البدر سيد السماء...والبحر سيد الأرض...لاشيء يجرح هيبة صمتهما إلا صوت قاربنا الصغير..وهو يتحرك مع أنفاس البحر النائم...يعلو ويهبط على صدره في خفر...ساكتا ً عن الكلام المباح...سامحا ً للأحلام والذكريات بالسباحة في مدى الأفق الفسيح......



قبل ساعتين فقط...كان هذا الأفق المهيب يتلون بحمرة وجه عذراء خجولة...تودع حبيبها في لوعة مكتومة....بكتنا بحرارة دمعها المالح وضمتنا إلى صدرها الرملي...ثم تسربت وغابت...مغيِّبة في قلبها الوطن...ارتعش القارب.....انتحب الرجال....أما المرأة التي وقفت وحيدة في القارب بين الرجال...فلم تبك..شدت صغيرها إلى حرارة صدرها....وبعثت بنظرات متلهفة إلى الشاطىء الذي طواه البحر...ثم أسلمت وجهها لنسيم بارد باغتها من الجهة الثانية.....



الليل أوراق جدران سوداء تغلف الفضاء...والقمر أصبح فجوة صغيرة في الظلمة...ينبثق منها النور....لتنازعه الغيوم....والمارد بدأ يصحو...بطنه يعلو ويهبط لاهثا ً....نخاف...نلتصق بأجساد بعضنا....يهدأ قليلا ً...أفرك عينيّ...أتذكر أني لم أنم منذ يومين....تعود لتدور في رأسي صورة ذلك الشاب الذي وجدوا جثته على الشاطىء...مغطاة بغطاء خفيف يستر أعضاءه التي افترستها الأسماك...وأشعر بالبرد..وأتساءل...من سيغطيني إذا وجدوا جثتي؟...وتأتي أمي...تنبثق كالأشعة الهاربة من القمر الذي فوق البحر...وبيدها غطاء صوفي حاكته بيديها...أراه فأشعر بالدفء يومض في عروقي...تغطيني وتمسح بيدها المُحِبة على وجهي وصدري...تشعل نار الموقد الخشبي ...يتلون وجهي بضوء النار....يتحول البيت إلى دار أشباح دافئة تتراقص...تضع أمي يدها على جبهتي وتقرأ القرآن...أحس بالأمان...أسقط بخفة في سكون الظلمة الآمنة......



ترتطم الأجساد...فأتنبّه....يتحول القارب إلى أرجوحة تهتز بلا انتظام...نرى الموج المتجهم يلاحقنا....حتى الهواء يتحفز غاضبا ً نحونا...ارتجف القارب...لكنه أكمل طريقه في إصرار سابحا ً في المدى المظلم الذي لاينتهي..........

النافذة مفتوحة...ستائرها الرقيقة البيضاء تتطاير بعذوبة مع هواء العصر...تداعب أطرافها وجهي...زقزق عصفور في الحديقة...سمعته وأنا أستلقي على فراشي...لكنه لا يتوقف...يد أمي تهزني بعنف....تصرخ مستجيرة...أفتح عيني...المرأة تتشبث بي...وصغيرها يبكي....يلفني الصوت...أصرخ معهم...ننزل ونطلع في لجة متدافعة...كأن يدا ً ألقتنا وسط صراع الماء ونسيتنا....لمع الموج كالبرق....وانهالت رشقاته علينا بشتاء ثقيل....عدت إلى أمي...وضعت رأسي على كتفها وهي تطبخ الحساء...تذوقته وقلت لها في استنكار:لماذا...ياأماه..أصبح طعامك مالحا ً هكذا؟؟تصمت أمي...وأظل أهتز في أرجوحتي حتى تتوقف....أفتح عينيّ..يفاجئني نور الفجر الجديد يخرج من روح الليل المزمجر...يبتسم الناس...تتنهد المرأة وتتحسس وجه الطفل الذي عاد ينام فوق ذراعيها....تشق الشمس طريقها بثبات...وترسل لنا طيفا ً من الدفء والحياة...فأتقبله شاكرا ً...وأعود لتلمس الحياة كطفلٍ وليد............

كلماتك البناءة تعني لي الكثير...شكري العميق لمرورك الكريم...

_______________________]

عزيزتي آمال....أرجوان أنال شرف كتابة القصة يوماً ونقل مايعتمل في النفس على الورق بأحسن صورة وأسأل الله تعالى أن يوفقني لذلك فالطريق طويل ولكن تعليقاتكم ومروركم تقصره وتبعث فيه روحاً تتوثب للمحاولة الجديدة....وإنه والله لشرف لي أن أقرأ تعليقات زملائي المبدعين في المنتدى على ما أكتب فينشرح صدري لمرورهم ونقدهم وكلماتهم.....بارك الله فيك عزيزتي وشكري العميق لما خطت يدك......

بالتوفيق [b]

أهلاً بالأخ عبد الله ومرحباً بك معنا والشكر الجزيل على مرورك الكريم...

الشكر الجزيل اخ علي لمرورك وتعليقاتك الرائعة

الجميلة هدى
تنويعة جديدة فى سيمفونية الغربة والموت التى تبرعين فى عزفها بتدفق وشاعرية أخاذة ، واستخدام نموذجى لتكنيك تيار الوعى ، بالقفز عبر الزمان والمكان من حالة شعوريه الى حالة شعورية نقيضة ، استدعاء الأشخاص ( الأم فى لحظات الخطر المحدق ) استدعاء الحركــــــة ( اهتزاز القارب / اهتزاز الأرجوحة ) استدعاء المــــذاق ( ملوحة ماء البحر / ملوحة طعام الأم ) ، استدعاء المخاوف ( صورة الشاب الذى وجدوا جثته على الشاطئ / من الذى سيغطينى إذا وجدوا جثتى ) ، استدعاء الحاجة (احتضان رفيقة القارب لطفلها لتدفئته وحمايته ) تجسيد للمعنوى (الإحساس بالأسر / اوراق الحائط السوداء التى تغطى الجدران والقمر الفجوة ) ، إحياء الطبيعة ( الأفق الذى يحــمر خجلا / المــوج المتجهم / الهــــــواء الغاضب ) 0000 ياهدى ، إن كنت هدى فعلا ، فلن تتدفق شاعريتك الحقيقية إلا إذا خرجت من خباء الرجل الذى تتخفين من وراءه فى كتابتك ، وانا اتساءل مثلك ( وأتساءل ... من سيغطيني إذا وجدوا جثتي؟... وتأتي أمي ) من الذى يهمه أكثر ان يغطى جسده ، الرجل أم المرأة ؟ ومن منهما يستدعى أمه لحظة الخــطر ؟ لقد افلــــت منك شعورك الفـــطرى برغم اصــــرارك علــــى ان ( تشقالشمس طريقها بثبات...وترسل لنا طيفا ً من الدفء والحياة...فأتقبله شاكرا ...وأعود لتلمس الحياة كطفلٍ وليد ) 0

ارجو اعادة النظر فى عنوان القصة ، انه أولا يخالف الحالة الشعورية المنطقية عند مواجهة الخطر ، وهو ثانيا يضعف من تقنية تيار الوعى التى اعتمدتى عليها فى السرد ، وأخيرا اليك بعض عناويين الكتب التى تعوذنا جميعا وما عليك الا ان تضغطى بالمؤشر على تحميل الكتب فى منتداكم وتحمليها من قسم مصادر فى البلاغة والنقد والأسلوبية والكتب هى
1 ــ ترويض النص ، دراسة للتحليل النصىالنصى فى النقد المعاصر
2 تشريح النص
3 تأصيل النص ، المنهج البنيوى لدى لوسيان جولدمان
4 القصة الرواية المؤلف ، دراسات فى نظرية الأنواع الأدبية المعصرة
5 تحليل الخطاب الأدبى فى ضوء المناهج النقدية المعاصرة
6 دراسات فى تعدى النص

حرمني حجم الخط من قراءة الكلمات الأخيرة من كل سطر ...ولكنني
استطعت إدراك المعنى ........قصك شيق أستاذة هدى ، ووصفك ينقل الصورة بأمانة إلى القاريء ...


شكراً لأنك أمتعتنا


تحياتي

عزيزتي..الشكر الجزيل لك ولكل من قرأ وعلق ونقد..فالتواصل والارتقاء للأفضل هدف النشر...سعيدة بمرورك وأنتظر جديد إبداعك معنا...

قصة رائعة، أسلوب أروع، قدرة هائلة على التمثل والتصوير، وهذا شيء يتلج الصدر ويعيد الامل إلى الكتابة القصصية ويجعلنا نتفاءل ونستبشر خيرا بالناشئة. دمت بخير ومزيدا من التألق