التنازع في العمل:-
ــــــــــــــــــــــــــ
التنازع في اللغة :- التجاذب و الاختلاف .
و في اصطلاح النحاة :- أن يتقدم عامل أو أكثر و يتأخر معمول أو أكثر و كل واحد من العاملين أو العوامل طالب للمعمول أو المعمولات المتأخرة من جهة المعنى .
مثل خرج و نجح محمدٌ فكل من ( خرج و نجح ) فعلان يطلب كل منهما فاعلا ( محمد ) فيجوز في هذه الحالة أن يكون محمد فاعلا لخرج أو يجوز أن يكون فاعلا لنجح على اختلاف بين العلماء في أيهما أولى بالعمل من الآخر .
شروط العاملين المتنازعين:-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يشترط في العاملين المتنازعين شروط منها :
أ / أن يكون بينهما ارتباط فلا يجوز أن نقول قام قعد أخوك إذ لا ارتباط بين الفعلين .
ويحصل هذا الارتباط بواحد من ثلاثة أشياء :
الأول:- أن يعطف ثانيهما على أولهما بحرف عطف قام و قعد أخوك , و هذبتُ و أدبت أحمد.
الثاني :- أن يكون أولهما عاملا في ثانيهما مثل قوله تعالى { و أنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا } - آية 7 سورة الجن- فالعاملان هما ( ظنوا ) و ( ظننتم ) و المعمول المتنازع فيه هو المصدر المؤول من أنْ و صلتها ( أن لن يبعث الله أحدا ) و أول المتنازعين عامل في الثاني ( كما ظننتم ) معمول للفعل ( ظنوا ) و التقدير ظنوا ظنا مماثلا لظنكم أن لن يبعث الله أحدا .
الثالث :- أن يكون ثاني العاملين جوابا في المعنى عن الأول مثل قوله تعالى { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } – النساء آية 176 - فـ ( يفتيكم ) جواب ( يستفتونك ) و كل منهما تنازع الجار و المجرور ( في الكلالة ) .
ب / أن يكون العاملان المتنازعان متقدمين على المعمول .
جـ / أن يكون كل واحد من العاملين موجها إلى ذلك المعمول المتأخر من غير فساد في اللفظ و لا في المعنى فيخرج قول الشاعر :-
فأين إلى أين النجاة ببغلتي *** أتاكِ أتاكِ اللاحقون احبسِ احبسِ
و ذلك لأنه ليس كل واحد من أتاك أتاك موجها إلى قوله اللاحقون إذ لو توجه كل منهما إليه لوجب أن يعمل أحدهما في لفظ اللاحقون و يعمل الآخر في ضميره فكان يجب أن يقول أتاك أتوك اللاحقون أو يقول أتوك أتاك اللاحقون .
أنواع العاملين المتنازعين :--
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد يكون العاملان المتنازعان :
1 / فعلين و يشترط قيهما أن يكونا متصرفين مثل ضربتُ و أكرمتُ محمداً
2 / اسمين و يشترط فيهما أن يكونا مشبهين للفعل في العمل بأن يكونا :
أ / اسمي فاعل مثل قول الشاعر :
عُهِدْتَ مُغيثا مُغنيا منْ أجرتَهُ *** فلم أتخذ إلا فناءك موئلا فقد تنازع اسما الفاعل مغيث و مغن اسم الموصول منْ
ب / اسمي مفعول مثل قول الشاعر :
قَضَى كلُ ذي دَيْنٍ فَوَفَّى غريمَه *** وعزَّه ممطول مُعَنَّى غريمُها
فقد تنازع ممطول و مُعَنَّى نائب الفاعل غريمُها
جـ / اسمي تفضيل : مثل محمد أحفظ الناس و أجمعهم للعلم .
د / صفتين مشبهتين : مثل خالد حذر و كريم أبوه .
هـ / مصدرين : مثل عجبت من حبك و تقديرك محمداً
3 / فعل و اسم فعل مثل قوله تعالى { هاؤم اقرءوا كتابيه } – الحاقة آية 14 – فالتنازع هنا بين اسم الفعل { هاؤم ) و الفعل ( اقرءوا ) على ( كتابيه ) المفعول به .
أي العاملين أحق بالعمل :-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اتفق النحويون على جواز إعمال أحد المتنازعين في المعمول المتأخر فقد سُمع عن العرب إعمال كل منهما و إنما الخلاف بينهم في الأولى و الأحق بالعمل منهما :
رأي البصريين :
ذهب البصريون إلى أن العامل الثاني أولى بالعمل و ذلك لأمور منها :
1 / أنه أقرب إلى المعمول .
2 / أنه يلزم على إعمال الأول الفصل بين العامل و معموله بأجنبي من العامل بلا ضرورة و هو خلاف الأصل .
3 / أنه يلزم على إعمال الأول أن تعطف على الجملة الأولى قبل تمامها و العطف قبل تمام المعطوف عليه خلاف الأصل .
4 / أن إعمال الأول لا يكاد يوجد إلا في الشعر بخلاف إعمال الثاني فإنه كثير الاستعمال في النثر و الشعر مثل قوله تعالى { يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة } – النساء آية 176 – بإعمال الثاني و لو أعمل الأول لقال يفتيكم فيها في الكلالة .
رأي الكوفيين :
ذهب الكوفيون إلى أن الأول هو الأولى بالعمل و ذلك لأمور منها :
1 / أنه أقدم الطالبين و احتياجه إلى ذلك المطلوب أقدم من احتياج الثاني مستدلين بأنه عند اجتماع الشرط و القسم يُعطى الجواب للسابق منهما باتفاق العلماء مثل إن تقم و الله أكرمْك و والله إن تقم لأكرمنَّك .
2 / أنه لما كان مبدوءا به كان إعماله أولى لقوة الابتداء و العناية به.
3 / أنه يلزم على إعمال الثاني أن تضمر ضميرا في العامل الأول فيكون في الكلام الإضمار قبل الذكر و هو لا يجوز إلا شذوذا .
الرأي المختار :
و الرأي المختار هو رأي البصريين من أن الأولى و الأحق بالعمل هو العامل الثاني لأن ما حمل على التنازع من آيات القرآن جارية على إعمال الثاني .
و نرد على ما استدل به الكوفيون بما يلي :
قولهم العامل الاول هو أول الطالبين فلا حجة لأنه قد يجتمع عاملان و المعمول لمتأخر منهما مثل إن لم يقم محمد قام أخوه فعمل لم و لم تعمل إن لأنه لو أعملت لم يأت الجواب ماضيا لأنه الشرط مضارع فلا يكون الجواب ماضيا إلا في الشعر .
قولهم إن في إعمال الثاني إضمار قبل الذكر فإن الإضمار قبل الذكر وارد في كلام العرب لأن ما بعده يفسره .
قولهم أنه مبدوء به و العناية به أقوى نقول أن العرب تُعنى بالمقاربة و الجوار أكثر .
و الله أعلى و أعلم