانة التماسك البنيوي للنص الروائي من حيث جملة العلائق النصية التي ينسجها مع قوى النص: زمن، شخصية، رؤية..»( )، ثم درس شؤون المكان وفضاءات العشق المستحيل، والإسكندرية مكاناً لتوهجات الذاكرة، وجماليات الريف والصحراء والنهر، ودقق بعض القضايا المكانية مثل سطوة المكان من خلال عتبة العنوان والسرد والثيمات (الموضوعات)، وبلاغة المكان لدى بحث الوظيفتين الإرجاعية والشعرية (الجمالية) وتغريب المكان وتحولات السلّم رمزاً مكانياً بحضوره الطاغي و«القرد والمكان»، وفلسفة المكان بإضاءة الحالة الروحية واستراتيجية الحواس والتعيين المكاني، مما يبرز للقراءة قضايا مكانية في غاية الأهمية، وبتقويمها نقدياً أمكن النظر في أبعاد أخرى تتصل بجماليات المكان واستراتيجيته لدى أدوار الخراط، وكذلك إغناء الجهاز المفاهيمي للقراءة عبر تدقيق مفاهيم «السيطرة المكانية وبلاغة المكان وفلسفته التي كانت في البداية مجرد هواجس مفهومية، وما لبثت أن تجسدت إجرائياً، وكان لذلك أثره في توسيع إطار القراءة المكانية»( ). وتميزت دراسة حسين بمقدرة تحليلية طيبة تستفيد من فهم شعرية المكان اندغاماً بفضاء المتخيل وبمبناه السردي المتحقق، فيضع الباحث توطئة لمقاربة المدى المنقود، ثم يختار نصوصاً روائية للتطبيق عليها، ونأخذ مثالاً لذلك الفصل الثاني، وعنوانه «فضاءات العشق المستحيل: نصوص: رامة والتنين ـ الزمن الآخر ـ يقين العطش»، ويصدّر الفصل بكلمة مفتاحية هي قول محمود درويش: «ياسمين على ليل تموز، أغنية لغريبين يلتقيان على شارع لا يؤدي إلى هدف»( ). مهّد الباحث لفصله بتوطئة عن مقاربة البنية الفضائية أو تفكيكها لمعرفة آليات اشتغال عناصرها على ثلاثية الخراط المشار إليها، مما يستدعي «ضرورات القراءة والإشارة، ولو باقتضاب شديد إلى الثلاثية على مستويات: الثيمة (يقصد الموضوعة) والقوى الفاعلة وحدود الفضاء الروائي»( ). ورأى الباحث أن الخراط استعار تقنياته من الفن السينمائي وطرائق الكولاج (التوليف والتلصيق) فضلاً عن تقنيات التناص مع التراث الفرعوني واليوناني والرافدي، ولجأ الروائي على مستوى المكان إلى تقنية الاستدعاء المكاني انطلاقاً من المكان الراهن لاستكمال الحلقات المفقودة زمانياً ومكانياً، وحلل أمكنة العشق وغربة العاشق في «رامة والتنين»، وصوراً على تحليل فضاء المتخيل، والمكان البوار وتناص الأمكنة في «الزمن الآخر» وصولاً إلى المكان التناصي، ورامة المكان/ الجسد الطعين في يقين العطش» وصولاً إلى المكان الطعين، ليخلص إلى القول في التركيب الختامي: «ارتأت القراءة في مقاربتها لثلاثية أدوار الخراط توسيع مجال المكانية، حتى تستغرق ظواهر مكانية جديدة، وعلى الخصوص في «يقين العطش» محاولة قدر استطاعتها تفعيل آلياتها لتعويم أسرار الخطاب الروائي في مستواه المكاني، ولهذا انشغلت في «رامة والتنين» بفضاءات العشق عبر تحديد الوظائف البنيوية والرمزية والدلالية للمكان ورصد علاقته بالحدث والزمن. أما في «الزمن الآخر» فكان تبشير المكان هو هاجس القراءة للظفر بوظائفه المختلفة. وفي «يقين العطش» استحوذت ظاهرة تمكين الجسد الأنثوي على المعالجة النقدية مع توجيه الاهتمام نحو المكان في شكله الطعين بأنماطه المختلفة»( ). وقارب خالد حسين حسين المنهجية العلامية (السيميائية) في تحليل جماليات المكان اعتماداً على معطيات علم السرد وإدغامها في النقد الظاهراتي الباشلاري من جهة والتأويل الدلالي من جهة أخرى. وتميز شغله أيضاً بالمواءمة بين النظرية والتطبيق من خلال القراءة واستخدام بعض آليات الاستنطاق والتأويل والتلقي. 2- إبراهيم جنداري: وتشير دراسة إبراهيم جنداري (العراق)، وعنوانها «الفضاء الروائي عند جبرا إبراهيم جبرا» (بغداد 2001) إلى استواء الاشتغال النقدي العربي الحديث لمصطلح جماليات المكان من خلال استعمال مصطلحه الأعمق والأشمل «الفضاء الروائي» في أمداء التطبيق الذي يفصح عن محاولة اقتراب الناقد العربي من مصطلحه وإجراءاته وآلياته، فقد رأى جنداري أن الدراسات السابقة ارتبطت «بمحدودية المكان دون أن تدرس المكان داخل النص، أي لم تحاول الإجابة عن التساؤل: كيف يصير المكان داخل الخطاب الروائي فضاء لاستيعاب أحداث الرواية؟ إن تحديد مفهوم الفضاء ينبغي أن يظل ملتصقاً بالقراءة، أي أن تكون نقطة الانطلاق من النموذج لا من النظرية، لكي تتم عملية وعي خصوصيات التصور العربي للمفاهيم»( )، ولا يخلو هذا الرأي من تعسف في إطلاق الأحكام، ولعله ناجم عن قلة إطلاع الباحث على الدراسات السابقة كما رأينا. غير أننا نلتفت عن ولع بعض الباحثين بإطلاق أحكام القيمة دون مسوغات نقدية كافية أو ملائمة إلى شغل الباحث نفسه، فقد كثرت محاولات «تفكيك بنى السرد وتشريحها تقصياً لأدق جزئياتها وعناصرها، وهو ما يحتم إرهاف السمع للنصوص واستحضار شواهدها وبنياتها، ويمكن اعتبار عملية تفكيك البنى السردية، برأيه، بالتماسك الباطني للنص والبحث داخله عن بنية شاملة ذات دلالة. وبموازاة محاولة ال |
| | | محمد حسين بصمه جي *
البلد : حلب عدد المساهمات : 1 نقاط : 1 تاريخ التسجيل : 20/05/2012
| موضوع: رد: جماليات المكان في النقد الأدبي العربي المعاصر 2012-05-21, 11:45 | |
| - محمد بكاي التلمساني كتب:
- مجلة جامعة تشرين للدراسات و البحوث العلمية _ سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية المجلد (27) العدد (1)2005
Tishreen University Journal for Studies and Scientific Research- Arts and Humanities Science Series Vol (27) No (1) 2005
جماليات المكان في النقد الأدبي العربي المعاصر
الدكتور عبد الله أبو هيف*
( قبل للنشر في 11/10/2005)
الملخّص
تناول البحث في القسم الأول مآل وحدة المكان في نظرية الأدب وتطوراتها الجمالية والدلالية من التعالق الزمكاني إلى شموليتها للفضاء الأدبي، وتقصى تجليات مفهوم جماليات المكان من خلال التعريب الذي غلب على جهود التأليف في المرحلة الأولى مع بدء انتشار الحداثة في سبعينيات القرن العشرين، تعرفاً على طوابع المناهج النقدية الحديثة، ولا سيما النقد الظاهراتي نداءً لنقد الوعي مع ظواهرية الصور، وانعطافاته إلى الإدراك المعرفي للفضاء أو الحيز الزمكاني. ويمحصّ البحث في القسم الثاني المفهوم وتجلياته في الممارسة النقدية من الفلسفة إلى الأدب بعامة، ثم الأجناس الأدبية، وفي مقدمتها الرواية والقصة ثم الشعر والمسرحية ملامسة للأبعاد الفكرية والرؤيوية في تحليل النصوص وإضاءة مدلولاته من خلال الاتجاهات النقدية الحداثية كالعلامية والتفكيكية والبنيوية التكوينية والتأويلية والجمالية المعرفية. وعالج البحث في القسم الثالث تطورات النقد التطبيقي التي صارت إلى تعدد مفاهيم في الممارسة النقدية من المكان أو بناء المكان وخصوصياته إلى الزمكانية أو الفضاء (الحيز)، وقد تداخلت هذه المفاهيم في الرؤية النقدية لقضايا المكان، وحلل أعمال وخالد حسين حسين (سورية) وإبراهيم جنداري (العراق). وأوجزت الخاتمة مدى التطور النظري والتطبيقي نحو تأصيل مصطلح جماليات المكان في تقاليد النقد الأدبي العربي الحديث من خلال إيراد استخلاصات البحث.
مجلة جامعة تشرين للدراسات و البحوث العلمية _ سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية المجلد (27) العدد (1)2005 Tishreen University Journal for Studies and Scientific Research- Arts and Humanities Science Series Vol (27) No (1) 2005
The Aesthetics of Place in the Modern Arabic Literary Criticism
Dr. Abdullah Abu Haif*
(Accepted 11/10/2005)
ABSTRACT
In the first part, the paper deals with the consequence of the unity of place in the theory of literature and its aesthetic and connotative development of harmony in time and place. It also examines the manifestation of the aesthetic of place through Arabization which dominated composition in the first phase of modernity in the seventies of the twentieth century. It, moreover, recognizes the features of the modern critical methodology, especially the phenomenological criticism, calling for the awareness of the picture and its swerving towards recognition of knowledge of space. In the second part, the research examines the concept and its consequences in the critical practice from philology to literature in general, including the novel, poetry, and drama. It shows the close connection of the intellectual dimensions and the vision of analyzing the text and enlightening their connotation through the modern critical tendencies like simiology, interpretation, deconstruction, structural constitution and knowledgeable aesthetics. In the third part, the research deals with the development of the practical criticism which turns into a variety of concepts in the critical practice of space and place. These concepts overlap in the critical vision of place, and the research analyses the works of Khaled Hussien Hussien (Syria), Ibrahim Gindary (Iraq). The conclusion gives the extent of the practical and theoretical development towards establishing the idiom of the place aesthetics in the traditions of the modern Arabic literary criticism through the returns of research conclusions. تجليات المفهوم من خلال التعريب: عُرف المكان وحدة أساسية من وحدات العمل الأدبي والفني في نظرية الأدب، وعدّت إحدى الوحدات التقليدية الثلاث، ولطالما كانت مثار جدل في تحقق العمل الأدبي والفني في المسرح بالدرجة الأولى، ولم يتجاوزها منظرو الأدب في العصر الحديث، بل صارت إلى ركيزة من ركائز الرؤية وجمالياتها في النظرية الأدبية الحديثة. وكان مفهوم الزمكانية (الزمان /المكان Chronotope) انعطافة في تطوير مفهوم المكان، وقد أطلقه باختين عام 1938 في كتابه «أشكال الزمان والمكان في الرواية»، ويفيد هذا التطور في المفهوم إلى صعوبة الفصل بين الزمان والمكان في شكل العمل الفني، مثلما أوضح باختين في ملاحظاته الختامية على كتابه (المكتوبة عام 1973): «يحدد الزمكان الوحدة الفنية للمؤلف الأدبي في علاقته بالواقع الفعلي. ولهذا السبب ينطوي الزمكان في المؤلّف دائماً على لحظة تقييمية لا يمكن فصلها عن الزمكان الفني الكلي إلا في التحليل المجرد. ذلك أن كل التحديدات الزمانية المكانية في الفن والأدب لا ينفصل أحدها عن الآخر، وهي دائماً ذات صبغة انفعالية تقييمية. يستطيع التفكير المجرد طبعاً أن يتصور الزمان والمكان كلاً على حدة ويغفل لحظتهما الانفعالية التقييمية. لكن التأمل الفني الحي (وهو أيضاً نابض بالفكر، إنما الفكر غير المجرد) لا يفصل شيئاً، ولا يغفل شيئاً. إنه يلّم بالزمكان في كل تماميته وامتلائه. إن الفن والأدب مخترقان بقيم زمكانية من مختلف الدرجات والأحجام. وكل موضوع جزئي وكل لحظة مجتزئة من المؤلّف الفني هي قيمة من هذه القيم»( ). غير أن جهود باختين النقدية ظلت مغمورة حتى ستينيات القرن العشرين لأسباب كثيرة لا مجال الآن لمناقشتها، ثم انتقلت إلى الغرب في السبعينيات اللاحقة، ويشير «دليل الناقد الأدبي» (لمؤلفيه د. ميجان الرويلي ود. سعد البازعي ـ السعودية) إلى بعض التباس في معرفة هذا المفهوم لدى باختين بالنظر إلى تعريب المفاهيم عن اللغة الإنجليزية سواء في تسمية الكتاب بمقال، أو ذكر اسم المقالة، وهما مختلفان عنهما باللغة الروسية، أو في دقة علاقة المفهوم بالعلاقة الرياضية، وتعرف باختين إلى استخدامه.. الخ( ). ثم تعزز مفهوم المكان المجرد مفارقاً للمرجع أو الواقع ومستغرقاً في تخييله مع شيوع النظرة العلمية في الأدب وممارستها بجسارة وعمق واتساع مع نماذج التخييل الأدبي القائم على تشابك علائق المنظور الفني بعامة والسردي بخاصة باستخدام النظرية النسبية وتعدد المنظورات إلى حد «التشويه» الذي يجد تسمية لاحقة له هي «التشظي»، وظهر مثل هذا المفهوم المجرد عند تعريب روايتي وليم فولكنر «الصخب والعنف» (1960) و«رباعية الإسكندرية» (1960-1963) ظهرت ترجمة الجزأين الثالث والرابع في أواخر الثمانينيات. ولا شك في أن مقالة جبرا إبراهيم جبرا (فلسطين) عن رواية فولكنر (1960)( )، وكتاب رمسيس عوض (مصر) «دراسات تمهيدية في الرواية الإنجليزية المعاصرة» (1970) قد أثارتا ما هو كامن في ضرورة استعمال النظرة العلمية في الأدب مما يتيح تطويراً في فهم المكان في الأدب والفنّ. وشهد المفهوم تطورات جذرية في المناهج النقدية الحديثة، ولاسيما النقد الظاهراتي (Phenomenological Criticism) الذي يقوم على تحليل الوعي وقد استبطن الأشياء فتحولت إلى ظواهر، وكان أبرز مطوري هذا النقد غاستون باشلار وجان بيير ريشار وجيلبير ديوران في النقد الفرنسي الذي سرعان ما انتشر في خريطة النقد الأدبي الحديث. وقد أطلق باشلار نظريته عام 1938 في كتابه «التحليل النفسي للنار»، واتبعه بكتبه الأخرى، ومنها «شعرية المكان» (1957) (وقد ترجمه غالب هلسا (الأردن) عن الإنجليزية عام 1980 بعنوان «جماليات المكان»، وافتتحت به سلسلة كتاب «الأقلام» الصادرة عن دار الشؤون الثقافية ببغداد). كان الانتشار الأوسع لهذا الفهم المتطور للمكان وجمالياته في النقد الأدبي العربي الحديث إثر تعريب كتاب باشلار، وقدم له هلسا بمقدمة عن أهمية هذا الكتاب الاستثنائية في علم الجمال والنقد، لأن المكانية «تتصل بجوهر العمل الفني، وأعني به الصورة الفنية. وإذا عدنا لمصطلحي العالمية والكوزموبوليتانية. فسوف نرى أن الأدب العالمي هو الذي يتمّ التعبير عنه بالصورة، بينما يعبّر عن الأدب الكوزموبوليتاني بالزخرفة: الاستعارة والكناية والمجاز وغيرها. وأن الأول ينقل تجربة، في حين أن الثاني يعبّر عن فكرة»( ). وأوضح هلسا أن النقطة الأساسية التي ينطلق منها المؤلف هنا هي أن البيت القديم، بيت الطفولة، هو مكان الألفة، ومركز تكيف الخيال. وعندما نبتعد عنه نظل دائماً نستعيد ذكراه، ونسقط على الكثير من مظاهر الحياة المادية ذلك الإحساس بالجمالية والأمن اللذين كان يوفرهما لنا البيت. أو هو البيت القديم، كما يصفه باشلار، عندما «يركز الوجود داخل حدود تمنح الحماية». إننا نعيش لحظات البيت من خلال الأدراج والصناديق والخزائن التي يسميها باشلار «بيت الأشياء». العش يبعث إحساسنا بالبيت، لأنه يجعلنا «نضع أنفسنا في أصل منبع الثقة بالعالم... هل كان العصفور يبني عشه لو لم يكن يملك غريزة الثقة بالعالم»؟. القوقعة تجسد انطواء الإنسان داخل المكان في الزوايا والأركان، لأنّ فعل الانطواء ينتمي إلى ظاهراتية فعل «يسكن»( ). وهذا ما دعا هلسا إلى تعريف الظاهراتية واستعمال باشلار لها، والفكرة المركزية فيها هي قصدية الوعي، أي أنه متجه دوماً إلى موضوع من الذاتية، فلا يوجد موضوع دون ذات، ويؤيد ذلك الاختزال المفارق في موضوع المعرفة، فهو ليس موضوعاً واقعياً، بل هو وعي مفارق. أما ظاهراتية باشلار فمنهج يصلح لدراسة موضوع الخيال بابتعاث الجمال والمعرفة من تركيبية النص، نحو إلغاء «موضوعية الظاهرة المكانية ـ أي كونها ظاهرة هندسية، ويحل محلها ديناميته الخاصة ـ المفارقة ـ وعندما يتحول الخيال إلى شعر فهو يلغي السببية ليحل محلها التسامي المحض»( ). وقد ترسّخ هذا المنهج في النقد الأدبي الحديث كما تؤكد غالبية دراسات النقد الأدبي في القرن العشرين، فخصص جان إيف تادييه في كتابه الشامل والمرجعي «النقد الأدبي في القرن العشرين» فصلاً لنقد الخيال الذي نمّاه باشلار ولا يفترق هذا الاتجاه عن النقد الجمالي المعرفي، وغدا منهجاً له تلويناته المختلفة انطلاقاً من تطوير نقد الوعي بإدخال خيال المادة من خلال ظواهرية الصور التي «لا تحلل الموضوع، بل الدوي، أو تحلل التكرار، إنما الظاهرة الفردية من نوعها والتي لا يهيؤها أحد. إن النقد الباشلاري يعيد اكتشاف عالم هو عالم روح الفنان الذي يريد أن يعيش، وذلك انطلاقاً من صورة»( ). ووجد صاحبا «دليل الناقد الأدبي» المشار إليه آنفاً، تأثيراً كبيراً للنقد الظاهراتي (Phenomenological Criticism) واستعمال باشلار في تطويره، ففي مقالة عنوانها «بويطيقيا الفضاء» يكرّس باشلار تحليله للصورة الشعرية وحدها مشيراً إلى أن تحليله يندرج تحت ما يسميه «ظاهراتية المخيلة» بوصف الظاهراتية المنهج الأنسب للتحليل «العبر ـ ذاتي» ـ أي بين ذاتين، ذات الكاتب وذات القارئ، ثم يضيف أن هذه الظاهراتية تنطوي على نوع من التناص الظاهري هو أن بإمكان «الصورة في بعض الحالات غير العادية أن تكون مركز احتشاد لذات بأكملها»( ). على أن مصطلح المكان والمكانية والزمكانية قد تطور أيضاً بتأثير علم السرد ولا سيما إنجازات غريماس إلى مصطلح الفضاء في الانفتاح أو الحيز في التحديد والتضييق والاتساع والشمولية وتداعياتها النصية، والفضاء الروائي هو «الحيز الزمكاني الذي تتمظهر فيه الشخصيات والأشياء متلبسة بالأحداث تبعاً لعوامل عدة تتصل بالرؤية الفلسفية وبنوعية الجنس الأدبي وبحساسية الكاتب أو الروائي»، كما يوضح منيب محمد البوريمي (المغرب) في كتابه «الفضاء الروائي في الغربة: الإطار والدلالة» (بغداد 1987). ويفيد المنهج العلامي (السيميائي) في تحليل السرد مثل هذا التطور في فهم الزمكانية نحو مصطلح الفضاء المستند إلى إنجازات ورثة بروب، ويتقدمهم العالم السوفييتي يوري لوتمان الذي عالج المكان ودلالاته في كتابه «بناء العمل الفني» (المترجم إلى الفرنسية عام 1976). وقد قامت سيزا قاسم دراز (مصر) بتعريب الفصل المتعلق من الكتاب بـ«مشكلة المكان الفني»، وقد انطلق لوتمان «في تحليله للمكان الفني من مقولة أساسية مؤداها أن اللغة هي النظام الأولي لتحويل العالم إلى أنساق، وكما أسلفنا، فإن اللغة ليست قائمة من التسميات، ولكنها مجموعة من العلاقات الخاضعة لقواعد وقوانين. وبالإضافة إلى اللغة فقد أبدعت الثقافة البشرية أنظمة وأنساقاً أكثر تعقيداً، قد تستخدم بعضها اللغة الطبيعية مادة لها (الأدب، الأديان، الفلسفة.. الخ)، وقد تستخدم بعضها مواد أخرى (الصورة في المقام الأول)، ولكنها تستعين بنظام اللغة وطرائق تشكيلها. وقد اهتم لوتمان اهتماماً بالغاً بالفنون بوصفها أنظمة منمذجة، أنظمة تخلق أنساقاً دلالية.. ونظر لوتمان في إطار التحدث عن المكان الفني إلى العمل الفني نظرة خاصة: فالعمل الفني مكان محدد المساحة (اللوحة الفنية أو التمثال أو القصيدة أو الرواية)، فمن جانب يشغل العمل الفني حيزاً معيناً في الكون الفسيح، ولكنه من جانب آخر، وهذه هي خاصيته الجوهرية، يمثل في هذا الحيز المحدود حقيقة أوسع منه وأشمل هي العالم اللامتناهي. ويتم هذا التمثيل من خلال مجموعة من القواعد المتفق عليها ضمناً، هي التقاليد الفنية، وهذه القواعد هي أساس النظام المنمذج. فنجد مثلاً ـ أن قوانين المنظور في الرسم تمكن الفنان من تمثيل العالم المحسوس ذي الأبعاد الثلاثة على قماش اللوحة ذات البعدين فقط.. فاللامتناهي يصبح عند معظم الناس مكاناً متسعاً جداً، ومن ثم ترتبط كثير من القيم المجردة بأحداثيات مكانية محسوسة»( ). لقد صار مفهوم «جمالية المكان» واضحاً في النقد الأدبي العربي الحيدث بتأثير المناهج النقدية الحديثة وتعريبها واشتغال المترجمين على هذا المفهوم، بوصفهم مشتغلين على تنظيره وتطبيقاته في الوقت نفسه، وفي مقدمتهم غالب هلسا.
تجليات المفهوم في الممارسة النقدية: ربما كانت دراسة حسين مجيد العبيدي «نظرية المكان في فلسفة ابن سينا» (1987)، هي الأولى من نوعها في بحث المنظور الفلسفي للمكان، بينما ظهرت العناية النقدية والأدبية الأولى في المكان في دراسة عبد الوهاب زغدان «المكان في رسالة الغفران: أشكاله ووظائفه» (1985)، وهي توصيف للمكان يتصل بالخصوصيات الثقافية. كان بحث غالب هلسا (الأردن) «المكان في الرواية العربية» الأول في بابه إثارة لأسئلة جماليات المكان بعامة، وضمن الفهم الباشلاري بخاصة، على الرغم من تواضعه بالقول إن دراسته «مجموعة من الانطباعات»( )، وربّما لأنّه مكتوب دون مراجع، إذ عمد إلى إعادة النظر فيه في كتابه «المكان في الرواية العربية» (دمشق 1989)، فرأى هلسا المكان، معزولاً عن الزمان والحركة، ووجد «أن المكان هو العمود الفقري الذي يربط أجزاء الرواية ببعضها البعض. ولكنني بعد قليل من التأمل يتبين لي عقم هذه الاستعارة»( ). وعاين مسألة تحديد قومية خاصة للمكان الروائي كالمكان العربي بوصفه مكاناً أمومياً، ثم وضع ثلاثة عناوين لاستيعاب النمط الكافي في غالبية الروايات العربية، وهي المكان المجازي كما في رواية الفعل المحض، والمكان الهندسي، وعنى به المكان الذي تعرضه الرواية من خلال وصف أبعاده الخارجية بدقة بصرية وحياد، ويحرم فيه القارئ من استعمال خياله، «والواقع، برأي هلسا، أن مثل هذا المكان نادر الوجود في الرواية العربية، فالرواية العربية قد نشأت كامتداد للرواية الأوربية، وقد كان أثر الرواية الأوربية قوياً إلى حدّ أن تقاليدها المكانية فرضت نفسها على الرواية العربية، وبهذا قطعت الرواية العربية روابطها مع التراث المكاني في الأدب العربي»( )، ولا مجال هنا لمناقشة مثل هذا التعميم في الرأي. أما النمط الثالث فهو المكان المعادي مثل مكان الغربة أو المنفى، و«يتخذ هذا المكان صفة المجتمع الأبوي بهرمية السلطة في داخله وعنفه الموجه لكل من يخالف التعليمات وتعسفه الذي يبدو وكأنه ذو طابع قدري». وقد أراد هلسا من دراسته أن يضيف إلى «المكان المعادي، المكان الهندسي المعبر عن الهزيمة واليأس. ولكن هذا المكان ينقصه رد الفعل الإنساني الذي يقيم مكاناً ـ ضداً (وهو ذكرى مجتمع الأمومة) في مواجهة هذا المكان المعادي»( ). وظهرت في نقد هلسا الأبعاد الفكرية والرؤيوية في تحليل النصوص دون التزام منهج نقدي حداثي باشلاري أو سواه. ثم انتشر بعد ذلك الولع بدرس المكان وجمالياته وشعريته حسب الممارسة النقدية لهذا الناقد أو ذاك، فوضع عبد الوهاب زغدان (تونس)، كما أشرنا، كتابه «المكان في رسالة الغفران: أشكاله ووظائفه» (صفاقس 1985)، وعالج ياسين النصير (العراق) «إشكالية المكان في النص الأدبي» (بغداد 1986)، ولا يلتزم فيه أيضاً، شأن هلسا، بمنهج معين، ويتضح ذلك بجلاء في كتابه اللاحق «جماليات المكان في شعر السياب» (دمشق 1995)، فقد غلبت على لغته النقدية خصائص من التحليل والتأويل على صيغة القراءة التاريخية الشارحة كما في هذه الخلاصة: «هذا الإطار الجغرافي هو إطار شعري ـ قصصي موروث لا وعي جمعي تكوّن عبر ممارسات أقوام عاملة. وتجمع فيه الماضي بأسراره وخفاياه وأساطيره وحروبه وغزواته وانتصاراته وفتوته والحاضر بما يمتلكه من قوة مدّ ودفع وإدامة وتغيير»( ). ويفصح نقده عن أسلوبية التحليل القائم على التأويل اللغوي الشارح. وأثار عبدالملك مرتاض فكرة الحيز أو الفضاء في نقده التطبيقي لأول مرة بمثل هذا العمق والشمولية، ولاسيما كتابه «ألف ليلة وليلة: تحليل سيميائي تفكيكي لحكاية حمّال بغداد» (الجزائر 1993)، وقد استفاد في تحليله من إنجازات علم السرد عند جينيت على وجه الخصوص. وبدأ تحليله بأن حكايات ألف ليلة وليلة أزخر الآثار الإنسانية بالتنوع في الحيز والتنوع في الفضاء والغرابة في المكان، ويلاحظ التقارب بين ألفاظ «الحيز» و«الفضاء» و«المكان» في تطبيقه النقدي. ولعل مفهوم «الحيز» عنده مماثل لمفهوم «الفضاء»، وإن وجد في «الحيز» قابليات تحديده لفضاءات النص المكانية، فقد درس الحيز من عدة مستويات هي الحيز الجغرافي والحيز الشبيه بالجغرافي والحيز المائي والحيز المتحرك والحيز التائه والحيز الخرافي والحيز العجيب الغريب، على أنه لم يقصر الحيز على أطره المتعددة والمتنوعة، بل نظر إليه ضمن المنظور السردي برمته، بوصفه حركة بالنسبة لأهم الشخصيات المركزية في هذه الحكاية، فوجد «أن حيز ألف ليلة وليلة طليق واسع لا يكاد يشكو من ضيق ولا من انحصار، فالعفاريت تحيّز فضاءها وحيزها في حرية مطلقة، (لنلاحظ التقارب بين اللفظين!) كما نجدها قادرة كلّ القدرة على الغوص في أعماق الأرض واتخاذها مثوى جميلاً للعشيقات المختطفات شأن العفريت جرجريس»( ). ورأى مرتاض أن الحكايات «تميل إلى اصطناع الحيز المستحيل والحيز البعيد الذي لم يره أحد قط كجبل قاف العجيب الذي نجده يتردد في هذه الحكاية عدة مرات، وهو يذكر في موطن القدرة على الوصول إلى هذا الحيز العجيب الذي تتحدث عنه الحكاية الخرافية والكرامات الصوفية، فهو حيز مستعصم إلا على عتاة العفاريت، وأكابر الأولياء من الأقطاب والإبدال. فأكبر خاصية إذن يختص بها هذا الحيز في ألف ليلة وليلة هي التحييز الأسطوري، لا التحييز الجغرافي أو المكاني، أي الحيز المستحيل الذي يكون فوق طاقة البشر»( ). لقد كان مرتاض أميناً لمنهجه المعلن الذي يأخذ ببعض معطيات النقد: السيميائي والتفكيكي، وقد مارسه فيما بعد في كتب عديدة مثل «النص الأدبي: من أين؟ إلى أين؟» (الجزائر 1983)، و«تحليل الخطاب السردي: معالجة تفكيكية سيميائية مركبة لرواية زقاق المدق» (الجزائر 1985)، و«مقامات السيوطي» (دمشق 1996)، و«في نظرية الرواية: بحث في تقنيات السرد» (الكويت 1998)، و«الكتابة من موقع العدم: مساءلات حول نظرية الكتابة» (الرياض 1999)...الخ. وعني غسان إسماعيل عبد الخالق (الأردن) بمشكل المكان في الرواية متلازماً مع تقنية السرد وتيار الوعي في روايات جمال ناجي أنموذجاً في كتابه «الزمان، المكان، النص: اتجاهات الرواية العربية المعاصرة في الأردن 1980-1990» (بيروت 1993)، غير أن تحليله للروايات المدروسة لا يولي مشكل المكان أهمية خاصة كمثل قوله: «إن المكان أفق يمتد، والزمان والإنسان فعلان يتصاعدان ثم يتقاطعان عند لحظة تفجر عارمة، هي ما يحتفظ لنا به التاريخ، وهكذا يتقادم بنا الزمان رويداً رويداً في «مخلفات الزوابع الأخيرة» على إيقاع حياة ثلاثة أجيال»( ). وغلب على تحليل عبد الخالق عنايته بالسرد وبمنظوره، أما المكان وجمالياته فلا يتعدى الإشارات العامة، شأن العناصر السردية الأخرى، كالإشارة إلى أن الكاتب أراد «أن يعبر عن لحظة التحول التاريخي للطبقة المتوسطة من شرائح معدمة من أية امتيازات تدفعها للدفاع عن وجودها، إلى طبقة برجوازية ذات امتيازات تدفعها للصراع من أجلها، ليجعل من هذا التحول لحظة التفجر المأساوي الناجم عن تقاطع خطي الزمان والمكان»( ). ودرس شاكر النابلسي (الأردن)، وهو معروف بمحاولاته المتعددة لتطبيق المناهج الحديثة في نقده التطبيقي من المنهج الإتباعي في دراسته لقصص تشيخوف «النهايات المفتوحة» إلى تلوينات المناهج المختلفة في دراساته التالية الكثيرة، في كتابه «مدار الصحراء: دراسة في أدب عبد الرحمن منيف» (بيروت 1993) جماليات المكان وتشكيلات الزمان من خلال معالجته لعلاقة المكان بالزمان وبطولة المكان، وجمالياته ووظيفته، على أنه جاوز في تطبيقه النقدي إشكاليات المصطلح مؤثراً الاعتماد على التمازج بين حدود فهمه التقليدية والمستحدثة كقوله الافتتاحي: «يمثل المكان والزمان في الرواية وحدة عضوية واحدة لا تنفصم، ثم تأتي الحركة بعد ذلك، لتكمل هذه الوحدة، وتضفي عليها الحياة. فالمكان بدون حركة لا يصبح مكاناً وإنما قطعة أرض فضاء. فالذي يعطي المكان حياته هي الحركة. والمكان هو ذلك البقعة من الأرض أو المبنى الذي يُمكّن للإنسان على الأرض، أي أن يجعله مكيناً قادراً على الحياة على الأرض»( ). ولعل مثل هذا الكلام إنشائي قد يتواشح مع مفهوم المصطلح، ولكنه شتيت الصوغ والدلالة. واستخدم حميد لحمداني (المغرب) مصطلح «الفضاء»، ونظّر له مستنداً إلى إنجازات علم السرد إياه في كتابه «بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي» (بيروت ـ الدار البيضاء 1993)، وقد سبق له أن عالجه في بحثه «فضاء الحكي بين النظرية والتطبيق» (المنشور في مجلة «دراسات أدبية ولسانية» ـ عدد 3 ـ 1986)، وذكر الآراء المختلفة المتصلة بالمصطلح: - الفضاء كمعادل للمكان (الحيز المكاني). - الفضاء النصي وهو الحيز الذي تشغله الكتابة باعتبارها أحرفاً طباعية على مساحة الورق، ويشمل ذلك طريقة تصميم الغلاف ووضع المطالع وتنظيم الفصول وتغيرات الكتابة المطبعية وتشكيل العناوين وغيرها. - الفضاء الدلالي، مما له بالصور المجازية ومالها من أبعاد دلالية حسب جينيت. - الفضاء كمنظور أو كرؤية، مما يشبه زاوية النظر التي يقدم بها الكاتب أو الروائي عالمه الروائي حسب كريستيفا. ويأخذ مفهوم الفضاء أربعة أشكال هي الفضاء الجغرافي وفضاء النص والفضاء الدلالي والفضاء كمنظور. وميّز بعد ذلك تمييزاً نسبياً بين الفضاء والمكان، فالفضاء شمولي يشير إلى المسرح الروائي بكامله، «والمكان يمكن أن يكون فقط متعلقاً بمجال جزئي من مجالات الفضاء الروائي»( )، غير أن المكان شديد الأهمية كمكون للفضاء الروائي، لأن «الأمكنة، بالإضافة إلى اختلافها من حيث طابعها ونوعية الأشياء التي توجد فيها تخضع في تشكلاتها أيضاً إلى مقياس آخر مرتبط بالاتساع والضيق أو الانفتاح والانغلاق، فالمنزل ليس هو الميدان، والزنزانة ليست هي الغرفة، لأن الزنزانة ليست مفتوحة دائماً على العالم الخارجي بخلاف الغرفة، فهي دائماً مفتوحة على المنزل، والمنزل على الشارع، وكلّ هذه الأشياء تقدم مادة أساسية للروائي لصياغة عالمه الحكائي، حتى أن هندسة المكان تساهم أحياناً في تقريب العلاقات بين الأبطال أو خلق التباعد بينهم»( ). وختم لحمداني حديثه بأن النظرية البنائية (البنيوية) لم توضح جميع القضايا المتصلة بهذا الموضوع، ولعله على حقّ لأنّ ورثة بروب هم الذين طوروا علم السرد منطلقين من البنيوية وما يجاورها. وخصص صلاح الدين بوجاه (تونس) الباب الأول من كتابه «للواقعية الروائية: الشيء بين الوظيفة والرمز» (بيروت 1993) للمكان والزمان والبعد الثالث، ومهد لبحثه بالتأمل المتأني لخصائص المكان والزمان والصلة بينهما ولصلتهما بالإنسان محور الأشياء ومحوّرها والفاعل فيها من خلال التالية: أ- فلسفة التأثيث وما تحمله من إيحاءات زمنية جلية. ب- الداخل والخارج مما هو كامن لدى الإنسان أوحاف به. حـ- الشرق والغرب إشارة إلى نوعية الرؤيا الحضارية. د - الجنوح إلى الهرب عبر نوع من الأشياء القادرة على إحداث التحول الزماني والمكاني أو الحاملة لإيحاءات لا مكانية ولا زمانية. ثم عالج ذلك في روايات «جولة بين حانات البحر المتوسط» لعلي الدوعاجي (تونس) و«زقاق المدق» لنجيب محفوظ (مصر) و«الشراع والعاصفة» لحنا مينة (سورية) و«موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح (السودان) و«فساد الأمكنة» لصبري موسى (مصر)، فقد انطلق بوجاه من «أن تحتمل الأشياء الدالة مكانياً وزمانياً مكانة هامة في إطار الأغراض المدرسة والأحداث المسرودة والشخصيات المتفاعلة. وغالباً ما تلمس سمات المكان من خلال الوصف وسمات الزمان»( ). ويلفت النظر أن بوجاه ممعن في النقد التطبيقي المشبع بحداثية منهجية علامية (سيميائية) مؤطرة بعلم السرد بالدرجة الأولى، فثمة نفور من التنظير والاستغراق في النقد النظري، كما تكشف عنه خاتمة الباب على سبيل المثال: «وهكذا يغدو التوازي جلياً بين العالمين الداخلي والمرجعي عبر المكانين والزمانين الداخليين والمرجعين مما يشي بأن عملية القص ليست مجرد تحليق في الخيال عبر أحداث متصورة، إنها في جوهرها إشراف على الخيال قصد معانقة الواقع عبر فهمه والوقوف على خصائصه منعكسة في مرآة الفنّ. وهكذا يكون في الإمكان أن نفترض أنّ وظيفة الأيام؟ في صلب الإبداع الروائي تتألف مع وظيفتها في صلب الواقع المرجعي!»( ). ووضع شاكر النابلسي (فلسطين) كتابه التطبيقي الشامل «جماليات المكان في الرواية العربية» (بيروت 1994)، وطبّق فيه ظاهراتية باشلار على روايات غالب هلسا السبع على نحو تعليمي وتبسيطي، وجعل كتابه تحية لذكرى هلسا، ومهد له بتسويغ نقدي يستند إلى غنى روايات هلسا بجماليات المكان، واهتمامه الكبير بالمكان الروائي وجمالياته، وتوافر الأمكنة الروائية في رواياته بشكل كافٍ، فقد اتجهت معظم الدراسات النقدية العربية حتى حينه على جماليات المكان عند نجيب محفوظ إلى حدّ مفرط، وثمة تعميم آخر في هذا الحكم النقدي، لأن القليل من النقد الخاص بروايات نجيب محفوظ قد عالج المكان وجمالياته واستنطق النابلسي أمكنة كثيرة في روايات هلسا، ومدّ منهجه التبسيطي الشارح إلى شطط في التأويل كما هو الحال مع هذا التحليل النهائي لمقطع في ختام الفصل الأخير: «وهذا المقطع، لا يقدم لنا جماليات زمن أو مكان، بقدر ما يقدم لنا جماليات حالة. حالة العالم العربي، كما رآها هلسا في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وكما نراها نحن الآن في التسعينيات بفعل هذا الجليد الذي له لون الطحين المتعفن، الذي تنوء تحته ليست أوراق الحشائش المرهقة فقط، ولكن أيضاً الأشجار العالية، التي لم تعد تموت وهي واقفة في عصر الجليد العربي الذي امتد طويلاً، وما زال مستمراً في عروضه وألعابه المختلفة»( ). ولربما كان مثل هذا التحليل أقرب إلى الإنشاء اللغوي والخواطر الذاتية حول الأوضاع العامة العربية، لأنه تعسف ظاهر في تأويل النص. وعالج صلاح صالح (سورية) باتساع «قضايا المكان الروائي في العربي المعاصر» (القاهرة 1997)، ونشر قبل عام من تاريخه القسم الثاني التطبيقي من أطروحته السابقة بعنوان «الرواية العربية والصحراء» (دمشق 1996) ضمن متواتر القول في المناهج النقدية الحديثة حول المكان في الرواية، وفعل ذلك منصور نعمان نجم الدليمي (العراق) في مجال المسرح، في كتابه «المكان في النص المسرحي» (إربد 1999). وأشارت دراسة صلاح صالح إلى انتشار جماليات المكان في النقد الأدبي العربي الحديث ضمن عمليات ترسيخ منهجية النقد الجمالي المعرفي، على الرغم من عدم إطلاعه الكافي على وفرة الدراسات المتعلقة بالمكان الروائي، حين حكم على ندرتها في كتابه (ص12)، وكانت دراسته في كتابيه المشار إليهما الأشمل عن جماليات المكان في الرواية العربية حتى حينه، فعاين الانتقال من المكان إلى المكان الروائي، ودرس أبعاد المكان الفيزيائي، والرياضي ـ الهندسي، والجغرافي، والزمني التاريخي، والذاتي ـ النفسي، والواقعي ـ الموضوعي، والفلسفي ـ الذهني، والتقني ـ الجمالي. وأردفها بتحليل تقابلات ثنائية وتقاطعات المكان مثنوياً للتعمق في فهم جماليات المكان مثل التوسيع والتكثيف (المساحة والصغر)، والثراء والفقر (التزايد والتناقص)، والخارج والداخل (الظهور والتواري)، لتبيان تقاطع الواقعي بالخيالي، والتقاطع الجهوي، وتقاطع سطح وعمق، وتقاطع حياة وجهاد، وتقاطع حركة وسكون، مما أضاء علاقة المكان الروائي بالزمن والشخصيات من خلال تعالقات: المكان ثابت والزمن متحرك، المكان متحرك والزمن ثابت، المكان متحرك والزمن متحرك، إخضاع المكان لعوامل الزمان وإخضاع الزمان لعوامل المكان، إسهام المكان في تشكيل الشخصيات، الشخصيات تحرّك المكان وتشكلّه. وثمة أمر في غاية الأهمية في الدراسة هو التوكيد على «اجتزاء الأمكنة وعزلها عن سياقية وجودها في كليّة العمل الروائي لا يمكن إجراؤهما ما لم يتم التطرق إلى باقي العمل بالطبع، ولكن طبيعة الدرس المتوجه إلى التخصص، أو بالأحرى، إلى شيء من الإسراف فيه، يقتضي شيئاً من ممارسة العسف في إهمال الجوانب غير المعنية بالتناول، ويبدو أنه عسف لابدّ منه، مهما بلغ بنا الوعي بضرورة التعامل مع العمل الفني في كليته» . وقد حاول صلاح صالح أن يبرهن عن هذا المنزع التحليلي الشامل لكلية العمل في إرفاق التنظير بالتطبيق على روايات عربية كثيرة هي مادة تحليل مكانية الصحراء في كتابه الثاني «الرواية العربية والصحراء»، فما غاب عن فصول كتابيه المسعى إلى تحليل كلية العمل الروائي للإفصاح عن جمالية المكان فيه. وقرن صالح تقصي جماليات المكان الروائي بالوعي أو المعرفة تركيزاً على الدلالات العامة للمكان، وما تحمله من رؤى ورؤيا عربية مشتركة، وكشف عميقاً عن الصحراء مكاناً متحركاً بالسراب، أو تلوين الصحراء، أو الارتحال فيها، أو الرمال المتحركة، أو زحف الصحراء، أو زراعته، ومدى مطلقية الصحراء كما هو الحال أيضاً مع روايات غير عربية تتعرض للصحراء. ورأى صالح، وهذا أمر في غاية الأهمية أيضاً أن درس جماليات المكان يندغم في تأصيل الهوية لدى الإمعان في المكونات البيئية والخصائص المحلية، وقد «كانت الروايات العربية اليت اعتمدت الصحراء مكاناً، كلياً أو جزئياً، في طليعة الروايات العربية المتقدمة فنياً، والأكثر تمثيلاً لما يصبو إليه الروائيون والقراء العرب من إيجاد رواية عربية خالصة شكلاً ومحتوى، واستطاع بعضها أن يحتضن النوى الضرورية لإنجاز خصوصيتها القومية، وينضم إلى اللبنات الأولى في تحقيق نظريتها المرجوة»( ). ويلاحظ أن المفهوم قد تأصل في النقد الأدبي العربي الحديث مجاوزة لمجرد التعريب وخوضاً في عمليات التنظير والتطبيق بما يسهم في تحقق الهوية ولا سيما إثراء الخصوصيات الثقافية والمحلية والبيئية التي تستند إلى المكان في تشكلاتها الجمالية والمعرفية.
تطورات النقد التطبيقي: صار مصطلح «المكان» تعدد مفاهيم في الممارسة النقدية إضاءة لمنظورات استخدامه من المكان أو بناء المكان إلى الزمكانية ثم الفضاء (الحيز)، وغالباً ما تتداخل هذه المفاهيم في الرؤية النقدية لقضايا المكان، واختار في هذه المقالة بعض النماذج الدالة على تطور ممارسة المصطلح وتداخلاته، ولعل كتاب سمر روحي الفيصل (سورية)، وعنوانه «بناء الرواية العربية السورية 1980-1990» (دمشق 1995) هو الأكثر تمثيلاً لهذه الممارسة التي ستغدو شائعة على أقلام النقاد والباحثين. خصص الفيصل لبناء المكان الروائي فصلاً طويلاً من كتابه (ص247-285)، انطلق فيه من تعريف المكان لغوياً إلى مفهوم البنيويين لهذا المكون الروائي قبل الانتقال إلى تحليله في الرواية العربية السورية. وبدأ الفيصل بالإقرار أن هناك آراء واجتهادات وأسساً اعتمدها النقاد الشكليون، وجعلوها عماد نظرتهم إلى البنية المكانية في الرواية، فليس هناك، في حدود علمه، نظرية بنيوية محددة متكاملة للمكان الروائي، ثم ميّز بين المكان الطبيعي والروائي، وعاين المكان ووصفه، والمكان الروائي وعلائقه بالفضاء الروائي، وفصلّ القول في بناء المكان الروائي، لأن «الاجتهادات النظرية الخاصة بشعرية المكان (أو جماليته لدى باحثين ونقاد ومترجمين آخرين) لم ترسّخ إجراءات واضحة محددة يستطيع الناقد الاستناد إليها في أثناء تحليله بناء المكان الروائي، ومن ثم كانت هناك اجتهادات تطبيقية عدة، منها تحديد أنواع المكان وأبعاده. وقد اقترنت الأنواع والأبعاد لدى النقاد بصفات معينة، فكان هناك مكان موضوعي ومفترض ومجازي وهندسي ومعاد وتجربة معيشة وجاذب وطارد وأليف، وهناك أيضاً مكان ذو بعد و احد، وآخر متعدد الأبعاد، وثالث تاريخي أو نفسي أو واقعي أو تعبيري أو ذاتي، ولا تخرج هذه الأنواع والأبعاد عن أن تكون صفات للأمكنة الروائية، يمكن اجتماعها كلها في رواية واحدة من غير أن يعين هذا الاجتماع على تحليل بناء المكان في هذه الرواية، ذلك أن جمالية المكان لا تتجسد بتسمية الأمكنة الروائية وتحديد أبعادها وإطلاق صفات مفردة عليها، بل تتجسّد بوساطة الطريقة الفنية التي تقدم أمكنة مرتبطة بالحوادث والشخصيات والمنظورات، قادرة على تشييد فضاء روائي نابض بالحركة والحياة والدلالة»( ). ولاحظ الفيصل أن «تحليل المكان في الرواية يقود إلى تحديد طبيعة الفضاء الروائي فيها، لأنّ الفضاء أكثر شمولاً واتساعاً من المكان، فهو أمكنة الرواية كلّها، إضافة إلى علاقاتها بالحوادث ومنظورات الشخصيات، حتى إن الروائي الذي يقصر حدثه على مكان واحد وإن بدا ظاهره مغلقاً عليه وحده، وهناك روايات يدلّ ظاهرها على أنها تطرح فضاءات عدة، ولكن التدقيق فيها يدلّ على أنه يمكن التمييز بين فضاء مركزي وفضاءات فرعية تشكّل شبكة علاقات متداخلة معقدة»( ). ثم عالج الفيصل بناء المكان وتسميته وصورته وبناء الفضاء الروائي، وخلص إلى القول: «إن صور المكان كثيرة في الرواية السورية، ولكنها غير مفضية إلى الفضاء الروائي. أما الروايات السورية التي نجحت في بناء الفضاء الروائي فقليلة»( ). لقد صار درس المكان من منظورات المناهج النقدية الحديثة كلياً أو جزئياً غالباً على النقد التطبيقي العربي خلال العقد الأخير، ولا سيما نقد السرديات، فعدّ سعيد الحنصالي في كتابه «بداية ونهاية: قراءة وتحليل» (الدار البيضاء 1995) المكان مكوناً من مكونات التحليل السردي مثل الزمن والمنظور مستعيداً الإشارات عن المكان في كتاب سيزا قاسم (مصر) «بناء الرواية» (1985)، وركز على ارتباط المكان في الرواية بالوصف باعتباره محاولة لتجسيد مشهد من العالم الخارجي في لوحة مصنوعة من الكلمات، والوصف أنواع: نوع تفصيلي ونوع انتقائي»( ). وقد اعترف الحنصالي في تركيبه الختامي لتحليل فكرة المكان أنه قدم مفاهيم وأمثلة ممهدة «لتوسيعات وتمثيلات ممكنة لن تعجز عنها قدرات المتلقي النبيه»( ). وعمد محمد الحسن ولد محمد المصطفى (موريتانيا) إلى الاستفادة من معطيات المنهج البنيوي والعلامي (السيميائي) في تحليل مكون المكان في الرواية في كتابه «الرواية العربية الموريتانية: مقاربة للبنية والدلالة» (القاهرة 1996)، على أن استمداده لهذه المعطيات تبسيطي يتجنب فيه التأطير النظري استغراقاً في محاولة التطبيق الممتزج بانطباعية لا تخفى كقوله: «إن وسيلة إدراك المكان هي الإحساس، ويحضر في الرواية عن طريق استعراض التجليات المكانية المختلفة ووصفها.. غير خاف ما للمكان من أهمية تضاهي الزمن بل إن المكان عنصر يشرط الرواية إذ يصعب تصور رواية خالية منه»( ). ويتكرر مثل هذا التطبيق في غالبية الدراسات اللاحقة، ونذكر منها: - جريدي سليم المنصوري الشبيتي (السعودية): شاعرية المكان، شركة دار العلم للطباعة والنشر، السعودية، الرياض، 1992. - محمد عزام (سورية): «فضاء النص الروائي: مقاربة بنيوية تكوينية في أدب نبيل سليمان» ـ دار الحوار ـ اللاذقية 1996. (الفصل الرابع بعنوان «بنية المكان في النص الروائي» من ص111 إلى ص120). - بدر عبد الملك (البحرين): المكان في القصة القصيرة في الإمارات، منشورات المجمع الثقافي، أبو ظبي، 1997. - سليمان حسين (سورية): مضمرات النص والخطاب: دراسة في عالم جبرا إبراهيم جبرا الروائي» منشورات اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 1999 (وفيه الفصل الثاني من الباب الثاني بعنوان «المكان الروائي» من ص303 إلى ص320). - عبد المجيد زراقط (لبنان): «في بناء الرواية اللبنانية 1972-1992 جزءان» دائرة منشورات الجامعة اللبنانية ـ بيروت 1999. (الجزء الأول: البناء الروائي بوصفه قصة، الجزء الثاني: البناء الروائي بوصفه خطاباً، وفيه الفصل الخامس بعنوان «بناء المكان الروائي وآلية الوصف» من ص997 إلى ص1193). - يوسف حطيني (فلسطين): «مكونات السرد في الرواية الفلسطينية» ـ منشورات اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق 1999. (وفيه الفصل الثاني بعنوان «الفضاء في الرواية الفلسطينية» من ص73 إلى ص134). - منصور نعمان نجم الدليمي (العراق): المكان في النص المسرحي، دار الكندي، أربد، 1999. - قيس كاظم الجنابي (العراق): «ثلاثية الراووق ـ الرؤية والبناء: دراسة في الأدب الروائي عند عبد الخالق الركابي» ـ دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد 2000. (فيه الفصل السابع بعنوان «بناء المكان في ثلاثية الراووق» من ص135 إلى ص148). - محمد جبريل: مصر المكان، دراسة في القصة والرواية، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط2، 2000. - معجب العدواني: تشكيل المكان وظلال العتبات، النادي الأدبي الثقافي، جدة، 2002. - عبد الحميد المحادين: «جدلية المكان والزمان في الرواية الخليجية»، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2001. - قادة عقاق (الجزائر): جماليات المكان في الشعر العربي المعاصر، دار الغرب للنشر، وهران، 2002. - فهد حسين: المكان في الرواية البحرينية، فراديس للنشر والتوزيع، البحرين، 2003. - عبد الصمد زايد: المكان في الرواية العربية، الصورة والدلالة، دار محمد علي للنشر، صفاقس، 2003. - عبد الرحمن مراشدة: الفضاء الروائي: الرواية في الأردن نموذجاً، وزارة الثقافة، عمان 2004. - محمد عزام (سورية): شعرية الخطاب السردي، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2005، (الفصل الثاني بعنوان «فضاء المكان الروائي» من ص65 إلى ص82). وأشير إلى دراسات تمثل التطور في درس جماليات المكان في الأعوام القليلة الماضية، أولها الجزء الثاني من كتاب «البناء الفني في الرواية العربية في العراق ـ 2 ـ الوصف وبناء المكان» لمؤلفه شجاع مسلم العاني (العراق)، ويكاد يلتزم فيه بالمفهوم الباشلاري الظاهراتي، إذ يدرس المكان المسرحي والتاريخي والأليف والمعادي. ويمثل هذا الكتاب الانتقائية النقدية، لدى تطبيق مؤلفه جوانب من هذا الفهم، كما في خاتمة الكتاب: «وعلى أن هذه الأنواع من المكان تتداخل وتتحول، وقد يصبح ما هو أليف منها معادياً، أو ما هو معاد أليفاً، إلا أن تقسيم المكان إلى هذه الأنواع يخضع لهيمنة العنصر السائد فيه. وهو تقسيم اضطررنا إليه بغية تسهيل دراسة المكان»( ). ونؤكد أن دراسات جماليات المكان أصبحت راسخة في النقد الأدبي العربي منذ عام 2000 حتى اليوم، وأوجز الرأي النقدي بنموذجين منها: 1- خالد حسين حسين: ولعل دراسة خالد حسين حسين (سورية) وعنوانها «شعرية المكان في الرواية الجديدة: الخطاب الروائي لأدوار الخراط نموذجاً» (الرياض 2000) هي الأعمق والأشمل في بابها تنظيراً وتطبيقاً لجماليات المكان أو شعريته، لا فرق. وقد رأى في استراتيجية المكان «وأهميته في فضاء الكتابة الأدبية عموماً والكتابة الروائية خصوصاً، ضمانة التماسك البنيوي للنص الروائي من حيث جملة العلائق النصية التي ينسجها مع قوى النص: زمن، شخصية، رؤية..»( )، ثم درس شؤون المكان وفضاءات العشق المستحيل، والإسكندرية مكاناً لتوهجات الذاكرة، وجماليات الريف والصحراء والنهر، ودقق بعض القضايا المكانية مثل سطوة المكان من خلال عتبة العنوان والسرد والثيمات (الموضوعات)، وبلاغة المكان لدى بحث الوظيفتين الإرجاعية والشعرية (الجمالية) وتغريب المكان وتحولات السلّم رمزاً مكانياً بحضوره الطاغي و«القرد والمكان»، وفلسفة المكان بإضاءة الحالة الروحية واستراتيجية الحواس والتعيين المكاني، مما يبرز للقراءة قضايا مكانية في غاية الأهمية، وبتقويمها نقدياً أمكن النظر في أبعاد أخرى تتصل بجماليات المكان واستراتيجيته لدى أدوار الخراط، وكذلك إغناء الجهاز المفاهيمي للقراءة عبر تدقيق مفاهيم «السيطرة المكانية وبلاغة المكان وفلسفته التي كانت في البداية مجرد هواجس مفهومية، وما لبثت أن تجسدت إجرائياً، وكان لذلك أثره في توسيع إطار القراءة المكانية»( ). وتميزت دراسة حسين بمقدرة تحليلية طيبة تستفيد من فهم شعرية المكان اندغاماً بفضاء المتخيل وبمبناه السردي المتحقق، فيضع الباحث توطئة لمقاربة المدى المنقود، ثم يختار نصوصاً روائية للتطبيق عليها، ونأخذ مثالاً لذلك الفصل الثاني، وعنوانه «فضاءات العشق المستحيل: نصوص: رامة والتنين ـ الزمن الآخر ـ يقين العطش»، ويصدّر الفصل بكلمة مفتاحية هي قول محمود درويش: «ياسمين على ليل تموز، أغنية لغريبين يلتقيان على شارع لا يؤدي إلى هدف»( ). مهّد الباحث لفصله بتوطئة عن مقاربة البنية الفضائية أو تفكيكها لمعرفة آليات اشتغال عناصرها على ثلاثية الخراط المشار إليها، مما يستدعي «ضرورات القراءة والإشارة، ولو باقتضاب شديد إلى الثلاثية على مستويات: الثيمة (يقصد الموضوعة) والقوى الفاعلة وحدود الفضاء الروائي»( ). ورأى الباحث أن الخراط استعار تقنياته من الفن السينمائي وطرائق الكولاج (التوليف والتلصيق) فضلاً عن تقنيات التناص مع التراث الفرعوني واليوناني والرافدي، ولجأ الروائي على مستوى المكان إلى تقنية الاستدعاء المكاني انطلاقاً من المكان الراهن لاستكمال الحلقات المفقودة زمانياً ومكانياً، وحلل أمكنة العشق وغربة العاشق في «رامة والتنين»، وصوراً على تحليل فضاء المتخيل، والمكان البوار وتناص الأمكنة في «الزمن الآخر» وصولاً إلى المكان التناصي، ورامة المكان/ الجسد الطعين في يقين العطش» وصولاً إلى المكان الطعين، ليخلص إلى القول في التركيب الختامي: «ارتأت القراءة في مقاربتها لثلاثية أدوار الخراط توسيع مجال المكانية، حتى تستغرق ظواهر مكانية جديدة، وعلى الخصوص في «يقين العطش» محاولة قدر استطاعتها تفعيل آلياتها لتعويم أسرار الخطاب الروائي في مستواه المكاني، ولهذا انشغلت في «رامة والتنين» بفضاءات العشق عبر تحديد الوظائف البنيوية والرمزية والدلالية للمكان ورصد علاقته بالحدث والزمن. أما في «الزمن الآخر» فكان تبشير المكان هو هاجس القراءة للظفر بوظائفه المختلفة. وفي «يقين العطش» استحوذت ظاهرة تمكين الجسد الأنثوي على المعالجة النقدية مع توجيه الاهتمام نحو المكان في شكله الطعين بأنماطه المختلفة»( ). وقارب خالد حسين حسين المنهجية العلامية (السيميائية) في تحليل جماليات المكان اعتماداً على معطيات علم السرد وإدغامها في النقد الظاهراتي الباشلاري من جهة والتأويل الدلالي من جهة أخرى. وتميز شغله أيضاً بالمواءمة بين النظرية والتطبيق من خلال القراءة واستخدام بعض آليات الاستنطاق والتأويل والتلقي. 2- إبراهيم جنداري: وتشير دراسة إبراهيم جنداري (العراق)، وعنوانها «الفضاء الروائي عند جبرا إبراهيم جبرا» (بغداد 2001) إلى استواء الاشتغال النقدي العربي الحديث لمصطلح جماليات المكان من خلال استعمال مصطلحه الأعمق والأشمل «الفضاء الروائي» في أمداء التطبيق الذي يفصح عن محاولة اقتراب الناقد العربي من مصطلحه وإجراءاته وآلياته، فقد رأى جنداري أن الدراسات السابقة ارتبطت «بمحدودية المكان دون أن تدرس المكان داخل النص، أي لم تحاول الإجابة عن التساؤل: كيف يصير المكان داخل الخطاب الروائي فضاء لاستيعاب أحداث الرواية؟ إن تحديد مفهوم الفضاء ينبغي أن يظل ملتصقاً بالقراءة، أي أن تكون نقطة الانطلاق من النموذج لا من النظرية، لكي تتم عملية وعي خصوصيات التصور العربي للمفاهيم»( )، ولا يخلو هذا الرأي من تعسف في إطلاق الأحكام، ولعله ناجم عن قلة إطلاع الباحث على الدراسات السابقة كما رأينا. غير أننا نلتفت عن ولع بعض الباحثين بإطلاق أحكام القيمة دون مسوغات نقدية كافية أو ملائمة إلى شغل الباحث نفسه، فقد كثرت محاولات «تفكيك بنى السرد وتشريحها تقصياً لأدق جزئياتها وعناصرها، وهو ما يحتم إرهاف السمع للنصوص واستحضار شواهدها وبنياتها، ويمكن اعتبار عملية تفكيك البنى السردية، برأيه، بالتماسك الباطني للنص والبحث داخله عن بنية شاملة ذ |
| | | ولاء سعيد أبو شاويش مشرف عام
وسام النشاط : عدد المساهمات : 2113 نقاط : 2822 تاريخ التسجيل : 16/01/2010 الموقع : فلسطين
| موضوع: رد: جماليات المكان في النقد الأدبي العربي المعاصر 2012-05-22, 21:34 | |
| |
| | | السالمي *
البلد : السعودية عدد المساهمات : 2 نقاط : 2 تاريخ التسجيل : 21/03/2012
| موضوع: رد: جماليات المكان في النقد الأدبي العربي المعاصر 2013-01-11, 17:25 | |
| |
| | | | جماليات المكان في النقد الأدبي العربي المعاصر | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية | |
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع | |
فانضموا إليها
|
انضم للمعجبين بالمنتدى منذ 28/11/2012
|
حقوق النشر محفوظة
لمنتديات تخاطب
المشاركون في منتديات تخاطب وحدهم مسؤولون عن منشوراتهم ولا تتحمل الإدارة ولا المشرفون أي مسؤولية قانونية أوأخلاقية عما ينشر فيها
Powered by
phpBB© 2010 |